الفصل 8: فيما ورد من العلماء و المؤرخين في أفضلية على عليه السلام من جميع البشر

1ـروى ابن الكلبي قال:«بينا عمر بن عبد العزيز جالس في مجلسه إذ دخل عليه حاجبه و امرأة ادماء طويلة حسنة الجسم و القامة و رجلان متعلقان بها،و معهم كتاب من ميمون بن مهران،فدفعوا إليه الكتاب،ففضه و قرأه،و كان فيه:

«بسم الله الرحمن الرحيم،إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز،عن ميمون بن مهران:سلام عليك و رحمة الله و بركاته.أما بعد فقد ورد علينا أمر ضاقت به الصدور و عجزت عنه الأوساع،هربنا بأنفسنا و وكلناه إلى عالمه،يقول الله عز و جل:/و لو ردوه إلى الرسول و إلى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم/ (1) .و هذه المرأة و الرجلان أحدهما زوجها و الآخر أبوهاـيا أمير المؤمنينـزعم أن زوجها حلف بطلاقها أن علي بن أبي طالب خير هذه الامة و أولاها برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أنه يزعم أن ابنته طلقت منه و أنه لا يجوز له في دينه أن يتخذه‏سهرا،و هو يعلم أنها حرام عليه كأمه.و إن الزوج يقول:كذبت و أثمت فقد بر قسمي و صدقت مقالتي،و إنها امرأتي على رغم أنفك و غيظ قلبك،فاجتمعوا إلى يختصمون في ذلك،فسألت الرجل عن يمينه فقال :نعم قد كان ذلك و قد حلفت بطلاقها أن عليا خير هذه الامة و أولاها برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،عرفه من عرفه،و أنكره من أنكره،و ليرضى من رضي.

فتسامع الناس بذلك فاجتمعوا إليه،و إن كانت الألسن مجتمعة و القلوب شتى،و قد علمتـيا أمير المؤمنينـاختلاف الناس في أهوائهم و تسرعهم إلى ما فيه الفتنة،فأحجمنا عن الحكم لتحكم بما أراك الله و إنهما تعلقا بها،و أقسم أبوها أنه لا يدعها معه،و أقسم زوجها أن لا يفارقها و لو ضربت عنقه إلا أن يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته و الإمتناع منه،فرفعناهم إليكـيا أمير المؤمنينـأحسن الله توفيقك و أرشدك».و كتب في أسفل الكتاب هذه الأبيات:

إذا ما المشكلات وردن يوما 
فحارت في تأملها العيون

و ضاق القوم ذرعا من نباها 
فأنت لها أبا حفص أمين

لأنك قد حويت العلم طرا 
و أحكمك التجارب و الشؤون

و خلفك الإله على البرايا 
فحضك فيهم الحظ الثمين

قال:فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم و بني امية و أفخاذ قريش،ثم قال لأب المرأة:ما تقول أيها الشيخ؟فقال:يا أمير المؤمنين هذا الرجل زوجته ابنتي و جهزتها إليه بأحسن ما يجهز به مثلها،حتى إذا أملت خيره و رجوت صلاحه حلف بطلاقها كاذبا،ثم أراد الإقامة معها،فقال عمر:يا شيخ لعله لم يطلق امرأته فكيف حلف؟فقال الشيخ:سبحان الله،إن الذي حلف أبين حنثا و أوضح كذبا من أن يختلج في صدري منه شك مع سني و علمي،إنه زعم أن عليا خير هذه الامة و إلا امرأته طالق ثلاثا.فقال للزوج:ما تقول؟هكذا طلقت؟قال:نعم،فقيل لما قال كاد المجلس يرتج بأهله و بنو امية ينظرون إلا أنهم لا ينطقون بشي‏ء،كل ينظر إلى وجه عمر،فأكب عمر مليا ينكت الأرض بيده و القوم صامتون ينظرون ما يقول،ثم رفع رأسه و قال:

إذا ولي الحكومة بين قوم‏ 
أصاب الحق و التمس السدادا

و ما خير الأنام إذا تعدى‏ 
خلاف الحق و اجتنب الرشادا

ثم قال للقوم:ما تقولون في يمين هذا الرجل؟فسكتوا،فقال:سبحان الله قولوا،فقال رجل من بني امية:هذا حكم فرج،و لسنا نجتري على القول فيه،و أنت عالم بالقول،مؤتمن لهم و عليهم،فقال :قل ما عندك فإن القول ما لم يحق باطلا أو يبطل حقا جائز علي في مجلسي.قال:لا أقول شيئا،فالتفت إلى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب،قال:ما تقول فيما حلف عليه هذا الرجل يا عقيلي؟فاغتنمها فقال:يا أمير المؤمنين إن جعلت قولي حكما،و حكمى جائزا قلت،و إن لم يكن ذلك فالسكوت أولى و أوسع لي و أبقى للمودة؟فقال:قولك حكم،و حكمك ماض.

قال:فلما سمع ذلك بنو امية قالوا:ما أنصفتنا يا أمير المؤمنين إذا جعلت الحكم إلى غيرنا و نحن من لحمتك و اولى رحمك.فقال عمر:اسكتوا عجزا و لوما،عرضت ذلك عليكم فما أبديتم له،فقالوا:ما أعطيتنا مثل ما أعطيت العقيلي و لا حكمتنا ما حكمته،فقال عمر:إن كان أصاب و أخطأتم،و جز و عجزتم،و أبصر و عميتم فما ذنب عمر لا أبالكم؟أتدرون ما مثلكم؟قالوا لا ندري قال:لكن العقيلي يدرى،قال:ما تقول يا رجل؟قال يا أمير المؤمنين مثلهم كما قال الأول:

دعيتم إلى أمر فلما عجزتم‏ 
تناوله من لا يداخله عجز

فلما رأيتم ذاك أبدت نفوسكم‏ 
نداما و هل يغني عن القدر الحرز

فقال عمر:أحسنت و أصبت فقل فيما سألتك،فقال:يا أمير المؤمنين بر قسمه و لم يطلق امرأته،فقال :و أنى علمت ذلك؟فقال:نشدتك الله يا أمير المؤمنين ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لفاطمة عليها السلامـو هو عندها في بيتها عائدا لهاـ:بنية!ما علتك؟قالت :الوعك يا أبتاه و كان على غائبا في بعض حوائج النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها:أتشتهين شيئا؟فقالت:نعم،أشتهي عنبا و أنا أعلم أنه عزيز و ليس بوقت عنب،فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:إن الله قادر أن يجيئنا به،ثم قال:اللهم آتنا به مع أفضل امتي عندك منزلة.فطرق علي عليه السلام الباب فدخل و معه مكتل قد ألقى عليه طرف ردائه،فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم:ما هذا يا علي؟فقال:عنب التمسته فاطمة عليها السلام،فقال الله أكبر الله أكبر،اللهم فكما سررتني بأن خصصت عليا بدعوتى فاجعل فيه شفاء ابنتى،ثم قال:كلي على اسم الله يا بنية،فأكلت،و ما خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى برئت.

قال عمر:صدقت و بررت،أشهد لقد سمعته و وعيته،يا رجل خذ بيد امرأتك،فإن عرض لك أبوها فاهشم وجههـالخبر (2) ».

2ـروي عن جماعة ثقات انه:«لما وردت حرة بنت حليمة السعديةـرضي الله عنهاـعلى الحجاج بن يوسف الثقفي فمثلت بين يديه،قال لها:أنت حرة بنت حليمة السعدية؟قالت له:فراسة من غير مؤمن.فقال لها:الله جاء بك فقد قيل عنك أنم تفضلين عليا على أبي بكر و عمر و عثمان،فقالت :لقد كذب الذي قال:إني أفضله على هؤلاء خاصة،قال:و على من غير هؤلاء؟قالت:افضله على آدم و نوح و لوط و إبراهيم و داود و سليمان و عيسى بن مريم عليهم السلام،فقال لها:ويلك إنك تفضلينه على الصحابة و تزيدين عليهم سبعة من الأنبياء من اولي العزم من الرسل!إن لم تأتينى ببيان ما قلت ضربت عنقك.فقالت:ما أنا مفضله على هؤلاء الأنبياء و لكن الله عز و جل فضله عليهم في القرآن بقوله عز و جل في حق آدم:/فعصى آدم ربه فغوى/ (3) و قال في حق علي،/و كان سعيكم مشكورا/ (4) .

قال:أحسنت يا حرة،فبما تفضلينه على نوح و لوط؟فقالت:الله عز و جل فضله عليهما بقوله :/ضرب الله مثلا للذين كفروا إمرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين/ (5) علي بن أبي طالب كان مع ملائكة الله تحت سدرة المنتهى،زوجته بنت محمد فاطمة الزهراء التى يرضى الله تعالى لرضاها و يسخط لسخطها.

فقال الحجاج:أحسنت يا حرة،فبما تفضلينه على أبي الأنبياء إبراهيم خليل الله؟فقالت:الله عز و جل فضله بقوله:/و إذا قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أ و لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي/ (6) ،و مولاي أمير المؤمنين قال قولا لا يختلف فيه أحد من المسلمين:«لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا»،و هذه‏كلمة ما قالها أحد قبله و لا بعده.فقال:أحسنت يا حرة،فبما تفضلينه على موسى كليم الله؟قالت:يقول الله عز و جل:/فخرج منها خائفا يترقب/ (7) ،و علي بن أبي طالب عليه السلام بات على فراش رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم يخف حتى أنزل الله تعالى في حقه:/و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله/ (8) .قال الحجاج:أحسنت يا حرة،فبما تفضلينه على داود و سليمان عليهما السلام؟قالت:الله تعالى فضله عليهما بقوله عز و جل:/يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله/ (9) .فقال لها:في أي شى‏ء كانت حكومته؟قالت:في رجلين رجل كان له كرم (10) و الاخر له غنم،فنفشت الغنم بالكرم فرعته،فاحتكما إلى داود عليه السلام فقال:تباع الغنم و ينفق ثمنها على الكرم حتى يعود إلى ما كان عليه.فقال له ولده:لا،يا أبه،بل يؤخذ من لبنها و صوفها.قال الله تعالى./ففهمناها سليمان/ (11) ،و إن مولانا أمير المؤمنين عليا عليه السلام قال:«سلوني عما فوق العرش،سلوني عما تحت العرش،سلوني قبل أن تفقدوني»،إنه عليه السلام دخل على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوم فتح خيبر فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم للحاضرين:«أفضلكم و أعلمكم و أقضاكم علي».

فقال لها:أحسنت،فبما تفضلينه على سليمان عليه السلام؟فقالت:الله تعالى فضله عليه‏بقوله تعالى:«رب(اغفرلي و)هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي (12) ،و مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام قال:«طلقتك يا دنيا،ثلاثا لا حاجة لي فيك»،فعند ذلك أنزل الله تعالى فيه:/تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا/ (13) .

فقال:أحسنت يا حرة،فبما تفضلينه على عيسى ابن مريم عليه السلام؟قالت:الله تعالى عز و جل فضله بقوله تعالى:/إذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني و امي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به. ../ (14) فأخر الحكومة إلى يوم القيامة،و على بن ابى طالب لما ادعوا النصيرية فيه ما ادعوه قتلهم و لم يؤخر حكومتهم،فهذه كانت فضائله لا تعد بفضائل غيره.

قال:أحسنت يا حرة،خرجت من جوابك،و لو لا ذلك لكان ذلك،ثم أجازها و أعطاها و سرحها سراحا حسنا،رحمة الله عليها (15) .

ـمناظرة قيمة ظريفة للمأمون العباسيـفي أفضلية علي عليه السلامـمع الفقهاء و في طويلة نختار و نقتطف منها موضع الحاجة:

«ثم قال(يحيى بن أكثم):إني لم ابعث فيكم لهذا(يعنى مسألة فقهية دارت بينهم)و لكني أحببت أن انبئكم أن أمير المؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه و الذي يدين الله به،قلنا :فليفعل أمير المؤمنينـوفقه اللهـ،فقال:إن أمير المؤمنين يدين الله على أن علي بن أبي طالب خير خلق الله بعد رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و أولى اللناس بالخلافة له.

المأمون:يا إسحاق أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله رسوله؟قال إسحاق:الإخلاص بالشهادة،قال :أليس السبق إلى الإسلام؟قلت:نعم،قال:اقرء ذلك في كتاب الله تعالى يقول:/و السابقون السابقون اولئك المقربون/ (16) ،إنما عنى من سبق إلى الإسلام،فهل علمت أحدا سبق عليا إلى الإسلام؟قلت:يا أمير المؤمنين !إن عليا أسلم و هو حديث السن لا يجوز عليه الحكم،و أبوبكر أسلم و هو مستكمل يجوز عليه الحكم،قال:اخبرني أيهما أسلم قبل؟ثم أناظرك من بعده في الحداثة و الكمال،قلت:علي حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دعاه إلى الإسلام،أو يكون إلهاما من الله،قال:فأطرقت،فقال لي:يا إسحاق!لا تقل إلهاما فتقدمه على رسول الله،لأن رسول الله لم يعرف الإسلام حتى أتاه جبرئيل عن الله تعالى.قلت:أجل:بل دعاه رسول الله إلى الإسلام.قال:يا إسحاق!فهل يخلو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلف ذلك من نفسه؟قال:فأطرقت:فقال:يا إسحاق لا تنسب رسول الله إلى التكلف فإن الله يقول:/و ما أنا من المتكلفين/ (17) ،قلت:أجل،يا أمير المؤمنين!دعاه بأمر الله.قال:فهل من صفة الجبارـجل ثناؤهـأن يكلف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم؟قلت:أعوذ بالله،فقال:أفتراه في قياس قولك،يا إسحاق أن عليا أسلم صبيا لا يجوز عليه الحكم قد كلف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من دعاء الصبيان ما لا يطيقون فهو يدعوهم الساعة و يرتدون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهم شي‏ء و لا يجوز عليهم حكم الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أترى هذا جائزا عندك أن تنسبه إلى الله عز و جل؟قلت:أعود باللهـالخبر (18) ».

4ـعن الشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي،الملقب بالصدوق(المتوفى سنة 381)ـرحمه اللهـ:«يجب أن نعتقد أن الله عز و جل لم يخلق خلقا أفضل من محمد صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام و أنهم أحب الخلق إلى الله و أكرمهم و أولهم إقرارا به لما أخذ الله ميثالق النبيين(يعني في الذر)...و أن الله عز و جل أعطى ما أعطى كل نبي على قدر معرفته و معرفة نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم و سبقه إلى الاقرار به،و نعتقد أن الله تبارك و تعالى خلق جميع الخلق له و لأهل بيته،و أنه لولا هم لما خلق الله سبحانه السماء و لا الأرض و لا الجنة و لا النار و لا آدم و لا حواء و لا الملائكة و لا شيئا مما خلقـصلوات الله عليهم أجمعينـ (19) ».

5ـعن عميد الطائفة و زعيمها الشيخ المفيدـرحمه اللهـ:«يجب على كل مكلف أن يعرف إمام زمانه،و يعتقد إمامته و فرض طاعته،و أنه أفضل أهل عصره و سيد قومه و أنهم في العصمة و الكمال كالأنبياء عليهم السلام،و يعتقد أن كل رسول من الله تعالى فهو نبي إمام،و ليس كل إمام نبيا...و أنهم الحجة على كافة الأنام كالأنبياء عليهم السلام،و أنهم أفضل خلق الله بعد نبيه صلى الله عليه و آله و سلم (20) ».

6ـو عنهـرحمه اللهـبعد ذكر الإختلافات في هذا الباب:«فاستدل من حكم‏لأمير المؤمنين عليه السلام بأنه أفضل من سالف الأنبياء عليهم السلام و كافة الناس سوى نبي الهدى صلى الله عليه و آله و سلم بأن قال:قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أفضل من كافة البشر بدلائل تسلمها أكثر من الحصر،و قوله صلى الله عليه و آله و سلم:أنا سيد البشر و قوله:أنا سيد ولد آدم و لا فخر،و إذا ثبت أنه عليه السلام أفضل البشر وجب أن يليه أمير المؤمنين عليه السلام بالفضل بدلالته على ذلك و ما قام عليه البرهان،فمن ذلك أنه صلى الله عليه و آله و سلم لما دعا نصارى نجران إلى المباهلة ليوضح عن حقه و يبرهن عن ثبوت نبوته و يدل على عنادهم في مخالفتهم له صلى الله عليه و آله و سلم بعد الذي أقامه من الحجة عليهم،جعل عليا في مرتبة الحكم بأنه عدله،و قضى له بأنه نفسه،و لم يحطه عن مرتبته في الفضل،و ساوى بيني و بينه،فقال مخبرا عن ربه عز و جل بما حكم به من ذلك و شهد و قضى و أكد/فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين/ (21) فدعا الحسن و الحسين للمباهلة فكانا ابنيه في ظاهر اللفظ،و دعا فاطمة عليها السلام و كانت المعبر عنها بنسائه،و دعا أمير المؤمنين عليه السلام و كان المحكوم له بأنه نفسه،و قد علمنا أنه لم يرد بالنفس إفادة العدل و المثل و من يحل منه في العز و الأكرام و المودة و الصيانة و الإيثار و الإعظام و الإجلال محل ذاته عند الله فيما فرض الله عليه من الإعتقاد بها،و لو لم يدل من دليل خارج على أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أفضل من أمير المؤمنين عليه السلام لقضي هذا الإعتبار بالتساوي بينهما في الفضل و الرتبة و لكن الدليل أخرج ذلك و بقي ما سواه بمقتضاه.

و من ذلك(أي من أدلة الأفضلية):أنه صلى الله عليه و آله و سلم جعل أحكام ولائه(و لاء علي عليه السلام)أحكام و لاء نفسه،و حكم عداوته كحكم العداوة له على الانفراد...و إذا كان الحكم بذلك من حيث ما وصفناه وجب أن يكون مساويا له فى الفضل‏الذي أوجب له من هذه الحال و إلا لم يكن له وجه في الفضل،و هذا كالأول فيما ذكرنا،فوجب التساوى بينهما في كل حال إلا ما أخرجه الدليل من فضله صلى الله عليه و آله و سلم:

و من ذلك:قوله عليه السلام المروي عن الفئتين الخاصة و العامة:«اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر»فجاء علي عليه السلام...و إذا ثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام أحب الخلق إلى الله تعالى فقد وضح أنه أعظمهم ثوابا عند الله و أكرمهم عليه،و ذلك لا يكون إلا بكونه أفضلهم عملا و أرضاهم فعلا و أجلهم في مراتب العابدين،و عموم اللفظ بأنه أحب خلق الله إليه تعالى على الوجه الذي فسرناه و قضينا يقضي بأنه أفضل من جميع البشرـرحمه اللهـإلخ (22) »

و من ذلك:ما جاءت الأخبار على التظاهر و الإنتشار،و نقله رجال العامة و الخاصة على التطابق و الاتفاق عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم:أن أمير المؤمنين عليه السلام يلي معه الحوض يوم القيامة،و يحمل بين يديه لواء الحمد إلى الجنة،و أنه قسيم الجنة و النار،و يوضع له منبر،و أنه يعلو ذروته و أعلاه،و يجلس أمير المؤمنين عليه السلام دونه بمرقاة،و يجلس الأنبياءـصلوات الله عليهمـدونها،و أنه يدعى صلى الله عليه و آله و سلم فيلبس حلة اخرى،و أنه لا يجوز الصراط يوم القيامة إلا من معه براءة من علي بن أبي طالب عليه السلام» .

و قال رحمه الله:فمنها(أي من الأخبار و الأحاديث التي تدل على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام):قول أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام:«و الله،و لو لم يخلق علي بن أبي طالب عليه السلام لما كان لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كفو من الخلق من،آدم فمن دونه»،و قوله عليه السلام:«و كان يوسف نبيا و ابن نبي ابن خليل الله،و كان صديقا رسولا؟و كان و الله،أبي،أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل منه»و قوله عليه السلام و قد سئل عن أمير المؤمنين عليه السلام:ما كانت منزلته من النبي صلى الله عليه و آله و سلم؟قال عليه السلام:«لم يكن بينه و بينه فضل سوى الرسالة»،و جاء مثل ذلك بعينه عن أبيه أبي جعفر و أبي الحسن و أبي محمد الحسن العسكري،و قولهم بالآراء المشهورة:«لولا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و علي بن أبي طالب عليه السلام لم يخلق الله سماء و لا أرضا و لا جنة و لا نارا»،و هذا يفيد فضلهما بالأعمال و تعلق الخلق في مصالحهم بمعرفتهما و الطاعة لهما و التعظيم و الإجلال».

و قال رحمه الله:«و قد روت العامة من طريق جابر بن عبد الله الأنصاري و أبي سعيد الخدريـرحمهما الله تعالىـعن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال:«علي خير البشر».و هذا نص في موضع الخلاف.و روي عنها(أي عائشة)أنها قلت في الخوارج حين ظهر أمير المؤمنين عليه السلام و قتلهم:«ما يمنعني ما بيني و بين علي بن أبي طالب أن أقول فيه ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فيه و فيهم،سمعته يقول:هم شر الخلق و الخليقة،يقتلهم خير الخلق و الخليقة».

و رووا عن جابر بن عبد الله الأنصاري إنه قال:«علي سيد البشر،لا يشك فيه إلا كافر».و الأخبار في هذه كثيرة،و فيما اثبتناه مقنع،و الإحتجاج بكل خبر منها له وجه،و الأصل في جميعها منهجه ما ذكرناه،و الله ولي التوفيق (23) ».

6ـعن العلامة الجليل محمد بن علي بن عثمان الكراجكي رحمه الله:«الذي نذهب إليه في ذلك هو أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبـصلوات الله عليهـأفضل من جميع البشر ممن تقدم و تأخر سوى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،و على هذا القول إجماع الشيعة الأمامية،و لم يخالف فيه منهم إلا الأصاغر الذين حادوا عن الطريق المعروفة بما هم عليه من إهمالهم (24) ».

7ـعن نابغة عصره،يحيى بن الحسن الحلي،المعروف بابن البطريق(المتوفى‏سنة 600):«فأما ما يدل على أن ولايته عليه السلام أعظم من سائر الفروض و آكد من جميع الواجبات فهو قوله تعالى:/يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس/ (25) ،فولايته قامت مقام النبوة لأن بصحة تبليغها عن الله ينفع شهادة أن لا إله إلا الله،و عدم تبليغها يبطل تبليغ الرسالة،فإذا حصلت صح تبليغ الرسالة،و متى عدم التبليغ بهذا الأمر لا يجدي تبليغ الرسالة،و ما كان شرطا في صحة وجود أمر من الأمور ما صح وجوده إلا بوجوده و وجب كوجوبه...

و أما القسم الثاني:و هو أنه عليه السلام أفضل رتبة من المتقدمين و المتأخرين من الأنبياء و الصديقين هو أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أفضل الأنبياء،و رسالته أفضل الرسالات،و قد أمر القديم سبحانه و تعالى سيد رسله صلى الله عليه و آله و سلم بإبلاغ فرض ولاية أمير المؤمنينـصلى الله عليهـو جعل في نفس وجوب أداء تبليغ ولايته سبب صحة تبليغ رسالته و أنه لم يصح تبليغ هذه الرسالة التي هي أفضل الرسالات إلا بتبليغ ولايتهـصلى الله عليه .و على هذا حيث ثبت الولاية كثبوت هذه الرسالة صارت شيئا واحدا،و إذا كانت إمامته كرسالته صار نفس هذه كنفس هذه و فضلها كفضلها،إذ ليس يوجد من خلق الله تعالى من نفسه كنفس رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سواه بدليل قوله تعالى في آية المباهلة:«و أنفسنا و أنفسكم»،فجعله تعالى نفس رسوله صلى الله عليه و آله و سلم،فإذا كان نفس الرسول و ولايته نفس ولايته كما قدمناه بطلت مماثلته من كافة خلق الله تعالى (26) ».

8ـقال الفخر الرازي،ذيل الآية الكريمة:/تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض/ (27) :«أجمعت الامة على أن بعض الأنبياء عليهم السلام أفضل من بعض،و على أن محمدا صلى الله عليه و آله و سلم أفضل من الكل،و يدل عليه من وجوه،أحدها قوله تعالى:/و ماأرسلناك إلا رحمة للعالمين/ (28) فلما كان رحمة لكل العالمين لزم أن يكون أفضل من كل العالمين (29) ».

أقول:إن هذا الدليل بعينه يدل على أن عليا عليه السلام أفضل من الكل لأنه عليه السلام عديل النبي و نفسه صلى الله عليه و آله و سلم بنص آية المباهلة كما اعترف و أذعن به الفخر الرازي فإنه في ذيل آية المباهلة بعد نقل كلام محمود بن الحسن الحمصي،و هو كلام جيد في أفضلية علي على الأنبياءـو قد قدمناه في كتابنا هذا(ص 200)مفصلاـقال:«و أما سائر الشيعة(يعني غير المحمود)فقد كانوا قديما و حديثا يستدلون بهذه الآية على أن علياـرضي الله عنهـمثل نفس محمد صلى الله عليه و آله و سلم إلا علي عليه السلام أفضل أيضا من سائر الصحابة.هذا تقرير كلام الشيعة (30) »ـانتهى.

فإن الفخر لم يخالف الشيعة في هذا الكلام و لم يناقشها كأنه أقر و أذعن بأن عليا نفس النبي صلى الله عليه و آله و سلم مع أنه إمام المشككين.نعم،ناقش الشيعة من جهة اخرى لم نطل المقال بذكرها.يقول الازري رحمه الله:

هو في آية التباهل‏ 
نفس النبي لا غيره إياها

فعلى هذا كما أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أفضل من الكل يكون نفس النبي صلى الله عليه و آله و سلم أفضل من الكل.قال الازري رحمه الله:

لك ذات كذاته حيث لو لا 
أنها مثلها لما آخاها

و قالـأيضا:«إن دين محمد عليه السلام أفضل الأديان فيلزم أن يكون محمد صلى الله عليه و آله و سلم أفضل الأنبياء.بيان الأول:أنه تعالى جعل الإسلام ناسخا لسائر الأديان و الناسخ يجب أن يكون أفضل لقوله عليه السلام:«من سن سنة حسنة فله أجرها و اجر من عمل بهاإلى يوم القيامة»فلما كان هذا الدين أفضل و أكثر ثوابا كان واضعه أكثر ثوابا.من واضعي سائر الأديان،فيلزم أن يكون محمد صلى الله عليه و آله و سلم أفضل من سائر الأنبياء (31) ».

أقول:إذا كان المعيار في الأفضلية أكثرية الثواب كما هو الحق فيكون علي عليه السلام أفضل من جميع الأنبياء حتى اولي العزم من الرسل،لأنه عليه السلام أكثر ثوابا و أكرم منزلة عند الله تعالى،و الشاهد على ذلك أخبار كثيرة من طرق العامة و الخاصة،و قد أسلفناها فيما مر،و منها:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي ابن أبي طالب عليه السلام :«يا أبا الحسن يجب أن يكون أفضل لقوله عليه السلام:«من سن سنة حسنة فله أجرها و اجر من عمل بها إلى يوم القيامة»فلما كان هذا الدين أفضل و أكثر ثوابا كان واضعه أكثر ثوابا .من واضعي سائر الأديان،فيلزم أن يكون محمد صلى الله عليه و آله و سلم أفضل من سائر الأنبياء (32) ».

أقول:إذا كان المعيار في الأفضلية أكثرية الثواب كما هو الحق فيكون علي عليه السلام أفضل من جميع الأنبياء حتى اولي العزم من الرسل،لأنه عليه السلام أكثر ثوابا و أكرم منزلة عند الله تعالى،و الشاهد على ذلك أخبار كثيرة من طرق العامة و الخاصة،و قد أسلفناها فيما مر،و منها:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي ابن أبي طالب عليه السلام :«يا أبا الحسن لو وضع إيمان الخلائق و أعمالهم في كفة ميزان،و وضع عملك يوم احد على كفة اخرى لرجح عملك على جميع ما عمل الخلائق،و إن الله باهى بكل يوم أحد ملائكته المقربين،و رفع الحجب من السماوات السبع و أشرفت إليك الجنة و ما فيها و ابتهج بفعلك رب العالمين،و إن الله تعالى يعوضك ذلك اليوم ما يغبطه كل نبي و رسول و صديق و شهيد (33) ».

و منها:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوم الأحزاب:«لضربة علي يوم الخندق أفضل من‏عبادة الثقلين (34) »،و يقول الازري رحمه الله:

لا فتى في الوجود إلا علي‏ 
ذاك شخص بمثله الله باهى

و قالـأيضا:«إن تفضيل بعض الأنبياء على بعض يكون لامور،منها:كثرة المعجزات التي هي دالة على صدقهم و موجبة لتشريفهم،و حصل في حق نبينا عليه السلام ما يفضل على ثلاثة آلاف،و هي بالجملة على أقسام...و منها ما يتعلق بالعلوم،كالإخبار عن الغيوب،و فصاحة القرآن (35) ».

أقول:ما قاله الفخر الرازي كلام صحيح لا يعتريه ريب و لا يختلج به وهم لأنه صلى الله عليه و آله و سلم كما قال البوصيري:

فاق النبيين في خلق و في خلق‏ 
و لم يدانوه في علم و لا كرم

و كل آي أتى الرسل الكرام بها 
فإنها اتصلت من نوره بهم

و كلهم من رسول الله ملتمس‏ 
غرفا من اليم أو رشفا من الديم

نعم،هو صلى الله عليه و آله و سلم مدينة المعارف و الآيات و العلوم و الحقائق،و لكن لا يمكن لأحد أن يصل إلى مدينة العلم إلا من بابها و هو ولينا علي عليه السلام.يقول الازري رحمه الله:

إنما المصطفى مدينة علم‏ 
و هو الباب من أتاه أتاها

و قال العلامة المناوي الشافعي:«فإن المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلها،و لا بد للمدينة من باب،فأخبر أن بابها هو عليـكرم الله وجههـ،فمن أخذ طريقه دخل المدينة،و من أخطأه أخطأ طريق الهدى».

و قالـأيضا:«علي بن أبي طالب هو الباب الذي يدخل منه إلى الحكمة،فناهيك بهذه المرتبة ما أسناها،و بهذه المنقبة ما أعلاها،و من زعم أن المراد بقوله:«علي بابها»أنه مرتفع من العلو و هو إلارتفاع فقد تمحل لغرضه الفاسد بمالا يجزيه و لا يسمنه و لا يغنيه (36) ».

و قال العلامة الطريحي رحمه الله في مادة«بوب»:«و في الخبر الصحيح:«أنا مدينة العلم و علي بابها،فمن أراد العلم فليأت الباب».رواه الكثير منهم،و نقل عليه بعضهم إجماع الامة لأنه جعل نفسه الشريفة تلك المدينة،و منع الوصول إليها إلا بواسطة الباب،فمن دخل منه كان له عن المعصية مندوحة،و فاز فوزا عظيما،و اهتدى صراطا مستقيما،نقل أن سبب الحديث أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال له:طمش طاح،فغادر شبلا،لمن النشب؟فقال صلى الله عليه و آله و سلم:للشبل مميطا،فدخل علي عليه السلام فذكر له النبي صلى الله عليه و آله و سلم لفظ الأعرابي،فأجاب بما أجاب به النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال صلى الله عليه و آله و سلم:«أنا مدينة العلم و علي بابها».

و من لطيف ما نقل هنا أن أعرابيا دخل المسجد فبدأ بالسلام على علي عليه السلام،ثم سلم على النبي صلى الله عليه و آله و سلم،فضحك الحاضرون و قالوا له في ذلك،فقال:سمعت النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول:«أنا مدينة العلم و علي بابها»،فقد فعلت كما أمر صلى الله عليه و آله و سلم».

أقول:الطمشـبالكسرـالناس،يقال:ما أدري أي الطمش هو،أي أي الناس.و طاح:هلك،و سقط،و أشرف على الهلاك.و المغادرة:الترك،و أغدر الشي‏ء:تركه و أبقاه،و الشبل:ولد الأسد،و شبل الغلام أحسن شبول إذا نشأ،و الميط:الشي‏ء،و ما عنده ميط أي ما عنده شي‏ء (37) .و معنى الخبر:رجل مات و هلك،و ترك ولدا،لمن المتاع و التركة؟فقال صلى الله عليه و آله و سلم:التركة للولد.

و في«تاريخ بغداد»،عن جابر بن عبد الله،قال:«سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوم الحديبيةـو هو آخذ بيد عليـيقول:هذا أمير البررة،و قاتل الفجرة،منصور من نصره،مخذول من خذلهـيمد بها صوتهـأنا مدينة العلم و علي بابها،فمن أرادالبيت فليأت الباب (38) ».

وـأيضاـعن ابن عباس،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«أنا مدينة العلم و علي بابها (39) ».

وـأيضاـعن ابن عباس،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«أنا مدينة الحكمة و علي بابها،و من أراد الحكمة فليأت الباب (40) ».

وـأيضاـعن ابن عباس،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«أنا مدينة الجنة و علي بابها،فمن أراد الجنة فليأتها من بابها (41) ».و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم:«و أنا مدينة الفقه و علي بابها (42) »

و عن ابن عباس،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«أتاني جبرئيل عليه السلام بدرنوك من درانيك الجنة،فجلست عليه،فلما صرت بين يدي ربى كلمني و ناجاني فما علمني شيئا إلا علمه علي،فهو باب مدينة علمي (43) ».

و يقول شمس الدين المالكيـالمتوفى 780ـ:

و قال رسول الله:إني مدينة من العلم و هو الباب و الباب فاقصد (44) و يقول العارف الكبير ابن فارض المصري:

و أوضح بالتأويل ما كان مشكلا 
علي بعلم ناله بالوصية

و ذكر الفخر الرازي أيضا:«أن أهل بيته صلى الله عليه و آله و سلم يساوونه في خمسة أشياء :في‏السلام،قال:السلام عليك أيها النبي،و قال:/سلام على آل ياسين/ (45) .و في الصلاة عليه و عليهم في التشهد،و في الطهارة،قال تعالى:«طه»أي،يا طاهر!و قال:/و يطهركم تطهيرا/ (46) ،و في تحريم الصدقة،و في المحبة،قال تعالى:/فاتبعوني يحببكم الله/ (47) ،و قال:/قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى/ (48) .

و قالـأيضاـفي تفسيره:«و أنا أقول:آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم هم الذين يؤول أمرهم إليه،فكل من كان أمرهم إليه أشد و أكمل كانوا هم الآل،و لا شك أن فاطمة و عليا و الحسن و الحسين كان التعلق بينهم و بين رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أشد التعلقات،و هذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل،وـأيضاـاختلف الناس في الآل فقيل :هم الأرقاب،و قيل:هم امته،فإن حملناه على القرابة فهم الآل،و إن حملناه على الامة الذين قبلوا دعوته فهمـأيضاـآل،فثبت أن على جميع التقادير هم الآل،و أما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟فمختلف فيه (49) ».

9ـعن ابن أبي الحديد،قال:«و في خطبة الحسن بن علي عليهما السلام لما قبض أبوه:«لقد فارقكم في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون و لا يدركه الآخرون،كان يبعثه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم للحرب و جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره».

و عنه جاء في الحديث أنه سمع يوم احد صوت من الهواء من جهة السماء يقول:لا سيف إلا ذوالفقار،و لا فتى إلا علي...فقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه و آله،قال:«يا جبرئيل !إنه(يعني عليا)مني و أنا منه (50) ».

و قال في قصيدته الاولى من العلويات السبعـو هي قصيدة طويلة تشتمل على فتح خيبرـ:

فما ماس موسى في رداء من العلى‏ 
و لا آب ذكرا بعد ذكرك أيوب

المعنى:ماس،إذا تبختر في مشيه.و في هذا البيت تصريح بتفضيله على الأنبياء عليهم السلام،و المعنى أن موسى عليه السلام لم يشتمل على علاء كامل،بل علاك أكمل و لم يرجع أيوب بذكر ما آبه بل ذكرك آبه (51) .

تقيلت أفعال الربوبية التي‏ 
عذرت بها من شك أنك مربوب

المعنى:تقيلت أي أشبهت،يقال:تقيل فلان أباه إذا أشبهه،و ذلك لأنه عليه السلام كان يصدر عنه ما لا يصدر عن البشر كالحكم بالمغيبات و غير ذلك،و قوله«عذرت بها»يريد المبالغة و المجاز،إذ العذر الحقيقي في هذا كفر (52)

و يا علة الدنيا و من بدء خلقها له‏ 
و سيتلو البدء في الحشر تعقيب

المعنى:علة الدنيا إي سبب وجودها،و قد وردت الأخبار بأن الأئمة عليهم السلام سبب وجودها (53) .

و قال في قصيدته الخامسة في وصفه عليه السلام:

و وارث علم المصطفى و شقيقه‏ 
أخا و نظيرا في العلى و الأواصر

المعنى:الشقيق أي الأخ،و الأواصر جمع الآصرة و هي القرابة و كل ما يعطف على الإنسان من رحم أو صهر أو معروف،يعني إنه اشتق من النبي صلى الله عليه و آله و سلم فماثله في علاه و خلائقه الكريمة (54) .

و قال في قصيدته السابعة من العلويات السبع:

يا برق إن جئت الغري فقل له‏ 
أتراك تعلم من بأرضك مودع

فيك ابن عمران الكليم و بعده‏ 
عيسى يقفه و أحمد يتبع

بل فيك جبرئيل و ميكائيل و إس 
رافيل و الملأ المقدس أجمع

بل فيك نور الله جل جلاله‏ 
لذوي البصائر يستشف و يلمع

فيك الأمام المرتضى فيك الوص 
ي المجتبى فيك البطين الأنزع

المعنى:يقفه أي يتبعه،و الملأ المقدس إشارة إلى باقي الملائكة،و أما كون النبيين و الملائكة في قبره فلأنه حوى،ما حووه من الفضل،فكأنه كلهم فيه.و ذكر موسى و عيسى و هما من اولى العزم ليحصل الاتصال بنبينا صلى الله عليه و آله و سلم و إن كان أفضل الخلائق فإن عليا عليه السلام نفسه بنص القرآن المجيد و الأخبار،و إنما بدأ بالنبيين لأن الملائكة على رأي المعتزلة أفضل من النبيين،فكأنه ارتقى عن درجة النبيين إلى الملائكة،ثم ارتقى إلى الدرجة العليا و هو نور الله الذي لا يطفأ (55) .

هذا ضمير العالم الموجود عن‏ 
عدم و سر وجوده المستودع

المعنى:ضمير العالم و سره بمعنى واحد،و العالم كل موجود سوى الله،و آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم سر العالم المستودع عند اولي العلم،إذ لولا هم ما أوجد العالم،فسر الوجود هو ما علمه الله تعالى من المصالح في إيجاد هذا العالم بسبب محمد و آل محمد عليهم السلام،حيث كانوا ألطافا لا يصح التكليف إلا بهم،و لا يقوم غيرهم مقامهم (56) .

هذا هو النور الذي عذباته‏ 
كانت بجبهة آدم تتطلع

المعنى:عذباته أي أطرافه،لأن عذبه اللسان و الصوت طرفاهما،و يريد بالنور نور النبوة المنتقل من آدم إلى نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم و إنه ابن عمه و قسيمه في الشرف (57) .

و شهاب موسى حيث أظلم ليله‏ 
رفعت له لألاؤه تتشعشع

لألأوه أي أنواره،و اطلق على علي عليه السلام الشهابـو هو الشعلة من النارـإطلاقا لا سم المسبب على السبب حيث إنه عليه السلام سبب في تفضيل موسى عليه السلام و ظهور النار له (58) .

ما العالم العلوي إلا تربة 
فيها لجثتك الشريفة مضجع

المعنى:جعل تربته و محل جسده الشريف العالم العلوي،و هو في ذلك بار صادق،لأن قبره عليه السلام معراج الملائكة و محل اختلاف الأرواح،و العالم العلوي عبارة عن ذلك.

أقول فيك سميدع كلا و لا 
حاشا لمثلك أن يقال سميدع

المعنى:اسميدع أي السيد السهل الأخلاق.

بل أنت في القيامة حاكم‏ 
في العالمين و شافع و مشفع

المعنى:أضرب عن الصفة بالسميدع و أثبت ما هو أعلى و أجل و هو كونه حاكما في العالمين يوم القيامة،و ذلك لأنه قسيم النار و الجنة،و صاحب الحوض و الشفاعة (59) .

و الله لو لا حيدر ما كانت ال 
دينا و لا جمع البرية مجمع

و إليه في يوم المعاد حسابنا 
و هو الملاذلنا غدا و المفزع

و قال في السادسة من العلويات السبع:

علم الغيوب إليه غير مدافع‏ 
و الصبح أبيض مسفر لا يدفع

المعنى:«علم الغيوب»مبتدأ و«إليه»الخبر،و«غير مدافع»نصب على الحال،و يجوز أن يكون«غير»خبرا بعد خبر،أما إخباره عليه السلام بالمغيبات بواسطة التعليم كما قال المادح كالصبح لا يدفع نوره بل يخرق الحجب (60) .و قال أيضا في«شرح النهج»(ج 7:ص 47/ذيل الخطبة 92):«فاسألوني قبل أن تفقدوني،فو الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شي‏ء فيما بينكم و بين الساعة،و لا عن فئة تهدي مائة و تضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها و قائدها و سائقها و مناخ ركابها و محط رحالها،و من يقتل من أهلها قتلا،و من يموت منهم موتا».

(فصل:في ذكر امور غيبية أخبر بها الإمام ثم تحققت)

و اعلم أنه عليه السلام قد أقسم في هذا الفصل بالله الذي نفسه بيده أنهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم و بين القيامة إلا أخبرهم به،و أنه ما صح من طائفة من الناس يهتدي بها مائة و تضل بها مائة إلا و هو مخبر لهم إن سألوه برعاتها و قائدها و سائقها و مواضع نزول ركابها و خيولها،و من يقتل منها قتلا،و من يموت منها موتا،و هذه الدعوى ليست منه عليه السلام ادعاء الربوبية و لا ادعاء النبوة و لكنه كان يقول إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أخبره بذلك،و لقد امتحنا إخباره فوجدناه موافقا فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة،كإخبار عن الضربة التي يضرب بها في رأسه فتخضب لحيته.و إخباره عن قتل الحسين ابنه عليهما السلام و ما قاله في كربلاء حيث مربها،و و اخباره بملك معاوية الأمر من بعده،و إخباره عن الحجاج و عن يوسف بن عمر،و ما أخبر به من الخوارج بالنهروان،و ما قدمه إلى أصحابه من اخباره بقتل من يقتل منهم،و صلب من يصلب،و إخباره بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين،و إخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة لما شخص عليه السلام إلى البصرة لحرب أهلها،و اخباره عن عبد الله بن زبير،و قوله فيه:«خب ضب يروم أمرا و لا يدركه،ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا و هو بعد مصلوب قريش»،و كإخباره عن هلاك البصرة بالغرق و هلاكها تارة اخرى بالزنج و هو الذي صحفه قوم فقالوا:بالريح...«إلى آخر ما قال»،و إن شئت الزيادة فراجع هناك.

و قالـايضا:(الأخبار الواردة عن معرفة الإمام علي بالامور الغيبية):روى ابن هلال الثقفي في كتاب«الغارات»عن زكريا بن يحيى العطار،عن فضيل،عن محمد بن علي قال:لما قال علي عليه السلام:«سلوني قبل أن تفقدوني،فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة و تهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها و سائقها»قام إليه رجل فقال:أخبرني بما في رأسى و لحيتي من طاقة شعر،فقال له علي عليه السلام:«و الله لقد حدثني خليلي أن على كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك،و أن على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يغويك،و أن في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم»،و كان ابنه قاتل الحسين عليه السلام يومئذ طفلا يحبو،و هو سنان بن أنس النخعي.

و روى الحسن بن محبوب،عن ثابت الثمالي،عن سويد بن غفلة أن عليا عليه السلام خطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره فقال:يا أمير المؤمنين!إني مررت بوادي القرى فوجدت خالد بن عرفطة قد مات،فاستغفر له،فقال عليه السلام:و الله ما مات و لا يموت حتى يقود جيش ضلالة،صاحب لوائه حبيب بن حمار،فقام رجل آخر من تحت المنبر،فقال:يا أمير المؤمنين!أنا حبيب بن حمار،و إنى لك شيعة و محب،فقال:أنت حبيب بن حمار؟قال:نعم،فقال له ثانية:و الله إنك لحبيب بن حمار؟فقال:إي و الله،قال:أما و الله أنك لحاملها،و لتحملنها و لتدخلن بها من هذا الباب،و أشار بها إلى باب الفيل بمسجد الكوفة.

قال ثابت:فو الله،مامت حتى رأيت ابن زياد و قد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي عليهما السلام،و جعل خالد بن عرفطة على مقدمته،و حبيب ابن حمار صاحب رايته،فدخل بها من باب الفيل...

و روى محمد بن جبلة الخياط،عن عكرمة،عن يزيد الأحمسي أن عليا عليه السلام كان جالسا في مسجد الكوفة و بين يديه قوم منهم عمرو بن حريث إذا قبلت امرأة مختمرة لا تعرف،فوقفت فقالت لعلي عليه السلام:يا من قتل الرجال،و سفك الدماء،و أيتم الصبيان،و أرمل النساء،فقال عليه السلام:و إنها لهي هذه السلقلقة الجلعة المجعة،وإنها لهي هذه،شبيهة الرجال و النساء التى ما رأت دما قط.

قال:فولت هاربة منكسة رأسها،فتبعها عمرو بن حريث،فلما صارت بالرحبة قال لها:و الله،لقد سررت بما كان منك اليوم إلى هذا الرجل،فادخلى منزلي حتى أهب لك و أكسوك،فلما دخلت منزله أمر جواريه بتفتيشها و كشفها و نزع ثيابها لينظر صدقه فيما قاله عنها،فبكث،و سألته ألا يكشفها و قالت:أنا و الله،كما قال لي ركب النساء،و انثيان كانثيي الرجال،و ما رأيت دما قط،فتركها و أخرجها ثم جاء إلى علي عليه السلام فأخبره،فقال:إن خليلي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أخبرني بالمتمردين علي من الرجال،و المتمردات من النساء إلى أن تقوم الساعة».

قلت:السلقلقة أي السليطة،و أصله من السلق و هو الذئب،و السلقلقة:الذئبة،و الجلعة المجعة :البذية اللسان،و الركب:منبت العانة»،و من أراد الزيادة فليراجع«شرح نهج البلاغة»(الخطبة 37)أولها:«فقمت بالأمر حين فشلوا (61) ».

و قالـأيضا:«روى صاحب كتاب«الاستيعاب»و هو أبو عمر محمد بن عبد البر،عن جماعة من الرواة و المحدثين،قالوا:لم يقل أحد من الصحابةـرضى الله عنهمـ:«سلوني»إلا علي بن أبي طالب عليه السلام،و روى شيخنا أبو جعفر الإسكافي في كتاب«نقض العثمانية»،عن علي بن الجعد،عن ابن شبرمة،قال:ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر:«سلوني»إلا علي بن أبي طالب عليه السلام (62) ».

و نقل عنه العلامة الخوئي هذا الكلام في شرحه(ج 7:ص 74،ط طهران)ثم قال:«أقول:و ذلك لأن أنواع السؤالات غير محصورة و لا محصاة،و أصناف الطلبات غير معدودة و لا مستقصاة،فبعضها يتعلق بالمعقول،و بعضها بالمنقول،و بعضها بعالم الشهود،و بعضها بعالم الغيب،و بعضها بما كان،و بعضها بما يكون،و بعضها بما هو كائن،و هكذا،فلا يمكن الجواب عن هذه كله،و لا يقدر على مثل ذلك إلا من تأيد بقوة ربانية،و اقتدر بقدرة إلهية،و نفث في روعه الروح الأمين،و تعلم علوم الأولين و الآخرين،و صار منبع العلم و الحكمة و ينبوع الكمال و المعرفة،و هو أمير المؤمنين،و يعسوب الدين،و وارث علم النبيين،و بغية الطالبين،و حلال مشكلات السائلين،فلا ينصب نفسه في هذا المنصب إلا جاهل،و لا يدعي لنفسه هذا المقام إلا تائه غافل،و في هذا المقام قال الشاعر:

و من ذا يساميه بمجد و لم يزل‏ 
يقول سلوني ما يحل و يحرم

سلوني ففي جنبي علم ورثته‏ 
عن المصطفى مافات مني به الفلم

سلوني عن طرق السماوات إنني‏ 
بها عن سلوك الطرق في الأرض أعلم

و لو كشف الله الغطا لم أزد به‏ 
يقينا على ما كنت أدري و أفهم

إلى أن قال:ـعن أبي بصير،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«سئل علي عليه السلام عن علم النبي صلى الله عليه و آله و سلم،فقال:علم النبي علم جميع النبيين،و علم ما كان و علم ما هو كائن إلى قيام الساعة،ثم قال عليه السلام:و الذي نفسي بيده إني لا علم علم النبي و علم ما كان و علم ما هو كائن فيما بيني و بين قيام الساعة (63) ».

عود الى بدء:

10ـعن سبط ابن الجوزي:«قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:الصديقون ثلاثة:حزقيل مؤمن آل فرعون،و حبيب النجار،و هو مؤمن آل يس،و علي بن أبي طالب و هو أفضلهم،و حزقيل كان نبيا من أنبياء بني إسرائيل مثل يوشع،فدل على فضل علي عليه السلام على أنبياء بني إسرائيل (64) ».

11ـعن العلامة الأجل،الشيخ زين الدين العاملي النباطي(المتوفى سنة 877):«أكثر شيوخنا يفضلونه(يعنى عليا عليه السلام)على اولي العزم عليهم السلام لعموم رئاسته و انتفاع جميع أهل الدنيا بخلافته،لكونه خليفة لنبوة عامة بخلاف نبوتهم،و لقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم في خبر الطائر المشوي:«ائتني باحب خلقك إليك»،و لم يستثن الأنبياء،و لأنه مساو للنبي الذي هو أفضل في قوله تعالى:و أنفسنا و أنفسكم (65) ،و المراد المماثلة لامتناع الاتحاد،و لأنه أفضل من الحسنين في قوله صلى الله عليه و آله و سلم:«أبوهما خير منهما»،و قد جعلهما جدهما سيدين لأهل الجنة في الحديث المشهور فيهما،و قد أسند الأعمش إلى جابر الأنصاري قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم:«أي الإخوان أفضل؟قلت:النبيون،فقال صلى الله عليه و آله و سلم:أنا أفضلهم،و أحب الإخوة إلى علي بن أبي طالب،فهو عندي أفضل من الأنبياء،فمن قال:إنهم خير منه فقد جعلني أقلهم لأني اتخذته أخا لما علمت من فضله و أمرني ربى به (66) ».

12ـعن الكفعمي رحمه الله:«ثم اشتق سبحانه من نور نبيه صلى الله عليه و آله و سلم نور وليه علي بن أبي طالب عليه السلام فباسمه العظيم دعا آدم ربه فلباه،و افتخر به إذ تاب عليه و اصطفاه،و افتخر به نوح إذ نجاه الله به طوفانه و طماه،و افتخر به إبراهيم إذ خلصه الله به من النار و أنجاه،و افتخر به اسماعيل إذبه من الذبح بذبح عظيم فداه،و افتخر به يوسف إذ أخرجه به من الجب و ملكه مصر و أعطاه،و افتخر به يعقوب إذ دعا الله به فرد عليه ولده،و بصره بعد عماه،و افتخر به لوط إذ نجاه من القرية التي كانت تعمل الخبائث و حماه،و افتخر به ايوب إذ به كشف الله ضره و بلواه،و أهله و مثلهم معهم أعطاه.

و عن هبيرة،قال:خطبنا الحسن بن علي عليه السلام فقال:«لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم،و لا يدركه الآخرون،و كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يبعثه بالراية،جبرئيل عن يمينه،و ميكائيل عن شماله،لا ينصرف حتى يفتح له (67) ـالخ».

تتميم و مما يدل على أفضليته قوله عليه السلام:«سلوني قبل أن تفقدوني»و الأثر في ذلك كثير،ذكرنا منها ما لا يخرجنا عما نحن فيه:

1ـقال عليه السلام:«سلوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها من طرق الأرض،فجاء جبرئيل في صورة رجل،فقال:إن كنت صادقا فأخبرني أين جبرئيل؟فنظر إلى السماء يمينا و شمالا،ثم إلى الأرض كذلك فقال:ما وجدته في السماء و لا في الأرض و لعله أنت (68) ».

2ـقال الحافظ محمد بن يوسف بن محمد البلخي الشافعي في كتابه(على ما في تلخيصه،ص 16) :«و روي عن عليـكرم الله وجههـأنه قال في مجلسه العام:سلوني قبل أن تفقدوني،سلوني عن علم السماء فإني أعلمها زقاقا زقاقا،و ملكا ملكا،فقال رجل من الحاضرين:حيث ادعيت ذلك يا ابن أبي طالب،أين جبرئيل هذه الساعة؟فغطس قليلا و تفكر في الأسرار،ثم رفع رأسه قائلا :إني طفت السماوات السبع فلم أجد جبرئيل،و أظنه أنت أيها السائل،فقال السائل:بخ،بخ،من مثلك يا ابن أبى طالب،و ربك يباهي بك الملائكة؟!ثم سجى من الحاضرين (69) ».

3ـعن محمد بن طلحة الشافعي،فقال عليه السلام مرة:«سلوني عن طرق السماوات فإني أعرف بها من طرق الأرض»،و قال مرة:«لو شئت لأوقرت بعيرا من تفسير بسم الله الرحمن الرحيم»،و قال مرة:«لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم،و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم،و بين أهل الزبور بزبورهم،و بين أهل الفرقان بفرقانهم،و الله ما من آية انزلت في بر،أو بحر،ولا سهل،و لا جبل،و لا سماء،و لا أرض،و لا ليل،و لا نهار،إلا و أنا أعلم فيمن نزلت،و في أي شي‏ء نزلت (70) ».

4ـعن سبط ابن الجوزي:«و قال عليه السلام:سلوني عن طرق السماوات فإني أعرف بها من طرق الأرضين،و لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا (71) ».

5ـعن الأصبغ بن نباتة،قال:«لما جلس علي عليه السلام في الخلاقة و بايعه الناس خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،لابسا بردة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،متنعلا نعل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،متقلدا سيف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،فصعد المنبر،فجلس عليه السلام عليه متمكنا،ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه،ثم قال:يا معشر الناس!سلوني قبل أن تفقدوني،هذا سفط العلم (72) ،هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،هذا ما زقني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم زقا زقا (73) ،سلوني،فأن عندي علم الأولين و الآخرين،أما و الله،لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوارة بتوراتهم حتى تنطق التوارة،فنقول:صدق علي،ما كذب،لقد أفتاكم بما أنزل الله في،و أفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول:صدق علي،ما كذب،لقد أفتاكم بما أنزل الله في،و أنتم تتلون القرآن ليلا و نهارا،فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟و لو لا آية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان و بما يكون و ما هو كائن إلى يوم القيامة،و هي هذه الآية:/يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب/ (74) .

ثم قال:سلوني قبل أن تفقدوني،فو الله الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو سألتموني عن آية،آية في ليل انزلت أو في نهار أنزلت،مكيها و مدنيها،سفريهاو حضريها،ناسخها و منسوخها،محكمها و متشابهها،و تأويلها و تنزيلها لأخبرتكم.فقام إليه رجل يقال له ذعلبـو كان ذرب اللسان بليغا في الخطب،شجاع القلبـفقال:لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة،لا خجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه،فقال:يا أمير المؤمنين!هل رأيت ربك؟قال:ويلك يا ذعلب،لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره،فقال:فكيف رأيته؟صفه لنا،قال:ويلك،لم تره العيون بمشاهدة الأبصار،و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.

ويلك يا ذعلب،إن ربي لا يوصف بالبعد،و لا بالحركة،و لا بالسكون،و لا بالقيام قيام انتصاب و لا بجيئة و لا بذهاب،لطيف اللطافة،لا يوصف باللطف،عظيم العظمة،لا يوصف بالعظم،كبير الكبرياء،لا يوصف بالكبر،جليل الجلالة،لا يوصف بالغلظ،رؤوف الرحمة،لا يوصف بالرقة،مؤمن لا بعبادة،مدرك لا بمحسة،قائل لا باللفظ،هو في الأشياء على غير ممازجة،خارج منها على غير مباينة،فوق كل شي‏ء فلا يقال:شي‏ء فوقه،و أمام كل شي‏ء فلا يقال:له أمام،داخل في الأشياء لا كشي‏ء في شي‏ء داخل،و خارج منها لا كشي‏ء من شي‏ء خارج.

فخر ذعلب مغشيا عليه،ثم قال:تالله،ما سمعت بمثل هذا الجواب،و الله لا عدت إلى مثلها

ثم قال:سلوني قبل أن تفقدوني،فقام إليه الأشعث بن قيس،فقال:يا أمير المؤمنين!كيف يؤخذ من المجوس الجزية و لم ينزل عليهم كتاب،و لم يبعث إليهم نبي؟قال:بلى،يا أشعث!قد أنزل الله عليهم كتابا و بعث إليهم رسولا حتى كان لهم ملك سكر ذات ليلة،فدعا بابنته إلى فراشه،فارتكبها،فلما أصبح تسامع به قومه،فاجتمعوا إلى بابه فقالوا:أيها الملك دنست علينا ديننا و أهلكته،فاخرج نطهرك و نقم عليك الحد.فقال لهم:اجتمعوا و اسمعوا كلامي،فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت و إلا فشأنكم.

فاجتمعوا،فقال لهم:هل علمتم أن الله لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم وامنا حواء؟قالوا :صدقت أيها الملك،قال:أفليس قد زوج بنيه من بناته و بناته من بنيه؟قالوا:صدقت هذا هو الدين،فتعاقدوا على ذلك فمحا الله ما في صدورهم من العلم،و رفع عنهم الكتاب،فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب،و المنافقون أشد حالا منهم،قال الأشعث:و الله،ما سمعت بمثل هذا الجواب،و الله،لاعدت إلى مثلها أبدا.

ثم قال:سلوني قبل أن تفقدوني.فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا على عصاه،فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه،فقال:يا أمير المؤمنين!دلني على عمل أنا إذا عملته نجاني الله من النار،قال له:اسمع يا هذا،ثم افهم،ثم استيقن،قامت الدنيا بثلاثة:بعالم ناطق مستعمل لعلمه،و بغني لا يبخل بماله على أهل دين الله،و بفقير صابر،فإذا كتم العالم علمه،و بخل الغني،و لم يصبر الفقير،فعندها الويل و الثبور،و عندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلى بدئها أي الكفر بعد الإيمان.

ايها السائل!فلا تغترن بكثرة المساجد،و جماعة أقوام أجسادهم مجتمعة و قلوبهم شتي،أيها السائل!إنما الناس ثلاثة:زاهد و راغب و صابر،فأما الزاهد فلا يفرح بشي‏ء من الدنيا أتاه،و لا يحزن على شي‏ء منها فاته،و أما الصابر فيتمناها بقلبه،فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها،و أما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام.

قال له:يا أمير المؤمنين!فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟قال:ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه،و ينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منه و إن كان حميما قريبا،قال:صدقت و الله،يا أمير المؤمنين!ثم غاب الرجل فلم نره،فطلبه الناس فلم يجدوه،فتبسم علي عليه السلام على المنبر ثم قال:مالكم؟هذا أخي الخضر عليه السلام.

ثم قال:سلوني قبل أن تفقدوني،فلم يقم إليه أحد،فحمد الله و أثنى عليه،و صلى على نبيه صلى الله عليه و آله و سلم ثم قال للحسن عليه السلام:يا حسن!قم،فاصعد المنبر فتكلم بكلام‏لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون:إن الحسن بن على لا يحسن شيئا،قال الحسن عليه السلام:يا أبت!كيف أصعد و أتكلم و أنت في الناس تسمع و ترى؟قال له:بأبي و أمي،اواري نفسي عنك و أسمع و أرى و أنت لا تراني،فصعد الحسن عليه السلام المنبر،فحمد الله بمحامد بليغة شريفة و صلى على النبي صلى الله عليه و آله و سلم صلاة موجزة ثم قال:ايها الناس!سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول:«أنا مدينة العلم و علي بابها،و هل تدخل المدينة إلا من بابها».

ثم نزل،فوثب إليه علي عليه السلام فحمله و ضمه إلى صدره،ثم قال للحسين عليه السلام:يا بني!قم،فاصعد المنبر و تكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون:إن الحسين بن علي لا يبصر شيئا،و ليكن كلامك تبعا لكلام أخيك،فصعد الحسين عليه السلام المنبر،فحمد الله و أثنى عليه،و صلى على نبيه صلى الله عليه و آله و سلم صلاة موجزة ثم قال:معاشر الناس !سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هو يقول:«إن عليا هو مدينة هدى،فمن دخلها نجا،و من تخلف عنها هلك».فوثب إليه علي فضمه إلى صدره و قبله،ثم قال:معاشر الناس !اشهدوا أنهما فرخا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و وديعته التي استودعنيها و أنا أستودعكموها،معاشر الناس!و رسول الله سائلكم عنهما (75) ».

تذييل:قال العلامة الأميني(ره):«لم أر في التاريخ قبل مولانا أمير المؤمنين من عرض نفسه لمعضلات المسائل و كراديس الأسئلة،و رفع عقيرته بجأش رابط بين الملأ العلمي بقوله:«سلوني»إلا صنوه النبي الأعظم،فإنه صلى الله عليه و آله و سلم كان يكثر من قوله:«سلوني عما شئتم»و قوله:«سلوني سلوني»و قوله:«سلوني،و لا تسألوني عن شئى إلا أنبئتكم به»،فكما ورث أمير المؤمنين علمه صلى الله عليه و آله و سلم ورث مكرمته هذه و غيرها،و هما صنوان في المكارم كلها،و ما تفوه بهذا المقال أحد بعدأمير المؤمنين عليه السلام الا و قد فضح و وقع في ربيكة،و أماط بيده الستز عن جهله المطبق،نظراء:

الفـإبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي و الى مكة و المدينة،و الموسم لهشام بن عبد الملك،حج بالناس سنة 107 و خطب بمنى،ثم قال:«سلوني فأنا ابن الوحيد،لا تسألوا أحدا أعلم مني»،فقام إليه رجل من أهل العراق فسأله عن الاضحية أواجبة هي؟فمادرى أي شي‏ء يقول له،فنزل عن المنبر (76) ».

بـمقاتل بن سليمان،قال إبراهيم الحربي:قعد مقاتل بن سليمان،فقال:«سلوني عما دون العرش إلى لويانا»،فقال له رجل؟آدم حين حج من حلق رأسه،قال:فقال له:ليس هذا من عملكم و لكن الله أراد أن يبتليني بما أعجبتني نفسي (77) ».

جـقال سفيان بن عيينة:قال مقاتل بن سليمان يوما:«سلوني عمادون العرش»،فقال له إنسان :يا أبا الحسن!أرايت الذرة أو النملة أمعاؤها في مقدمها أو مؤخرها؟قال:فبقي الشيخ لا يدري ما يقول له،قال سفيان:فظننت أنها عقوبة عوقب بها (78) ».

دـقال موسى بن هارون الحمال:بلغني أن قتادة قدم الكوفة فجلس في مجلس له و قال:«سلوني عن سنن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى اجيبكم»،فقال جماعة لأبي حنيفة:قم إليه فسله،فقام إليه فقال:ما تقول يا أبا الخطاب،في رجل غاب عن أهله فتزوجت أمرأته،ثم قدم زوجها الأول فدخل عليها و قال:يا زانية تزوجت و أنا حي؟ثم دخل عليها زوجها الثاني فقال لها:تزوجت يا زانية و لك زوج؟كيف اللعان

فقال قتادة:قد وقع هذا؟فقال له أبو حنيفة:و إن لم يقع نستعدله،فقال له قتادة:لا اجيبكم في شي‏ء من هذا،سلوني عن القرآن،فقال له أبو حنيفة:ما تقول في قوله عز و جل:/قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به/ (79) من هو؟قال قتادة:هذا رجل من ولد عم سليمان بن داود،كان يعرف اسم الله الأعظم،فقال أبو حنيفة:أكان سليمان يعلم ذلك الاسم؟قال:لا،قال:سبحان الله و يكون بحضرة نبي من الأنبياء من هو أعلم منه؟

قال قتادة:لا اجيبكم في شي‏ء من التفسير،سلوني عما اختلف الناس فيه،فقال له أبو حنيفة :أمؤمن أنت؟قال:أرجو،قال له أبو حنيفة:فهلا قلت كما قال إبراهيم فيما حكى الله عنه حين قال له:/أ و لم تؤمن قال:بلى/ (80) ؟قال قتادة:خذوا بيدي،و الله،لا دخلت هذا البلد أبدا (81) ».

هـحكي عن قتادة أنه دخل الكوفة،فاجتمع عليه الناس،فقال:سلوا عما شئتم،و كان أبو حنيفة حاضراـو هو يومئذ غلام حدثـفقال:سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكرا أم أنثى؟فسألوه،فافحم،فقال أبو حنيفة:كانت أنثى،فقيل له:كيف عرفت ذلك؟فقال:من قوله تعالى:«قالت»و لو كانت ذكرا لقال:«قال نملة»(لأن النملة)مثل الحمامة و الشاة في وقوعها على الذكر و الانثى (82) ».

أقول:قال ابن الحاجب في بعض تصانيفه:«إن مثل الشاة و النملة و الحمامة من الحيوانات فيها تأنيث لفظى،و لذا كان قول من قال:إن النملة في قوله تعالى:«قالت نملة»انثى لورود تاء التأنيث في«قالت»و هما لجواز أن يكون ذكرا في الحقيقة،و ورود تاء التأنيث في الفعل نظرا إلى التأنيث اللفظي و لذا،قيل:إفحام‏قتادة خير من جواب أبي حنيفة،و هذا هو الحق (83) ».

وـقال عبيد الله بن محمد بن هارون،سمعت الشافعي بمكة،يقول:سلوني عما شئتم أحدثكم من كتاب الله و سنة نبيه،فقيل:يا أبا عبد الله!ما تقول في محرم قتل زنبورا؟قال:و ما آتاكم الرسول فخذوه (84) ».

زـ«إن ابن الجوزي قال يوما على منبره:سلوني قبل أن تفقدوني،فسألته امرأة عما روي أن عليا سار في ليلة إلى سلمان فجهزه و رجع،فقال:روي ذلك،قالت:فعثمان ثم ثلاثة أيام منبوذا في المزابل و علي عليه السلام حاضر،قال:نعم،فقالت:فقد لزم الخطاء لأحدهما،فقال إن كنت خرجت من بيتك بغير إذن زوجك فعليك لعنة الله،و إلا فعليه،فقالت:خرجت عائشة إلى حرب علي بإذن النبي صلى الله عليه و آله و سلم،أو لا؟فانقطع و لم يحر جوابا (85) ».

و افتخر به داود إذا به شد الله ملكه،و الحكمة و فصل الخطاب آتاه،و افتخر به سليمان إذ به الملك أولاه،و جعل الريح الرخاء تجري بامره إلى مرتضاه،و افتخر به إدريس إذ به رفعه الله مكانا عليا و آواه،و افتخر به ذو النون إذ أخرجه الله به من الظلمات الثلاث و كلاه،و أنبت عليه شجرة من يقطين،و من الغم أنجاه،و افتخر به زكريا إذ نادى:رب لا تذرني فردا،فوهب له به يحيى و أعطاه،و افتخر به دانيال إذ به خلصه الله من السباع و رعاه،و افتخر به ذو القرنين إذ به ملكه الأرض،و نصره على من ناواه،و افتخر به صالح إذ ايده الله بناقته،و من شر ثمود كفاه،و افتخر به هود إذ به نجاه الله،و قطع دابر من كفر به و عاداه،و افتخر به شعيب إذ به أخذت الرجفة من كذبه و عصاه،و افتخر به موسى إذ به كلمه الله و ناداه،و فلق له البحر باسمه،و أغرق فرعون و من والاه،و افتخر به يوشع بن نون حين رد الله به‏عليه الشمس،و أجابه حين دعاه،و افتخر به عيسى إذ كلمه الله به الميت،و ناجاه،و افتخر به محمد صلى الله عليه و آله و سلم إذ فداه بنفسه و وقاه،و ساواه في الشرف،و في الشدائد واساه،و قال صلى الله عليه و آله و سلم فيه:«من كنت مولاه فعلي مولاه»و افتخر به جبرائيل إذ كان خادمه و مولاه،و ما حمل في معركة قط إلا حمل معه بإذن الله،و وقف ببابه سائلا،فآثره بقوته في طواه،و افتخر به ميكائيل و قال:«من مثلي و قد قبلت من علي فاه»،و افتخر به إسرافيل إذ حرك مهده الشريف و ناغاه،و افتخر به عزرائيل فقال:«من مثلي و قد امرت ان أقبض أرواح شيعته بإذنه و رضاه»،و افتخر به رضوان فقال:من مثلى و قد امرت أن أزخرف الجنان لعلي و من والاه،و افتخر به مالك فقال:من مثلى و قد امرت أن اسعر النار لمن أبغض عليا و عاداه،و افتخر به البيت الحرام إذ كان فيه مولده و مرباه،و رفع شرفه و حط عنه الجبت و رماه،و افتخرت به الجنة إذ كتب على أبوابها:«علي ولي الله»،و افتخرت به النار إذ كتب على حيطانها:«أنا حرام على من أحب عليا و والاه»،و صافحته الاملاك و الأفلاك حين ارتقى منكبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،إمام توسل به كل متوسل إلى اللهـالخ (86) ».

13ـعن العلامة الفيض القاساني رحمه الله:«و إن نبينا صلى الله عليه و آله و سلم أرسل إلى سائر الأنبياء و أوصيائهم عليهم السلام في مقامه العقلي الكلي،و بشرهم و أنذرهم و هم يومئذ مكلفون بطاعته و امتثال أمره و اجتناب معصيته تصديقا لقوله سبحانه:/هذا نذير من النذر الأولى/ (87) ،و إنه الضامن على الله سبحانه ما وعد به أهل الاستجابة و الطاعة،و ما توعد به أهل التكذيب و المعصية،و إن أمير المؤمنين عليه السلام خليفته على ذلك كله في سائر أمته من الأولين و الآخرين،سواء الأنبياء و الامم (88) ».

و قالـأيضا:«فإن النبي و الولي في السر واحد،فمدح الولي مدح النبي...و من عجيب ما اتفق أن ابن أبي الحديد المعتزلي العقيدة العامي المذهب قد نطق بهذا السر فيما مدح به عليا عليه السلام حيث قال:

و الله لولا حيدر ما كانت ال 
دنيا و لا جمع البرية مجمع

و إليه في يوم المعاد حسابنا 
و هو الملاذ لنا غدا و المفزع

فانظر كيف أقسم أنه لولا حيدر ما كانت الدنيا،فلأجله الإيجاد و إليه الحساب يوم المعاد،لأن من هو المصدر،إليه العود و الرجوع ضرورة،و لقد ضمن هذا المعنىـأيضاـابن أبي الحديد في قوله:

و يا علة الدنيا و من بدء خلقها 
له و سيتلو البدء في الحشر تعقيب (89)

14ـعن العلامة المجلسي رحمه الله:«تأكيد و تأييد:اعلم أن ما ذكره رحمه الله (90) من فضل نبينا و أئمتناـصلوات الله عليهمـعلى جميع المخلوقات،و كون أئمتنا عليهم السلام أفضل من سائر الأنبياء،هو الذي لا يرتاب فيه من تتبع أخبارهم عليهم السلام على وجه الإذعان و اليقين،و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى،و إنما أوردنا في هذا الباب(يعنى باب تفضيلهم على الأنبياء)قليلا منها و هي متفرقة في الأبواب لا سيما باب صفات الأنبياء و أصنافهم عليهم السلام،و باب أنهم عليهم السلام كلمة الله،و باب بدء أنوارهم،و باب أنهم أعلم من الأنبياء،و أبواب فضائل أمير المؤمنين و فاطمةـصلوات الله عليهماـ،و عليه عمدة الإمامية،و لا يأبي ذلك إلا جاهل بالأخبار (91) ».

15ـعن العلامة الخوئي في شرحه على نهج البلاغة:«إن أمير المؤمنين عليه السلام أفضل جميع امة النبي صلى الله عليه و آله و سلم...من حيث كثرة الثواب،و من حيث جمعه للخصال الحميدة و الكمالات الذاتية و الفضائل النفساتية،أما كثرة الثواب فلظهور أن الثواب مترتب على العبادة،و بكثرتها و قلتها تتفاوت الثواب و الجزاء زيادة ونقصانا،و ستعرف أنه أعبد من الكل،فيكون أكثر مثوبة،و لو لم يكن له من العبادات إلا ضربته يوم الخندق التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:إنها أفضل من عبادة الثقلين لكفى في إثبات هذا المرام فضلا عن سائر عباداته التي لا يضبطها الصحف و الدفاتر،و لا يحصيها الزبر و الطوامير (92) ».

16ـعن العلامة المظفر رحمه الله:«في«الدر المنثور»،عن الديلمي في مسند الفردوس بسند أخرجه عن علي عليه السلام قال:سألت النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن قول الله تعالى :/فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه/ (93) ،فقال:إن الله أهبط آدم بالهند...حتى بعث الله إليه جبرئيل قال:قل:«اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد،سبحانك لا إله إلا أنت،عملت سوءا و ظلمت نفسي،فاغفرلي إنك أنت الغفور الرحيم.

اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد،سبحانك لا إله إلا أنت،عملت سوءا و ظلمت نفسي فتب على إنك أنت التواب الرحيم».فهذه الكلمات التي تلقى آدم.

و أما دلالة هذه الآية مع تفسيرها بهذه الأخبار على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام فأوضح من أن تحتاج إلى بيان،لأن توسل شيخ النبيين بمحمد و آله بتعليم الله سبحانه و هم في آخر الزمان،و الإعراض عن أعاظم المرسلين و هم أقرب إليه زمانا لأدل دليل على فضلهم على جميع العالمين،و على عصمتهم من كل زلل و إن كان مكروها،فإن آدم عصى بارتكاب المكروه فلا يصح التوسل بهم في التوبة عما ارتكب إلا لانهم لم يرتكبوا معصية و مكروها،فلا بد أن تنحصر خلافة الرسول بآله لفضلهم على الأنبياء... (94) ».

و قالـأيضاـ(ص 139):«...لأن اتحاد نورهما الذي سبق أدل دليل على امتياز علي بالفضل حتى على الأنبياء عليهم السلام،و من كان كذلك يتعين للإمامة لا سيما وفي بعض أخبار النور الآتية أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال:«فأخرجني نبيا،و أخرج عليا وصيا»،و في بعضها:«ففي النبوة،و في علي الإمامة».

و قالـأيضاـ(ص 302):«إن عليا عليه السلام هو الساقي على حوض النبي صلى الله عليه و آله و سلم يذود عنه الناس،و هو بظاهره يقتضي الامتياز و الفضل على جميع الناس».

و قالـأيضاـ(ص 402):«فإن عليا حسنة من حسناته(أي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم)فلا أفضل من سيد الوصيين،إلا سيد المرسلين زاد الله في شرفهما و صلى عليهما و على آلهما الطاهرين».

و قالـأيضاـ(ص 204):«لو ذكر(رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم)فضله الواقعي(أي فضل علي عليه السلام)و أن الله أقدره على خوارق العادات حيث إنه أظهر مصاديق قوله تعالى في الحديث القدسي:«عبدي أطعني تكن مثلي،تقول للشي‏ء:كن،فيكون»أو بين فضائله الفاضلة التي يفوق بها الأنبياء و السابقين و يمتاز بها عن الامة أجمعين لخاف صلى الله عليه و آله و سلم من طوائف من امته أن يقولوا بربوبيته كما وقع لكثير منهم لما رأوا منه بعض خوارق العادات».

و قالـأيضاـ(ص 244):«قال صلى الله عليه و آله و سلم:«علي مني و أنا من علي»و هو دليل المشاركة في العصمة و الفضل و سائر الصفات الحميدة».

و قالـأيضاـ(ص 248):«إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و عليا مخلوقان من نور واحد متفقان بالصفات الفاضلة و المنافع،و مخالفان للناس كما أن الناس مختلفون بينهم».

و قالـأيضاـ(ص 169):«و دلالتها (95) على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام واضحة،فإن بعث الرسل و أخذ الميثاق عليهم في القديم بولاية علي عليه السلام و جعلها محل الاهتمام العظيم في قرن أصلي الدين الربوبية و النبوة لا يمكن أن يراد بها إلا إمامة من له الفضل عليهم كفضل محمد صلى الله عليه و آله و سلم» .

و قال(ص 170):«فما أعظم قدر نبينا الأطيب و أخيه الأطهر عند الله تبارك و تعالى حتى ميزهما على جميع عباده،و أكرمهما ببعث الرسل الأكرمين على الإقرار بفضلهما و رسالة محمد صلى الله عليه و آله و سلم و أمامة علي عليه السلام،و أخذ الميثاق عليهم بها مع الشهادة بالوحدانية».