فصل ; رأي الجاحظ في أمير المؤمنين (عليه السلام) :

قد زعم الجاحظ أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان ممنوا بعد قتل عثمان بمحن عظيمة و ذلك أن جميع من نصب له الحرب و جعل الحجة عليه فيه دعواه عليه قتل عثمان .

قال : و ظاهر الحال كانت توهم ذلك عليه لأنه كان مباينا له في أحوال و أوقات و هاجرا له في أزمان و أيام و كان المنكرون على عثمان من أهل مصر و العراق يلجئون إليه في السفارة بينهم و بين عثمان و كان فيهم مسموع القول مطاعا معظما مأمونا ; ثم قعد عن نصرته و تقلد الأمر من بعده و استنصر على محاربيه بقتلته فلم يشك القوم في أنه قاتله .

قال : و واحدة من هذه الخصال تريب فكيف بجميعها .

ثم قال : و قد علم الناس أنه قد يكون في هذا المصر الذي يتولاه أميرا و وزيرا و عاملا من يؤهل لمثل عمله و يصلح لمثل رتبته و يمد عنقه إلى مثل ولايته و لا يتفق له مراده

[205]

من ذلك و يقصده الناظر بما يمنعه من صرفه و التدبير في عزله فيلزم بيته و يقصر مراعاته خوفا من سعيه في عزله و تولي مقامه فيموت حتف أنفه فلا يشك الناس أنه دس إليه من قتله أو ما قتله به و لو قتل ذلك الإنسان ذو عز تعرض لضره أو لطلب ماله لقطعوا أن أمير البلدة واطأه على ذلك و دبر الأمر فيه عليه و قد يحبس السلطان بعض الرعية لشي‏ء يجده في نفسه عليه فيموت في الحبس حتف أنفه فيحلف خلق من الناس بالله أنه تقدم بخنقه و لا يشك الجمهور أنه واطأ على دمه و لو أقسم السلطان بالله أقساما أكدها على البراءة من دمه لجعلوا ذلك شبهة فيما ادعوه عليه من قتله .

ثم قال هذا الرجل أعني الجاحظ : إن أقوال أمير المؤمنين في عثمان إنما اختلفت و تناقضت بزعمه لأنه كان محتاجا إلى التبرئ من دمه لكف أهل البصرة و الشام عنه بذلك و كان محتاجا إلى إضافة دم عثمان إليه لاستصلاح رعيته و ارتباطهم به لنصرته.

[206]

و ليس الأمر كما ادعاه الجاحظ و لا القصة فيه كما توهمها و إنما حمل الجاحظ حال أمير المؤمنين (عليه السلام) في ما زعمه على أحوال أهل الدنيا و من لا دين له و لا يقين و لا تقوى و من يصنع ما يصنع و يقول ما يقول لعمارة الدنيا و لا يبالي بعاقبة ذلك في الآخرة ; بل كانت أفعال أمير المؤمنين (عليه السلام) و أقواله التي أثبتناها فيما تقدم على الأغراض التي أنبأنا عنها و أوضحنا عن اتفاقها و وفاقها للدين و النظر في مصالح المسلمين و من تأمل ما ذكرناه و فكر فيه بقلب سليم وجده على ما وصفناه .

[207]

حرب الجمل