فصل ; في ندم طلحة و الزبير على البيعة :

قد قدمنا من القول فيما كان عمل عليه طلحة و الزبير في خلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) و المباينة له و التحيز عنه و هما لما كرها ولايته و أنكرا إمرته و لم يؤثرا من الناس بيعته لما كانا عليه من الطمع في الولاية للأمر دونه و التأمر على الناس بذلك ففاتهما منه ما أملاه و ندما على إفراطهما فيما صنعاه مع التسخير لهما من الله تعالى في بذل بيعتهما له (عليه السلام) طوعا و اختيارا سنح لهما الاعتلال في تسويغ خلافهما له بدعوى إكراهه لهما على البيعة فتعلقا بذلك و جعلاه حجة لهما في خلافه و ظنا به تمام الشبهة التي قصداها بغمر الأمر على الجهال فلما وضح لهما تهافت ما اعتمداه في ذلك بظهور اختيارهما لبيعته و إيثارهما لتقدمه عليهما و الرضا بإمامته و اشتهر ذلك عند الكافة من الخاصة و العامة و علما أنه لا حجة لهما في دفع الظاهر بدعوى الباطن و أنه لو تم لهما التلبيس بدعوى الكراهية الباطنية لم تتم لهما حجة لأنه لا يسع لأحد كراهة بيعة المحق و لا يسوغ لأحد خلاف المهاجرين و الأنصار في الرضا بما يجتمعون عليه من الرضا بإمامة المرتضى في ظاهر الحال فكيف بمن يرضى برضا الله عنه في الظاهر و الباطن على كل حال و لأنهما لم يجدا شبهة يتعلقان بها في كراهة إمامة أمير المؤمنين

[152]

(عليه السلام) مع جمعه للفضل و تقدم الإيمان و الذب عن الإسلام و الجهاد في الدين و البلاء الحسن مع الرسول و العلم الظاهر الذي لا يختلف في فضله اثنان من العلماء مع الزهد في الدنيا و الورع عن محارم الله و حسن التدبير و صواب الرأي و الرحم الماسة منه برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما كان فيه من الأمور الدالة على استحقاقه التقدم على كافة الأنام من الأمة فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يول عليه واليا قط و لا أنفذه في سرية إلا و هو أميرها و سيدها و رئيسها و قائدها و عظيمها و أنه لم يفسد أحد على عهد النبي أمرا فندبه إليه إلا قوى في تلافي فارطه و كان الأمر إذا أعضل في شي‏ء ناطه به فأنجزه و كفى به و أغناه و فزع إليه من بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) من تقدمه في مقامه عند معضل الأمور فاستعلموا منه ما كان خافيا عليهم من أحكام الملة و صواب التدبير في مصالح الأمة فعلم طلحة و الزبير أن التعلق في خلافه بكراهة البيعة له شبهة داحضة لا تثبت بها حجة عند أحد من الفضلاء و العلماء و أنه لو ثبت ما ادعياه من إكراههما على البيعة لكان أسوء لحالهما عند الأمة و لكان له (عليه السلام) في حكم الشريعة ذلك إذ للإمام القهر على طاعته و الإكراه على الإجابة إلى ما يلزم الأمة من كف الفتنة و شمول المصلحة فلما علم الرجلان ذلك و وضح لهما ما ذكرناه في معانيه و لم يكونا ممن يخيل عليهما فساد الدعوى لما ادعياه و قصورهما به عن غرضهما فيه عدلا إلى التظاهر بطلب دم عثمان و زعما أن الذي كان منهما قد تابا عنه و ادعيا أن التوبة لا تصح أن تتم لهما إلا ببذل الجهد في طلب قاتليه و الاقتصاص من ظالميه و اشتبه الأمر بما سارا إليه مما ذكرناه عنهما على المستضعفين و استغويا به كثيرا من العامة البعداء عن فقه الدين .

[153]

حرب الجمل