عصمة أمير المؤمنين (عليه السلام)

باب : القول على صواب فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه كلها :

و حقه في جميع أقواله و أفعاله و التوفيق المقرون بآرائه و بطلان مقال من خالف ذلك من خصمائه و أعدائه .

فمن ذلك وضوح الحجة على عصمته من الخطإ في الدين و الزلل فيه و العصمة له من ذلك يتوصل إليها بضربين :

أحدهما : الاعتبار .

و الآخر : الوثوق بما ورد من الأخبار.

فأما طريق الاعتبار الموصول إلى عصمته (عليه السلام) فهو : الدليل على إمامته و فرض طاعته على الأنام إذ الإمام لا بد من أن يكون معصوما كعصمة الأنبياء (عليهم السلام) بأدلة كثيرة قد أثبتناها في مواضع من كتبنا المعروفة في الإمامة و الأجوبة عن المسائل الخاصة في هذا الباب.

فمن ذلك : أن الأئمة قدوة في الدين و أن معنى الائتمام هو الاقتداء و قد ثبت أن

[74]

حقيقة الاقتداء هو الاتباع للمقتدى به فيما فعل و قال من حيث كان حجة فيه دون الاتباع لقيام الأدلة على صواب ما فعل و قال بسوى ذلك من الأشياء إذ لو كان الاقتداء هو الاتباع للمقتدى به من جهة حجة سواه على ذلك كان كل وفاق لذي نحلة في قول له أو فعل لا من جهة قوله و فعله بل لحجة سواه اقتداء به و ائتماما و ذلك باطل لوفاقنا الكفار من اليهود و النصارى و غيرهم من أهل الباطل و الضلال في بعض أقوالهم و أفعالهم من حيث قامت الأدلة على صواب ذلك فيهم لا من حيث ما رأوه و قالوه و فعلوه و ذلك باطل بلا ارتياب.

و من ذلك : أحد أسباب الحاجة إلى الأئمة هو جواز الغلط على الرعية و ارتفاع العصمة عنها ليكون من ورائها يسدد الغالط منها و يقومه عند الاعوجاج و ينبهه عند السهو منه و الإغفال و يتولى إقامة الحد عليه فيما جناه فلو لم تكن الأئمة المعصومون معصومين كما أثبتناه لشاركت الرعية فيما تحتاج إليه مما ذكرناه و كانت تحتاج إلى أئمة عليها و لا تستغني عن رعاة لها و ساسة تكون من ورائها و ذلك باطل بالإجماع على أن الأئمة أغنياء عن إمام.

و غير ما ذكرناه من الأدلة على عصمتها كثير و هو موجود في أماكنه من كتبنا على بيان للوجوه و استقصاء فإذا ثبتت عصمة الأئمة (عليه السلام) حسبما وصفناه و أجمعت الأمة على أنه لو كان بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إماما على الفور تجب طاعته على الأنام وجب القطع على أنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) دون غيره ممن ادعيت له الإمامة في تلك الحال للإجماع على أنه لم تكن لواحد ممن ذكروه العصمة التي أوجبناها بالنظر الصحيح لأئمة الإسلام و إجماع الشيعة

[75]

الإمامية على أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان مخصوصا بها من بين الأنام إذ لو لم يكن الأمر كذلك لخرج الحق عن إجماع أهل الصلاة و فسد ما في العقول من وجوب العصمة لأئمة المسلمين بما ذكرناه و إذا ثبت عصمة أمير المؤمنين (عليه السلام) من الخطإ و وجب مشاركته للرسول في معناه و مساواته فيها ثبت أنه كان مصيبا في كل ما فعل و قال و وجب القطع على خطإ مخالفيه و ضلالهم في حربه و استحقاقهم بذلك العقاب و هذا بين لمن تدبره و الله الموفق للصواب.

و من ذلك : ثبوت الحاجة إلى الإمامة باتفاق و فساد ثبوت الإمامة من جهة الشورى و الآراء فإذا ثبت ذلك وجب النص على الأئمة و في وجوبه تثبت إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ الأمر بين رجلين أحدهما يوجب الإمامة بالنص و يقطع على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) و من جهته دون ما سواها من الجهات ; و الآخر يمنع من ذلك و يجوزها بالرأي و إذا فسد هذا الفريق لفساد ما ذهبوا إليه من عقد الإمامة بالرأي و لم يصح خروج الحق عن أئمة الإسلام ثبت إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) .

و أما طريق الوثوق بالآثار , فمما يدل على إمامته (عليه السلام) من نص القرآن قوله تعالى اسمه إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ.

و هذا خطاب متوجه إلى جماعة جعل الله لهم أولياء أضيفوا إليهم بالذكر و الله وليهم و رسوله و من عبر عنه بأنه من الذين آمنوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و هم راكعون يعني حال ركوعهم بدلالة أنه لو أراد سبحانه بالخطاب جميع المكلفين

[76]

لكان هو المضاف و محال إضافة الشي‏ء إلى نفسه و إنما تصح إضافته إلى غيره و إذا لم تكن طائفة تختص بكونها أولياء لغيرها و ليس لذلك الغير مثل ما اختصت به في الولاء و تفرد من جملتهم من عناه الله بالإيمان و الزكاة في حال ركوعه لم يبق إلا ما ذهبت إليه الشيعة من ولاية علي أمير المؤمنين (عليه السلام) على الأمة من حيث الإمامة له عليها و فرض الطاعة و لم يكن أحد يدعى له الزكاة في حال ركوعه إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد ثبتت إمامته بذلك الترتيب الذي رتبناه و في ثبوت إمامته ثبوت ما قدمناه فصح أنه مصيب في جميع أقواله و أفعاله و تخطئة مخالفيه حسبما شرحناه .

دليل آخر : و من الخبر ما أجمع عليه أهل القبلة و لم يتنازع في صحة الخبر به من أهل العلم بالرواية و الآثار اثنان .

و هو قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنت مني بمنزله هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .

[77]

فأوجب له بذلك منه جميع ما كان لهارون من موسى في المنازل إلا ما استثناه من النبوة و في ذلك أن الله تعالى قد فرض طاعته على أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كما كان فرض طاعة هارون على أمة موسى و جعله إماما لهم كما كان هارون إماما لقوم موسى و أن هذه المنزلة واجبة له بعد مضي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما كانت تجب لهارون لو بقي بعد أخيه موسى و لم يجز خروجه عنها بحال و في ذلك ثبوت إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) .

و الإمامة تدل على عصمة صاحبها كما بيناه فيما سلف و وصفناه ; و العصمة تقضي فيمن وجبت له بالصواب في الأقوال و الأفعال على ما أثبتناه فيما تقدم من الكلام و في ذلك بيان عن صواب أمير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه كلها و أفعاله بأجمعها و أقواله بأسرها و خطإ مخالفيه و ضلالهم عن هداه و قد أشبعنا الماضي من كلامنا في ذلك بيانا له و المنة لله.

و في هذه الأدلة لأهل الخلاف من المعتزلة و الحشوية و الخوارج أسئلة قد أجبنا عنها في مواضعها من غير هذا الكتاب و أسقطنا شبهاتهم بدليل البرهان و لم نوردها هاهنا لغنانا عن ذلك بثبوتها فيما سواه و إنما اقتصرنا على ذكر هذه الأدلة و وجوهها و عدلنا عن إيراد ما في معناها و المتفرع عليه لإثبات رسم الحجاج في صواب أمير المؤمنين (عليه السلام) و فساد مذهب الناكثين فيه و الإيماء إلى أصول ذلك ليقف عليه من نظر في كتابنا هذا و يعلم العمدة بما فيه و يستوفي معانيه فإن أحب ذلك يجده في مواضعه المختصة به لنا و لغيرنا من متكلمي عصابة الحق و لأن الغرض من هذا الكتاب ما لا يفتقر إلى هذه الأدلة من براهين إصابة أمير المؤمنين (عليه السلام) في

[78]

حروبه و خطإ مخالفيه و محاربيه فإنا سنذكره فيما يلي هذا الفصل من الكلام و نوضح الحجة فيه على أصول مخالفينا أيضا في طريق الإمامة و ثبوتها عندهم من جهة الآراء و إنكارهم ما نذهب إليه من قصور طريقها على النص و التوفيق كما قدمناه و بيناه من الغرض فيه و وصفناه .

[79]

حرب الجمل