فصل ; رأي العثمانية في قتلة عثمان :
و قد زعمت العثمانية أن الذي يدل على مشاركة علي (عليه السلام) قتله عثمان في دمه أشياء قد ثبتت في الأخبار و تظاهرت بها الآثار.
منها : أنه تولى الصلاة بالناس يوم النحر و عثمان محصور و لم يستأذنه في ذلك و تغلب عليه فيه .
و هذا مما جعله الشافعي حجة في جواز صحة صلاة المتغلب بالناس يوم الجمعة و العيدين و رد به على أهل العراق في إنكارهم ذلك و قولهم لا تصح الصلاة في الجمعة و العيدين خلف المتغلب فحكى الربيع و المزني جميعا عن الشافعي أنه قال في هذه المسألة لا بأس بصلاة الجمعة و العيدين خلف الآمر و المأمور فقد صلى علي (عليه السلام) بالناس و عثمان محصور.
و قد روى أبو حذيفة القرشي عن محمد بن إسحاق و غيره : أن قوما صاروا إلى عثمان و هو محصور فقالوا أ ما ترى إلى هؤلاء الذين يصلون بالقوم في يوم الجمعة و أنت على هذه الحالة لم تأمرهم بذلك و قد كان طلحة بن عبيد الله صلى بهم يوم الجمعة في حصاره فحكوا عن عثمان أنه قال إذا أحسنوا فاتبعوهم و إن أساءوا
[208]
فاجتنبوهم الصلاة حسنة فصلوا إذا صلوا .
فزعمت العثمانية أن عليا كان متهما بدم عثمان لصلاته بالناس يوم النحر من غير إذنه و ادعى الشافعي أنه كان متغلبا بذلك و لم يتعلق أحد لقرف طلحة بدم عثمان لصلاته بالناس يوم الجمعة و عثمان محصور و لا نسبوه إلى التغلب بذلك و برءوه من دمه و هو الذي تولى حصره حتى قتله و كانت شبهتهم في براءة طلحة خلافه لأمير المؤمنين (عليه السلام) و التمويه في حربه بالتظاهر لطلب دم عثمان و عقول هؤلاء القوم عقول ضعيفة و أحلامهم أحلام سخيفة فلذلك ينقادون من الشبهة إلى ما ذكرناه.
و مما تعلق القوم به أيضا في قرف أمير المؤمنين (عليه السلام) بدم عثمان بعد الذي ذكرناه و عددناه مقامه بالمدينة منذ حصر و قول أسامة بن زيد مشيرا عليه بالخروج عنها على ما رواه أبو حذيفة القرشي عن رجاله قال : قال أسامة بن زيد لعلي لأنت و الله يا أبا الحسن أعز علي من سمعي و بصري فأطعني و اخرج إلى أرضك ينبع فإن قتل عثمان و أنت شاهد طالبك أناس من الناس بدمه و إن قتل و أنت لم تشهد لم تعدل بك الناس أحدا .
فقال ابن عباس لأسامة : يا أبا محمد أ تطلب أثرا بعد عين ; أ بعد ثلاثة من قريش.
و روى يوسف بن دينار عن عبد الملك بن عمير اللخمي عن ابن أبي ليلى قال : سألني عبد الملك بن مروان حين قدم الكوفة عن قتل عثمان فأخبرته فقال أين كان
[209]
علي يومئذ فقلت بالمقاعد يأمر فيطاع و ينهى فيطاع و لقد رأيته عند أحجار الزيت محتبيا بسيفه و المنادي ينادي آمن الله الناس كلهم إلا الشقي نعثلا فقال عبد الملك هل سمعت عليا يقول شيئا فقلت لا.
و روى النخعي عن علقمة بن قيس قال : أرسلت أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى علي و هو قاعد في المسجد أن أمن لي خاصتي و من في الدار من أهلي فقال الناس كلهم آمنون إلا الشقي ابن أبي العاص.
و روى أيضا خالد الحذاء عن رجل من بني شيبان قال : رأيت عليا يوم قتل عثمان يخطب الناس على المنبر و عليه السلاح.
فجعلت العثمانية هذه الأشياء شبهة لهم فيما قرفت به أمير المؤمنين (عليه السلام) من دم عثمان و احتجت أيضا في ذلك بما صنعه أمير المؤمنين (عليه السلام) عند قتل عثمان من أخذ نجائبه و أدراعه و أوردوا في ذلك قول الوليد بن عقبة يخاطب بني هاشم و يعاتبهم عند قتل عثمان إذ يقول :
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم *** و لا تنهبوه لا تحل مناهبه
بني هاشم كيف الهوادة بيننا *** و عند علي درعه و نجائبه
بني هاشم كيف التودد بيننا *** و بز بن أروى فيكم و حرائبه
[210]
بني هاشم أنى و ما كان منكم *** كصدع الصفا لا يشعب الصدع شاعبه
هم قتلوه كي يكونوا مكانه *** كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
فإن لم تكونوا قاتليه فإنه *** سواء عليه مسلموه و ضاربه
و احتجوا أيضا بقول حسان بن ثابت الأنصاري في قتل عثمان :
ضحوا بأشمط عنوان السجود به *** يقطع الليل تسبيحا و قرآنا
يا ليت شعري و ليت الطير تخبرني *** ما كان بين علي و ابن عفانا
[211]
لتسمعن وشيكا في ديارهم *** الله أكبر يا ثارات عثمانا
و قوله أيضا :
من عذيري من الزبير و من *** طلحة هاجا أمرا له إعصار
ثم قالا للناس دونكم العلج *** فشبت وسط المدينة نار
و اصطلاها محمد بن أبي *** بكر جهارا و خلفه عمار
و علي في بيته يسأل الناس *** رويدا و عنده الأخبار
باسط الكفين يريد ذراعيه *** عليه سكينة و وقار
خذلته الأنصار إذ حضر الموت *** و كانت ثقاته الأنصار
و كذاك اليهود ضلت عن الدين *** بما زينت لها الأحبار
و أمثال ما ذكرناه و الجواب عن جميعه سهل قريب و المنة لله تعالى .
[212]
حرب الجمل