فصل ; آراء أهل الفرق في المتحاربين في حرب الجمل :

آراء الحشوية :

الخلاف الذي حكيناه عن السلف بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الفتنة المذكورة قد تشعب و زاد على ما أثبتناه عمن سميناه في الخلاف فقالت العامة الحشوية المنتسبة إلى السنة على ما زعموا في ذلك أقاويل مشهورة و ذهبوا مذاهب ظهرت عنهم مذكورة.

[54]

رأي سعد بن أبي وقاص و أتباعه :

فمنهم طائفة اتبعت رأي سعد بن أبي وقاص و شركائه من المعتزلة عن الفريقين و مذهبهم في إنكار القتال و حكموا بالخطإ على أمير المؤمنين و الحسن و الحسين (عليهما السلام) و محمد بن علي و عبد الله بن عباس و خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين و أبي أيوب الأنصاري و أبي الهيثم بن التيهان و عمار بن ياسر و قيس بن سعد بن عباده و أمثالهم من وجوه المهاجرين و نقباء الأنصار و عائشة و طلحة و الزبير و جميع من اتبعهم في الحرب و استحل معهم القتال و شهدوا عليهم جميعا فيما صنعوه بالزلل عن الصواب و وقفوا فيهم مع ذلك و لم يقطعوا لهم بعقاب و رجوا لهم الرحمة و الغفران و كان الرجاء لهم في ذلك أقوى عندهم من الخوف عليهم من العقاب.

رأي فرقة أخرى منهم:

و منهم طائفة أخرى قالت بتخطئة الجميع كما قال الأولون منهم في ذلك و قطعوا على أن أمير المؤمنين و الحسن و الحسين (عليهما السلام) و ابن عباس و عمار بن ياسر

[55]

و خزيمة ذا الشهادتين و إن كانوا قد زلوا في سفك الدماء في القتال فإنه مغفور لهم ذلك لما قدموا من عظيم طاعتهم لله تعالى و جهادهم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و صحبتهم له و مواساتهم إياه ; و كذلك قولهم في عائشة و طلحة و الزبير و من شاركهم في القتال ممن له صحبة و سالف جهاد , و أما من سوى الصحابة من الفريقين فهم بقتالهم و استحلالهم الدماء من أهل النار ; و حكوا عن بعض مشيختهم و أئمتهم في الدين إنه كان يقول نجا القادة و هلك الأتباع , و فرقوا بين الصحابي و غيره في ذلك .

بحديث رووه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه قال لبعض المسلمين ممن أدركه و لم تكن له صحبة و قد سامى رجلا من الصحابة إياكم و أصحابي لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدى أحدهم و لا نصفه .

رأي فرقة مستضعفة :

و منهم فرقة أخرى قالت لا ينبغي لأحد أن يخوض في ذكر الصحابة و ما جرى

[56]

بينهم من تنازع و اختلاف و تباين و قتال و لا يتعرض بالنظر في ذلك و لا الفكر فيه و يعرض عنه جانبا و إن استطاع أن لا يسمع شيئا من الأخبار الواردة به فليفعل فإنه إن خالف هذه الوصاة و أصغى إلى الخبر باختلاف الصحابة أو تكلم بحرف واحد أو تسرع إلى الحكم عليهم بشي‏ء يشين المسلم فقد أبدع في الدين و خالف الشرع و عدل عن قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم يحذر مما حذره منه .

بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إياكم و ما شجر بين أصحابي .

و قد زعموا أن الرواية بذكر أصحاب السقيفة و مقتل عثمان و الجمل و صفين بدعة و التصنيف في ذلك ضلال و الاستماع إلى شي‏ء منه يكسب الآثام و هذه فرقة مستضعفة من الحشوية يميل إلى قولها جمع كثير ممن شاهدناه من العامة و يدعو إليه المتظاهرون بالورع و الزهد و الصمت و طلب السلامة و حفظ اللسان و هم بذلك بعداء عن العلم و أهله جهال أغمار.

رأي فرقة تدعي المعرفة بالفقه :

و قالت فرقة من العامة تختص بمذاهب الحشوية غير أنها تتعاطى النظر و تدعي المعرفة بالفقه و تزعم أنها من أهل الاعتبار إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) و من كان في حيزه من المهاجرين و الأنصار و سائر الناس و عائشة و طلحة

[57]

و الزبير و أتباعهم جميعا معا كانوا على صواب فيما انتهوا إليه من التباين و الاختلاف و الحرب و القتال و سفك الدماء و ضرب الرقاب فإن فرضهم الذي تعين عليهم من طريق الاجتهاد هو ذلك بعينه دون ما سواه لم يخرجوا بشي‏ء منه عن طاعة الله و لا دخلوا به في شي‏ء منه إلى معصيته و أنهم كانوا على الهدى و الصواب و لو قصروا عنه مع الاجتهاد المؤدي إليه لضلوا عن الحق و خالفوا السبيل و الرشاد و زعموا أنهم كانوا جميعا مع الحال التي انتهوا إليها من سفك الدماء و قتل النفوس و الخروج عن الأموال و الديار على أتم مصافاة و مودة و موالاة و مخالصة في الضمائر و النيات و استدلوا على ذلك و زعموا بأن قالوا وجدنا كل فريق من الفريقين متعلقا بحجة تعذره فيما أتاه و توجب عليه العمل بما صنعه و ذلك أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان مذهبه تحريم قتل الجماعة بالواحد و إن اشتركوا في قتله معا و هو مذهب مشهور من مذاهب أصحاب الاجتهاد و لم يثبت عنده أيضا أن المعروفين بقتل عثمان تولوه على ما ادعي عليهم من ذلك فلم يسعه تسليم القوم إلى من التمسهم منه ليقتلوهم بعثمان و وجب عليه باجتهاده الدفاع عنهم بكل حال.

[58]

و كان مذهب عائشة و طلحة و الزبير قود الجماعة بالواحد من الناس و هو مذهب عمر بن الخطاب و غيره من الصحابة و جماعة من التابعين و به دان جماعة من الفقهاء و أصحاب الاجتهاد و ثبت عندهم أن الجماعة ليقتلون بالرجل الواحد و أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يسلمهم ليقتلوهم بعثمان و أن الناس قد تولوا قتله و اشتركوا في دمه و كان إماما عندهم مرضيا قتل بغير حق فلم يسعهم ترك المطالبة بدمه و الاستقادة من قاتله و بذل الجهد في ذلك.

و اختلف الفريقان في ذلك لما ذكروه من الاجتهاد و عمل كل فريق منهم على رأيه و كان بذلك مأجورا و عند الله تعالى مشكورا و إن كانوا قد سفكوا فيه الدماء و بذلوا فيه الأموال و هذا مذهب جماعة قد شاهدتهم و كلمتهم و هم في وقتنا هذا خلق كثير و جم غفير.

فممن كلمتهم فيه من مشيخة أصحاب المخلوق المعروف بأبي بكر التمار الملقب بدرزان و كان في وقته شيخ أصحاب عبد الله بن سعيد بن كلاب و أكبرهم سنا و أكثرهم تقدما في مجالس الكلام.

و منهم محارب الصيداني المكنى بأبي العلاء خليفة أبي السائب في القضاء و منهم المعروف بالرشفي.

[59]

و منهم المكنى بأبي عبد الله المعروف بابن مجاهد البصري الأشعري صاحب الباهلي تلميذ علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري.

و منهم المعروف بأبي بكر بن الطيب و المعروف بابن الباقلاني.

و منهم أبو العباس بن أبي الحسين بن أبي عمرو القاضي.

و جميع من سميت ممن جاريته في هذا الباب من أصحاب المخلوق بعضهم كلابية و بعضهم أشعرية و إليه يذهب في وقتنا هذا جمهور أصحاب الشافعي ببغداد و البصرة و خوزستان و بلاد فارس و خراسان و غيرها من الأمصار لا أعرف شافعيا له ذكر في قومه إلا و هو يذهب إلى هذا المذهب ليبعد به عن قول الشيعة و أهل الاعتزال .

[60]

آراء المعتزلة :

رأي واصل بن عطاء و عمرو بن عبيد : و اختلف في ذلك المعتزلة أيضا كاختلاف الحشوية فقال إماماهم المقدمان و شيخاهم المعظمان اللذان هما أصلان للاعتزال و افتتحا للمعتقدين فيه الكلام و هما فخر الجماعة منهم و جمالهم الذين لا يعدلون به سواه واصل بن عطاء الغزال و عمرو بن عبيد بن باب المكاري إن أحد الفريقين ضال في البصرة مضل فاسق خارج من الإيمان و الإسلام ملعون مستحق الخلود في النار و الفريق الآخر هاد مهدي مصيب مستحق للثواب و الخلود في الجنات غير أنهم زعموا أنه لا دليل على

[61]

تعيين الفريق الضال و لا برهان على المهتدي و لا بينة يتوصل بها إلى تمييز أحدهما من الآخر في ذلك بحال من الأحوال و أنه لا يجوز أن يكون علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين (عليهما السلام) و محمد بن علي (عليه السلام) و عبد الله و قثم و الفضل و عبيد الله بنو العباس و عبد الله بن جعفر الطيار و عمار بن ياسر و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين و أبو أيوب الأنصاري و أبو الهيثم بن التيهان و كافة شيعة علي (عليه السلام) و أتباعه من المهاجرين و الأنصار و أهل بدر و بيعة الرضوان و أهل الدين المتحيزين إليه و المتحققين بسمة الإسلام هم الفريق الضال و الفاسق الباغي الخارج عن الإيمان و الإسلام و العدو لله و البري‏ء من دينه و الملعون المستحق للخلود في النار و تكون عائشة و طلحة و الزبير و الحكم بن أبي العاص و مروان ابنه و عبد الله بن أبي سرح و الوليد بن عقبة و عبد الله بن عامر بن كريز بن عبد شمس و من كان في حيزهم من أهل البصرة هم الفريق المهدي الموفق إلى الله المصيب في حربه المستحق للإعظام و الإجلال و الخلود في الجنان قالا جميعا نعم ما ننكر ذلك و لا نؤمن به إذ لا دليل يمنع من الحكم به على ما ذكرناه بحال و كما أن قولنا ذلك في علي (عليه السلام) و أصحابه فكذلك هو في من حاربهم فإنا لسنا ننكر أنهم و أتباعهم على السوء و لسنا ننكر أن يكونوا هم الفريق الضال الملعون العدو لله البري‏ء من دينه المستحق للخلود في النار و أن يكون علي (عليه السلام) و أصحابه هم الفريق الهادي المهتدي المتولي لله المجاهد في سبيله المستحق بقتاله عائشة و طلحة و الزبير و قتل

[62]

من قتل منهم الجنة و عظيم الثواب قالا و منزلة الفريقين كمنزلة المتلاعنين فيهما فاسق لا يعلمه على التمييز له و التعيين إلا الله عز و جل.

و هذه مقالة مشهورة عن هذين الرجلين قد سطرها الجاحظ عنهما في كتابه الموسوم بفضيلة المعتزلة و حكاها أصحاب المقالات عنهما و لم تختلف العلماء في المذاهب في صحتها عن الرجلين المذكورين و أنهما خرجا من الدنيا على التدين بها و الاعتقاد لها بلا ارتياب.

رأي أبي الهذيل العلاف :

و حكى أحمد بن يحيى أن أبا الهذيل العلاف كان على هذا المذهب في أمير المؤمنين (عليه السلام) و عائشة و طلحة و الزبير متبعا فيه إماميه المذكورين و لم يزل عليه إلى أن مات.

رأي أبي بكر الأصم :

و قال شيخ المعتزلة أيضا و متكلمها في الفقه و أحكام الشريعة على أصولها

[63]

الأصم , المكنى بأبي بكر , الملقب بخربان : أنا أقف في كل من الفريقين فلا أحكم له بهدى و لا ضلال و لا أقطع على أحدهما بشي‏ء من ذلك في التفصيل و لا الإجمال لكني أقول إن كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) قصد بحرب عائشة و طلحة و الزبير كف الفساد و منع الفتنة في الأرض و دفعهم عن التغلب على الإمرة و العدوان على العباد فإنه مصيب مأجور و إن كان أراد بذلك الجبرية و الاستبداد بالأمر بغير مشورة من العلماء و الإمرة على الناس بالقهر لهم على ذلك و الإضرار فهو ضال مضل من أهل النار قال و إنما قلت ذلك لخفاء الأمر علي فيه و استتار النيات في معناه و اشتباه أسباب الباطل فيه باستتار الحق عند العقلاء .

قال : و كذلك قولي في الفريق الآخر ; أقول إن عائشة و طلحة و الزبير إن كانوا قصدوا بقتالهم علي بن أبي طالب و أصحابه منعهم من الاستبداد بالأمر من دون رضا العلماء به و أرادوا الطلب بدم عثمان و الاقتصاص له من ظالميه برد الأمر شورى ليختار المسلمون من يرون فهم بذلك هداة أبرار مستحقون للثواب و إن كانوا أرادوا بذلك الدنيا و العصبية و الإفساد في الأمر و تولي الأمر بغير رضا العلماء فهم بذلك ضلال مستحقون اللعنة و الخلود في النار ; غير أنه لا دليل لي على أغراضهم فيه و لا حجة تظهر في معناه من أعمالهم فلذلك وقفت فيهم كما وقفت في علي و أصحابه كما بينت و إن كان طلحة و الزبير أحسن حالا من علي فيما أتاه.

[64]

رأي هشام الفوطي و عباد بن سليمان :

و قال هشام الفوطي و صاحبه عباد بن سليمان الصيمري و هذان الرجلان أيضا من أئمة المعتزلة إن عليا و طلحة و الزبير و عائشة في جماعة من أتباع الفريقين كانوا على حق و هدى و صواب و كان الباقون من أصحابهم على ضلال و بوار و ذلك أن عائشة و طلحة و الزبير إنما خرجوا إلى البصرة لينظروا في دم عثمان فيأخذوا بثأره من ظالميه و أرادوا بذلك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و طلبوا به وجه الله تعالى .

و خرج علي بن أبي طالب ليتفق معهم على الرأي و التدبير في مصالح الإسلام و أهله و كف السعي في الفتنة و منع العامة مما ليس إليهم بل هو إلى وجوه العلماء و ليقع التراضي بينهم على إنصاف و اجتهاد في طلب الحق و الاجتماع على الرأي .

فلما تراءى الجمعان تسرع غوغاؤهم إلى القتال فانتشب الحرب بينهم على غير اختيار من القادة و الرؤساء و خرج الأمر عن أيديهم في تلافي ذلك فكان من الإيقاع في الفتنة و سفك الدماء ما لم يؤثره علي و طلحة و الزبير و عائشة و وجوه أصحابهم من الفضلاء فهلك بذلك الأتباع و نجا الرؤساء.

[65]

و هذا يشبه ما قدمنا حكايته عن بعض العامة من وجه و يخالفه من وجه آخر تميز به الرجلان من الكافة و دفعا فيه علم الاضطرار و جحد المعروف بالعيان.

رأي سائر المعتزلة :

و قال باقي المعتزلة كبشر بن المعتمر و أبي موسى المردار و جعفر بن مبشر و الإسكافي و الخياط و الشحام و أبي مجالد و البلخي و الجبائي فيمن اتبعهم من أهل الاعتزال و جماعة الشيعة من الإمامية و الزيدية إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان

[66]

محقا في جميع حروبه مصيبا بقتال أهل البصرة و الشام و النهروان مأجورا على ذلك مؤديا فرض الله تعالى في الجهاد و إن كل من خرج عليه و حاربه في جميع المواطن ضلال عن الهدى مستحقون بحربه و الخلاف عليه النار غير أن من سميناه من المعتزلة خاصة استثنوا عائشة و طلحة و الزبير من الحكم باستحقاق العقاب و زعموا أنهم خرجوا من ذلك إلى استحقاق الثواب بالتوبة و الندم على ما فرط منهم في القتال فحكموا بضد الظاهر من الفعال المعلوم منهم و المقال و ضعفوا في دعواهم عما هو صناعتهم من الحجاج و أظنهم اتقوا به من العامة و تقربوا بإظهاره إلى أمراء الزمان إذ لا شبهة تعترض أمثالهم من العلماء بالأخبار و النظار المتميزين بالكلام من أهل التقليد في فساد هذا الاعتقاد.

و خالف من سميناه من المعتزلة في هذا الباب الأصم خاصة فإنه زعم أن معاوية كان إماما محقا لإجماع الأمة عليه فيما قال بعد قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) مع تظاهره بالشك منه في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) حسبما حكينا عنه فيما سلف قبل هذا المكان و كل من سمينا منهم سوى الأصم مع تصويبه أمير المؤمنين (عليه السلام) و تفسيق محاربيه يقطع على معاوية و عمرو بن العاص في خلافهما أمير المؤمنين (عليه السلام) و استحلالهما حربه بالنار و أنهما خرجا من الدنيا

[67]

على الفسق الموبق لصاحبه الموجب عليه دوام العقاب و أن جميع من مات على اعتقاد إمامة معاوية و تصويبه في قتال أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو عندهم ضال عن الهدى و خارج عن الإسلام مستحق للخلود في النار.

و قد وافق من سميناه من المعتزلة و كافة الشيعة الخوارج في تخطئة معاوية و عمرو بن العاص و تضليلهما في قتال أمير المؤمنين (عليه السلام) و جماعة من المرجئة و أصحاب الحديث من المجبرة غير أن هذين الفريقين وقفا في عذابهما و لم يقطعا

[68]

على دخولهما النار و رجوا لهما و لمحاربي أمير المؤمنين (عليه السلام) من أصحابهما و غيرهم ممن ظاهره الإسلام العفو من الله تعالى و قولهم في الخوارج كذلك مع حكمهم عليهم بالضلال .

[69]

رأي الخوارج :

و قالت الخوارج بأجمعها إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان مصيبا في قتال أهل البصرة و أهل الشام و أنهم كانوا بقتاله ضلالا كفارا مستحقين للخلود في عذاب النار و ادعوا مع ذلك أنه أخطأ بكفه عن قتال أهل الشام حين رفعوا المصاحف و احتالوا بذلك للكف عن قتالهم و شهدوا على أنفسهم بالإثم لوفاقهم في ذلك الرأي و كفهم عن قتال البغاة إلا أنهم زعموا لما ندموا على ذلك و تابوا منه و دعوا إلى القتال خرجوا من عهدة الضلال و رجعوا إلى ما كانوا عليه من الإسلام و الإيمان و أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما لم يجبهم إلى القتال و أقام على الموادعة لمعاوية و أهل الشام كان مرتدا بذلك عن الإسلام خارجا من الدين.

و شبهتهم في هذا الباب مضمحلة لا يلتبس فسادها على أهل الاعتبار و ذلك أن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما كف عن قتال القوم لخذلان أصحابه في الحال و تركهم النصرة له و كفهم عن القتال فاضطروه بذلك إلى الإجابة لما دعوه إليه من تحكيم الكتاب و لم يجز له قتالهم من بعد لمكان العهد لهم في مدة الهدنة التي اضطر إليها للفساد في نقض العهود و حظر ذلك في كل ملة و خاصة ملة الإسلام .

[70]

رأي الشيعة :

و أجمعت الشيعة على الحكم بكفر محاربي أمير المؤمنين (عليه السلام) و لكنهم لم يخرجوهم بذلك عن حكم ملة الإسلام إذ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملة و لم يكن كفر ردة عن الشرع مع إقامتهم على الجملة منه و إظهار الشهادتين و الاعتصام بذلك عن كفر الردة المخرج عن الإسلام و إن كانوا بكفرهم خارجين عن الإيمان مستحقين به اللعنة و الخلود في النار حسبما قدمناه .

و كل من قطع على ضلال محاربي أمير المؤمنين (عليه السلام) من المعتزلة فهو يحكم عليهم بالفسق و استحقاق الخلود في النار و لا يطلق عليهم الكفر و لا يحكم عليهم بالإكفار ; و الخوارج تكفر أهل البصرة و الشام و تخرجهم بكفرهم الذي اعتقدوه فيهم و وسموهم به عن ملة الإسلام ; و منهم من يسمهم بالشرك و يزيد على حكمه فيهم بالإكفار .

[71]

فهذه جمل القول فيما اختلف فيه أهل القبلة من أحكام الفتنة بالبصرة و المقتولين بها ممن ذكرناه و أحكام صفين و النهروان و قد تحريت القول فيها بالمحفوظ عن أرباب المذاهب المشهور عنهم عند العلماء و إن كان بعضها قد انقرض معتقدوه و حصل على فساد القول به الإجماع و بعضها له معتقد قبل و لم ينقرضوا إلى هذا الزمان و ليس على فساده إجماع و إن كان في بطلانه أدلة واضحة لمن تأملها من ذوي الألباب .

و أنا بمشيئة الله و عونه أذكر طرفا من الاحتجاج على كل فريق منهم خالف الحق و أثبت من الأخبار الواردة في صواب فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) و حقه في حروبه و أحكامه مختصرا يغني عن الإطالة بما ينتشر به الكلام و أشفع ذلك بما يتلوه و يتصل به من ذكر أسباب الفتنة بالبصرة على ما ضمنت من ذلك في أول الكتاب .

[73]

حرب الجمل