فصل ; الآراء في أحداث عثمان :

اعلم علمك الله الخير و جعلك من أهله و وفقك لما يرضاه أني لم أجد أحدا حقق القول في آراء المنكرين على عثمان و ما أنكروه من الأحداث و لا صواب مذاهبهم في ذلك و خطأها و أكثر من قال منهم قولا فهو يسنده إلى ظن تضعف أمارته أو إلى عقد يسبق له في ذلك و كان قوله فيه بحسبه و القوم عندي في ذلك كانوا على مذاهب شتى و آراء متباينة و أغراض متنافية.

فطائفة منهم تعلقوا عليه بأحداث لم ينكروا مثلها من غيره طمعا فيه و استعفاء لما له و قصدا إلى تقلد الأمر من بعده و نيل الرئاسة بخلعه و قتله فمن هذه الطائفة من قدمنا ذكره في حصر عثمان و تولى ذلك بنفسه و أعوانه و تغلب على بيت المال في حياته و جعل لأقفال أبوابه مفاتيح في يديه فاجتهد في سفك دمه بمنعه الماء و سعيه في إتلافه بذلك فلما تم الأمر في قتل الرجل تطاول منهم من تطاول للأمر فظن أنه

[198]

مطاع مختار متابع فبطل بانصراف الناس إلى غيره باختيارهم سواه ظنه فلما فاته ما كان أمله و رجاه بالسعي الذي سعاه و انقاد لبيعة الإمام إما طمعا أو خوفا تعقب الرأي فنكث البيعة و خرج عن العهدة و فارق الإسلام و نصب له الحرب حتى آل أمره في ذلك إلى ما آل.

و طائفة منهم أرغمها عثمان بمنعه لها المراد منه و ردها عن طلباتها و أبطل رسومها فحقدت عليه لذلك و سعت في خلعه و سفك دمه و ظنت أن الأمر يصير من بعده إلى من تتمكن من قياده و يجيبها إلى ملتمسها بها منه فلما تم ما سعت فيه فات القوم الذي رجت لهم ما رجت من الأمر و رجعت عن رأيها إلى نقيضه و أظهرت الندم على ما فرط منها فيه و تحيزت إلى الفرقة الأولى و صارت معها ألبا على الإمام القائم مجتهدة في إزالة الأمر عنه و مصيرة إلى من ترجوه معينا لها و مطيعا لأمرها و سامعا لقولها فلقيت الجميع الخيبة مما رجت و كانت عاقبة أمرها خسرا.

و طائفة انتقضت عادتها بعثمان و الإكرام لها و الإعظام ممن تقدمه فصارت بذلك كارهة لأمره و ساعية في خلعه.

و طائفة كان المتقدمون يقلدونهم الأعمال فاستبدل عثمان منهم سواهم من الناس و حرمهم ما كانوا يصلون إليه من بيت المال فسعوا من ذلك في خلعه و عاونوا من أجله على قتله.

[199]

و طائفة استشنعت أحداثا كانت منه و اعتقدت فيه الضلال بذلك و قصدت في خلعه قصد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فربما كان منهم غالط فيما استشنعه و ربما كان منهم مصيب فيه غير أن الغرض كان منهم فيما صنعوه قصدا لنصرة الدين و الإسلام و هذه الطائفة هي التي كانت الأصل في الإنكار عليه و بفعلها تسببت الأسباب في خلعه و قتله.

و طائفة منهم كانت تعتقد الحق في أصل الإمامة و طريقها و ترى أن السالك سبيل عثمان في نيل الأمر مشاركا فيما أنكروه منه و لم يكن الذي حملهم على معونة حاصريه و قاتليه ممن عددناه بشي‏ء من أغراضهم على ما شرحناه و فصلناه بل كان غرضهم في ذلك بما لو تم لهم فيما صنعوه فيمن تقدم لسارعوا إليه لكن لم يتفق لهم في المتقدم و اتفق لهم في المتأخر.

فأما خاذلوه فجمهورهم تنقسم أغراضهم في ذلك إلى أغراض من سميناه من خذله أو الشك في حاله و أحوال حاصريه و قاتليه فلذلك لم يجوزوا المعونة لهم عليه و لا تفردوا بالنصرة له منهم .

[200]

حرب الجمل