تحذير أم سلمة عائشة :

و بلغ أم سلمة اجتماع القوم و ما خاضوا فيه فبكت حتى اخضل خمارها ثم دعت بثيابها فلبستها و تخفرت و مشت إلى عائشة لتعظها و تصدها عن رأيها في مظاهرة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلاف و تقعد بها عن الخروج مع القوم .

فلما دخلت عليها , قالت : إنك سدة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أمته و حجابك مضروب على حرمته و قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه , و مكنك خفرتك فلا تضحيها , الله الله من وراء هذه الآية , قد علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكانك فلو أراد أن يعهد إليك لفعل بل نهاك عن الفرطة في البلاد , إن عمود الدين لا يقام بالنساء إن مال , و لا يرأب بهن إن صدع , حماديات النساء غض الأطراف و خف الأعطاف و قصر الوهازة و ضم الذيول ; ما كنت قائلة لو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عارضك ببعض الفلوات ناصة قلوصا من منهل إلى آخر ; قد هتكت صداقته و تركت حرمته و عهدته إن بعين الله مهواك و على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تردين ; و الله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم)

[237]

هاتكة حجابا قد ستره علي ; اجعلي حصنك بيتك و قاعة البيت قبرك حتى تلقينه و أنت على ذلك أطوع ما تكونين لله لزمته و أنصر ما تكونين للدين ما جلست عنه.

فقالت لها عائشة : ما أعرفني بوعظك , و أقبلني لنصحك و لنعم المسير مسير فزعت إليه , و أنا بين سائرة أو متأخرة , فإن أقعد فعن غير حرج و إن أسر فإلى ما لا بد من الازدياد منه.

فلما رأت أم سلمة أن عائشة لا تقلع عن الخروج عادت إلى مكانها و بعثت إلى رهط من المهاجرين و الأنصار فقالت لهم لقد قتل عثمان بحضرتكم و كانا هذان الرجلان تعني طلحة و الزبير يسعيان عليه كما رأيتم فلما قضى الله أمره بايعا عليا و قد خرجا الآن زعما أن يطلبا بدم عثمان و يريدان أن يخرجا حبيسة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد عهد إلى جميع نسائه عهدا واحدا أن يقرن في بيوتهن فإن كان مع عائشة عهد سوى ذلك تظهره و تخرجه إلينا نعرفه ; لا و الله ما بايعتم أيها القوم و غيركم عليا مخافة له و لا بايعتموه إلا على علم منكم بأنه خير هذه الأمة و أحقهم بهذا الأمر قديما و حديثا و الله ما أستطيع أزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلف

[238]

يوم قبض خيرا منه و لا أحق بهذا الأمر منه ; فاتقوا الله عباد الله فإنا نأمركم بتقوى الله و الاعتصام بحبله و الله ولينا و وليكم.

قال فتقاعد كثير عن طلحة و الزبير عند سماع هذا الخبر و القول من أم سلمة ثم أنفذت أم سلمة إلى عائشة فقالت لها : قد وعظتك فلم تتعظي و قد كنت أعرف رأيك في عثمان و أنه لو طلب منك شربة من ماء لمنعتيه ثم أنت اليوم تقولين إنه قتل مظلوما و تريدين أن تثيري لقتال أولى الناس بهذا الأمر قديما و حديثا ; فاتقي الله حق تقاته و لا تتعرضي لسخطه .

فأرسلت إليها : أما ما كنت تعرفنيه من رأي في عثمان فقد كان , و لا أجد مخرجا منه إلا الطلب بدمه , و أما علي فإني آمره برد هذا الأمر شورى بين الناس , فإن فعل , وإلا ضربت وجهه بالسيف حتى يقضي الله ما هو قاض .

فأنفذت إليها أم سلمة : أما أنا فغير واعظة لك من بعد و لا مكلمة لك جهدي و طاقتي , و الله إني لخائفة عليك البوار ثم النار , و الله ليخيبن ظنك و لينصرن الله ابن أبي طالب على من بغى عليه , و ستعرفين عاقبة ما أقول و السلام .

[239]

حرب الجمل