الفصل 2: الإمام على عليه السلام صباه و رضاعه

1ـقال عليه السلام تعريفا لنفسه:«و لقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالقرابة القريبة،و المنزلة الخصيصة،وضعني في حجره و أنا وليد[ولدـخ ل‏]،يضمني إلى صدره،و يكنفني في فراشه،و يمسني جسده،و يشمني عرفه،و كان يمضغ الشي‏ء ثم يلقمنيه،و ما وجدلى كذبة في قول،و لا خطلة في فعل،و لقد قرن الله به صلى الله عليه و آله و سلم من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته،يسلك به طريق المكارم و محاسن أخلاق العالم ليله و نهاره،و لقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر امه،يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما،و يأمرني بالاقتداء به،و لقد كان يجاور في كل سنة بحراء،فأراه و لا يراه غيري،و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و خديجة،و أنا ثالثهما،أرى نور الوحى و الرسالة،و أشم ريح النبوة،و لقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه و آله و سلم،فقلت:يا رسول الله!ما هذه الرنة؟فقال:هذا الشيطان قد أيس من عبادته،إنك تسمع ما أسمع،و ترى ما أرى،إلا أنك لست بنبي و لكنك لوزير،و إنك لعلى خير (1) ».قال ابن أبي الحديد:«و روي عن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال:كان علي عليه السلام يرى مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قبل الرسالة الضوء،و يسمع الصوت،و قال صلى الله عليه و آله و سلم له:لو لا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوة،فإن لا تكن نبيا فإنك وصي نبي و وارثه،بل أنت سيد الأوصياء و إمام الأتقياء (2) ».

2ـقال العلامة الحلي رحمه الله:«و أما حال ولادته فإنه عليه السلام ولد يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة،و لم يولد فيها أحد سواه لا قبله و لا بعده،و كان عمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم ثلاثين سنة،فأحبه و رباه،و كان يطهره في وقت غسله،و يجرعه اللبن عند شربه،و يحرك مهده عند نومه...و يقول:هذا أخي و وليي و ذخري و ناصري و صفيي و كهفي و صهري و وصيي و زوج كريمتي و أميني و خليفتي،و كان يحمله دائما و يطوف به جبال مكة و شعابها و أوديتها (3) ».

3ـو قال برهان الدين الحلبي:«فلم يزل علي عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،و في خصائص العشرة للزمخشري:أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم تولى تسميته بعلي،و تغذيته أياما من ريقه المبارك،يمصه لسانه،فعن فاطمة بنت أسد ام عليـرضي الله تعالى عنهاـقالت:لما ولدته سماه عليا،و بصق في فيه،ثم إنه ألقمه لسانه،فما زال يمصه حتى نام،فلما كان من الغد طلبنا له مرضعة فلم يقبل ثدي أحد،فدعونا له محمدا صلى الله عليه و آله و سلم فألقمه لسانه فنام،فكان كذلك ما شاء الله (4) ».

4ـذكر أبو القاسم في أخبار أبي رافع من ثلاثة طرق أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم حين تزوج خديجة قال لعمه أبي طالب:إنى احب أن تدفع إلي بعض ولدك يعينني على أمري‏و يكفيني،و أشكر لك بلاءك عندي،فقال أبو طالب:خذ أيهم شئت،فأخذ عليا عليه السلام،فمن استقى عروقه من منبع النبوة،و رضعت شجرته ثدي الرسالة،و تهدلت أغصانه عن نبعة إلامامة،و نشأ في دار الوحي،و ربي في بيت التنزيل،و لم يفارق النبي صلى الله عليه و آله و سلم في حال حياته إلى حال وفاته لا يقاس بسائر الناس،و إذا كان عليه السلام في أكرم أرومة،و أطيب مغرس،و العرق الصالح ينمي،و الشهاب الثاقب يسري،و تعليم الرسول ناجع،و لم يكن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ليتولى تأديبه،و يتضمن حضانته و حسن تربيته إلا على ضربين:إما على التفرس فيه،أو بالوحي من الله تعالى،فإن كان بالتفرس فلا تخطأ فراسته،و لا يخيب ظنه،و إن كان بالوحي فلا منزلة أعلى و لا حال أدل على الفضيلة و الإمامة منه (5) ».

تعليقات:

1ـنهج البلاغة،الخطبة .190

2ـابن أبي الحديد:شرح النهج،ج 13:ص 210/الخطبة .238

3ـالحلي:كشف الحق و نهج الصدق،ص 109،ط بغداد،المظفر:دلائل الصدق،ج 1:ص .506

4ـالحلبي:السيرة الحلبية،ج 1:ص 268،السيرة النبوية لزيني دحلان المطبوع بهامش السيرة الحلبية.

5ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 38:ص 295.و تهدلت:تدلت،و الارومة:أصل الشجرة.