لحاق عائشة بالناكثين و عصيانها أمر الله :

و سلكت عائشة في خلافها لأمير المؤمنين (عليه السلام) مسلكهما في ذلك فتظاهرت به من الطلب بدم عثمان و الاقتصاص من قاتله و معلوم في شريعة المسلمين أن ذلك ليس لهما و لا إليهما و أنهما فيما تكلفاه منه على شبهة باطلة عند الناظرين لأنهما لم يكونا أولياء لدم عثمان و لا بينه و بينهما نسب يسوغهما للتخاصم في دمه و لا إلى النساء أيضا الدخول في شي‏ء من ذلك على وجه من الوجوه إذ ليس عليهن جهاد و لا لهن أمر و لا نهي في البلاد و العباد لا سيما مع ما خص الله به أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحكم المضاد لما صنعته هذه المرأة و تبينت بالخلاف فيه للدين و قص الله تعالى في محكم التنزيل حيث يقول جل اسمه يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ و فرض عليهن سبحانه التحصن و التجلبب و لا يتعرفن إلى أحد ففعلت هذه بضد ذلك من التبرج و هتك الحجاب و إطراح الجلباب و إظهار الصورة و إبداء الشخص و التهتك بين العامة فيما لا عذر لها فيه مع ما ارتكبته من قتال ولي الله الذي فرض عليها إعظامه و إجلاله و وجب عليها طاعته و حرم عليها معصيته و سفكت فيما صنعت دماء المؤمنين و أثارت الفتنة التي شانت بها المسلمين و أنى يواطئ ذلك ما أمرها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) به .

[154]

في الحديث المشهور فقد قيل : دخل ابن أم مكتوم و هو أعمى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لها قبل دخوله ادخلي الخباء يا عائشة فاستتري به من هذا الرجل .

فقالت , يا رسول الله : إنه أعمى و لن يراني .

فقال لها : إن لم يراك فإنك ترينه .

و قال الله سبحانه فيما أدب به أصحاب نبيه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَ اللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً.

فبين الله عز اسمه أن خطاب المؤمنين من أصحابه لأزواج نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) يسوءه و يؤذيه و أن الانبساط لهن يشق عليه و يؤلمه و صانهن لصيانته و حراسته .

فنهى أن يؤنس بإحداهن أو يسألن متاعا إلا من وراء حجاب .

و نهى عن التلبث في بيته بعد نيل الحاجة من طعامه و غير ذلك لئلا يطول مقامهم فيه فتأنس أزواجه بهم أو يأنسون بكلامهن .

فكيف يكون هذا يوافق لما فعلته المرأة من مخالطتها للقوم و مسافرتها معهم و إطالة النجوى لهم و كونها بمحل من لا يحتشم في خطاب و كلام و أمر و نهي و يؤنس بها في كل حال و تصير بذلك كأمير العسكر و قائد الجيش الذي لا يتمكن من الاستخفاء عن أصحابه بحال ; إن هذا لعجيب عند من

[155]

فكر فيه و الحكم بالعصيان به لله عز و جل و الإطراح لأمره و الاستخفاف بنواهيه غير مشكل على كل ذي عقل و من اشتبه عليه ضلالها فهو ممن يعد من الأموات هذا مع قول الله عز و جل يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى .

و معلوم عند كل ذي لب عرف الشرع و دان بالإسلام أن أزواج عثمان و بناته و بنات عمه من بني أمية الذين هن أمس رحما به من عائشة لو تكلفن ما تكلفته لكن عاصيات خارجات عن شرف الإسلام ; فما ظنك بالبعيدة نسبا النائية عنه عقلا و مذهبا المقرفة قتله الساعية في دمه الداعية إلى خلعه المانعة عن تصرفه و ما الذي أحدثه بعد إنكارها عليه مما يوجب رجوعها عما كانت عليه معتقدة ؟ و هل تراه أحدث عملا صالحا بعد قتله ؟ أو أحياه الله لها فسألها نصرته أم أوحى الله إليها من باطن أمره ما كان مستورا عنها ؟

كلا لكن الأمر فيما قصدته من حرب أمير المؤمنين (عليه السلام) و تظاهرت عليه به من عداوته كان أظهر و أشهر من أن تخفيه بالعلل و الأباطيل و قد اجتمع أهل النقل عنها على ما ذكرناه في باطن الأمر و أوضحناه عنه في وجوه الحجاج و بيناه .

[157]

حرب الجمل