فصل ; في موقف عائشة من عثمان :

فأما أخبار تأليب عائشة على عثمان فهي أظهر مما وردت به الأخبار في تأليب طلحة و الزبير عليه فمن ذلك ما رواه محمد بن إسحاق صاحب السيرة عن مشايخه عن حكيم بن عبد الله قال : دخلت يوما بالمدينة المسجد فإذا كف مرتفعة و صاحب الكف يقول :

أيها الناس العهد قريب هاتان نعلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قميصه , كأني أرى ذلك القميص يلوح , و أن فيكم فرعون هذه الأمة , فإذا هي عائشة , و عثمان يقول لها : اسكتي .

ثم يقول للناس : إنها امرأة و عقلها عقل النساء , فلا تصغوا إلى قولها.

و روى الحسن بن سعد قال : رفعت عائشة ورقة من المصحف بين عودتين من

[148]

وراء حجلتها و عثمان قائم , ثم قالت : يا عثمان ; أقم ما في هذا الكتاب .

فقال : لتنتهن عما أنت عليه أو لأدخلن عليك جمر النار .

فقالت له عائشة : أما و الله لئن فعلت ذلك بنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلعنك الله و رسوله و هذا قميص رسول الله لم يتغير و قد غيرت سنته يا نعثل.

و روى ليت بن أبي سليم عن ثابت بن عجلان الأنصاري عن ابن أبي عامر مولى الأنصار قال : كنت في المسجد فمر عثمان فنادته عائشة : يا غدر , يا فجر , أخفرت أمانتك و ضيعت رعيتك و لو لا الصلوات الخمس لمشى إليك الرجال حتى يذبحوك ذبح الشاة .

فقال عثمان ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ.

و روى محمد بن إسحاق و المدائني و أبو حذيفة قال : لما عرفت عائشة أن الرجل مقتول تجهزت إلى مكة فجاءها مروان بن الحكم و سعيد بن العاص فقالا لها :

إنا لنظن أن الرجل مقتول و أنت قادرة على الدفع عنه فإن تقيمي يدفع الله بك عنه .

[149]

قالت : ما أنا بقاعدة و قد قدمت ركابي و غررت غرائري و أوجبت الحج على نفسي .

فخرج من عندها مروان بن الحكم و هو يقول :

و حرق قيس على البلاد *** حتى إذا اضطرمت أجذما

فسمعته عائشة فقالت ; أيها المتمثل هلم قد سمعت ما تقول : أ تراني في شك من صاحبك و الله لوددت أنه في غرارة من غرائري حتى إذا مررت بالبحر قذفته فيه .

فقال مروان : قد و الله تبنيت , قد و الله تبنيت .

قال : و سارت عائشة , فاستقبلها ابن عباس بمنزل يقال له الصلعاء و ابن عباس يريد المدينة ; فقالت له : يا ابن عباس إنك قد أوتيت عقلا و بيانا فإياك أن ترد الناس عن قتل هذا الطاغية.

و هذه أيضا جمله من كثير ورد بها أخبار في تأليب عائشة على عثمان و السعي في دمه اقتصرنا عليها كراهة الإملال بالتطويل و فيها أوضح دليل على أن ما تظاهرته من بعد بالطلب بدمه و المباينة لأمير المؤمنين (عليه السلام) و جمع الجموع لحربه و الاجتهاد في نقض عهده و أمره و سفك دمه لم يكن الباطن فيه كالظاهر بل كان لغير ذلك فيما اشتهر عند المعتبرين لأعمال القوم قديما و حديثا و أغراضهم في الأفعال

[150]

و ما فيه من صريح القول عنهم في عداوته (عليه السلام) فليتأمل أولو الأبصار فيما رويناه و ليمعن النظر أهل الاعتبار فيما حكيناه يجد الأمر فيه على ما وصفناه و الله المستعان .

[151]

حرب الجمل