فصل ; في براءة أمير المؤمنين (عليه السلام) من التأليب على عثمان :

فهل تخفى على عاقل براءة أمير المؤمنين (عليه السلام) مما قرفه به ناكثو عهده من التأليب على عثمان و السعي في دمه مع ما رويناه من الحديث عمن سميناه أم هل يرتاب عاقل فيما فعله طلحة و الزبير فيما تولياه من حصر عثمان حتى آل ذلك إلى قتله و هما من بعده يقرفان عليا فيما تولياه و يدعيان لأنفسهما البراءة مما صنعاه و يجعلان شبهتهما في استحلال قتاله (عليه السلام) دعوى الباطل المعروف بهتانا ممن ادعاه و هذا يكشف أن الأمر فيما ادعياه و أظهراه من الطلب بدم عثمان كان بخلافه على ما بيناه.

و مما جاءت به الأخبار فيما تولاه طلحة و الزبير من عثمان ما رواه أبو إسحاق عن صلة بن زفر قال : رأيت طلحة و الزبير يرفلان في أدراعهما في قتل عثمان ثم جاءا من بعد إلى علي (عليه السلام) فبايعاه طائعين غير مكرهين ثم صنعا ما صنعا.

[143]

و روى أبو حذيفة القرشي عن الحصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن جاوان عن الأحنف بن قيس قال : قدمت المدينة و ساق حديثا طويلا من أمر عثمان إلى أن قال :

فلما لقحت الفتنة و الناس قد اجتمعوا على حصر عثمان و هو على خطر أتيت طلحة و الزبير فقلت لهما ما أرى هذا الرجل إلا مقتولا فمن تأمراني أن أبايع ترضيانه لي .

فقالا : عليا .

فخرجت حتى أتيت مكة و بها عائشة فدخلت عليها , فقلت : إني لأحسب هذا الرجل مقتولا فمن تأمريني أن أبايع ؟

فقالت : بايع عليا .

فقضيت حجتي , ثم مررت بالمدينة و قد قتل عثمان فبايعت عليا .

ثم عدت إلى البصرة , فإذا عائشة و طلحة و الزبير قد جاءونا يطلبون بدم عثمان و يأمروننا بقتال علي بن أبي طالب ; فطال عجبي من ذلك.

و روى أبو حذيفة عن رجاله : أنه لما اجتمع الناس على عثمان , انفذوا إليه : اخلع نفسك .

فقال : لا أخلع سربالا سربلنيه الله تعالى .

و كتب إلى معاوية يستدعيه بجنود الشام و إلى عبد الله بن عامر بن كريز يستدعيه بجنود البصرة ; و خرج عثمان حتى صعد المنبر .

فلما بدأ بالخطبة , قام إليه رجل من الأنصار , فقال له : أقم كتاب الله يا عثمان .

فقال : هو لك .

ثم أعادها ثانية .

فقال : هو لك .

فأعادها ثالثة .

فتقنع و جلس .

فقام ناس من الأنصار فخلصوه .

و حصب عثمان بالحصى حتى سقط مغشيا عليه , فحملته بنو أمية حتى أدخلوه الدار .

و جاء علي (عليه السلام) يسأل عن خبره و حاله , فثارت بنو أمية إليه بصوت واحد : يا علي كدرت علينا العيش و عملت بنا العمل ; و الله لئن بلغت الذي تريد لنخبثن عليك الدنيا .

فخرج علي مغضبا .

فقال القوم للعباس بن الزبرقان بن زيد ; و كانت أخته تحت الحارث بن الحكم أخي

[144]

مروان بن الحكم :اتبع الرجل فقل له ; ما لك و لابن عمك ؟

فاتبعه , فقال له ذلك .

فقال (عليه السلام) و هو مغضب فعل الله و فعل يجني ما يجني و أسأل عن أمره و أتهم مع ذلك أما و الله لو لا مكاني لاجتز الذي فيه عينا عثمان .

[145]

حرب الجمل