فصل ; في الدفاع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) :

فأما الجواب عما تعلقوا به من قرف أمير المؤمنين (عليه السلام) بدم عثمان من حيث تولي الصلاة بالناس يوم النحر و عثمان محصور فهو مبني على مذهبين :

أحدهما : مذهب الشيعة القائلين بالنص على أمير المؤمنين (عليه السلام) القاطعين على إمامته بلا فصل و هو أنه إذا كان الإمام مفترض الطاعة فله أن يتولى كل ما يمكن من توليته مما تقتضيه إمامته و الإمامة تقتضي إمامة المسلمين في الصلاة و التقدم عليهم في الجهاد و إقامة الحدود و الأحكام و ليس متى تولى الإمام شيئا مما له توليته عند الإمكان دل ذلك على أنه ساع في دم إنسان و لا أنه مريد لقتله على حال.

و الجواب على المذهب الآخر : و هو القول بالاختيار أن الإمام إذا غير و بدل و أحدث ما ينفسخ به عقده فلأفاضل الناس أن يتولوا أمر الصلاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلا أن يعقد لإمام من بعده على مذهب القوم الذين رأوا إقامة الإمام

[213]

بالاختيار ففي خلع عثمان بأحداثه قد زال فرض طاعته بذلك و كان لأفاضل الناس أن يقدموا في الصلاة من يرون إلى أن يتم الأمر في العقد لمن يستحق ذلك و لو كان هناك من يعتقد أن إمامة عثمان لم تزل بأحداثه إلا أنه ممنوع من الصلاة بالناس لكان للأفاضل أن يتولوا الصلاة نيابة عنه في تلك الحال فعلى كلا المذهبين اللذين ذكرناهما لا يجب بصلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم النحر بالناس و عثمان محصور أن يقضى عليه بأنه كان مريدا لقتله فضلا أن يكون مشاركا فيه.

و قد روى الخصم عن عثمان : أنه لما أذن بصلاة طلحة في الناس و استؤذن بالصلاة معه قال لهم إذا أحسنوا فاتبعوهم و إذا أساءوا فاجتنبوهم فحكم لصلاتهم بالحسن و إن كان محصورا لم يأذن فيها لهم و لم يولهم ذلك إلا أنه أباحه و وصف المصلين بأنهم في ذلك محسنون فأين تعلق المخالف على أمير المؤمنين (عليه السلام) في قتل عثمان بصلاته بالناس و هو محصور لو لا أنه تعنت بذلك و عدل عن طريق الإنصاف .

[214]

الجواب عن قعود أمير المؤمنين (عليه السلام) :

و أما تعلقهم بقعود أمير المؤمنين (عليه السلام) في المدينة حتى قتل عثمان و تركه الخروج منها و مباعدة القوم فيما صنعوه و ما أشار إليه أسامة من الخروج و تحذيره في قعوده بمطالبة القوم له بدم عثمان فليس أيضا مما تثبت به الحجة على ما ادعوه من قبل أنه لا يمتنع أن يكون مقامه بالمدينة في تلك الحال لتدبير الدفاع عنه و لو كان خرج عنها لتعجل من قتل القوم له ما تأخر و لم يكن أيضا يؤمن من أن يتعدى القتل إلى غيره و تحدث فتنة لا يتلافى صلاحها فجلس (عليه السلام) لذلك و لم يجلس لمعونة على قتل عثمان بل لو خرج من المدينة في حال حصر القوم للرجل لكانت التهمة إليه في قتله أسرع مع ما ذكرناه من المحذور .

الجواب عن تعلق الخصم بكلام ابن عباس :

و أما تعلقهم بجواب ابن عباس لأسامة و قوله أ بعد ثلاثة من قريش تطلب أثرا بعد عين فليس أيضا فيه دليل على إيثار ابن عباس لأمير المؤمنين (عليه السلام) قتل الرجل و لا فيه حجة على أنهما شركا في ذلك من تولاه و إنما يدل على إيثار ابن عباس أن يكون الأمر فيهم بعد عثمان و لسنا ننكر أن يكون أمير المؤمنين (عليه السلام) كان مؤثرا للتمكين من

[215]

الأمر بعد عثمان ليقيم بذلك حدود الله و ينفذ به أحكامه و ينظر في مصالح المسلمين و من آثر ذلك من أهله فهو محمود و هذا يستمر على مذهب الشيعة الإمامية و الزيدية و الجارودية القائلين بالنص عليه و على مذهب أصحاب الاختيار معا.

فأما أصحاب النص فيقولون إنه كان الإمام المفترض الطاعة على الأنام و كان يجب عليه بذلك أن يجتهد بالتوصل إلى ما للأئمة إقامته و تولي ما لهم توليته و أن لا يفرط في ذلك و لا يهمله و إذا كان مقامه لما ذكرناه كان محمودا و لم يجز صرف الغرض فيه إلى ما ادعاه الخصوم من خلافه مع أنه لم ينكر أن يكون مقامه بالمدينة لدفاع ما كان يحذر من إقامة من لا يستحق الأمر بعد قتل عثمان فأقام لدفاعهم عن ذلك لوجوده بينهم و علمه برأي الناس في تقديمه على غيره و لو كان نائيا عن المدينة لغلب على الأمر من يعسر على الأمة صرفه عنه ممن لا يؤمن على الدين و هذا مستمر على أصول أصحاب الاختيار كما استمر على أصول أصحاب النص و ليس فيه دليل على ما تعلق به القوم من قرفه بقتل عثمان حسبما بيناه و شرحناه .

[216]

الجواب عن قبض النجائب و الأدراع :

و أما قبض أمير المؤمنين (عليه السلام) عند قتل عثمان النجائب و الأدراع التي قبضها مما كان منسوبا إلى عثمان و التعلق بشعر الوليد بن عقبة على ما أثبتناه عنه فيما سلف و سطرناه فليس أيضا بحجة لقارف أمير المؤمنين (عليه السلام) بقتل عثمان و ذلك أنه لو لم يقبض ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) لتسرع إلى قبضه و نهبه و تملكه من ليس له ذلك بحق من الرعية و احتاط بقبضه و إحرازه لأربابه و قد كان هو الإمام باتفاق الجمهور بعد عثمان و للإمام أن يحتاط لأموال المسلمين و تركات من قضى منهم ليصل إلى مستحقيه دون غيرهم و ليس إذا التمس الوليد بن عقبة ما لا يستحق فمنع منه كان ذلك لغلول المانع له بما التمسه و لا لتغلبه عليه و لا قول الوليد أيضا مسموع و لا شهادته مقبولة مع نزول القرآن بتفسيقه قال الله تعالى اسمه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ و قد روى أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة حين أنفذه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى قوم يقبض منهم الصدقات فعاد مدعيا عليهم أنهم منعوه من ذلك و خرجوا لحربه فأعد رسول الله جماعة لحربهم فورد واردهم بتكذيب الوليد و أنهم على الإسلام و الطاعة فأنزل الله سبحانه فيه ما أثبتناه.

[217]

و جاء في الحديث المشهور أن الوليد قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) في محاورة جرت بينه و بينه أنا أبسط منك لسانا و أحد سنانا .

فقال له (عليه السلام) : اسكت يا فاسق ; فأنزل الله تعالى في هذه القصة أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ .

و بعد ; فلو كانت الأدراع و النجائب التي قبضها أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد قتل عثمان ملكا له ; لكان أولاد عثمان و أزواجه أحق بها من الوليد و كان ارتباط أمير المؤمنين (عليه السلام) ليوصلها إلى ورثته أولى من تسليمها إلى الوليد و أمثاله من بني أمية الذين ليس لهم من تركة عثمان نصيب على حال ; فكيف و قد ذكر الناس في هذه الأدراع و النجائب أنها من الفي‏ء الذي يستحقه المسلمون , فغلب عليها عثمان و اصطفاها لنفسه .

فلما بايع الناس أمير المؤمنين (عليه السلام) انتزعها من موضعها ليجعلها في مستحقيها فما في ذلك من تهمة بقتله لو لا العمى و الخذلان .

الجواب عن شعر حسان :

و أما شعر حسان بن ثابت و ما تضمنه من التحريض على أمير المؤمنين (عليه السلام)

[218]

حيث يقول :

يا ليت شعري و ليت الطير تخبرني *** ما كان بين علي و ابن عفانا

لتسمعن وشيكا في ديارهم *** الله أكبر يا ثارات عثمانا

فهو لعمري قرف بدم عثمان فلم يكن حجة فتصغى إلى قوله و لا كان عدلا فتقبل شهادته و قد نص القرآن على رد شهادته فقال الله عز و جل وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.

و لا خلاف أن حسان كان ممن قذف عائشة و جلده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على قذفه و إذا كان القرآن حاظرا على المسلمين قبول شهادة الفاسقين فوجب رد شهادة حسان و أن لا تقبل منه على حال مع أنه لا خلاف بين أهل العراق ممن تفقه أن القاذف مردود الشهادة و إن تاب فعلى قول هذه الفرقة شهادة حسان مردودة على كل حال.

و أما من ذهب إلى أن القاذف تقبل شهادته عند التوبة فبينهم في ذلك اختلاف فمنهم من يقول إنه يشترط في توبته أن يقف في الموضع الذي قذف فيه فيكذب نفسه و يظهر التوبة من جرمه و لم يدع أحد أن حسان كذب نفسه ظاهرا و رجع عن قذفه مختارا فلا توبة له على قول هذا الفريق.

[219]

و أما الفريق الآخر فإنهم قبلوا شهادة القاذف بعد توبته و لم يشترطوا في توبته ما ذكرناه فليس معهم دليل على أنه تاب و الظاهر منه القذف الذي يستحق به التفسيق و رد الشهادة في دين الإسلام فلا تعلق في قول حسان في قرفه أمير المؤمنين (عليه السلام) بدم عثمان على حال على أن حسان مذموم مردود القول باتفاق أهل الإسلام و على كل مذهب لأهل القبلة و رأي و ذلك أنه قال في يوم الغدير بمحضر من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمير المؤمنين (عليه السلام) ما قال و شهد له بالإمامة و النص فيها عليه من الله تعالى فردته المعتزلة بذلك و أنكرته الحشوية و دفعته الخوارج و أكذبه جميع من سميناه و لم ينج فيه إلا على مذهب الشيعة الإمامية و الجارودية دون من سواهما من فرق الأمة على ما ذكرناه .

[220]

حرب الجمل