فصل : الاعتراض بأن الدليل من الأخبار الآحاد و الجواب عنه :
فإن قال قائل : إن كنتم قد اعتمدتم على هذه الأخبار في عصمة أمير المؤمنين (عليه السلام) و هي آحاد ليست من المتواتر الذي يمنع على قائليه الافتعال فما الفصل بينكم و بين خصومكم فيما يتعلقون به من أمثالها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضائل فلان و فلان و معاوية بن أبي سفيان ؟
قيل له : الأخبار التي يتعلق بها أهل الخلاف في دعوى فضائل من سميت على ضربين:
أحدهما :لا تنكر صحته و إن كان خصومنا منفردين بنقله إذ ليس فينا مشارك لهم في شيء منه كما شاركنا الخصوم في نقل ما أثبتناه من فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا أنهم يغلطون في دعوى التفضيل لهم به على ما يتخيلون في معناه.
و الآخر : مقطوع بفساده عندنا بأدلة واضحة لا تخفى على أهل الاعتبار و ليست مما تساوي أخبارنا التي قدمناها لقطعنا على بطلان ما تفردوا به من ذلك و طعننا على رواتها و استدلالنا على فسادها و إجماع مخالفينا على رواية ما رويناه مما قد
[84]
بيناه و تسليمه و تخليده صحفهم كما ذكرنا و عدولهم عن الطعن في شيء منه حسبما وصفناه و ما كان هذا سبيله ليس يكون الأمر فيه كذلك إلا لاعتقاد القوم صحته و تسخيرهم لنقله و تسليمهم لرواته إذ كانت العادة جارية بأن كل شيء يتعلق به متعلق في حجاج مخالفيه و نصرة مذهبه المتفرد به دون خصمه و كان في الإقرار به شبهة على صحة مقالته المباينة لمقال مخالفيه فإنه لا يخلو من دافع له و جاحد و طاعن فيما يروم إبطاله إلا أن تميز الحجة في صوابه و أن يكون ملطوفا له في اعتقاده أو مسخرا للإقرار به حجة لله تعالى في صحته و دليلا على ثبوته و برهانا منه على نصرته و قوة المحتج به و تأييد الحق فيه بلطف من لطائفه.
فإذا كان الأمر في هذا الباب على ما بيناه و ثبت تسليم الفريقين لأخبارنا مع اختلافهم في الاعتقاد على ما ذكرناه و صح الاختلاف بيننا و بين خصومنا في الاحتجاج بالأخبار و براهينها حسبما اعتمدناه سقط توهم المخالف لما تخيله من المساواة بين الأمرين و تظناه .
[85]
حرب الجمل