فصل ; في نكث البيعة من قبل طلحة و الزبير :
فأما ظاهر سبب الفتنة بالبصرة فهو ما أحدثه طلحة و الزبير من نكث البيعة التي بذلاها لأمير المؤمنين (عليه السلام) طوعا و اختيارا و إيثارا و خروجهما من المدينة إلى مكة على إظهار منهما لابتغاء العمرة فلما وصلاها اجتمعا على عائشة و عمال عثمان الهاربين بأموال المسلمين إلى مكة طمعا فيما احتجنوه منها و خوفا من أمير المؤمنين (عليه السلام) و اتفاق رأيهم على الطلب بدم عثمان و التعلق عليه في ذلك بانحياز قتلة عثمان و حاصريه و خاذليه من المهاجرين و الأنصار و أهل مصر و العراق إلى علي (عليه السلام) و كونهم جندا له و أنصارا و اختصاصهم به في حربهم منه و مظاهرته لهم بالجميل و قوله فيهم الحسن من الكلام و ترك إنكار ما صنعوه بعثمان و الإعراض عنهم في ذلك و المصير معهم في جنده إلى ما ذكرناه و شبهوا بذلك على الضعفاء و اغتروا به السفهاء و أوهموهم في ذلك بظلم عثمان و البراءة من شيء يستحق به
[136]
ما صنع به القوم من إحصاره و خلعه و المنازعة إلى دمه فأجاب إلى مرادهم من الفتنة من استغووه بما وصفناه و قصدوا البصرة لعلمهم أن جمهور أهلها من شيعة عثمان و أصحاب عامله و ابن عمه الذي كان بها و هو عبد الله بن عامر بن كريز فكان ذلك منهم ظاهرا و باطنه بخلافه كما تدل عليه الأخبار و يوضح عن صحة الحكم به الاعتبار ألا ترى أن طلحة و الزبير و عائشة بإجماع العلماء بالسير و الآثار هم الذين أوكدوا خلع عثمان و حصره و قتله و أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يزل يدفعهم عن ذلك و يلطف في منعهم عنه و يبذل الجهد في إصلاح حاله مع المنكرين عليه العائبين له بأفعاله المحتجين عليه بإحداثه فمن أنكر ما ذكرناه أو شك في شيء مما وصفناه فهو بعيد من علم الأخبار ناء عن معرفة السير و الفتن و الآثار مكابر يحمل نفسه على جحد الاضطرار و هذا باب لا تحسن مكالمة الخصوم فيه إلا مع الإنصاف و الاطلاع على ما جاءت به الأخبار و مخالطة العلماء من أهل الاختبار و أما من لا معرفة له بالروايات أو منقطع عنها إلى صناعة الكلام أو عامي له غفلة أو مترف مشغول باللذات فلا وجه لمجاراته في هذا الباب و أمثاله مما طريقه السمع و الأخبار و سبيله ملاقاة الخاصة و العلماء و استفادة ما عندهم من علم على ما ذكرناه .
[137]
حرب الجمل