مبدأ القتال :

فلما رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) ما قدم عليه القوم من العناد و استحلوه من سفك الدم الحرام .

رفع يديه إلى السماء , و قال : اللهم إليك شخصت الأبصار و بسطت الأيدي و أفضت القلوب و تقربت إليك بالأعمال رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ .

ثم دعا ابنه محمد بن الحنفية فأعطاه الراية و هي راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال يا بني هذه راية لم ترد قط و لا ترد أبدا قال محمد فأخذتها و الريح تهب عليها فلما تمكنت من حملها صارت الريح على طلحة و الزبير و أصحاب الجمل فأردت أن أمشي بها .

فقال أمير المؤمنين : قف يا بني حتى آمرك .

[342]

ثم نادى أيها الناس لا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تكشفوا عورة و لا تهيجوا امرأة و لا تمثلوا بقتيل .

فبينا هو يوصي أصحابه إذ أظلنا نبل القوم ; فقتل رجل من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) .

فلما رآه قتيلا ; قال : اللهم اشهد ; ثم رمي ابن لعبد الله بن بديل , فقتل .

فحمله أبوه عبد الله و معه عبد الله بن العباس حتى وضعاه بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) .

فقال عبد الله بن بديل : حتى متى يا أمير المؤمنين تستذري نحورنا للقوم يقتلوننا رجلا رجلا , قد و الله أعذرنا إن كنت تريد الإعذار .

ثم قال محمد بن الحنفية رضي الله عنه , فقال لي أمير المؤمنين (عليه السلام) رايتك يا بني قدمها بعث في الميمنة و الميسرة ; و دعا بدرع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلبسه و حزم بطنه بعصابة أسفل من سرته و دعا ببغلته الشهباء و هي بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستوى على ظهرها و وقف أمام صفوف أصحابه فوقفت بين يديه باللواء و هو منشور مستعد ; فجاء قيس بن سعد بن عبادة إلى أمير المؤمنين و قال :

[343]

هذا اللواء الذي كنا نحف به *** حول النبي و جبريل لنا مدد

ما ضر من كانت الأنصار عيبته *** أن لا يكون له من غيرها أحد

قوم إذا حاربوا طالت أكفهم *** بالمشرفية حتى تفتح البلد

و صفت أصحاب عائشة صفوفهم و جاءوا بالجمل عليه الهودج و فيه عائشة و خطامه في يد كعب بن سور و قد تقلد المصحف و الأزد و بنو ضبة قد أحاطوا بالجمل و عبد الله بن الزبير بين يدي عائشة و مروان بن الحكم عن يمينها و الزبير يدبر العسكر و طلحة على الفرسان و محمد بن طلحة على الرجالة.

فقال محمد بن الحنفية : قال لي أبي حين زحف القوم نحونا قدم اللواء فقدمته و زحف المهاجرون و الأنصار فلما رآني القوم قد زحفت باللواء بارزا عن أصحابي رشقوني رشقة رجل واحد فوقفت مكاني و اتقيت منهم و قلت ينقضي رشقهم في مرة أو مرتين ثم أقدم فلم أشعر إلا و أمير المؤمنين (عليه السلام) قد ضرب بين كتفي بيده ; ثم أخذ اللواء مني بيده , و نادى : يا منصور أمت فو الله ما سمعت القوم حتى رأيتهم و قد زلزلت أقدامهم و ارتعدت فرائصهم و ألقي بعضهم ببعض و تزايلوا و قد رأت عائشة موضع كل فريق منهم .

[344]

المبارزات

و تقدم عمار و مالك الأشتر مصلتين سيوفهما نحو القوم و نادى أمير المؤمنين يا محمد بن أبي بكر إن صرعت عائشة فوارها و تول أمرها .

فتضعضع القوم حين سمعوا ذلك , و اضطربوا , و أمير المؤمنين (عليه السلام) واقف في موضعه ثم تراجعوا بعد تضعضعهم و رجعت إليهم نفوسهم و نادوا البراز .

فتقدم رجل من بني عدي أمام الجمل و بيده سيف و هو يقول :

أضربهم و لو أرى عليا *** عممته أبيض مشرفيا

أريح منه قومنا عديا

فشد عليه رجل من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) يقال له أمية العبدي و هو يقول :

هذا علي و الهدى سبيله *** و الرشد فيه و التقى دليله

‏من يتبع الحق يبن خليله

[345]

ثم اختلف بينهما ضربتان فأخطأه العدوي و ضربه العبدي فقتله.

فقام مقامه رجل يقال له أبو الجرباء عاصم بن مرة من أصحاب الجمل فقال :

أنا أبو الجرباء و اسمي عاصم *** و أمنا أم لها محارم

فشد عليه رجل من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو يقول :

إليك إني تابع عليا *** و تارك أمكم مليا

إذ عصت الكتاب و النبيا *** و ارتكبت من أمرها فريا

و ضربه فقتله فقام مقامه رجل آخر من أصحاب الجمل يقال له الهيثم بن كليب الأزدي و هو يقول :

نحن نوالي أمنا الرضية *** و ننصر الصحابة المرضية

فشد عليه رجل من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو يقول :

وليكم عجل بني أمية *** و أمكم خاسرة شقية

هاوية في فتنة عمية

و ضربه ففلق هامته و خر صريعا .

و برز من بعده عمرو بن يثربي و كان من شياطين أصحاب الجمل فنادى هل من مبارز ؟

فبرز إليه علباء بن الهيثم فاختلف بينهما ضربتان فقتل علباء رحمه الله فقام مقامه هند بن المرادي فبادره بالسيف فاتقاه و ضربه عبد الله بن الزبير فشغله بنفسه و ثناه عمرو بن يثربي فقتلاه جميعا .

[346]

فبرز مقامه زيد بن صوحان العبدي رحمه الله فتضاربا و جاء فارس من أصحاب الجمل و وقف بجنب عمرو يحميه فطعنه زيد في خاصرته طعنة أثخنه بها و بدر إليه فضربه فقضى منها و بدا عمرو يفتخر و يقول :

إن تنكروني أنا ابن يثربي *** قاتل علباء و هند الجملي

‏ثم ابن صوحان على دين علي

فبرز إليه مالك الأشتر فضربه على وجهه ضربة وقع بها على الأرض و حماه أصحابه فنهض و قد تراجعت نفسه و هو يقول لا بد من الموت فدلوني على علي بن أبي طالب فلئن بصرت به لأملأن سيفي من هامته .

فبرز إليه عمار رضي الله عنه و هو يقول :

لا تبرح العرصة يا ابن يثربي *** حتى أقاتلك على دين علي

‏نحن و بيت الله أولى بالنبي

و ضربه ضربة هلك منها و خر صريعا فأكب قومه عليه فاحتملوه إلى معسكرهم .

[347]

حرب الجمل