كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أهل الكوفة :

و لما بلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) ما قال و صنع غضب غضبا شديدا و بعث الحسن (عليه السلام) و عمار بن ياسر و كتب معهم كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة من المؤمنين و المسلمين أما بعد فإن دار الهجرة تقلعت بأهلها فانقلعوا عنها فجاشت جيش المرجل و كانت فاعلة يوما ما فعلت و قد ركبت المرأة الجمل و نبحتها كلاب الحوأب و قامت الفتنة الباغية يقودها رجال يطلبون بدم هم سفكوه و عرض هم شتموه و حرمة هم انتهكوها و أباحوا ما أباحوا يعتذرون إلى الناس دون الله يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ اعملوا رحمكم الله أن الجهاد مفترض على العباد و قد جاءكم في داركم من يحثكم عليه و يعرض عليكم رشدكم و الله يعلم أني لم أجد بدا من الدخول في هذا الأمر و لو علمت أن أحدا أولى به مني ما قدمت عليه و قد بايعني طلحة و الزبير طائعين غير مكرهين ثم خرجا يطلبان بدم عثمان و هما اللذان فعلا بعثمان ما فعلا و عجبت لهما كيف أطاعا

[260]

أبا بكر و عمر في البيعة و أبيا ذلك علي و هما يعلمان أني لست بدون أحد منهما مع أني قد عرضت عليهما قبل أن يبايعاني أن أحبا بايعت أحدهما فقالا لا ننفس ذلك عليك بل نبايعك و نقدمك علينا بحق فبايعا ثم نكثا و السلام على أهل السلام .

[261]

إرسال الحسن (عليه السلام) و عمار و ابن عباس إلى الكوفة :

و لما سار (عليه السلام) من المدينة انتهى إلى فيد و كان قد عدل إلى جبال طي‏ء حتى سار معه عدي بن حاتم في ستمائة من قومه .

فقال (عليه السلام) لابن عباس ما الرأي عندك في أهل الكوفة و أبي موسى الأشعري ؟

فقال له ابن عباس : أنفذ عمارا فإنه رجل له سابقة في الإسلام و قد شهد بدرا فإنه إن تكلم هناك صرف الناس إليك و أنا أخرج معه و ابعث معنا الحسن ابنك .

ففعل ذلك .

فخرجوا حتى قدموا على أبي موسى فلما وصلوا الكوفة قال ابن عباس للحسن و لعمار إن أبا موسى رجل عات فإذا رفقنا به أدركنا منه حاجتنا .

فقالا له : افعل ما شئت.

فقال ابن عباس لأبي موسى : يا أبا موسى إن أمير المؤمنين أرسلنا إليك لما يعرف من سرعتك إلى طاعة الله عز و جل و رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) و مصيرك إلى ما محبتنا أهل البيت و قد علمت فضله و سابقته في الإسلام و هو يقول لك أن تبايع له الناس و تقر على عملك و يرضى عنك .

فانخدع أبو موسى و صعد المنبر فبايع لعلي ساعة من النهار ثم نزل .

[262]

خطبة عمار :

فلما نزل صعد عمار المنبر فقال :

الحمد لله حمدا كثيرا فإنه أهله على نعمه التي لا نحصيها و لا نقدر قدرها و لا نشكر شكرها و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدى و النور الواضح و السلطان القاهر الأمين الناصح و الحكيم الراجح رسول رب العالمين و قائد المؤمنين و خاتم النبيين جاء بالصدق و صدق المرسلين و جاهد في الله حتى أتاه اليقين ثم إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حفظه الله و نصره نصرا عزيزا و أبرم له أمرا رشيدا بعثني إليكم و ابنه يأمركم بالنفير إليه فانفروا إليه و اتقوا و أطيعوا الله تعالى و الله لو علمت أن على وجه الأرض بشرا أعلم بكتاب الله و سنة نبيه منه ما استنفرتكم إليه و لا بايعته على الموت .

يا معشر أهل الكوفة الله الله في الجهاد فو الله لئن صارت الأمور إلى غير علي (عليه السلام) لتصيرن إلى البلاء العظيم و الله يعلم أني قد نصحت لكم و أمرتكم بما أخذت بيقيني وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ أستغفر الله لي و لكم .

[263]

خطبة أخرى لعمار :

ثم نزل فصبر هنيئة , ثم عاد إلى المنبر ; فحمد الله و أثنى عليه ثم قال :

أيها الناس هذا ابن عم نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بعثني إليكم يستصرخكم ألا إن طلحة و الزبير قد سارا نحو البصرة و أخرجا عائشة معهما للفتنة ألا و إن الله قد ابتلاكم بحق أمكم و حق ربكم و حق ربكم أولى و أعظم عليكم من حق أمكم و لكن الله ابتلاكم لينظر كيف تعملون فاتقوا الله و اسمعوا و أطيعوا و انفروا إلى خليفتكم و صهر نبيكم فإن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بايعوه بالمدينة و هي دار الهجرة و دار الإسلام أسأل الله أن يوفقكم ثم نزل .

خطبة الحسن (عليه السلام) :

فصعد الحسن بن علي (عليه السلام) المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم ذكر جده فصلى عليه و ذكر فضل أبيه و سابقته و قرابته برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنه أولى بالأمر من غيره ثم قال :

[264]

معاشر الناس إن طلحة و الزبير قد بايعا عليا طائعين غير مكرهين ثم نفرا و نكثا بيعتهما له فطوبى لمن خف في مجاهدة من جاهده فإن الجهاد معه كالجهاد مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم نزل .

[265]

خدعة ابن عباس لأبي موسى الأشعري :

و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد كتب مع ابن عباس كتابا إلى أبي موسى الأشعري أغلظ فيه فقال ابن عباس فقلت في نفسي أقدم على رجل و هو أمير بمثل هذا الكتاب إذن لا ينظر في كتابي و نظرت أن أشق كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) فشققته و كتبت من عندي كتابا عنه لأبي موسى أما بعد فقد عرفت مودتك إيانا أهل البيت و انقطاعك إلينا و إنما نرغب إليك لما نعلم من حسن رأيك فينا فإذا أتاك كتابي هذا فبايع لنا الناس و السلام.

فلما قرأ أبو موسى الكتاب قال لي : أنا الأمير أم أنت ؟

قلت : بل أنت الأمير .

فدعا الناس إلى بيعة علي (عليه السلام) .

فلما بايع , قمت فصعدت المنبر فرام إنزالي منه ; فقلت : أنت تنزلني عن المنبر و أخذت بقائم السيف فقلت اثبت مكانك و الله لئن نزلت إليك خذمتك به فلم يبرح فبايعت الناس لعلي و خلعت في الحال أبا موسى و استعملت مكانه قرظة بن كعب الأنصاري و لم أبرح من الكوفة حتى سيرت لأمير المؤمنين في البر و البحر من أهلها سبعة آلاف رجل و لحقته بذي قار و قد سار معه من جبال طي‏ء و غيرها ألفا رجل .

و لما صار أهل الكوفة إلى ذي قار و لقوا أمير المؤمنين (عليه السلام) بها رحبوا به و قالوا الحمد لله الذي خصنا بمودتك و أكرمنا بنصرتك فجزاهم (عليه السلام) خيرا .

[266]

خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) بذي قار :

ثم قام و خطبهم فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال :

يا أهل الكوفة إنكم من أكرم المسلمين و أعدلهم سنة و أفضلهم في الإسلام سهما و أجودهم في العرب مركبا و نصابا حزبكم بيوتات العرب و فرسانهم و مواليهم أنتم أشد العرب ودا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و إنما اخترتكم ثقة بكم لما بذلتم لي أنفسكم عند نقض طلحة و الزبير بيعتي و عهدي و خلافهما طاعتي و إقبالهما بعائشة لمخالفتي و مبارزتي و إخراجهما لها من بيتها حتى أقدماها البصرة و قد بلغني أن أهل البصرة فرقتان فرقة الخير و الفضل و الدين قد اعتزلوا و كرهوا ما فعل طلحة و الزبير.

ثم سكت (عليه السلام) .

فأجابه أهل الكوفة : نحن أنصارك و أعوانك على عدوك و لو دعوتنا إلى أضعافهم من الناس احتسبنا في ذلك الخير و الأجر و رجوناه .

فرد عليهم خير .

[267]

خطبة أخرى لأمير المؤمنين (عليه السلام) بذي قار :

و لما أراد المسير إلى ذي قار تكلم فحمد الله و أثنى عليه فأبلغ ثم قال :

إن الله عز و جل بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس كافة و رحمة للعالمين فصدع بما أمر به و بلغ رسالات ربه فلم الله به الصدع و رتق به الفتق و آمن به السبل و حقن به الدماء و ألف به بين ذوي الأحقاد و العداوة الواغرة في الصدور و الضغائن الكامنة في القلوب فقبضه الله عز و جل إليه حميدا و قد أدى الرسالة و نصح للأمة فلما مضى (صلى الله عليه وآله وسلم) لسبيله دفعنا عن حقنا من دفعنا و ولوا من ولوا سوانا ثم وليها عثمان بن عفان فنال منكم و نلتم منه حتى إذا كان من أمره ما كان أتيتموني فقلتم بايعنا فقلت لكم لا أفعل فقلتم بلى فقلت لا فقبضت يدي فبسطتموها و تداككتم على كتداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى لقد خفت أنكم قاتلي أو بعضكم قاتل بعض فبايعتموني و أنا غير مسرور بذلك و لا جذل و قد علم الله سبحانه أني كنت كارها للحكومة بين أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و لقد سمعته يقول ما من وال يلي شيئا من أمر أمتي إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على

[268]

رءوس الخلائق ثم ينشر كتابه فإن كان عادلا نجا و إن كان جائرا هوى ثم اجتمع علي ملؤكم و بايعني طلحة و الزبير و أنا أعرف الغدر في وجهيهما و النكث في عينيهما ثم استأذناني في العمرة فأعلمتهما أن ليس العمرة يريدان فسارا إلى مكة و استخفا عائشة و خدعاها و شخص معها أبناء الطلقاء فقدموا البصرة و قتلوا بها المسلمين و فعلوا المنكر و يا عجبا لاستقامتهما لأبي بكر و عمر و بغيهما علي و هما يعلمان أني لست دون أحدهما و لو شئت أن أقول لقلت و لقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتابا يخدعهما فيه فكتماه عني و خرجا يوهمان الطغام أنهما يطلبان بدم عثمان و الله ما أنكرا علي منكرا و لا جعلا بيني و بينهما نصفا و إن دم عثمان لمعصوب بهما و مطلوب منهما يا خيبة الداعي إلى م دعا و بما ذا أجيب و الله إنهما لفي ضلالة صماء و جهالة عمياء و إن الشيطان قد ذمر لهما حزبه و استجلب منهما خيله و رجله ليعيد الجور إلى أوطانه و يرد الباطل إلى نصابه ثم رفع يديه فقال اللهم إن طلحة و الزبير قطعاني و ظلماني و نكثا بيعتي فاحلل ما عقدا و انكث ما أبرما و لا تغفر لهما أبدا و أرهما المساءة فيما عملا و أملا .

[269]

كلام الأشتر :

فقام الأشتر رحمه الله فقال :

خفض عليك يا أمير المؤمنين فو الله ما أمر طلحة و الزبير علينا بمخيل و لقد دخلا في هذا الأمر اختيارا ثم فارقانا على غير جور عملناه و لا حدث في الإسلام أحدثناه ثم أقبلا يثيران الفتنة علينا تائهين جائرين ليس معهما حجة ترى و لا أثر يعرف قد لبسا العار و توجها نحو الديار فإن زعما أن عثمان قتل مظلوما فليستقد آل عثمان منهما فأشهد أنهما قتلاه و أشهد الله يا أمير المؤمنين لئن لم يدخلا فيما خرجا منه و لم يرجعا إلى طاعتك و ما كانا عليه لنلحقنهما بابن عفان .

كلام أبي الهيثم بن التيهان :

و قام أبو الهيثم بن التيهان رحمه الله فقال يا أمير المؤمنين صبحهم الله بما يكرهون فإن أقبلوا قبلنا منهم و إن أدبروا جاهدناهم فلعمري ما قوم قتلوا النفس التي حرم الله و أخذوا الأموال و أخافوا أهل الإيمان بأهل أن يكف عنهم .

[270]

كلام عدي بن حاتم :

فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) على عدي بن حاتم فقال له يا عدي أنت شاهد لنا و حاضر معنا و ما نحن فيه .

فقال عدي شهدتك أو غبت عنك فأنا عند ما أحببت هذه خيولنا معدة و رماحنا محددة و سيوفنا مجردة فإن رأيت أن نتقدم تقدمنا و إن رأيت أن نحجم أحجمنا نحن طوع لأمرك فأمر بما شئت نسارع إلى امتثال أمرك .

حديث أبي زينب الأزدي مع أمير المؤمنين (عليه السلام) :

و قام أبو زينب الأزدي فقال و الله إن كنا على الحق إنك لأهدانا سبيلا و أعظمنا في الخير نصيبا و إن كنا على الضلال و العياذ بالله أن نكون عليه فإنك أعظمنا وزرا و أثقلنا ظهرا و قد أردنا المسير إلى هؤلاء القوم و قطعنا منهم الولاية و أظهرنا منهم البراءة و ظاهرناهم بالعداوة نريد بذلك ما يعلمه الله عز و جل و إنا ننشدك الله الذي علمك ما لم تكن تعلم أ لسنا على الحق و عدونا على الضلال.

فقال (عليه السلام) : أشهد لئن خرجت لدينك ناصرا صحيح النية و قد قطعت منهم الولاية و أظهرت منهم البراءة كما قلت إنك لفي رضوان الله فأبشر يا أبا زينب فإنك و الله على الحق فلا تشك فإنك إنما تقاتل الأحزاب .

فأنشأ أبو زينب يقول :

[271]

سيروا إلى الأحزاب أعداء النبي *** فإن خير الناس أتباع علي

‏هذا أوان طاب سل المشرفي *** و قودنا الخيل و هز السمهري

[272]

حرب الجمل