فصل ; عثمان بن حنيف و الناكثون :
و كان من حديث القوم فيما صنعوه بعثمان بن حنيف رضي الله عنه و من ذكرناه معه على ما جاءت به الأخبار و اتفقت عليه نقلة السير و الآثار ما روى الواقدي و أبو مخنف عن أصحابهما و المدائني و ابن دأب عن مشايخهما بالأسانيد التي اختصرنا القول بإسقاطها و اعتمدنا فيها على ثبوتها في مصنفات القوم و كتبهم فقالوا إن عائشة و طلحة و الزبير لما ساروا من مكة إلى البصرة أغذوا السير مع من اتبعهم من بني أمية و عمال عثمان و غيرهم من قريش حتى صاروا إلى البصرة فنزلوا حفر أبي موسى فبلغ عثمان بن حنيف رحمه الله و هو عامل البصرة يومئذ و خليفة أمير المؤمنين (عليه السلام) و كان عنده حكيم بن جبلة , فقال له حكيم : ما الذي بلغك ؟
[274]
فقال : خبرت أن القوم قد نزلوا حفر أبي موسى .
فقال له حكيم : ائذن لي أن أسير إليهم فإني رجل في طاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) .
فقال له عثمان : توقف عن ذلك حتى أراسلهم .
فقال له حكيم : إنا لله هلكت و الله يا عثمان .
فأعرض عنه , و أرسل إلى عمران بن حصين و أبي الأسود الدؤلي فذكر لهما قدوم القوم البصرة و حلولهم حفر أبي موسى و سألهما المسير إليهم و خطابهم على ما قصدوا به و كفهم عن الفتنة .
فخرجا حتى دخلا على عائشة , فقالا لها : يا أم المؤمنين ما حملك على المسير ؟
فقالت : غضبت لكما من سوط عثمان و عصاه و لا أغضب أن يقتل ؟
فقالا لها : و ما أنت من سوط عثمان و عصاه , و إنما أنت حبيسة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نذكرك الله أن تهراق الدماء بسببك .
فقالت : و هل من أحد يقاتلني ؟
فقال لها أبو الأسود : نعم و الله قتالا أهونه شديد ; ثم خرجا من عندها .
فدخلا على الزبير , فقالا : يا أبا عبد الله ننشدك الله أن تهراق الدماء بسببك .
فقال لهما : ارجعا من حيث جئتما لا تفسدا علينا .
فأيسا منه , و خرجا حتى دخلا على طلحة , فقالا له : ننشدك الله أن تهراق الدماء بسببك .
فقال لهما طلحة : أ يحسب علي بن أبي طالب أنه إذا غلب على أمر المدينة أن الأمر له و أنه لا أمر إلا أمره ; و الله ليعلمن , فانصرفا من حيث جئتما .
فانصرفا من عنده إلى عثمان بن حنيف فأخبراه الخبر.
و روى ابن أبي سبرة عن عيسى بن أبي عيسى عن الشعبي : أن أبا الأسود الدؤلي و عمران لما دخلا على عائشة قالا لها ما الذي أقدمك هذا البلد و أنت حبيسة
[275]
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد أمرك الله أن تقري في بيتك .
فقالت : غضبت لكم من السوط و العصا و لا أغضب لعثمان من السيف .
فقالا لها : ننشدك الله أن تهراق الدماء بسببك و أن تحملي الناس بعضهم على بعض .
فقالت لهما : إنما جئت لأصلح بين الناس .
و قالت لعمران بن الحصين : هل أنت مبلغ عثمان بن حنيف رسالة ؟
فقال : لا أبلغه عنك إلا خيرا .
فقال لها أبو الأسود : أنا أبلغه عنك , فهاتي .
قالت , قل له : يا طليق ابن أبي عامر بلغني أنك تريد لقائي لتقاتلني .
فقال لها أبو الأسود : نعم , و الله ليقاتلنك .
فقالت : و أنت أيضا أيها الدؤلي , يبلغني عنك ما يبلغني ; قم فانصرف عني .
فخرجا من عندها إلى طلحة , فقالا له : يا أبا محمد , أ لم يجتمع الناس إلى بيعة ابن عم رسول الله الذي فضله الله تعالى كذا و كذا , و جعلا يعدان مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) و فضائله و حقوقه .
فوقع طلحة بعلي (عليه السلام) و سبه و نال منه , و قال : إنه ليس أحد مثله أم و الله ليعلمن غب ذلك .
فخرجا من عنده و هما يقولان : غضب هذا الدنيء .
ثم دخلا على الزبير فكلماه مثل كلامهما لصاحبه ; فوقع أيضا في علي (عليه السلام) و سبه , و قال لقوم كانوا بمحضر منه : صبحوهم قبل أن يمسوكم .
فخرجا من عنده حتى صارا إلى عثمان بن حنيف فأخبراه الخبر ; فأذن عثمان للناس بالحرب .
[276]
حرب الجمل