الفصل 4: الامام على عليه السلام جماله و شمائله

1ـعن النبي صلى الله عليه و آله و سلم:«من أحب أن ينظر إلى إسرافيل في هيبته،و إلى ميكائيل في رتبته،و إلى جبرئيل في جلالته،و إلى آدم في سلمه،و إلى نوح في خشيته،و إلى إبراهيم في خلته،و إلى يعقوب في حزنه،و إلى يوسف في جماله،و إلى موسى في مناجاته،و إلى أيوب في صبره،و إلى يحيى في زهده،و إلى يونس في سنته،و إلى عيسى في ورعه،و إلى محمد في حسبه و خلقه،فلينظر إلى علي،فإن فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء جمع الله فيه و لم يجمع لأحد غيره (1) ».

2ـقال العلامة،الشيخ عبد الرحمن الصفوري الشافعي:«كان‏[عليه السلام‏]مربوع القامة،أدعج العينين عظيمهما،حسن الوجه كأن وجهه قمر ليلة البدر،عظيم البطن،أعلاه علم و أسفله طعام،و كان كثير شعر اللحية،و قليل شعر الرأس،عنقه إبريق فضة،رضي الله عنه و عن امه و أخويه جعفر و عقيل و عميه حمزة و عباس (2) ».أقول:رجل مربوع و ربع و ربعة:أي مربوع الخلق لا بالطويل و لا بالقصير،و«الدعج»:شدة سواد العين و شدة بياض بياضها،قيل:شدة سوادها مع سعتها (3) .

3ـقال العلامة الشيخ شعيب الحريفيشي:«قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:من أراد أن ينظر إلى آدم عليه السلام و سلمه،و إلى يوسف و حسنه،و إلى موسى و صلاته،و إلى عيسى و زهده،و إلى محمد و خلقه فلينظر إلى علي (4) ».

4ـقال إبن منظور:«في حديث عن ابن عباس رحمه الله أنه قال:كان علي أمير المؤمنين يشبه القمر الباهر،و الأسد الحادر،و الفرات الزاخر،و الربيع الباكر،أشبه من القمر ضوؤه و بهاؤه،و من الأسد شجاعته و مضاؤه،و من الفرات جوده و سخاؤه،و من الربيع خصبه و حياؤه (5) ».

أقول:«بهر القمر النجوم بهورا»:غمرها بضوئه،و البهر:الغلبة،و«الحادر»:السمين الغليظ،غلام حادر:صبيح جميل،رمح حادر:غليظ و«زخر البحر»:مد و كثر ماؤه و ارتفعت أمواجه،و«الربيع» :الذي يكون بعد الشتاء،و هو زمان الورد،و«البكر»:أول من كل شي‏ء،و البكر و الباكور جمعا من المطر،و«مضاؤه»من المضي،أمضيت الأمر:أنفذته،و«الخصب»:كثرة العشب»،نقلناه من«لسان العرب».

5ـو قالـأيضا:«في حديث ابن عباس:ما رأيت أحسن من شرصة علي عليه السلام،هي بفتح الراء الجلحة و هي انحسار الشعر عن جانبى مقدم الرأس،قال إبن الأثير:هكذا قال الهروي،و قال الزمخشري:هو بكسر الشين و سكون الراء و هما شرصتان (6) ».ـو قالـأيضا:«في صفة علي رضى الله عنه:البطين الأنزع،و العرب تحب النزع و تتيمن بالأنزع،و تذم الغمم(و الغمم أن يسيل الشعر حتى يضيق الوجه و القفا)و تتشاءم بالأغم،و تزعم أن الأغم القفا و الجبين لا يكون إلا لئيما،و منه قول هدبة بن خشرم:

و لا تنكحي إن فرق الدهر بيننا 
أغم القفا و الوجه ليس بأنزعا (7)

7ـقال العلامة محمد بن طلحة الشافعي:«كان عليه السلام آدم شديد الادمة،ظاهرة السمرة،عظيم العينين،أقرب إلى القصر من الطول لم يتجاوز حد الاعتدال في ذلك،ذا بطن كثير الشعر،عريض اللحية،أصلع أبيض الرأس و اللحية،لم يصفه أحد من العلماء بالخضاب غير سودة بن حنظلة فإنه قال:رأيت عليا أصفر اللحية،و لم ينقله غيره،و يشبه أن يكون محمل كلامه أنه قد خضب،ثم تركه،و قد انتشر بين المخبرين و اشتهر لأعين المستبصرين و ظهر في زبر الآثرين و صدر على ألسنة الآخرين أن من صفاته التي تختص بإضافة نسبها إليه،و نعوته التي تقتص بإضافة لباسها عليه:الأنزع البطين،حتى صارت عليه علما للناظرين.و مما يستفتح أبواب المسامع من واردات طلايع البدايع في معنى صفات البطين الأنزع ما هو ألذ عند السامع من حصول الغنى للبائس القانع،و وصول الأمن إلى قلب الخائف الخاشع و هو أنه عليه السلام لما اشتمل عليه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بتربيته إياه و متابعته في هداه،فكان بأوامره و نواهيه يروح و يغتدي،و بشعاره يتجلب و يرتدي،و باستبصاره في اتباعه يأتم و يهتدي،و على الجملة:

عن المرء لا تسأل و سل عن قرينه‏ 
فكل قرين بالمقارن يقتدي

خصه اللهـعز و علاـمن أنوار النبوة المنتشرة في الآفاق بنفس زكية مستنيرةالإشراق قابلها بصفائها لانطباع صور مكارم الأخلاق،مطهرة لضيائها من اقتراب كدر الكفر و شقاق النفاق،فنزعت لطهارتها عن ظلمات الشرك و فتكات الإفك،فكان أول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم معه بغير شك،و نزعت نفسه إلى تكسير الأصنام و التماثيل و تطهير المسجد الحرام من الأوثان و الأباطيل و تغيير أساليب الشك و الأضاليل...

و لم يزل بملازمة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يزيده الله علما حتى قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فيما نقله الترمذي في صحيحه بسنده عنه:«أنا مدينة العلم و علي بابها»،فكان من غزارة علمه يذلل جوامح القضايا،و يوضح مشكلات الوقايع،و يسهل مستصعب الأحكام،فكل علم كان له فيه أثر،و كل حكمة كان له عليها استظهار...و حيث اتضح ما آتاه الله تعالى من أنواع العلم و أقسام الحكمة فباعتبار ذلك وصف بلفظة البطين،فإنها لفظة يوصف من هو عظيم البطن متصف بامتلائه،و لما قد امتلأ علما و حكمة و تضلع من أنواع العلوم و أقسام الحكمة ما صار غذاء له مملوا به وصف باعتبار ذلك بكونه بطينا من العلم و الحكمة كمن تضلع من الأغذية الجسمانية ما عظم بطنه،فصار باعتباره بطينا،فاطلقت هذه اللفظة نظرا إلى ذلك،هذا هو المعنى الذي أهدته هداة الروات إلى ألسنة الأقلام...

إن لفظة«بطين»هي فعيل،و لفظة فعيل معدولة،فتارة يكون معدولة عن فاعل كشهيد و عليم عن شاهد و عالم،و تارة عن مفعول كقتيل و جريح عن مقتول و مجروح،و تارة عن مفاعل كخصيم و نديم عن مخاصم و منادم،و تارة عن مفعل كبديع و عجيب عن مبدع و معجب،و إذا كان محال ما يكون معدولة عنه و أقسامه مفعل فتكون لفظة بطين ههنا معدولة عن مبطن،و قد انتشرت الأخبار في الأقطار،و ظهرت الآثار في الأمصار أن عليا عليه السلام قد حصل على علم كثير و معرفة وافرة و دارية وافية أظهر بعضا لشمول مصلحة معرفته و عموم منفعته،و أبطن‏بعضا إلى حين حضور حملته... (8) ».

8ـقال العلامة الحافظ،محب الدين الطبري:«و كان عليه السلام ربعة من الرجال،أدعج العينين عظيمهما،حسن الوجه كأنه قمر ليلة البدر،عظيم البطن إلى السمن،عريض ما بين المنكبين،لمنكبه مشاش كمشاش السبع الضاري،لا يبين عضده قد ادمج إدماجا،شثن الكفين،عظيم الكراديس،أغيد كأن عنقه إبريق فضة،أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه،كثير شعر اللحية،و كان لا يخضب و قد جاء عنه الخضاب،و المشهور أنه كان أبيض اللحية،و كان إذا مشى تكفأ،شديد الساعد و اليد،و إذا مشى إلى الحروب هرول،ثبت الجنان،قوي ما صارع أحدا إلا صرعه،شجاع منصور عند من لاقاه (9) ».

شرح:«الأغيد»:المائل العنق،و«الغيد»:النعومة،و امرأة غيداء و«غادة»:ناعمة،و«المشاش» :رؤوس العظام اللينة،الواحد:مشاشة،و«أدمج»يقال:أدمج الشي‏ء في الشي‏ء إذا أدخله فيه،يريدـو الله أعلمـأن عظمي عضده و ساعده للينهما قد اندمجا،و هكذا صفة الأسد،و«الضاري»:المعود الصيد،و«تكفأ»:تمايل في مشيته (10) ،و«الشثن»:الغليظ بمعنى الشثل،و«الكراديس»:جمع الكردوسة و هي كل عظم تكردس أي اجتمع اللحم عليه.

9ـقال العلامة المجلسي رحمه الله:«عن جابر،و ابن الحنفية:كان علي عليه السلام رجلا دحداحا،ربع القامة،أزج الحاجبين،أدعج العينين أنجل،تميل إلى الشهلة،كأن وجهه القمر ليلة البدر حسنا،و هو إلى السمرة،أصلع،له حفاف من خلفه كأنه إكليل،و كأن عنقه إبريق فضة،و هو أرقب،ضخم البطن،أقرا الظهر،عريض الصدر،محض المتن،شثن الكفين،ضخم الكسور،لا يبين عضده من ساعده قدادمجت إدماجا،عبل الذراعين،عريض المنكبين،عظيم المشاشين كمشاش السبع الضاري،له لحية قد زانت صدره،غليظ العضلات،حمش الساقين،قال المغيرة:كان علي عليه السلام على هيئة الأسد،غليظا منه ما استغلظ،دقيقا منه ما استدق».

بيان:«أحمش الساقين»أي دقيقها،و يقال:حمش الساقينـأيضاـبالتسكين،و«الدحداح»:القصير السمين،و المراد هنا غير الطويل أو السمين فقط بقرينة ما بعده،و«الزجج»:تقوس في الحاجب مع طول في طرفه و امتداده،و«الدعج»شدة السواد في العين أو شدة سوادها في شدة بياضها،و النجل :سعة العين،و«الشهلة»ـبالضمـ:أقل من الزرقة في الحدقة و أحسن منه،أو أن تشرب الحدقة حمرة ليست خطوطا كالشكلة،و لعل المراد هنا الثاني،و«الصلع»:انحسار شعر مقدم الرأس،و«الحفاف»ـككتابـ :الطرة حول رأس الأصلع،و«الإكليل»:شبه عصابة تزين بالجواهر،و«الأرقب»:الغليظ الرقبة،و قال الجوهري:و«القراء»:الظهر،و ناقة قرواء:طويلة السنام،و يقال:الشديدة الظهر بينة القرى،و لا يقال:جمل أقرى.و قال الفيروز آبادي:«المقروري»:الطويل الظهر.

و«المحض»:الخالص.و«متنا الظهر»مكتنفا الصلب عن يمين و شمال من عصب و لحم،و لعله كناية عن الاستواء أو عن اندماج الأجزاء بحيث لا يبين فيه المفاصل و يرى قطعة واحدة.

و قال الجزري في صفته:«شثن الكفين و القدمين»أي أنهما يميلان إلى الغلظ و القصر،و قيل :هو أن يكون في أنامله غلظ بلا قصر،و يحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضهم،و يذم في النساء .

و قال الفيروز آبادي:«الكسر»ـو يكسرـ:الجزء من العضو أو العضو الوافر،أو نصف العظم بما عليه من اللحم،أو عظم ليس عليه كثير لحم،و الجمع:أكسار و كسور،و«العبل»:الضخم من كل شي‏ء،و قال الجزري:في صفته:«جليل المشاش»،أي عظيم رؤوس العظام كالمرفقين و الكتفين و الركبتين،و قال‏الجوهري:هي رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها،أقول:لعل المراد هنا منتهى عظم العضد من جانب المنكب،و«السبع الضاري»هو الذي اعتاد بالصيد لا يصبر عنه،قوله :«ما استغلظ»أي من الأسد أو من الإنسان،أي كل ما كان فيه غليظا ففيه كان أغلظ،و كذا العكس (11) ».

10ـقال العلامة علي بن عيسى الاربلي رحمه الله:«قال الخطيب أبو المؤيد الخوارزمي،عن أبي إسحاق،قال:رأيت عليا أبيض الرأس و اللحية،ضخم البطن،ربعة من الرجال،و ذكر ابن مندة أنه عليه السلام كان شديد الادمة،ثقيل العينين عظيمهما،ذا بطن،و هو إلى القصر أقرب،أبيض الرأس و اللحية،و زاد محمد بن حبيب البغدادي،صاحب«المحبر الكبير»في صفاته عليه السلام :آدم اللون،حسن الوجه،ضخم الكراديس.

و اشتهر عليه السلام بالأنزع البطين،أما في الصورة فيقال:رجل أنزع بين النزع و هو الذي انحسر الشعر عن جانبي جبهته،و موضعه النزعة و هما النزعتان،و لا يقال لامرأة:نزعاء،و لكن زعراء،و البطين:الكبير البطن،و أما المعنى فإن نفسه نزعت يقال:نزع إلى أهله ينزع نزاعا:اشتاق،و نزع عن الامور نزوعا:انتهى عنها،أي نزعت نفسه عن ارتكاب الشهوات فاجتنبها،و نزعت إلى اجتناب السيئات فسد عليه مذهبها،و نزعت إلى اكتساب الطاعات فأدركها حين طلبها،و نزعت إلى استصحاب الحسنات فارتدى بها و تجلببها.

و امتلأ علما فلقب بالبطين،و أظهر بعضا و أبطن بعضا حسب ما اقتضاه علمه الذي عرف به الحق اليقين،و أما ما ظهر من علومه فأشهر من الصباح و أسير في الآفاق من سري الرياح،و أما ما بطن فقد قال:«بل اندمجت على مكنون علم لوبحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة (12) ».و قد نظم بعض الشعراء هذا المعنى فقال:

من كان قد عرقته مدية دهره‏ 
و مرت له أخلاف سم منقع

فليعتصم بعرى الدعاء و يبتهل‏ 
بإمامة الهادي البطين الأنزع

نزعت عن الآثام طرا نفسه‏ 
ورعا فمن كالأنزع المتورع

و حوى العلوم عن النبي وراثة 
فهو البطين لكل علم مودع

و مما ورد في صفته عليه السلام ما أورده صديقنا المعز المحدث،و ذلك حين طلب منه السعيد بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل رحمه الله أن يخرج أحاديث صحاحا و شيئا مما ورد في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام و صفاته،و كتبت على الأنوار الشمع الاثني عشر التي حملت إلى مشهده عليه السلام و أنا رأيتها،قال:كان ربعة من الرجال... (13) »إلى آخر ما أوردناه من سائر الكتب.

11ـ«و كان عليه السلام بشره دائم،و ثغره باسم،غيث لمن رغب،و غياث لمن ذهب،مآل الآمل،و ثمال الأرامل،يتعطف على رعيته،و يتصرف على مشيته،و يكفه بحجته،و يكفيه بمهجته (14) ».

12ـقال ابن أبي الحديد:«و أما سجاحة الأخلاق و بشر الوجه و طلاقة المحيا و التبسم،فهو المضروب به المثل فيه حتى عابه بذلك أعداؤه،قال عمرو بن العاص لأهل الشام:إنه ذو دعابة شديدة،و قال علي عليه السلام في ذلك:«عجبا لابن النابغة،يزعم لأهل الشام أن في دعابة،و أني امرء تلعابة،اعافس و امارس»،و عمرو بن العاص إنما أخذها عن عمر بن الخطاب لقوله له لما عزم على استخلافه:«لله أبوك لو لا دعابة فيك»،إلا أن عمر اقتصر عليها و عمرو زاد فيها و سمجها.

قال صعصعة بن صوحان و غيره من شيعته و أصحابه:كان فينا كأحدنا،لين جانب،و شدة تواضع،و سهولة قياد،و كنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه،و قال معاوية لقيس بن سعد:رحم الله أبا حسن،فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة،قال قيس:نعم،كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يمزح و يبتسم إلى أصحابه،و أراك تسر حسوا في ارتغاء،و تعيبه بذلك!أما و الله لقد كان مع تلك الفكاهة و الطلاقة أهيب من ذي لبدتين،قد مسه الطوى،تلك هيبة التقوى ليس كما يهابك طغام أهل الشام (15) ».

استطراد في تحريف الكتب:

لما بلغ الكلام إلى نقل العلامة الإربلي عن كتاب«المحبر»للعلامة النسابة،أبي جعفر محمد بن حبيب بن امية بن عمرو الهاشمي البغدادي(المتوفى سنة 245،)حان حين إبراز التأسف عما جنته يد التحريف أو عدم الاعتناء بشأن المقابلة و التصحيح و ما حرفته يد الطبع الأمينة في هذا الكتاب و كثير من الكتب المطبوعة،و قد فصلنا القول في هذا الباب و في تحريف مكانة كثير من الصحابة و الرواة و العلماء و الشعراء وفق ما خطته للمحرفين أنفسهم حسب نزعاتهم المذهبية و القومية و الحزبية و الحمية الجاهلية،و في هذا بلاغ للمستبصر و تذكرة للمذكر،فاستمع لما يتلى:

1ـكتاب«المحبر»:اعلم أن النسخة التي الآن بين يدي و أمام عيني من الكتاب نسخة طبعت في سنة 1361 في مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية على نفقتها بعاصمة الدولة الآصفية (حيدرآبادـدكن)،و إني طالعت الكتاب من أوله‏إلى آخره،و تصفحته من بدئه إلى ختمه،و تعمقت أسطاره فلم أجد فيه الكلام الذي ذكره العلامة الإربلي منه،و من أهدى إلي الكلام المذكور بعينه و نصه في أصل الكتاب أعني«المحبر»فله علي و على زملائي حق لا ننساه.نعم،لعل الخائنين حرفوا ذلك،و ليس هذا ببعيد،و كم له من نظير.

2ـكتاب«الفتوحات المكية»:و من ذلك حذفهم أسامي الأئمة عليهم السلام من الفتوحات المكية لمحيي الدين ابن العربي على ما في اليواقيت و الجواهر للشعراني،فإن فيه عين عباراته كما في المطبوعة منه مع تلك الأسامي الشريفة،قال العلامة عبد الوهاب الشعراني(المتوفى 973)في«اليواقيت»(ج 2/المبحث 65،ط دار المعرفة،بيروتـلبنان)،ما هذا لفظه و عبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس و الستين و ثلاثمائة من الفتوحات:

«اعلموا أنه لا بد من خروج المهدي عليه السلام،لكن لا يخرج حتى تمتلى‏ء الأرض جورا و ظلما،فيملأها قسطا و عدلا،و لو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة و هو من عترة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من ولد فاطمةـرضى الله عنهـ،جده الحسين بن علي بن أبي طالب،و والده حسن العسكري،ابن الإمام علي النقيـبالنونـ،ابن الامام محمد التقيـبالتاء،ابن الإمام علي الرضا،ابن الإمام موسى الكاظم،ابن الإمام جعفر الصادق،ابن الإمام محمد الباقر،ابن الإمام زين العابدين علي،ابن الإمام الحسين،ابن الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه،يواطى‏ء اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،يبايعه المسلمون بين الركن و المقام،يشبه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في الخلقـبفتح الخاءـ،و ينزل عنه في الخلقـبضمهاـ».

هذا ما في«اليواقيت»،و في المجلد الثالث من«الفتوحات»(الباب 366،ص 419،ط بولاقـمصر، :«اعلمـأيدك اللهـأن لله خليفة يخرج و قد امتلأت الأرض جورا و ظلما،فيملأه قسطا و عدلا،لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من ولد فاطمة،جده الحسن بن علي،يواطى‏ء اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم...إلى آخر ما قال».

فالتصحيف و التحريف في موضعين:أحدهما أن في«اليواقيت»:جده الحسين بن علي،و في«الفتوحات»من ذلك الطبع:الحسن بن على،و الثاني حذف أسامى الأئمة عليهم السلام برمتها.

3ـجمهرة ابن دريد:و من ذلك ما وقع التحريف في«جمهرة»ابن دريد،محمد بن الحسن(المتوفى 321)(ج 1:ص 71)قال فيه:«غدير خم معروف (16) و هو الموضع الذي قام فيه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خطيبا بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب»،كذا فى المطبوع من الجمهرة،و قد حكى عنه ابن شهر آشوب و غيره في العصور المتقدمة من النسخ المخطوطة ما نصه:«هو الموضع الذي نص النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيه على علي عليه السلام»،و قد حرفته يد الطبع الأمينة.

4ـموطا مالك:و من ذلك موطأ مالك،حيث ورد فيه و في شرحه تنوير الحوالك(ط شركة مصطفى البابي الحلبي و أولاده بمصر سنة 1370،ج 1:ص 307/باب الجهاد):«عن أبي النصرـمولى عمر بن عبيد اللهـأنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لشهداء احد:هؤلاء أشهد عليهم،فقال أبو بكر الصديق:ألسنا يا رسول الله،إخوانهم؟أسلمنا كما أسلموا،و جاهدنا كما جاهدوا!فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:بلى،و لكن لا أدري ما تحدثون بعدي،فبكى أبوبكر ثم بكى ثم قال:أ إننا لكائنون بعدك»؟

و أما من طبعه بالقاهرة(سنة 1387،بتحقق عبد الوهاب عبد اللطيف)فالحديث اسقط بتمامه.

5ـحياة محمد(ص):و من ذلك«حياة محمد صلى الله عليه و آله و سلم»لمحمد حسنين هيكل،حيث أورد(في الخامس،ص 104،من الطبعة الأولى منه)قصة الإنذار بالتفصيل،و قال:قال صلى الله عليه و آله و سلم لهم:«...فأيكم يؤازرني على هذا الأمر و أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم؟فأعرضوا عنه و هموا بتركه...».و قد حذف من طبعه الثاني و الثالث(سنة 1345 و 1358 في دار الكتب المصرية)قوله صلى الله عليه و آله و سلم:«و أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم».

6ـتفسير الطبرى:و من ذلك تفسير الطبري،فقد نقل فيه(ج 19:ص 112،ط 1373،مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده بمصر):«فقال(رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم):يا بني عبد المطلب !...فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و كذا و كذا؟...ثم قال:إن هذا أخي و كذا و كذا،فاسمعوا له و أطيعوا هذا».

و قد ورد في الجزء 2 منه بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم(ص 321،ط دار المعارف بمصر):«فقال :يا بني عبد المطلب!...فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيى و خليفتي فيكم؟...ثم قال:إن هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم،فاسمعوا له و أطيعوا».أقول:و لا أدري أكان هذا العمل الموجب للأسف من الطبري أو من غيره،و الله أعلم.

7ـمكاسب الشيخ الانصارى:و ذلك الذي يحرق جدا قلوب الموالي،و يوجب لهم حزنا كثيرا وقوع الحذف و الاسقاط في«المكاسب»لشيخنا الأعظم الأنصاري رحمه الله،قال رحمه الله في«المكاسب» (ط تبريز،سنة 1375،بخط طاهر خوشنويس،بمطبعة الإطلاعات،ص 40)عند ذكر حرمة الغيبة:«و كيف كان فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة في عدها من الكبائر أظنها في غير المحل،ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن،فيجوز اغتياب المخالف كما يجوز لعنه،و توهم عموم الآية كبعض الروايات لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم و عدم جريان أحكام الاسلام عليهم إلا قليلا مما يتوقف استقامة نظم معاش المؤمنين عليه مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة،و حل ذبائحهم و مناكحتهم،و حرمة دمائهمـلحكمةدفع الفتنةـو نسائهم،لأن لكل قوم نكاحا،و نحو ذلك،مع أن التمثيل المذكور في الآية مختص بمن ثبت اخوته،فلا يعم من وجب التبري عنه،و كيف كان فلا إشكال في المسألة بعد ملاحظة الروايات الواردة في الغيبة و في حكمة حرمتها و فى حال غير المؤمن في نظر الشارعـالخ».هذا و قد اسقط منه في طبع عبد العزيز البغدادي(صاحب المكتبة العربية،ج 3:ص 320)و من قوله«ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمنـإلى قوله:ـو كيف كان فلا إشكال في المسألة ...»و أيضا قوله«و في حال غير المؤمن».

الاستدراك

1ـصحيح البخاري

روى هذا الحديث:

«كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و ليس معنا نساء،فقلنا،ألا نستخصي؟فنهانا عن ذلك،ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالئوب إلى أجل:ثم قرأ عبد الله:/يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين/» (17) .

رواها عن البخاري جماعة من المحدثين،و المفسرين،و الفقهاء بهذا النص،و لكن الموجود في صحيح البخاري المتداول:الجزء 6 الصفحة 53 يخالف ما ذكره هؤلاء من وجهين:

1ـحذف كلمه:«ابن مسعود»من سند الحديثـو قد ذكره معظمهمـلأنه كان يقول بجواز المتعة،حتى لا تكون قرينة على أن المراد بهذه الرواية هو جواز نكاح المتعة و ترخيصه.

2ـحذف كلمة:«إلى أجل»من آخر الرواية،لأنها صريحة في ترخيص نكاح‏المتعة،كما فهمها الشراح و فسروها،لأن الترخيص فى النكاحـفى هذا الموردـلا بد و أن يكون ترخيصا لنكاح المتعة،دون النكاح الدائم،خاصة و إن المقصود من:«ليس معنا نساء»أي نساؤنا و زوجاتنا،لا مطلق النساء،و إلا لم يكن معنى للترخيص في النكاح في تلك لحالة،و يؤيد ذلك ما ورد في بعض المصادر:«ليس لنا نساء».

و لدلالة هذه الرواية على نكاح المتعة ادعى غير واحد من الفقهاء نسخ هذا الحكم الثابت في هذه الرواية بتحريم نكاح المتعة بعد ذلك بروايات أخرى تفيد تحريمها.

و مع أن ذلك لا يتم لهم لأسباب مرت عليكـعند مناقشة تلك الروايات في آية المتعةـفإن يد التحريف تناولت هذة الرواية فغيرتها عما كانت عليه من الصحة.ألا قاتل الله التحريف،و أهواء المحرفين،!

و من المحدثين،و المفسرين،و الفقهاء الذين رووا الحديث المذكور عن البخاري علي وجه الصحة هم:

المصدر/الجزء/الصفحة/طبعة

أ/البيهقي/في سننه/7/200/حيدر آباد

ب/السيوطي/في تفسيره/2/207/الميمنية بمصر

ج/الزيلعي/في نصب الراية/3/180/دار التأليف بمصر

د/ابن تيمية/في المنتقى/2/517/الحجازي بمصر

ه/ابن القيم/في زاد المعاد/4/8/محمد علي صبيح بمصر

و/القنوچي/في الروضة الندية/2/16/المنيرية بمصر

ز/محمد بن سليمان/في جميع الفوائد/1/589/دار التأليف بمصر

و لهذه الرواية مصادر أخرى و هي:

الجزء/الصفحة/طبعة

ح/مسند أحمد/1/420/مصر 1313

ط/تفسير القرطبي/5/130/مصر 1356

ي/تفسير ابن كثير/2/87/مصر على الباقي

ك/أحكام القرآن/2/184/مصر 1347

ل/الاعتبار للخازمي/ـ/176/حيدر آباد

و هناك مصادر اخرى كصحيح أبي حاتم البستي و غير ذلك من امهات المصادر (18) .

2ـالمعارف لابن قتيبة قال الكنجي الشافعي(المقتول سنه 658)في«كفاية الطالب»في ذكر عدد أولاده عليه السلام:كان له من سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم و امها سيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى:الحسن و الحسين و زينب الكبرى و ام كلثوم الكبرىـو ساق الكلام إلى أن قال:ـو زاد على الجمهور و قال :و ان فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي ذكرا كان سماه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم محسنا.و هذا شي‏ء لا يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة (19) .

و أيضا قال محمد بن على بن شهر آشوب(المتوفي سنة 588)في«مناقب آل ابي طالب»:و أولادها الحسن و الحسين و المحسن سقط،و في«معارف القتيبي»إن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي،و زينب و ام كلثوم (20) .و لكن مع الأسف الموجود في الطبعات التي بين أيدينا من المعارف هكذا:«و أما محسن بن علي فهلك و هو صغير».هذه خيانة عظيمة و جناية كبيرة على الكتب و معارف الدين.

3ـقال ابن ابى الحديد المعتزلي في«شرح النهج»(ج 4:ص 68/بتحقيق:محمد أبو الفضل إبراهيم) :روى سفيان الثوري،عن عبد الرحمن بن قاسم،عن عمر بن عبد الغفار:إن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة،و يجلس الناس إليه،فجاء شاب من الكوفة فجلس إليه،فقال:يا أبا هريرة!أنشدك الله،أسمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول لعلي بن أبي طالب:«اللهم وال من والاه،و عاد من عاداه»؟فقال:اللهم نعم،قال:فأشهد بالله لقد واليت عدوه و عاديت وليه.ثم قام عنه.

و روت الرواة أن أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان في الطريق و يلعب معهم و كان يخطب و هو أمير المدينة فيقول:الحمد لله الذي جعل الدين قياما،و أبا هريرة إماما.يضحك الناس بذلك،و كان يمشي و هو أمير المدينة في السوق فإذا انتهى إلى رجل يمشي أمامه ضرب برجليه الأرض،و يقول:الطريق الطريق،قد جاء الأميرـيعني نفسهـ.

قلت:قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب المعارف في ترجمة أبي هريرة و قوله فيه حجة لأنه غير متهم عليه.انتهى.

قال العلامة الأمينىـقدس الله روحهـبعد نقل هذا الكلام في«الغدير»(ج 1:ص 204):هذا كله قد أسقطته عن كتاب«المعارف»(ط مصر،ص 1353 ه)يد التحريف اللاعبة به،و كم فعلت هذه اليد الأمينة لدة هذه في عدة موارد منه كما أنها أدخلت فيه ما ليس منه.انتهى.

4ـقال ابن ابى الحديد في(ج 19:ص 217):المشهور إن عليا عليه السلام ناشد الناس الله في الرحبة بالكوفة فقال:أنشدكم الله!رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول لي و هومنصرف عن حجة الوداع:«من كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم وال من والاه،و عاد من عاداه» .فقام رجال فشهدوا بذلك،فقال عليه السلام لأنس بن مالك:لقد حضرتها فما بالك؟!فقال:يا أمير المؤمنين!كبرت سني و صار ما أنساه أكثر مما أذكره.فقال له عليه السلام:إن كنت كاذبا فضربك الله بها بيضاء لا تواريها العمامة.فما مات حتى أصابه البرصـو ساق الكلام إلى أن قال:ـو قد ذكر ابن قتيبة حديث البرص و الدعوة التي دعا بها أمير المؤمنين عليه السلام على أنس بن مالك في كتاب«المعارف»في باب البرص من أعيان الرجال،و ابن قتيبة غير متهم في حق علي عليه السلام على المشهور من انحرافه عنه.

قال العلامة الأميني رحمه الله في«الغدير»(ج 1:ص 192)بعد نقل بعض هذا الكلام من«معارف»ابن قتيبة:و هو يكشف عن جزمه بصحة العبارة و تطابق النسخ على ذلك كما يظهر من غيره أيضا ممن نقل هذه الكلمة عن كتاب«المعارف»لكن اليد الأمينة على ودايع العلماء في كتبهم في المطابع المصرية دست في الكتب ما ليس منه فزادت بعد القصة ما لفظه:قال أبو محمد:ليس لهذا أصل.ذهولا عن أن سياق الكلام يعرب عن هذه الجناية،و يأبى هذه الزيادة إذ المؤلف يذكر فيه من مصاديق كل موضوع ما هو المسلم عنده،و لا يوجد من أول الكتاب إلى آخره حكم في موضوع بنفي شي‏ء من مصاديقه بعد ذكره إلا هذه.فأول رجل يذكر في عد من كان عليه البرص هو أنس ثم يعد من دونه.فهل يمكن أن يذكر مؤلف في إثبات ما يرتأيه مصداقا ثم ينكره بقوله لا أصل له؟و ليس هذا التحريف في كتاب«المعارف»بأول في بابه...

5ـتاريخ اليعقوبي قال ابن واضح في تاريخه(ج 2:ص 35،ط الحيدريةـالنجف الأشرف)بتحقيق العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم:و نزل عليه:من القرآن بالمدينة اثنتان و ثلاثون سورةـإلى أن قال:ـو قد قيل إن آخر ما نزل عليه/اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتى و رضيت لكم الإسلام دينا/و هي‏الرواية الصحيحة الثابتة الصريحة و كان نزولها يوم النص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالبـصلوات الله عليهـبغدير خم.

و لكن الموجود في طبعه دار صادر(ط بيروت،ج 2:ص 43):و كان نزولها يوم النفر على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعد ترحم.

6ـصحيح الترمذي قال العلامة الحلي رحمه الله في«نهج الحق»(ص 283،ط بيروت)بتحقيق الحجة الشيخ فرج الله في مطاعن الثاني:«في صحيح الترمذي،قال:سئل ابن عمر عن متعة النساء فقال :هي حلال،و كان السائل من أهل الشام فقال له:إن أباك قد نهى عنها!فقال ابن عمر:إن كان أبي قد نهى عنها وضعها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،نترك السنة،و نتبع قول أبي؟ !».

أقول:نقل هذا الحديث بنصه و عينه الشهيد الثانى في«شرح اللمعة»في الفصل الرابع في نكاح المتعة(ط النجف،ج 5:ص 283)إلا جاء بدل«وضعها رسول الله»و«قد سنها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم».وـأيضاـجاء الحديث في جواهر الكلام(ج 30:ص 145)في النكاح المنقطع و شرعيته في الإسلام نقلا عن«صحيح الترمذي»و لكن ما كان الموجود في صحيح الترمذي في باب ما جاء في نكاح المتعة حديثان 1130 و 1131 يدلان على حرمة نكاح المتعة و ليس للحديث المذكور الذي نقله الأعلام أثر و لا غبار.فراجع البتحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي» (ط بيروتـدار المعرفة).

7ـحديث الخلافة قال عليه السلام:و اعجباه!أتكون الخلافة بالصحابة و القرابة؟و روى له شعرا في هذا المعنى:

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم‏ 
فكيف بهذا و المشيرون غيب

و إن كنت بالقربى حججت خصيمهم‏ 
فغيرك أولى بالنبي و أقرب

و لكن الموجود في شرح ابن ابى الحديد المعتزلي(ج 18:ص 416)هكذا:«و اعجباه!أن تكون الخلافة بالصحابة،و لا تكون بالصحابة و القرابة؟،و هكذا في«شرح النهج»للعلامة مولى صالح القزويني (ج 4:ص 180،ط اسلامية)،و ما كان في شرح المعتزلي و القزويني هو الصحيح.

8ـكتاب مسند احمد بن حنبل قال العلامة الحلي رحمه الله في«نهج الحق و كشف الصدق»:(217 و 218):«في«مسند»أحمد بن حنبل من عدة طرق:أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم آخي بين الناس و ترك عليا حتى بقي آخرهم لا يرى له أخا،فقال:يا رسول الله!آخيت بين أصحابك و تركتني!فقال:إنما تركتك لنفسي،أنت اخي و أنا أخوك،فإن ذكرك أحد فقل:أنا عبد الله و أخو رسوله،لا يدعيها بعدك إلا كذاب،و الذي بعثني بالحق!ما أخرتك إلا لنفسي،و أنت مني بمنزلة هارون من موسى،إلا أنه لا نبي بعدي...».

قال العلامة المظفر رحمه الله في ذيل هذا الكلام:نقل في«ينابيع المودة»(في الباب التاسع)حديث المؤاخاة عن أحمد في مسنده عن زيد بن أبي أوفى كما نقله المصنف رحمه الله في«منهاج الكرامة»عن المسندـايضاـإلى أن قال:ـثم حكى في«الينابيع»ـايضاـعن أحمد في مسنده،عن حذيفة بن اليمان،قال :«آخي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بين المهاجرين و الأنصار و كان يؤاخي بين الرجل و نظيره،ثم أخذ بيد علي عليه السلام فقال:هذا أخي».و حكىـأيضاـعن عبد الله بن أحمد في«زوائد المسند»ثمانية احاديث في مؤاخاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام فيمكن أن يكون المصنف رحمه الله أشار إلى هذه الأحاديث بقوله:من عده طرق .و كان القوم قد تعللوا لحذفها من«المسند»في الطبع بدعوى أنها من الزيادات،فإني لم أعثر على شي‏ء منها (21) .ـكتاب صحيح مسلم و قالـأيضاـرحمه الله(في ص 569):و ذكر الحاكم (22) :إن مسلما أخرج حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم:«خير نساء العالمين أربع»و لم أجده في صحيح مسلم لا في فضائل خديجة،و لا في فضائل فاطمة عليها السلام.نعم،روى في فضائل خديجة(ج 7:ص 123)عن أبى موسى:«لم يكمل من النساء غير مريم و آسية،و إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».فلعل النساخ حرفوا الحديث إيثارا لعائشة بالفضل كما يشهد له أن هذا الحديث لم يشتمل على ذكر خديجة فكيف أخرجه مسلم في فضائلها و لو لم يكن أصل لما ذكره الحاكم لتعقبه الذهبي في تلخيصهـو ساق الكلام إلى أن قال رحمه الله:ـو قد رغب بعض القوم أن يعارض حديث سيادة الزهراء عليهما السلام بما وضعه على لسان النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال:«فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»،و هو ظاهر الوضع،إذ لا يحسن نسبة هذا التشبيه الواهي إلى من اعطي جوامع الكلم و كان أفصح من نطق بالضاد،و كيف لا يجزم بكذبه من عرف طريقة النبي صلى الله عليه و آله و سلم في لطف كلامه و حسن بيانه و بديع تشبيهاته؟و أين هو من قوله:«فاطمة سيدة نساء العالمين»؟و ليت شعري أيكون الفضل جزافا؟و قد خالفت أمر الله في كتابه بقرارها في بيتها و قد خرجت على إمام زمانها الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«حربك حربي»،و جاهرت بعداوته و قد قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيه:«من عاداك عاداني،و من عاداني عاد الله».و استمرت على بغضه و قد جعل الرسول بغضه دليل على النفاق،و قال فيه:«من أبغضك أبغضني،و من أبغضني أبغض الله».

و الشاهد أو المؤيد على ما قلنا ما جاء في ملحقات إحقاق الحق للعلامة المرعشي رحمه الله :

إيقاظ و إزاحة اشتباه

قد أوردنا في(ج 13:ص 85)في طرق الحديث الشريف«من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»عن صحيح مسلم،و نقلنا عنه بلا واسطة،و لكنهـمع الأسفـاشتباه مطبعي و الصحيح هكذا :

و منهم العلامة الشيخ محيى الدين ابو محمد عبد القادر بن أبى الوفاء(المتوفى سنة 775)في«الجواهر المضيئة»(ج 2:ص 457،ط حيدرآبادـدكن)روى عن صحيح مسلم ما هذا لفظه:و قوله في«صحيح مسلم» :«من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» (23) .

إن كان الحديث موجودا و عثر عليه لم يحتج إلى هذا الكلام و لا إلى الإيقاظ و إزاحة الاشتباه (24) .

11ـالتحريف في ديوان حسان

1ـقال العلامة الأميني رحمه الله في الغدير(ج 2:ص 41):إن لحسان في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مدايح جمة غير ما سبقت الإشارة إليه،و سنوقفك على ما التقطناه من ذلك،فمن هذه الناحية نعرف أن يد الأمانة لم تقبض عليها يوم مدت إلى ديوانه،فحرفت الكلم عن مواضعها،و لعبت بديوان حسان كما لعبت بغيره من الدواوين و الكتب و المعاجم التي أسقطعت منها مدايح أهل البيت عليهم السلام و فضائلهم،و الذكريات الحميدة لأتباعهم كديوان الفرزدق الذي أسقطوا منها ميميته المشهورة في مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام مع إشارة الناشر إليها في مقدمة شرح ديوانه،و قد طفحت بذكرها الكتب و المعاجم،و كديوان كميت فإنه حرفت منه أبيات كما زيدت عليه اخرى،و كديوان أمير الشعراء،أبي فراس،و كديوان‏كشاجم الذي زحزحوا عنه كمية مهمة من مراثي سيدنا الإمام السبط الشهيد سلام الله عليه.

12ـالتحريف فى قصيدة الناشى‏ء الصغير

و من القصائد التي وقع التحريف فيها قصيدة مشهورة للناشى‏ء الصغير(المتوفى سنة 365)،أبو الحسن علي بن عبد الله بن وصيف الحلاء.جاء في«وفيات الأعيان»هو من شعراء المحسنين،و له في أهل البيت قصائد كثيرة،و كان متكلما بارعا،أخذ علم الكلام عن أبي سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت المتكلم،و كان من كبار الشيعة،و له تصانيف كثيرة،و كان جده وصيف مملوكا،و أبوه عبد الله عطارا،و الحلاءـبفتح الحاء و تشديد اللام،و انما قيل له ذلك لأنه كان يعمل حلية من النحاس (25) .

قال الشاعر رحمه الله:

بآل محمد عرف الصواب‏ 
و في أبياتهم نزل الكتاب

هم الكلمات و الأسماء لاحت‏ 
لآدم حين عز له المتاب

و هم حجج الإله على البرايا 
بهم و بحكمهم لا يستراب

و أنوار ترى في كل عصر 
لإرشاد الورى فهم شهاب

و لا سيما أبو حسن علي‏ 
له في الحرب مرتبة تهاب

علي الدر و الذهب المصفى‏ 
و باقي الناس كلهم تراب

كأن سنان ذابله ضمير 
فليس عن القلوب له ذهاب

و صارمه كبيعته بخم‏ 
معاقدها من القوم الرقاب

إذا لم تبر من أعداء علي‏ 
فما لك في محبته ثواب

هو البكاء في المحراب ليلا 
هو الضحاك إن جد الضراب

هم النبأ العظيم و فلك نوح‏ 
و باب الله و انقطع الخطاب (26)

قال العلامة الأميني رحمه الله:الأصح إن هذه القصيدة للناشى‏ء،كما صرح به ابن شهر آشوب (27) .

أقول:و لكن جاء بعض هذه الابيات في بعض المطبوعات المصرية محرفا مغيرا فلاحظ حتى يتضح لك الحقيقة.قال ابن خلكان في«وفيات الأعيان»(ج 3:ص 52/بتعليق محمد محيى الدين عبد الحميد) :

كأن سنان ذابله ضمير 
فليس من القلوب له ذهاب

و صارمه لبغتته كنجم‏ 
مقاصدها من الخلق الرقاب

فانظر كيف حرفت الكلمة عن موضعها فصارت كلمة«كبيعته بخم»«لبغتته كنجم»!

13ـالتحريف في أبيات لأبي تمام الطائي رحمه الله

3ـقال العلامة الأميني رحمه الله في«الغدير»(ج 2:ص 331):لا أجد لذي لب منتدحا عن معرفة يوم الغدير لا سيما و بين يديه كتب الحديث و السير و مدونات التاريخ و الأدب،كل يومي إليه بسبابته و يوعز إليه ببنانه،كل يلمس يدي القارى‏ء حقيقة يوم الغدير،فلا يدع له ذكرا خاليا منهـإلى أن قال:ـو لعل الواقف على كتابنا هذا من البدء إلى الغاية يجد فيه نماذج مما قلناه.

إذا فهلم معي و اعجب من الدكتور ملحم إبراهيم الأسود،شارح ديوان شاعرنا المترجم حيث يقول عند قوله:«و يوم الغدير استوضح الحق أهله»:يوم الغدير واقعة حرب معروفة.

و ذكر بعده في قوله:«يمد بضبعيه و يعلم أنه»ما يكشف عن أنها كانت من المغازي النبوية .قال(ص 381):يمد بضبعيه يساعده و ينصره،و الهاء راجعة الى‏الإمام علي،أي كان رسول صلى الله عليه و آله و سلم ينصره و يعلم أنه ولي،كان العضد و المساعد الوحيد للنبي صلى الله عليه و آله و سلم في الغدير،و الرسول نفسه كان ينصره عالما أنه سيكون وليا على شعبه بعده و خليفة له....

و قال رحمه الله(في ص 333):أبو تمام أحد رؤساء الإمامية كما قال الجاحظ،و الأوحد من شيوخ الشيعة في الأدب في العصور المتقادمة و من أئمة اللغة،و منتجع الفضيلة و الكمال،كان يؤخذ عنه الشعر و أساليبه،و ينتهي إليه السير و يلقى لديه المقالد...و في معاهد التنصيص :إنه كان يحفظ أربعة عشر ألف ارجوزة للعرب غير المقاطيع و القصائد.و في التكلمة:أنه أخمل في زمانه خمسائة شاعر كلهم مجيد.

14ـالتحريف في ديوان أبي الطيب المتنبي

قال العلامة السيد عبد الزهراء في«مصادر نهج البلاغة»(ج 1:ص 146،ط بيروتـمؤسسة الاعلمى) :قال أبو الطيب المتنبيـو قد عوتب على تركه مدح امير المؤمنين عليه السلامـ:

و تركت مدحي للوصي تعمدا 
إذ كان نورا مستطيلا شاملا

و إذا استطال الشي‏ء قام بنفسه‏ 
و صفات ضوء الشمس تذهب باطلا

جاء في ذيل الصفحة المذكورة:مما يؤسف له إن هذين البيتين حذفتا من بعض طبعات ديوان المتنبي حتى إن الاستاذ عبد الرحمن البرقوقي ذكرهما في الطبعة ذات الجزئين(ج 2:ص 546)و حذفهما في الطبعة ذات الأربعة أجزاء(و على هذه فقس ما سواها).

15ـكتاب عقائد النسفي

قال العلامة الأميني رحمه الله في«الغدير»(ج 10:ص 360/في باب نظرة في أحاديث معاوية) :قوله صلى الله عليه و آله و سلم:«من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»،ذكره التفتازاني في شرح المقاصد(ج 2:ص 275)و جعله لدة قوله تعالى:/أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و اولى الأمر منكم/في المفاد.و بهذا اللفظ ذكره التفتازانيـأيضاـفي شرح عقائد النسفي (المطبوع سنة 1302)غير أن يد الطبع الأمينة على ودائع العلم و الدين حرفت من الكتاب في طبع سنة 1313 سبع صحائف يوجد فيها هذا الحديث،و حكاه الشيخ على القاري صاحب المرقاة في خاتمة«الجواهر المضيئة»(ج 2:ص 509)و قال(في ص 457):و قوله صلى الله عليه و آله و سلم في صحيح مسلم:«من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»،معناه من لم يعرف من يجب عليه الاقتداء و الاهتداء به في أوانهـانتهى.

16ـكتاب اكمال الدين

محمد بن يحيى العطار،قال:حدثنا الحسن بن علي النيسابوري،قال:حدثني الحسن بن المنذر،عن حمزة بن أبي الفتح،قال:جاءني يوما فقال لي:البشارة!ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد عليه السلام و أمر بكتمانه،و أمر أن يعق عنه ثلاث مائة شاة (28) ...وـأيضاـنسخة قديمة في المكتبة العامة في المسجد الجامع بطهران لآية الله السعيد الطهراني رحمه الله و لكن لم توجد هذه العبارات في الطبعات الأخيرة من الكتاب،و لعل النساخ و المصححين لما لم يوقفوا و لم يطلعوا على سر هذا العدد في العقيقة أسقطوا العبارة و حذفوها .نعم،ان ههنا سرا عظيما و حكمة دقيقة يعلم من أهل البيت عليهم السلام فان الصادق عليه السلام أخبر عن ذلك،فلاحظ ما قاله عليه السلام:«كل مولود مرتهن بالعقيقة (29) »فالحديث الشريف يدل على أن العقيقة تأمن حياة الطفل و تطيل عمره،و لما كان صاحب العصر و الزمان عليه السلام الذي قدر الله له تبارك و تعالى أن يعيش عشرة آلاف سنين أو أكثر فاقتضى أن يعق عنه‏ثلاث مائة شاة.و الله أعلم بحقائق الامور.

17ـاسد الغابة

جاء في كتاب«سبيل النجاة في تتمة المراجعات»بتحقيق و تعليق حسين الراضيـجزاه الله عن صاحب الولاية خير الجزاءـ(ص 77):/و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله و الله رؤف بالعباد/(البقره،2:202)نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حين بات على فراش رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عند الهجرة.راجع ذلك في«شواهد التنزيل»للحسكاني الحنفي(ج 1:ص 96/ح 133 و ص 134 و 135 و 136 و 137 و 139 و 140 و 141 و 142)«كفاية الطالب»للكنجي الشافعي(ص 22،ط الحيدرية)،ـإلى أن قال:ـاسد الغابة لابن أثير الجزري الشافعي(ج 4:ص 25،المطبعة الوهبية)بمصر ذكر الحديث صحيحا،ثم قامت المكتبة الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ بتصوير اسد الغابة بالاوفست و حرفت هذا الحديث فأبدلت كلمة«بات على فراشه»إلى كلمة«بال على فراشه»إهانة للامام أمير المؤمنين و سيد الوصيين،فإنا لله و إنا إليه راجعون.

أنا أقول:اللهم إن كان في هذا تعمد و عناد فالعنه لعنا يتعوذ منه أهل النار،و عذبه عذابا شديدا.آمين يا رب العالمين.

تحريف مكانة الرجال لتشيعهم لعلي عليه السلام:

و بعد ما تلونا عليك و أوضحنا لك ما وقع من التحريف في بعض الكتب إخفاء لمناقب أمير المؤمنين عليه السلام و تمويها لحقه أو لمصالح يراها المحرف و الحاذف،لا بأس بأن نشير إلى خواص من الموالين لأهل البيت عليهم السلام الذين لم تبق مكانتهم سالمة من أقلام المحرفين و ألسنة المعاندين لولائهم لعترة خير المرسلين،و لدفاعهم عن الأئمة الطاهرين،لا سيما إمام المتقين و قائد الغر المحجلين،روح الرسول و زوج البتول،الذي لولاه لما قام للاسلام عمود و لا اخضر له عود،حتى‏تكلم بعض الناصبين و الملحدين ظلما و حسدا فى صادق أئمة التقى عليهم السلام و حامل علم الهدى،ناشر علم الرسول صلى الله عليه و آله و سلم،و قائد علماء العترة الفحول.

1ـالامام الصادق عليه السلام:

قال ابن حجر العسقلاني:«جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي،ابو عبد الله المدني الصادق،و امه ام فروة بنت القاسم ابن محمد بن أبي بكر،و قال ابن المديني :سئل يحيى بن سعيد عنه فقال:في نفسي منه شي‏ء،و مجالد أحب إلي منه (30) .

و قال سعيد بن أبي مريم:قيل لأبي بكر بن عياش:مالك لم تسمع من جعفر،و قد أدركته؟قال :سألناه عما يتحدث به من الأحاديث:أشي‏ء سمعته؟قال:لا،و لكنها رواية رويناها عن آبائنا .

و قال ابن سعد:كان(جعفر)كثير الحديث،و لا يحتج به و يستضعف،سئل مرة:هل سمعت هذه الأحاديث عن أبيك؟قال:نعم،و سئل مرة فقال:إنما وجدتها في كتبه (31) ».

و مما يهيج الأحزان و الهموم،و تثير الأشجان و الغموم احتجاج محمد ابن إسماعيل البخارى في صحيحه ببعض شياطين النواصب كعمران بن حطان،و مروان بن حكم،و عدم احتجاجه بجعفر بن محمد الصادق عليه السلام،و ليت شعري ما عذر البخاري عند الله تعالى و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم!

قال ابن حجر:«عمران بن حطان السدوسي الشاعر المشهور كان يرى رأي‏الخوارج،و هو الذي رثى عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي عليه السلام»،ثم ذكر عنه حديثا أخرجه البخاري عنه في صحيحه (32) .

و قال أيضا:«مروان بن الحكم بن أبي العاص بن امية ابن عم عثمان...و هؤلاء(أي المذكورون من الصحابة و التابعين)أخرج البخاري أحاديثهم عنه...و قد اعتمد مالك على حديثه و رأيه،و الباقون سوى مسلم (33) ».

أقول:و هؤلاء هم/الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا/ (34) ،و لقد أجاد أبوبكر بن شهاب الحضرمي الشيعي الامامي (35) :

قضية تشبه بالمرزءة 
هذا البخاري إمام الفئة

بالصادق الصديق ما احتج في‏ 
صحيحه و احتج بالمرجئة

و مثل عمران بن حطان و مر 
وان و ابن المرأة المخطئة

إلى أن قال:

إن الامام الصادق المجتبى‏ 
بفضله الآي أتت منبئة

أجل من في عصره رتبة 
لم يقترف في عمره سيئة

قلامة من ظفر إبهامه‏ 
تعدل من مثل البخارى مائة

ـأبو سعيد،أبان بن تغلب بن رباح البكرى:

قال ابن حجر العسقلاني بعد ذكر المدح له من المحدثين و توثيقهم اياه:«قال‏الجوزجاني زايغ مذموم المذهب مجاهر (36) ».

و قال:«قوله(أي الذهبي في«ميزان الاعتدال»)في ترجمة أبان بن تغلب:فإن قيل:كيف ساغ توثيق مبتدع،و حد الثقة العدالة و الاتفاق،فكيف يكون عدلا و هو صاحب بدعة؟و جوابه أن البدعة على ضربين:فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو و لا تحرق فهذا كثير فى التابعين و أتباعهم مع الدين و الورع و الصدق،فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية،و هذه مفسدة بينة.ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل و الغلو و الحط على أبي بكر و عمرـرضى الله عنهـو الدعاء إلى ذلك،فهؤلاء لا يقبل حديثهم و لا كرامة،و أيضا فلا أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا و لا مأمونا بل الكذب شعارهم،و التقية و النفاق دثارهم،فكيف يقبل من هذا حاله؟حاشا و كلا،فالشيعي الغالي في زمان السلف و عرفهم هو من تكلم في عثمان و الزبير و طلحة و طائفة ممن حارب عليا رضى الله عنه و تعرض لسبهم،و الغالي في زماننا و عرفنا هو الذي كفر هؤلاء السادة،و تبرأ من الشيخين أيضا،فهذا ضال مفتر (37) ».

قال العلامة المجاهد،السيد محمد بن عقيل الحضرموتي بعد نقل الكلام المذكور مختصرا:«على أن في قوله:«فالشيعيـإلى قوله:ـو طائفة ممن حارب عليا رضى الله عنه و تعرض لسبه»غموضا،لأن لفظ الطائفة يصدق على الواحد فأكثر،فما تفسيره هنا؟أهي ام المؤمنين عائشة وحدها أم من عدا أهل النهروان من الناكثين و القاسطين؟و عليه يكون الحسنان و عمار و من معهم ممن صح عنهم لعن القاسطين غلاة.

و قوله:«و تعرض لسبه» (38) يحتمل عود الضمير في«تعرض»إلى فاعل«حارب»،و الضمير في لسبه يعود إلى علي عليه السلام،و عليه يكون لعن و سب الذين يلعنون و يسبون عليا من الغلو،و يحتمل أن يعود الضمير في«تعرض»إلى علي عليه السلام،و عليه يكون الاقتداء بعلي في سب من سبه علي من الغلو (39) ».

و قال العسقلاني أيضا:«و التشيع محبة علي و تقديمه على الصحابة،فمن قدمه على أبي بكر و عمر فهو غال في تشيعه،و يطلق عليه رافضي،و إلا فشيعي،و إن انضاف إلى ذلك السب أو التصريح بالبغض فغال في الرفض،و إن اعتقد الرجعة إلى الدنيا فاشد في الغلو (40) ».

و قال العلامة الحضرموتيـأيضا:«و لا يخفى أن معنى كلامه هذا ان جميع محبي علي المقدمين له على الشيخين روافض،و أن محبيه المقدمين له على سوى الشيخين شيعة،و كلا الطائفتين مجروح العدالة،و على هذا فجملة كبيرة من الصحابة الكرام كالمقداد،و زيد بن أرقم،و سلمان،و أبي ذر،و خباب،و جابر،و أبي سعيد الخدري،و عمار،و ابي بن كعب،و حذيفة،و بريدة،و أبي أيوب،و سهل بن حنيف،و عثمان بن حنيف،و أبي الهيثم بن التيهان،و خزيمة بن ثابت،و قيس بن سعد،و أبي الطفيل عامر بن واثلة،و العباس بن عبد المطلب و بنيه،و بني هاشم،و بني المطلب كافة و كثير غيرهم كلهم روافض لتفضيلهم عليا على الشيخين و محبتهم له،و يلحق بهؤلاء من التابعين و تابعي التابعين من أكابر الأئمة و صفوة الامه من لا يحصى عددهم،و فيهم قرناء القرآن،و جرح عدالة هؤلاء و الله قاصمة الظهر (41) ».

أقول:كيف يكون هذا الرجل العظيم زائغا مذموم المذهب مجاهرا و قد أوجع موته قلب جعفر بن محمد عليهما السلام؟أسخن الله عيون النواصب،و صب عليهم‏عذابه الواصب لما يرمون رجال المذهب بهذه الأراجيف و الشتائم.

و كيف يكون كذلك و قد قال له أبو جعفر الباقر عليه السلام:اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس،فإني احب أن يرى في شيعتي مثلك!و قال أبو عبد الله عليه السلام لما أتاه نعيه :أما و الله،لقد أوجع قلبي موت أبان (42) .

و قال المحدث القمي رحمه الله:أبان بن تغلبـكتضربـالكوفي ثقة،جليل القدر،عظيم المنزلة في أصحابنا،لقي أبا محمد علي بن الحسين و أبا جعفر و أبا عبد الله عليهم السلام...و كان رحمه الله مقدما في كل فن من العلم في القرآن و الفقه و الحديث و الأدب و النحو و اللغة،و له كتب منها:تفسير غريب القرآن،و كان قاريا من وجوه القراء فقيها لغويا،سمع من العرب و حكى عنهم،و روى عن أبي عبد الله عليه السلام ثلاثين ألف حديث،و روي عن أبان بن محمد ابن أبان بن تغلب قال:سمعت أبي يقول:دخلت مع أبي على أبي عبد الله عليه السلام،فلما بصر به أمر بوسادة فالقيت له و صافحه و اعتنقه و سائله و رحب به،و كان إذا قدم المدينة تقوضت إليه الحلق (43) و اخليت له سارية النبي صلى الله عليه و آله و سلم (44) .