فصل ; استشارة أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه في جهاد الناكثين :

و لما اجتمع القوم على ما ذكرناه من شقاق أمير المؤمنين (عليه السلام) و التأهب للمسير إلى البصرة و اتصل الخبر إليه و جاءه كتاب بخبر القوم دعا ابن عباس و محمد بن أبي بكر و عمار بن ياسر و سهل بن حنيف و أخبرهم بالكتاب و بما عليه القوم من المسير .

فقال محمد بن أبي بكر : ما يريدون يا أمير المؤمنين ؟

فتبسم (عليه السلام) , و قال : يطلبون بدم عثمان .

فقال محمد : و الله ما قتل عثمان غيرهم .

ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام) أشيروا علي بما أسمع منكم القول فيه .

فقال عمار بن ياسر : الرأي المسير إلى الكوفة فإن أهلها لنا شيعة و قد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة .

و قال ابن عباس : الرأي عندي يا أمير المؤمنين أن تقدم رجلا إلى الكوفة فيبايعون لك و تكتب إلى الأشعري أن يبايع لك ثم بعده المسير حتى نلحق بالكوفة و تعاجل القوم قبل أن يدخلوا البصرة و تكتب إلى أم سلمة فتخرج معك فإنها لك قوة .

[240]

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : بل أسير بنفسي و من معي في اتباع الطريق وراء القوم فإن أدركتهم في الطريق أخذتهم و إن فاتوني كتبت إلى الكوفة و استمددت الجنود من الأمصار و سرت إليهم ; و أما أم سلمة فإني لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان إخراج عائشة .

فبينما هم في ذلك , إذ دخل عليهم أسامة بن زيد بن حارثة , و قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) : فداك أبي و أمي , لا تسر سيرا واحدا , و انطلق إلى ينبع , و خلف على المدينة رجلا و أقم بما لك فإن العرب لهم جولة ثم يصيرون إليك .

فقال له ابن عباس : إن هذا القول منك يا أسامة إن كان على غير غل في صدرك فقد أخطأت وجه الرأي فيه ليس هذا برأي بصير يكون و الله كهيئة الضبع في مغارتها .

فقال أسامة : فما الرأي ؟

قال : ما أشرت به أو ما رآه أمير المؤمنين لنفسه.

ثم نادى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الناس : تجهزوا للمسير فإن طلحة و الزبير قد نكثا البيعة و نقضا العهد و أخرجا عائشة من بيتها يريدان البصرة لإثارة الفتنة و سفك دماء أهل القبلة , ثم رفع يديه إلى السماء فقال : اللهم إن هذين الرجلين قد بغيا علي و نكثا عهدي و نقضا عقدي و شقاني بغير حق منهما كان في ذلك ; اللهم خذهما بظلمهما لي و أظفرني بهما و انصرني عليهما .

ثم خرج في سبعمائة رجل من المهاجرين و الأنصار و استخلف على المدينة تمام بن العباس و بعث قثم بن العباس إلى مكة .

و لما رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) التوجه إلى المسير طالبا للقوم , ركب جملا أحمر و قاد كميتا و سار .

و هو يقول :

[241]

سيروا أبابيل و حثوا السيرا *** كي نلحق التيمي و الزبيرا

إذ جلبا الشر و عافا الخيرا *** يا رب أدخلهم غدا سعيرا

و سار مجدا في السير حتى بلغ الربذة فوجد القوم قد فاتوا فنزل بها قليلا ثم توجه نحو البصرة و المهاجرون و الأنصار عن يمينه و شماله محدقون به مع من سمع بمسيرهم فأتبعهم حتى نزل بذي قار فأقام بها .

[242]

كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أبي موسى الأشعري :

ثم دعا هاشم بن عتبة المرقال و كتب معه كتابا إلى أبي موسى الأشعري و كان بالكوفة من قبل عثمان و أمره أن يوصل الكتاب إليه ليستنفر الناس منها إلى الجهاد معه و كان مضمون الكتاب .

بسم الله الرحمن الرحيم من علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد فإني أرسلت إليك هاشم بن عتبة لتشخص معه من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي و قتلوا شيعتي و أحدثوا في هذه الأمة الحدث العظيم فأشخص بالناس إلي معه حين يقدم الكتاب عليك و لا تحبسه فإني لم أقرك في المصر الذي أنت فيه إلا أن تكون من أعواني و أنصاري على هذا الأمر و السلام .

فقدم هاشم بالكتاب على أبي موسى الأشعري , فلما وقف عليه , دعا السائب بن مالك الأشعري فاقرأه الكتاب و قال له : ما ترى ؟

فقال السائب : اتبع ما كتب به إليك .

فأبى أبو موسى ذلك , و كسر الكتاب و محاه , و بعث إلى هاشم بن عتبة يخوفه و يتوعده بالسجن .

فقال السائب بن مالك : فأتيت هاشما فأخبرته بأمر أبي موسى.

فكتب هاشم إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) :

أما بعد يا أمير المؤمنين فإني

[243]

قدمت بكتابك على امرئ عاق شاق بعيد الرحم ظاهر الغل و الشقاق و قد بعثت إليك بهذا الكتاب مع المحل بن خليفة أخي طي‏ء و هو من شيعتك و أنصارك و عنده علم ما قبلنا فاسأله عما بدا لك و اكتب إلي برأيك أتبعه و السلام.

فلما قدم الكتاب إلى علي (عليه السلام) و قرأه دعا الحسن ابنه و عمار بن ياسر و قيس بن سعد فبعثهم إلى أبي موسى و كتب معهم :

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس .

أما بعد يا ابن الحائك و الله إني كنت لأرى أن بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك الله له أهلا و لا جعل لك فيه نصيبا سيمنعك من رد أمري و قد بعثت إليك الحسن و عمارا و قيسا فأخل لهم المصر و أهله و اعتزل عملنا مذءوما مدحورا فإن فعلت و إلا فإني أمرتهم أن ينابذوك على سواء إن الله لا يحب الخائنين فإن ظهروا عليك قطعوك إربا إربا و السلام على من شكر النعمة و رضي بالبيعة و عمل لله رجاء العاقبة .

[244]

كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أهل الكوفة :

فلما قدم الحسن (عليه السلام) و عمار و قيس الكوفة مستنفرين أهلها و كان معهم كتاب فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم ; من علي بن أبي طالب إلى أهل الكوفة .

أما بعد فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون أمره كالعيان لكم إن الناس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه و أقل عتابه و كان طلحة و الزبير أهون سيرهما فيه الوجيف و قد كان من عائشة فيه فلتة غضب فأتيح له قوم فقتلوه و بايعني الناس غير مستكرهين و لا مجبرين بل طائعين مخيرين و كان طلحة و الزبير أول من بايعني على ما بايعا عليه من كان قبلي ثم استأذناني في العمرة و لم يكونا يريدان العمرة فنكثا العهد و أذنا بالحرب و أخرجا عائشة من بيتها يتخذانها فتنة فسارا إلى البصرة اختيارا لأهلها و اخترت المسير إليكم و لعمري ما إياي تجيبون إنما تجيبون الله و رسوله و الله ما قاتلتهم و في نفسي منهم شك و قد بعثت إليكم ولدي الحسن و عمارا و قيسا مستنفرين بكم فكونوا عند ظني بكم .

[245]

خطبة الحسن (عليه السلام) :

و لما نزل الحسن (عليه السلام) و عمار و قيس الكوفة و معهم كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) قام فيهم الحسن (عليه السلام) فقال :

أيها الناس قد كان من أمير المؤمنين (عليه السلام) ما يكفيكم جملته و قد أتيناكم مستنفرين لكم لأنكم جبهة الأنصار و سنام العرب و قد نقض طلحة و الزبير بيعتهما و خرجا بعائشة و هي من النساء و ضعف رأيهن كما قال الله عز و جل الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ و ايم الله لئن لم تنصروه لينصرنه الله عز و جل بمن يتبعه من المهاجرين و الأنصار و سائر الناس فانصروا ربكم ينصركم .

[246]

خطبة عمار :

ثم قام عمار بن ياسر فقال :

يا أهل الكوفة إن كانت غابت عنكم أبداننا فقد انتهت إليكم أمورنا و أخبارنا إن قاتلي عثمان لا يعتذرون إلى الناس من قتله و قد جعلوا كتاب الله بينهم و بين محاجيهم فيه و قد كان طلحة و الزبير أول من طعنا عليه و أول من أمر بقتله و سعى في دمه فلما قتل بايعا أمير المؤمنين (عليه السلام) طوعا و اختيارا ثم نكثا على غير حدث كان منه و هذا ابن رسول الله قد عرفتم أنه أنفذه يستنفركم و قد اصطفاكم على المهاجرين و الأنصار .

خطبة قيس بن سعد :

ثم قام قيس بن سعد فقال :

أيها الناس إن هذا الأمر لو استقبلنا فيه الشورى لكان أمير المؤمنين (عليه السلام) أحق الناس به لمكانه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان قتال من أبى ذلك حلالا فكيف في الحجة على طلحة و الزبير و قد بايعاه طوعا ثم خلعاه حسدا و بغيا و قد جاءكم علي في المهاجرين و الأنصار ثم أنشأ يقول :

رضينا بقسم الله إذ كان قسمنا *** عليا و أبناء الرسول محمد

و قلنا لهم أهلا و سهلا و مرحبا *** بمد يدينا من هدى و تودد

[247]

فما للزبير الناقض العهد حرمة *** و لا لأخيه طلحة اليوم من يد

أتاكم سليل المصطفى و وصيه *** و أنتم بحمد الله عارضة الندى

‏فمن قائم يرجى بخيل إلى الوغى *** و ضم العوالي و الصفيح المهند

يسود من أدناه غير مدافع *** و إن كان ما تقضيه غير مسود

فإن يأت ما نهوى فذاك نريده *** و إن تخط ما نهوى فغير تعمد

خطبة أبي موسى الأشعري :

فلما فرغ القوم من كلامهم قام أبو موسى الأشعري فقال :

أيها الناس أطيعوني تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوي إليكم المظلوم و يأمن فيكم الخائف إنا أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلم بما سمعنا الفتنة إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت بينت و إن هذه الفتنة نافذة كداء البطن تجري بها الشمال و الجنوب و الصبا

[248]

و الدبور و تنكب أحيانا فلا يدرى من أين تأتي شيموا سيوفكم و قصروا رماحكم و قطعوا أوتاركم و الزموا البيوت خلوا قريشا إذا أبوا إلا الخروج من دار الهجرة و فراق أهل العلم بالإمرة ترتق فتقها و تشعب صدعها فإن فعلت فلنفسها و إن أبت فعليها جنت سمنها يريق في أديمها استنصحوني و لا تستغشوني يسلم لكم دينكم و دنياكم و يشقى بهذه الفتنة من جناها .

خطبة زيد بن صوحان :

فقام زيد بن صوحان رحمه الله و كانت يده قطعت يوم جلولاء و رفع يده ثم قال يا أبا موسى تريد أن ترد الفرات عن أدراجه إنه لا يرجع من حيث بدأ فإن قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد دع ويلك ما لست مدركة الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ .

ثم قال : أيها الناس سيروا إلى أمير المؤمنين

[249]

و أطيعوا ابن سيد المرسلين و انفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق و تظفروا بالرشد قد و الله نصحتكم فاتبعوا رأيي ترشدوا .

احتجاج عبد خير على أبي موسى الأشعري :

ثم قام عبد خير و قال لأبي موسى : خبرني يا أبا موسى هل كان هذان الرجلان بايعا علي بن أبي طالب فيما بلغك و عرفت ؟

قال : نعم .

قال : فهل جاء علي بحدث يحل عقدة بيعته حتى ترد بيعته كما ردت بيعة عثمان ؟

قال أبو موسى : لا أعلم .

قال له عبد خير : لا علمت و لا دريت , نحن تاركوك حتى تدري حينئذ ; خبرني يا أبا موسى : هل أحد خارج من هذه الفتنة التي تزعم أنها عمياء تحذر الناس منها ؟ أما تعلم أنها أربع فرق : علي بظهر الكوفة ; و طلحة و الزبير بالبصرة ; و معاوية بالشام ; و فرقة أخرى بالحجاز ; لا يجبى بها بر و لا يقام بها حد و لا يقاتل بها عدو , فأين القرآن من هذه الفتن ؟

فقال أبو موسى : الفرقة القاعدة عن القتال خير الناس .

فقال له عبد خير : غلب على علمك يا أبا موسى .

فقام رجل من بجيلة فقال :

و حاجك عبد خير يا ابن قيس *** فأنت اليوم كالشاة الربيض

[250]

فلا حقا أصبت و لا ضلالا *** فعدت هناك تهوي بالحضيض

‏أبا موسى نظرت برأي سوء *** تئول به إلى قلب مريض

‏و تهت فليس تفرق بين خمس *** و لا ست و لا سود و بيض‏

و تذكر فتنة شملت و فيها *** سقطت و أنت ترجف بالحريض

[251]

إرسال الأشتر إلى الكوفة :

قال و بلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) ما كان من أمر أبي موسى في تخذيل الناس عن نصرته فقام إليه مالك الأشتر رحمه الله تعالى فقال يا أمير المؤمنين إنك قد بعثت إلى الكوفة رجلا من العنت فما أراه حكم شيئا و هؤلاء أخلف من بعثت أن يستتب لك الناس على ما تحب و لست أدري ما يكون فإن رأيت جعلت فداك أن تبعثني في أثرهم فإن أهل الكوفة أحسن لي طاعة فإن قدمت عليهم رجوت أن لا يخالفني منهم أحد .

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : الحق بهم على اسم الله عز و جل .

فأقبل الأشتر حتى دخل الكوفة و قد اجتمع الناس بالمسجد الأعظم فأخذ لا يمر بقبيلة فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلا دعاهم و قال اتبعوني إلى القصر .

فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس , فاقتحم و أبو موسى قائم في المسجد الأعظم يخطب الناس و يثبطهم عن نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو يقول :

[252]

أيها الناس هذه فتنة عمياء صماء تطأ في خطامها النائم فيها خير من القاعد و القاعد فيها خير من القائم و القائم فيها خير من الماشي و الماشي خير من الساعي و الساعي خير من الراكب إنها فتنة نافذة كداء البطن أتتكم من قبل مأمنكم تدع الحليم فيها خيرا من أكابر البشر فإذا أدبرت أسفرت.

و عمار يخاطبه :

و الحسن (عليه السلام) يقول : اعتزل عملنا لا أم لك صاغرا و تنح عن منبرنا .

و أبو موسى يقول لعمار : هذه يدي بما :

سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم .

فقال له عمار : إنما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستكون فتنة أنت فيها يا أبا موسى قاعدا خير منك قائما ; و لم يقل ذلك لغيرك .

ثم قال له عمار : أرني يدك يا أبا موسى ؟

فأبرزها إليه .

فقبض عليها عمار و قال : غلب الله من غالبه و لعن من جاحده ثم ; قال عمار : أيها الناس إن أبا موسى أوتي علما ثم انتفض عنه كما ينتفض الديك إذا خرج من الماء.

[253]

ذهاب الأشتر إلى القصر :

فبينا هم كذلك إذ دخل المسجد غلمان أبي موسى ينادون : يا أبا موسى هذا الأشتر اخرج من المسجد .

و دخل عليه أصحاب الأشتر فقالوا له : اخرج ويلك أخرج الله نفسك , فو الله إنك لمن المنافقين .

فخرج أبو موسى و أنفذ إلى الأشتر أن أجلني هذه العشية .

قال : قد أجلتك و لا تبيتن في القصر هذه الليلة و اعتزل ناحية عنه .

و دخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى فأتبعهم الأشتر بمن أخرجهم من القصر , و قال لهم : إني أخرته ; فكف الناس عنه .

خطبة أخرى للحسن (عليه السلام) :

ثم صعد الحسن (عليه السلام) المنبر فحمد الله و أثنى عليه و ذكر جده فصلى عليه ثم قال :

أيها الناس إن عليا أمير المؤمنين باب هدى فمن دخله اهتدى و من خالفه تردى .

[254]

خطبة أخرى لعمار :

ثم نزل , فصعد عمار , فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال :

أيها الناس إنا لما خشينا على هذا الدين أن تتهدم جوانبه و يتعرى أديمه نظرنا لأنفسنا و لديننا فاخترنا عليا (عليه السلام) خليفة و رضينا به إماما فنعم الخليفة و نعم المؤدب مؤدب لا يؤدب و فقيه لا يعلم و صاحب بأس لا ينكر و ذو سابقة في الإسلام ليست لأحد من الناس غيره و قد خالفه قوم من أصحابه حاسدون له باغون عليه و قد توجهوا إلى البصرة اخرجوا إليهم رحمكم الله فإنكم لو شاهدتموهم و حاججتموهم تبين لكم أنهم ظالمون .

خطبة الأشتر :

ثم خرج الأشتر رحمه الله فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه , ثم قال :

أيها الناس أصغوا إلي بأسماعكم و افهموا قولي بقلوبكم إن الله عز و جل قد أنعم عليكم بالإسلام نعمة لا تقدرون قدرها و لا تؤدون شكرها كنتم أعداء يأكل قويكم ضعيفكم و ينتهب كثيركم قليلكم و تنتهك حرمات الله بينكم و السبيل

[255]

مخوف و الشرك عندكم كثير و الأرحام عندكم مقطوعة و كل أهل دين لكم قاهرون فمن الله عليكم بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فجمع شمل هذه الفرقة و ألف بينكم بعد العداوة و كثركم بعد أن كنتم قليلين ثم قبضه الله عز و جل إليه فحوى بعده رجلان ثم ولي علينا بعدهما رجل نبذ كتاب الله وراء ظهره و عمل في أحكام الله بهوى نفسه فسألناه أن يعتزل لنا نفسه فلم يفعل و أقام على أحداثه فاخترنا هلاكه على هلاك ديننا و دنيانا و لا يبعد الله إلا القوم الظالمين و قد جاءكم الله بأعظم الناس مكانا في الدين و أعظمهم حرمة و أصوبهم في الإسلام سهما ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أفقه الناس في الدين و أقرئهم لكتاب الله و أشجعهم عند اللقاء يوم البأس و قد استنفركم فما تنتظرون أ سعيدا أم الوليد الذي شرب الخمر و صلى بكم على سكر و هو سكران منها و استباح ما حرمه الله فيكم ; أي هذين تريدون ؟ قبح الله من له هذا الرأي , ألا فانفروا مع الحسن ابن بنت نبيكم و لا يتخلف رجل له قوة فو الله ما يدري رجل منكم ما يضره مما ينفعه ألا و إني لكم ناصح شفيق عليكم إن كنتم تعقلون أو تبصرون أصبحوا إن شاء الله غدا عادين مستعدين و هذا وجهي إلى ما هنالك بالوفاء .

خطبة حجر بن عدي :

ثم قام حجر بن عدي الكندي رحمه الله فقال :

أيها الناس هذا الحسن بن

[256]

علي بن أبي طالب و هو من عرفتم أحد أبويه النبي الأمي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الآخر الإمام الرضي المأمون الوصي و هو أحد الذين ليس لهما في الإسلام شبيه سيدي شباب أهل الجنة و سيدي سادات العرب أكملهم صلاحا و أفضلهم علما و عملا و هو رسول أبيه إليكم يدعوكم إلى الحق و يسألكم النصر السعيد و الله من ودهم و نصرهم و الشقي من تخلف عنهم بنفسه عن مواساتهم فانفروا معه رحمكم الله خفافا و ثقالا و احتسبوا في ذلك الأجر فإن الله لا يضيح أجر المحسنين فأجاب الناس كلهم بالسمع و الطاعة .

[257]

إرسال محمد بن الحنفية و محمد بن أبي بكر إلى الكوفة :

و قد ذكر الواقدي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان أنفذ إلى أهل الكوفة رسلا و كتب إليهم كتابا عند خروجه من المدينة و قبل نزوله بذي قار و قال في حديث آخر رواه إنه أنفذ إلى القوم من الربذة حين فاته رد طلحة و الزبير من الطريق.

ثم اتفق الواقدي و أبو مخنف و غيرهما من أصحاب السير على ما قدمنا ذكره من إنفاذ الرسل و كتب الكتب من ذي قار إلى أهل الكوفة ليستنفرهم للجهاد معه و الاستعانة بهم على أعدائه الناكثين لعهده الخارجين عليه لحربه فكان مما رواه الواقدي أن قال : حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه قال : لما عزم أمير المؤمنين (عليه السلام) على المسير من المدينة لرد طلحة و الزبير بعث محمد بن الحنفية و محمد بن أبي بكر إلى الكوفة و كان عليها أبو موسى الأشعري فلما قدما عليه أساء القول عليهما و أغلظ و قال و الله إن بيعة عثمان لفي رقبة صاحبكم و في رقبتي ما خرجنا منها ثم قام على المنبر فقال أيها الناس إنا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و نحن أعلم منكم بهذه الفتنة فاحذروها إن عائشة كتبت إلي أن اكفني من قبلك و هذا علي قادم إليكم يريد أن يسفك بكم دماء المسلمين فكسروا نبلكم و قطعوا أوتاركم و اضربوا الحجارة بسيوفكم.

[258]

فقال محمد بن الحنفية رضي الله عنه لمحمد بن أبي بكر : يا أخي ما عند هذا خير فارجع بنا إلى أمير المؤمنين نخبره الخبر فلما رجعا إليه أخبراه بالحال و قد كان كتب معهما كتابا إلى أبي موسى الأشعري أن يبايع من قبله على السمع و الطاعة .

و قال له في كتابه ارفع عن الناس سوطك و أخرجهم حجزتك و اجلس بالعراقين فإن خففت فأقبل و إن ثقلت فاقعد .

فلما قرأ الكتاب قال : أثقل ثم أثقل .

[259]

حرب الجمل