خطبة عائشة بالمربد :

و لما بلغ عائشة رأي ابن حنيف في القتال ركبت الجمل و أحاط بها القوم و سارت حتى وقفت بالمربد و اجتمع إليها الناس حتى امتلأ المربد بهم فقالت و هي على الجمل :

صه , صه .

فسكت الناس و أصغوا إليها ; فحمدت الله و قالت : أما بعد فإن عثمان بن عفان قد كان غير و بدل فلم يزل يغسله بالتوبة حتى صار كالذهب المصفى فعدوا عليه و قتلوه في داره و قتلوا أناسا معه في داره ظلما و عدوانا ثم آثروا عليا فبايعوه من غير ملأ من الناس و لا شورى و لا اختيار فابتز و الله أمرهم و كان المبايع له يقول خذها إليك و احذرن أبا حسن إنا غضبنا

[279]

لكم على عثمان من السوط فكيف لا نغضب لعثمان من السيف ألا إن الأمر لا يصح حتى يرد الأمر إلى ما صنع عمر من الشورى فلا يدخل فيه أحد سفك دم عثمان.

فقال بعض الناس : صدقت ; و قال بعض الناس : كذبت . و اضطربوا بالنعال و تركتهم و سارت حتى أتت الدباغين و قد تميز الناس بعضهم مع طلحة و الزبير و عائشة ; و بعضهم متمسك ببيعة أمير المؤمنين و الرضا به .

فسارت من موضعها و من معها و اتبعها على رأيها طلحة و الزبير و مروان بن الحكم و عبد الله بن الزبير حتى أتوا دار الإمارة ; فسألوا عثمان بن حنيف الخروج عنها , فأبى عليهم ذلك .

و اجتمع إليه أنصاره و زمرة من أهل البصرة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى زالت الشمس و أصيب يومئذ من عبد القيس خاصة خمسمائة شيخ مخضوب من أصحاب عثمان بن حنيف و شيعة أمير المؤمنين سوى من أصيب من سائر الناس و بلغ الحرب بينهم بالتزاحف إلى مقبرة بني مازن ثم خرجوا على مسناة البصرة حتى انتهوا إلى الزابوقة و هي ساحة دار الرزق فاقتتلوا قتالا شديدا كثر فيه القتلى و الجرحى من الفريقين ثم إنهم تداعوا إلى الصلح و دخل بينهم الناس لما

[280]

رأوا من عظيم ما ابتلوا به فتصالحوا على أن لعثمان بن حنيف دار الإمارة و المسجد و بيت المال و لطلحة و الزبير و عائشة ما شاءوا من البصرة و لا يحاجون حتى يقدم أمير المؤمنين (عليه السلام) فإن أحبوا عند ذلك الدخول في طاعته و إن أحبوا أن يقاتلوا و كتبوا بذلك كتابا بينهم و أوثقوا فيه العهود و أكدوها و أشهدوا الناس على ذلك و وضع السلاح و أمن عثمان بن حنيف على نفسه و تفرق الناس عنه .

[281]

حرب الجمل