الفصل 3: الإمام على عليه السلام اسلامه و إيمانه

1ـقال الحافظ نور الدين الهيتمى(المتوفى 807):«عن أبي ذر و سلمان،قالا:أخذ النبي صلى الله عليه و آله و سلم بيد علي فقال:إن هذا أول من آمن بي،و هذا أول من يصافحني يوم القيامة،و هذا الصديق الأكبر،و هذا فاروق الامة يفرق بين الحق و الباطل،و هذا يعسوب المؤمنين،و المال يعسوب الظالمين (1) ».

2ـو عن سلمان رحمه الله،قال:«أول هذه الامة ورودا على نبيها صلى الله عليه و آله و سلم أولها إسلاما علي بن أبي طالب رضى الله عنه (2) ».

3ـو عن ابن عباس،عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم،قال:«السبق ثلاثة:السابق إلى موسى :يوشع بن نون،و السابق إلى عيسى صاحب ياسين،و السابق إلى محمد صلى الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالب رضى الله عنه (3) ».

4ـو عن عروة بن الزبير،قال:«أسلم علي و هو ابن ثمان سنين (4) ».ـقال الحموئي:«عن أبي أيوب قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:لقد صلت الملائكة علي و على علي سبع سنين،لأنا كنا نصلي و ليس معنا أحد يصلي غيرنا (5) ».

6ـو عن ابن عباس،قال:«إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال:أول من صلى معي علي (6) ».

7ـقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السلام:«أما ترضين أني زوجتك أول المسلمين إسلاما،و أعلمهم علما»،و قال صلى الله عليه و آله و سلم لها:«زوجتك خير امتي أعلمهم علما،و أفضلهم حلما،و أولهم سلما (7) ».

8ـقال العلامة الأميني رحمه الله:«هذا(أي أولية إسلامه و هو ابن تسع أو ثمان أو غير ذلك)ما اقتضته المسالمة مع القوم في تحديد مبدأ إسلامه عليه السلام،و أما نحن فلا نقول إنه أول من أسلم بالمعنى الذي يحاوله ابن كثير و قومه،لأن البدأة به تستدعي سبقا من الكفر،و متى كفر أمير المؤمنين حتى يسلم؟و متى أشرك بالله حتى يؤمن؟و قد انعقدت نطفته على الحنيفية البيضاء،و احتضنه حجر الرسالة،و غذته يد النبوة،و هذبه الخلق النبوي العظيم،فلم يزل مقتصا أثر الرسول قبل أن يصدع بالدين الحنيف و بعده،فلم يكن له هوى غير هواه،و لا نزعة غير نزعته،و كيف يمكن الخصم أن يقذفه بكفر قبل الدعوة و هو يقول:ـو إن لم نر صحة ما يقولـإنه كان يمنع امه من السجود للصنم و هو حمل.أيكون إمام الامة هكذا في عالم الأجنة ثم يدنسه درن الكفر في عالم التكليف؟فلقد كانـصلوات الله عليهـمؤمنا جنينا و رضيعا و فطيما و يافعا و غلاما و كهلا و خليفة.

و لو لا أبو طالب و ابنه‏ 
لما مثل الدين شخصا و قاما

بل نحن نقول:إن المراد من إسلامه و إيمانه و أوليته فيهما و سبقه إلى النبي في‏الاسلام هو المعنى المراد من قوله تعالى عن إبراهيم الخليل (8) عليه السلام:/و أنا أول المسلمين/ (9) ،و فيما قال سبحانه عنه:/إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين/ (10) ،و فيما قال سبحانه عن موسى عليه السلام:/و أنا أول المؤمنين/ (11) و فيما قال تعالى عن نبيه الأعظم:/آمن الرسول بما انزل إليه من ربه/ (12) ،و فيما قال:/قل إني امرت أن أكون أول من أسلم/ (13) ،و في قوله:/و امرت أن أسلم لرب العالمين/ (14) ».

9ـقال أبو جعفر الاسكافي(المتوفى 230):«فنبتدى‏ء بذكر تقدمه في الإسلام،فإن الناس مختلفون في أبي بكر و علي،و قد أجمعوا على أن عليا أسلم قبله إلا أنهم زعموا أن إسلامه كان و هو طفل،فقد وجب تصديقنا في أنه أسلم قبله،و دعواهم في أنه كان طفلا غير مقبول إلا بحجة .

فإن قالوا:و قولكم«إنه أسلم و هو بالغ»دعوى مردودة.

قلنا:الإسلام قد ثبت له،و حكمه قد وجب بالدعوة و الإقرار،و لو كان طفلا لكان في الحقيقة غير مسلم،لأن أسماء الإسلام و الإيمان و أسماء الكفر و الضلال و الطاعة و المعصية إنما يقع على العقلاء البالغين دون الأطفال(و المجانين).

و حجة(أخرى)ـأيضاـ:إن الله لم يرسل رسولا إلى الأطفال و المجانين،فلما رأيناه قد قصد صلى الله عليه و آله و سلم إلى علي بن أبي طالب،فدعاه إلى الإسلام و أمره بالإيمان و بدأ به قبل الخلق علمنا أنه عاقل بالغ و أن الأمر له لازم.فإن قالوا:و ما تنكرون أن يكون ذلك منه بالتأديب كما يكون ذلك منا إلى أطفالنا على جهة التعليم؟

قلنا:ذلك من قولكم غير جائز و إنما ذلك يكون منا عند تمكن الإسلام بأهله و عن ظهوره و النشوء و الولادة عليه،فأما في دار الشرك و الحرب فليس يجوز ذلك،فالنبي صلى الله عليه و آله و سلم لم يكن ليدع ما ارسل به،و يقصد إلى دعاء الأطفال و الدار دار شرك و كفر،فيشتغل بالتطوع قبل أداء الفرض‏[و]ذلك عنه صلى الله عليه و آله و سلم منفر،و ما باله لم يدع طفلا غير علي بن أبي طالب و ليس في السنة أن يدعى أطفال المشركين إلى الإسلام،و يفرق بينهم و بين آبائهم قبل أن يبلغوا الحلم.

فإن قالوا:إن عليا قد كان يألف النبي صلى الله عليه و آله و سلم فوافقه على طريق المساعدة،قلنا لهم:و إن كان يألفه فلم يكن إلفه‏[به‏]بأكثر من‏[إلفه‏]أبويه و إخوته و عمومته و أهل بيته،و لم يكن الإلف مما يخرجه عما نشأ عليه و غذي به،و لم يكن الإسلام مما غذي به و كثر على سمعه إلى آخر ما قال (15) ».

10ـقال المحقق المتضلع،الشيخ محمد باقر المحموديـجزاه الله عن صاحب الولاية خير الجزاءـفي هامش الكلام المذكور:«و لأبي جعفر رحمه الله في رده على عثمانية الجاحظ هيهنا أدلة فطرية و أبحاث وجدانية يصدقها كل عاقل سلمت فطرته،و لم يعقد قلبه على بغض الامام علي بن أبي طالب عليه السلام و مشاقه الحقائق،و آثرنا أن نذكر ههنا جملا منها قال:«و ما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه،و لم يلصق بأشكاله،و لم يرمع الصبيان في ملاعبهم و هو كأحدهم في طبقته،كبعضهم في معرفته؟و كيف لم ينزع إليهم في ساعة من ساعاته فيقال:دعاه نقص الصبا و خاطر من خواطر الدنيا،و حملته الغرة و الحداثة على حضور لهوهم و الدخول في حالهم؟بل ما رأيناه إلا ماضيا على إسلامه،مصمما في أمره،محققا لقوله بفعله،و قد صدق إسلامه بعفافه و زهده،و لصق برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من بين جميع من‏[كان‏]بحضرته،فهو أمينه و أليفه في دنياه و آخرته،و قد قهر شهوته،و جاذب خواطره،صابرا على ذلك نفسه لما يرجوه من فوز العاقبة و ثواب الآخرة...

ثم لينظر المنصف و ليدع الهوى جانبا ليعلم نعمة الله على علي عليه السلام بالإسلام حيث أسلم على الوضع الذي أسلم عليه،فإنه لو لا الألطاف التي خص بها،و الهداية التي منحها له لما كان إلا كبعض أقارب محمد صلى الله عليه و آله و سلم و أهله،فقد كان ممازجا له كممازجته،و مخالطا له كمخالطة كثير من أهله و رهطه،و لم يستجب أحد منهم له إلا بعد حين،و منهم من لم يستجب له أصلا...».

و ساق الكلام في تسمية من استجاب النبي صلى الله عليه و آله و سلم و من لم يستجبه من عشيرتهـإلى أن قالـ:«فكيف ينسب إسلام علي عليه السلام إلى الإلف و التربية و القرابة و اللحمة و التلقين،و الحضانة و الدار الجامعة،و طول العشرة و الانس و الخلوة،و قد كان كل ذلك حاصلا لهؤلاء أو لكثير منهم،و لم يهتد أحد منهم إذ ذاك؟بل كانوا بين من جحد و كفر و مات على كفره،و من أبطأ و تأخر و سبق و جاء سكيتا و قد فاز بالمنزلة غيره.

و هل يدل تأمل حال علي عليه السلام مع الانصاف إلا على أنه أسلم لأنه شاهد الأعلام،و رأى المعجزات،و شم ريح النبوة،و رأى نور الرسالة،و ثبت اليقين في قلبه بمعرفة و علم و نظر صحيح لا بتقليد و لا حمية و لا رغبة و لا رهبة إلا فيما يتعلق بامور الآخرة (16) ».

11ـقال عبد الكريم الخطيب:«و أكثر الذين ينازعون في أسبقية علي في الإسلام لا يعتدون بالسبق الزمني و إنما نراهم قد يسلمون به و لكنهم لا يرون إسلام‏علي إسلاما يعتد به في تلك السن المبكرة إذ لم يكن عن نظر و تدبر،فقد أسلم علي حين كان صبيا لم يبلغ مبلغ الادراك و التمييز!و الذي نقوله هنا هو ما قلناه من قبل و هو:أن عليا ولد مسلما على الفطرة إذ كان مرباه منذ طفولته في بيت الرسول الذي عصمه الله و عصم من كان في بيته من شرك الجاهلية و ضلالها (17) ».

12ـقال العقاد:«و كاد على أن يولد مسلما،بل لقد ولد مسلما على التحقيق إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة و الروح،لأنه فتح عينيه على الإسلام،و لم يعرف قط عبادة الاصنام،فهو قد تربى في البيت الذي خرجت منه الدعوة الاسلامية،و عرف العبادة في صلاة النبي... (18) ».

13ـقال المقريزي ما هذا ملخصه:«و أما علي بن أبي طالب فلم يشرك بالله قط،و ذلك أن الله تعالى أراد به الخير فجعله في كفالة ابن عمه سيد المرسلين محمد صلى الله عليه و آله و سلم،فعند ما أتى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الوحي و أخبر خديجة و صدقت كانت هي و علي بن أبي طالب و زيد بن حارثة يصلون معه...فلم يحتج علي رضي الله عنه أن يدعى،و لا كان مشركا حتى يوحد فيقال:أسلم،بل كان عند ما أوحى الله إلى رسوله صلى الله عليه و آله و سلم عمره ثماني سنين،و قيل:سبع،و قيل:إحدى عشرة سنة،و كان مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في منزله بين أهله كأحد أولاده،يتبعه في جميع أحواله (19) ».

14ـقال المأمون في حديث احتجاجه على أربعين فقيها و مناظرته إياهم في أن أمير المؤمنين أولى بالناس بالخلافة:«يا إسحاق!أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله رسوله؟قلت:الإخلاص بالشهادة.قال:أليس السبق إلى الإسلام؟قلت:نعم،قال:اقرأ ذلك في كتاب الله تعالى يقول :/و السابقون السابقون أولئك//المقربون/ (20) ،إنما عنى من سبق إلى الإسلام،فهل علمت أحدا سبق عليا إلى الإسلام؟قلت:يا أمير المؤمنين !إن عليا أسلم و هو حديث السن لا يجوز عليه الحكم،و أبوبكر أسلم و هو مستكمل يجوز عليه الحكم.

قال:أخبرني أيهما أسلم قبل؟ثم أناظرك من بعده في الحداثة و الكمال،قلت:علي أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة،فقال:نعم،فأخبرني عن إسلام علي حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دعاه إلى الإسلام أو يكون إلهاما من الله،قال:فأطرقت،فقال لي:يا إسحاق لا تقل:إلهاما فتقدمه على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لأن رسول الله يعرف الإسلام حتى أتاه جبرئيل عن الله تعالى،قلت:أجل،بل دعاه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى الإسلام،قال:يا إسحاق!فهل يخلو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلف ذلك من نفسه؟قال:فأطرقت،فقال :يا إسحاق!لا تنسب رسول الله إلى التكلف،فإن الله يقول:/و ما أنا من المتكلفين/ (21) .

قلت:أجل،يا أمير المؤمنين!بل دعاه بأمر الله،قال:فهل من صفة الجبارـجل ذكرهـأن يكلف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم؟قلت:أعوذ بالله،فقال:أفتراه في قياس قولك يا إسحاق،«إن عليا أسلم صبيا لا يجوز عليه الحكم»قد تكلف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من دعاء الصبيان ما لا يطيقون؟فهل يدعوهم الساعة و يرتدون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهم شي‏ء و لا يجوز عليهم حكم الرسول صلى الله عليه و آله و سلم؟أترى هذا جائزا عندك أن تنسبه إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم؟قلت:أعوذ بالله (22) .

قال يا إسحاق!فأراك إنما قصدت لفضيلة فضل بها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عليا على‏هذا الخلق أبانة بها منهم ليعرف مكانه و فضله،و لو كان الله تبارك و تعالى أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليا!قلت:بلى،[قالـظ]فهل بلغك أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دعا أحدا من الصبيان من أهله و قرابته لئلا تقول:إن عليا ابن عمه؟قلت:لا أعلم و لا أدري فعل أو لم يفعل،قال:يا إسحاق!أرأيت ما لم تدره و لم تعلمه هل تسأل عنه؟قلت :لا،قال:فدع ما قد وضعه الله عنا و عنك (23) ».

15ـقال جورج جرداق:«فإن علي بن أبي طالب قد ولد مسلما،لأنه من معدن الرسول مولدا و نشأة و من ذاته خلقا و فطرة،ثم إن الظرف الذي أعلن فيه عما يكمن في كيانه من روح الإسلام و من حقيقته لم يكن شيئا من ظروف الآخرين و لم يرتبط بموجبات العمر،لأن إسلام علي كان أعمق من ضرورة الارتباط بالظروف إذ كان جاريا من روحه كما تجري الأشياء من معادنها و المياه من ينابيعها (24) ».

16ـقال العلامة الشيخ خليل:«و يوم جهر النبي بدعوته كان علي أول الناس إسلاما،و أسبقهم إيمانا،بل الواقع الصحيح أنه عليه السلام لم يكن أول الناس إسلاما،و أسبقهم إيمانا،بل كان أول الناس إعلانا لاسلامه و جهرا بإيمانه لأن ذينك الإسلام و الإيمان كانا كامنين في أعماق قلبه في كل كيانه يعيشهما بعمق و تأمل و هو في كنف الرسول صلى الله عليه و آله و سلم يستمد منه هديا و إيمانا تماما كما يستمد القمر من الشمس نورا و ضياء،و إذا لعلي قدر ما لم يقدر لسواه من البشر... (25) ».

17ـقال محمد بن طلحة الشافعى:«لما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و شرفه الله سبحانه و تعالى بالنبوة كان علي يومئذ لم يبلغ الحلم و كان عمره إذ ذاك في‏السنة الثالث عشرة،و قيل أقل من ذلك،و قيل أكثر،و أكثر الأقوال و أشهرها انه كان لم يكن بالغا،فإنه أول من أسلم و آمن برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من الذكور،و قد ذكر عليه السلام ذلك و أشار إليه في أبيات قالها بعد ذلك بمدة مديدة،نقلها عنه الثقات و رواها النقلة الأثبات:

محمد النبي أخي و صنوي‏ 
و حمزة سيد الشهداء عمي

و جعفر الذي يضحي و يمسي‏ 
يطير مع الملائكة ابن امي

و بنت محمد سكني و عرسي‏ 
منوط لحمها بدمي و لحمي

و سبطا أحمد ولداي منها 
فأيكم له سهم كسهمي

سبقتكم إلى الإسلام طرا 
غلاما ما بلغت أوان حلمي

و أوجب لي ولايته عليكم‏ 
رسول الله يوم غدير خم

فويل،ثم ويل،ثم ويل‏ 
لمن يلقى الاله غدا بظلمي (26)

أقول:ذكر هذه الأبيات بتمامها شيخنا العلامة الأميني رحمه الله في كتابه الغدير(ج 2 :ص 25)،إلا أنه قال بدل«غلاما ما بلغت أوان حلمي»:«على ما كان من فهمي و علمي»،و أضاف في الهامش بيتين آخرين،و قال:«و في رواية الطبرسي بعد هذا البيت:

و صليت الصلاة و كنت طفلا 
مقرا بالنبي في بطن امي

ثم قال رحمه الله:«هذه الأبيات كتبها الامام عليه السلام إلى معاوية لما كتب معاوية إليه:إن لي فضائل:كان أبي سيدا في الجاهلية،و صرت ملكا في الاسلام،و أنا صهر رسول الله و خال المؤمنين و كاتب الوحي،فقال أمير المؤمنينـصلوات الله عليهـ:أبا لفضائل يبغي على ابن آكلة الأكباد؟اكتب يا غلام:محمد النبي أخي و صنويـإلى آخر الأبيات المذكورة،فلما قرأ معاوية الكتاب قال:أخفوا الكتاب لا يقرأه أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبي طالب،و الامة قد تلقتها بالقبول،و تسالمت على روايتها (27) .

18ـقال محمد بن جرير الطبري:«عن عباد بن عبد الله،قال:سمعت عليا يقول:أنا عبد الله و أخو رسوله،و أنا الصديق الأكبر،لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر،صليت مع رسول الله قبل الناس بسبع سنين (28) ».

19ـو عن عمرو بن ميمون،عن ابن عباس،قال:«أول من صلى علي(صلوات الله عليه) (29) ».

20ـو عن عمرو بن مرة،قال:سمعت أبا حمزةـرجلا من الأنصارـيقول:سمعت زيد بن أرقم يقول :«أول رجل صلى مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علي عليه السلام (30) ».

21ـعن يحيى بن عفيف،عن عفيف،قال:«جئت في الجاهلية إلى مكة فنزلت على العباس بن عبد المطلب،قال :فلما طلعت الشمس،و حلقت في السماء،و أنا أنظر إلى الكعبة أقبل شاب فرمى ببصره إلى السماء،ثم استقبل الكعبة فقام مستقبلها،فلم يلبث حتى جاءه غلام فقام عن يمينه،قال:فلم يلبث حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما،فركع الشاب فركع الغلام و المرأة،فرفع الشاب،فرفع الغلام و المرأة،فخر الشاب ساجدا فسجدا معه.

فقلت:يا عباس!أمر عظيم!فقال:أمر عظيم،أتدري من هذا؟فقلت:لا،قال:هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي،أتدري من هذا معه؟قلت:لا،قال:هذا على بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن أخى،أتدرى من هذه المرأة التي‏خلفهما؟قلت:لا،قال:هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي،و هذا حدثني أن ربك رب السماء،أمرهم بهذا الذي تراهم عليه،و ايم الله،ما أعلم على ظهر الأرض كلها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة (31) ».

22ـعن محمد بن سعد،قال:«قلت لأبي:أكان أبوبكر أولكم إسلاما؟فقال:لا،و لقد أسلم قبله أكثر من خمسين... (32) ».

23ـقال العلامة الأميني رحمه الله:«قال‏[علي‏]عليه السلام:أسلمت قبل أن يسلم الناس بسبع سنين (33) ».

24ـقال عليه السلام:«عبدت الله مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الامة (34) ».

25ـقال عليه السلام:«آمنت قبل الناس سبع سنين (35) ».

26ـقال عليه السلام:«ما أعرف أحدا من هذه الامة عبد الله بعد نبينا غيري،عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الامة تسع سنين (36) ».

27ـقال عليه السلام:«عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الامة خمس سنين (37) ».

ثم قال رحمه الله بعد نقل الأخبار:«لعل الباحث يرى خلافا بين كلمات أمير المؤمنين المذكورة (ص 221ـ224)في سني عبادته و صلاته مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بين ثلاث و خمس و سبع و تسع سنين،فنقول:أما ثلاث سنين فلعل المراد منه ما بين أول البعثة إلى إظهار الدعوة من المدة و هي ثلاث سنين،فقد أقام صلى الله عليه و آله و سلم بمكة ثلاث‏سنين من أول نبوته مستخفيا،ثم أعلن في الرابعة.

و أما خمس سنين فلعل المراد منها سنتا فترة الوحي من يوم نزول/إقرأ باسم ربك الذي خلق/إلى نزول/يا أيها المدثر/و ثلاث سنين من أول بعثته بعد الفترة إلى نزول قوله/فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين/و قوله:/و أنذر عشيرتك الأقربين/سني الدعوة الخفية التي لم يكن فيها معه صلى الله عليه و آله و سلم إلا خديجة و علي،و أحسب أن هذا مراد من قال:إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان مستخفيا أمره خمس سنين كما فى«الامتاع»(ص 44).

و أما سبع سنين فإنها مضافا إلى كثرة طرقها و صحة أسانيدها معتضدة بالنبوية المذكورة (ص 220 (38) ،و بحديث أبي رافع المذكور(ص 227 (39) ،و هي سني الدعوة النبوية من أول بعثته صلى الله عليه و آله و سلم إلى فرض الصلاة المكتوبة،و ذلك أن الصلاة فرضت لا خلاف ليلة الاسراء،و كان الاسراء كما قال محمد بن شهاب الزهري قبل الهجرة بثلاث سنين،و قد أقام صلى الله عليه و آله و سلم في مكة عشر سنين،فكان أمير المؤمنين خلال هذه المدة السنين السبع يعبد الله و يصلي معه صلى الله عليه و آله و سلم،فكانا يخرجان ردحا من الزمن إلى الشعب و إلى حراء للعبادة،و مكثا على هذا ما شاء الله أن يمكثا حتى نزل قوله تعالى:/فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين/و قوله:/و أنذر عشيرتك الأقربين/و ذلك بعد ثلاث سنين من مبعثه الشريف،فتظاهر عليه السلام بإجابة الدعوة في منتدى الهاشميين المعقود لها،و لم يلبها غيره،و من يومذاك اتخذه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أخا و وصيا و خليفة و وزيرا،ثم لم يلب الدعوة إلى مدة إلا آحادهم بالنسبة إلى عامة قريش و الناس المرتطمين في تمردهم في حيز العدم.على أن إيمان من آمن وقتئذ لم يكن معرفة تامة بحدود العبادات حتى تدرجوا في المعرفة و التهذيب،و إنما كان خضوعا للإسلام و تلفظا بالشهادتين و رفضا لعبادة الأوثان،لكن أمير المؤمنين خلال هذه المدة كان مقتصا أثر الرسول من أول يومه،فيشاهده كيف يتعبد،و يتعلم منه حدود الفرائض و يقيمها على ما هي عليه،فمن الحق الصحيح إذن توحيده في باب العبادة الكاملة و القول بأنه عبد الله و صلى قبل الناس بسبع سنين...

و أما تسع سنين فيمكن أن يراد منها سنتا الفترة و السنين السبع من البعثة إلى فرض الصلوات المكتوبة،و المبني في هذه كلها على التقريب لا على الدقة و التحقيق كما هو المطرد في المحاورات،فالكل صحيح لا خلاف بينها و لا تعارض هناك (40) ».

تعليقات:

1ـالهيثمي:مجمع الزوائد،ج 9:ص .102

2ـالمصدر.

3ـالمصدر.

4ـالمصدر.

5ـالحموي:فرائد السمطين/الباب 47،ج 1:صص 242 و .245

6ـالمصدر.

7ـالاميني:الغدير،ج 3:ص .95

8ـكذا،و الكلام أمره تعالى لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.

9ـالانعام،6: .163

10ـالبقرة،2:ص .131

11ـالاعراف،7: .143

12ـالبقرة،2: .285

13ـالانعام،6: .14

14ـالاميني:الغدير،ج 3:ص 239.و الآية في غافر،40: .66

15ـالإسكافي:المعيار و الموازنة،ص 66ـ .68

16ـالإسكافي:المعيار و الموازنة/هامش ص 67ـ .68

17ـعبد الكريم الخطيب:على بن أبي طالب بقية النبوة و خاتم الخلافة،ص 100،ط بيروت.

18ـالعقاد:عبقرية الامام علي عليه السلام،ص 43،ط بيروت.

19ـالمقريزي:الامتاع،ص 16(كما في الغدير[ج 3:ص 238]).

20ـالواقعة،56: .10

21ـص،38: .86

22ـالى هنا أورده في الغدير(ج 3:ص 236).

23ـابن عبد ربه:العقد الفريد،ج 1:ص 352،ط بيروت.

24ـجورج جرداق:الإمام على صوت العدالة الانسانية،ج 1:ص 63،ط بيروت/بمقدمة ميخائيل نعيمه .

25ـجورج جرداق:الإمام على،رسالة و عدالة،ص 25،ط بيروت.

26ـابن طلحة:مطالب السؤول،ص 11،ط ايران.

27ـالاميني:الغدير،ج 2:ص .26

28ـالطبري:تاريخ الامم و الملوك،ج 2:ص 210/بتحقيق:محمد أبي الفضل إبراهيم.

29ـالمصدر.

30ـالمصدر.

31ـالطبري:تاريخ الامم و الملوك،ج 2:ص 210/بتحقيق:محمد أبي الفضل إبراهيم.

32ـالطبري:تاريخ الامم و الملوك،ج 2:ص 316/بتحقيق:محمد أبي الفضل إبراهيم.

33ـالمحب الطبري:الرياض النضرة،ج 2:ص .158

34ـالحاكم:المستدرك،ج 3:ص .112

35ـالنسائي:الخصائص،ص .3

36ـالنسائي:الخصائص،ص .3

37ـابن عبد البر:الاستيعاب،ج 2:ص 448(راجع الغدير،ج 3:ص 222).

38ـو هى قوله صلى الله عليه و آله و سلم:«لقد صلت الملائكة على و على سبع سنين،لأنا كنا نصلي و ليس معنا أحد يصلي غيرنا»(اسد الغابة،ج 4:ص 18).

39ـو هو قوله صلى الله عليه و آله و سلم:«مكث علي يصلي مستخفيا سبع سنين و أشهرا قبل أن يصلى أحد»(أخرجه الطبراني و الهيثمي في«المجمع»[ج 9:ص 103]و الحموئي في«الفرائد»[الباب 47]).

40ـالاميني:الغدير،ج 3:ص 241ـ .243