فصل ; في بغض عائشة لأمير المؤمنين (عليه السلام) :

فمن ذلك ما رواه كافة العلماء عنها أنها كانت تقول : لم يزل بيني و بين علي من التباعد ما يكون بين الأحماء .

و قالت في خبرها عن قصة الذين رموها بصفوان بن المعطل و ما كان منها في غزوة بني المصطلق و هجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لها و إعراضه عنها و استشارته في أمرها أسامة بن زيد قالت : و كان عبدا صالحا مأمومنا .

و ذكر له قذف القوم بصفوان , فقال له أسامة : لا تظن يا رسول الله إلا خيرا , فإن المرأة مأمونة , و صفوان عبد صالح .

ثم استشار عليا (عليه السلام) فقال له يا رسول الله صلى الله عليك : النساء كثيرة و سل بريرة خادمتها و ابحث عن خبرها منها .

[158]

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : فتول أنت يا علي تقريرها .

فقطع لها علي (عليه السلام) عسبا من النخل و خلا بها يسألها عني و يتهددها و يرهبها ; لا جرم أني لا أحب عليا أبدا.

فهذا تصريح منها ببغضها له و مقتها إياه و لم يكن ذلك منه (عليه السلام) إلا النصيحة لله و لرسوله و اجتهاده في الرأي و نصحه و امتثاله لأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و مسارعته إلى طاعته.

و من ذلك : ما رواه كافة العلماء من حديث عكرمة و ابن عباس و أن عكرمة خبره : عن حديث حدثته عائشة في مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي توفي فيه حتى انتهت من ذلك إلى قولها : فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متوكئا على رجلين من أهل بيته أحدهما الفضل بن العباس .

فقال عبد الله بن العباس لعكرمة : فلم تسم لك الآخر .

قال : لا و الله ما سمته .

فقال : أ تدري من هو ؟

قال : لا .

قال : ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ; و ما كانت و الله أمنا تذكره بخير و هي تستطيع.

[159]

و الرواية المشهورة عن ابن عباس حين أنفذه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى عائشة و هي بالبصرة نازلة في قصر ابن خلف يأمرها بالرحيل إلى وطنها و الرجوع إلى بيتها و الحديث مشهور قد ثبت في كتب الجمل و غيرها أن ابن عباس قال لها : إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يأمرك أن ترتحلي إلى بيتك .

فقالت : رحم الله أمير المؤمنين و إن تربدت له وجوه و رغمت له معاطس.

هذا مع الأخبار التي لا ريب فيها و لا مرية في صحتها لاتفاق الرواة عليها أنها لما قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) جاء الناعي فنعاه لأهل المدينة فلما سمعت عائشة بنعيه استبشرت و تمثلت بقول الشاعر :

فإن يك ناعيا فلقد نعاه *** بناع ليس في فيه التراب

فقالت لها زينب بنت أبي سلمة : أ لعلي تقولين هذا ؟

فتضاحكت ثم قالت : انسى فإذا نسيت فذكروني ; ثم خرت ساجدة شكرا على ما بلغها من قتله و رفعت رأسها و هي تقول :

فألقت عصاها و استقر بها النوى *** كما قر عينا بالإياب المسافر

هذا و قد روي عن مسروق أنه قال : دخلت عليها فاستدعت غلاما باسم

[160]

عبد الرحمن فسألتها عنه .

فقالت : عبدي .

فقلت : كيف سميته بعبد الرحمن

قالت : حبا لعبد الرحمن بن ملجم قاتل علي.

و الخبر المشهور أنه لما بعث إليها أمير المؤمنين (عليه السلام) بالبصرة أن ارتحلي عن هذه البلدة .

قالت : لا أريم مكاني هذا .

فقال لها : أم و الله لترتحلن أو لأنفذن إليك نسوة من بكر بن وائل يأخذنك بشقاق حداد .

فقالت لرسوله : أنا أرتحل فبالله أحلف ما كان مكان أبغض إلي من مكان يكون هو فيه .

و أمثال هذا مما لو أثبتناه لطال به الكتاب .

[161]

حرب الجمل