الفصل 3: أقوال علماء العامة في الحقيقة المحمدية صلى الله عليه و آله

1ـقال العلامة الشيخ سليمان الحنفي الشافعي في خطبة كتابه ينابيع المودة(ص 1):«و هو الذي خلق أولا من نور ذاته الأقدس الحقيقة المحمدية صلى الله عليه و آله و سلم التي هي جامعة للعوالم الغيبيه و الشهودية،و محيطة بالمقامات الملكوتية و الجبروتية،و جعل محمدا صلى الله عليه و آله و سلم خير خلقه،و مبدء العوالم في إيجادهـو ساق الخطبة إلى أن قالـو أكرمه تلطفا،و شرفه تعطفا بسيادة الكونين،و جعله برزخا بين الوجوب و الامكانـإلى آخر كلامه».

2ـقال العلامة القسطلاني على ما في عقبات الأنوار المعرب(ج 4:ص 181):«فهو صلى الله عليه و آله الجنس العالي على جميع الأجناس،و الأب الأكبر لجميع الموجودات.و لما انتهى الزمان بالإسم الباطن في حقه صلى الله عليه و آله و سلم إلى وجود جسمه و إرتباط الروح به انتقل حكم الزمان إلى الاسم الظاهر فظهر محمد صلى الله عليه و آله و سلم بكليته جسما و روحا فهو صلى الله عليه و آله و سلم و إن تأخرت طينته فهو خزانة السر،و موضع نفوذ الأمر فلا ينفذ امر إلا منه،و لا ينقل خبر إلا عنه».

3ـقال العلامة الديار بكري:«و ما من نبي يأخذ شيئا من الكمالات،إلا من مشكاة خاتم النبيين،و إن تأخر عنهم وجود طينته إذ لا تعلق بمشكاته لوجوده‏الطيني فإنه موجود قبلهم بحقيقته،لأنه أبو الأرواح كما أن آدم أبو الأشباح (1) ».

4ـعن العلامة الديار بكري«و في شواهد النبوة:إن نبينا صلى الله عليه و آله و إن كان آخر الأنبياء في عالم الشهادة لكنه أولهم في عالم الغيب،قالـعليه الصلاة و السلامـ:«كنت نبيا و آدم بين الماء و الطينـإلى أن قال:ـآدم فهو و سائر الأنبياءـو إن كانوا في مشهد علم الربوبيةـما لم يظهروا بصورة جسمانية عنصرية في الشهادة لم يوصفوا بالنبوة،بخلاف نبينا صلى الله عليه(و آله)فإنه لما وجد بوجود روحاني بشره و أعلمه بالنبوة بالفعل،و في كل الشرائع أعطى الحكم له لكن بأيدي الانبياء و الرسل الذين كانوا نوابه كما أن عليا عليه السلام،و معاذ بن جبل في عالم الشهادة ذهبا بنيابته إلى اليمن و بلغا الأحكام،فإن ثبوت النبوة ليس إلا باعتبار شرع مقرر من عند الله،فجميع الشرايع شريعته إلى الخلق بأيدي نوابه،و لما ظهر بالوجود الجسماني العنصري نسخ تلك الشرايع التي كان اقضاها بحسب الباطن،فإن اختلاف الاسم في الاستعدادات و القابليات مقتض لاختلاف الشرايع (2) ».

5ـعن العلامة البوصيري في الحقيقة المحمدية:

محمد سيد الكونين و الثقلين‏ 
و الفريقين من عرب و من عجم

قال الرومي ما ملخصه:«محمد صلى الله عليه و آله و سلم سيد على الإطلاق في الوجودين و أشرف العالمين لإختصاصه بدين،هو أظهر الأديان الحقة».

فاق النبيين في خلق و في خلق‏ 
و لم يدانوه في علم و لا كرم

و قال بشرحه:«المعنى أنه فاق جميع الأنبياء عليهم السلام بشرف طينته،و نزاهة عنصره،و كمال صفائه،و فضائل ملكاته».

و كلهم من رسول الله ملتمس‏ 
غرفا من البحر أو رشفا من الديم

قال العصام بشرحه ما ملخصه:«فإن قلت:هم عليهم السلام سابقون على النبي صلى الله عليه (و آله).قلت:هم سألوا منه مسائل مشكلة في علم التوحيد،و الصفات فأجاب النبي صلى الله عليه و آله و سلم و حل مشكلاتهمـإلى أن قالـو روح نبينا مقدم على أرواح سائر الأنبياء .و الحاصل كل الأنبياء من نبينا لا من غيره استفادوا العلم و طلبوا الشفاعة،إذا هو بحر من العلم،و سحاب من الجود (3) ».

فإنه شمس فضل،هم كواكبها 
يظهرن أنوارها للناس في الظلم

قال الرومي بشرحه:«يقول:إنما اتصلت تلك الآيات الباهرات بهم من نوره صلى الله عليه و آله و سلم،لأنه شمس فضل الله تعالى و رحمته للناس كافة،و الرسل عليهم السلام كانوا مظاهر نوره و حملة سره على درجات استعدادهم،و مراتب قابلياتهم يظهرون أنوار حقائقه و أسرار دقائقه لاقوامهم قرنا بعد قرن (4) ».

6ـعن العلامة ابن الفارض المصري،العارف الكبير،في الحقيقة المحمدية صلى الله عليه و آله و سلم:

و إنى و إن كنت ابن آدم صورة 
فلي منه معنى شاهد بابوتي

و كلهم عن سبق معناي دائر 
بدائرتي أو وارد بشريعتي

و لولاي لم يوجد وجود و لم يكن‏ 
شهود و لم تعهد عهود بذمتي

فلا حي إلا عن حياتي حياته‏ 
و طوع مرادي كل نفس مريدة

و لا قائل إلا بنطقي محدث‏ 
و لا ناظر إلا بناظر مقلتي

و روحي للأرواح روح و كلما 
ترى حسنا في الكون من حسن طينتى

بعترته استغنت عن الرسل الورى‏ 
و أصحابه و التابعين الأئمة

و أوضح بالتأويل ما كان مشكلا 
علي بعلم ناله بالوصية

القصيدة طويلة جدا ذكرنا منها ما يناسب المقام و يوضح المرام.

7ـعن العلامة الشيخ تقي الدين السبكي في كتابه التعظيم و المنة في الحقيقة المحمدية صلى الله عليه و آله و سلم(ص 95)،قال ذيل هذه الآية/لتؤمنن به و لتنصرنه/ (5) :«في هذه الآية من التنويه بالنبي صلى الله عليه(و آله)و تعظيم قدره العلي ما لا يخفى،و فيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلا إليهم فتكون نبوته و رسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة،و تكون الأنبياء و اممهم كلهم من امته.و يكون قوله«بعثت إلى الناس كافة»لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة،بل يتناول من قبلهم أيضا.و يتبين بذلك معنى قوله صلى الله عليه(و آله):«كنت نبيا و آدم بين الروح و الجسد» .و أن من فسره بعلم الله بأنه سيصير نبيا،لم يصل إلى هذا المعنى،لأن علم الله محيط بجميع الأشياء،و وصف النبي صلى الله

عليه و(آله)بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنه أمر ثابت له في ذلك الوقت،و لهذا رأى آدم اسمه مكتوبا على العرش«محمد رسول الله»،فلا بد من أن ذلك معنى ثابت في ذلك الوقت،و لو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير في المستقبل لم يكن له خصوصية بأنه نبي و آدم بين الروح و الجسد،لأن جميع الأنبياء يعلم الله نبوتهم في ذلك الوقت و قبله،فلابد من خصوصية للنبي صلى الله عليه(و آله)لأجلها أخبر بهذا الخبرـإلى أن قالـفحقيقته موجودة من ذلك الوقت و إن تأخر جسده الشريف (6) ».

8ـرواية العلامة سبط ابن الجوزي في الحقيقة المحمدية و العلوية عليهما السلام:«عن علي عليه السلام قال بعد الحمد و الثناء،لما أراد الله أن ينشى‏ء المخلوقات و يبدع الموجودات أقام الخلائق في صورة قبل دحو الأرض و رفع السماوات،ثم

أفاض نورا من نور عزه فلمع قبس من ضيائه و سطع.ثم اجتمع في تلك الصورة و

فيها هيئة نبينا صلى الله عليه(و آله)فقال له تعالى:أنت المختار و عندك مستودع الأنوار،و أنت المصطفى المنتخب الرضي المنتجب المرتضى،من أجلك أضع البطحاء،و أرفع السماء،و اجري الماء،و أجعل الثواب و العقاب و الجنة و النار،و أنصب أهل بيتك علما للهداية،و أودع أسرارهم من سري بحيث لا يشكل عليهم دقيق،و لا يغيب عنهم خفي،و أجعلهم حجتي على بريتي و المنبهين على قدري و المطلعين على أسرار خزائني.

ثم أخذ الحق سبحانه عليهم الشهادة بالربوبية،و الإقرار بالوحدانية،و أن الإمامة فيهم،و النور معهم.ثم إن الله أخفى الخليفة في غيبه،و غيبها في مكنون علمه،و نصب العوالم،و موج الماء،و أثار الزبد،و أهاج الدخان،فطفا عرشه على الماء.

ثم أنشأ الملائكة من أنوار إبتدعها،و أنواع إخترعها،ثم خلق الله الأرض و ما فيها.ثم قرن بتوحيده نبوة نبيه محمد صلى الله عليه(و آله)و صفيه،فشهدت السماوات و الأرض و الملائكة و العرش و الكرسي و الشمس و القمر و النجوم و ما في الأرض له بالنبوة.فلما خلق آدم أبان للملائكة فضله،و أراهم ما خصه به من سابق العلم،فجعله محرابا و قبلة لهم،فسجدوا له و عرفوا حقه.ثم بين لآدم حقيقة ذلك النور و مكنون ذلك السر.فلما حانت أيامه أودعه شيئا و لم يزل ينتقل من الأصلاب الفاخرة إلى الارحام الطاهرة إلى أن وصل إلى عبد المطلب.ثم إلى عبد الله،ثم إلى نبيه صلى الله عليه(و آله)،فدعا الناس ظاهرا و باطنا،و ندبهم سرا و علانيةـإلى أن قالـفنحن أنوار السماوات و الارض،و سفن النجاة،و فينا مكنون العلم،و إلينا مصير الأمور (7) ».

ـعن العلامة المجلسي (8) ـرحمه اللهـفي الحقيقة المحمدية و العلوية:«فاعلم أن أكثر ما أثبتوه لهذه العقول قد ثبت لأرواح النبي و الأئمة عليهم السلام في أخبارنا المتواترة على وجه آخر،فإنهم أثبتوا القدم للعقل،و قد ثبت التقدم في الخلق لأرواحهم إما على جميع المخلوقات أو على سائر الروحانيين في أخبار متواترة.

و أيضا أثبتوا لها التوسط في الايجاد أو الاشتراط في التاثير،و قد ثبت في الأخبار كونهم عليهم السلام علة غائية لجميع المخلوقات،و أنه لولاهم ما خلق الله الأفلاك و غيرها.و أثبتوا لها كونها وسائط في إفاضات العلوم و المعارف على النفوس و الارواح،و قد ثبت في الأخبار أن جميع العلوم و الحقائق و المعارف بتوسطهم تفيض على سائر الخلق حتى الملائكة و الأنبياء.

و الحاصل أنه قد ثبت بالأخبار المستفيضة أنهم عليهم السلام الوسائل بين الخلق و بين الحق في إفاضة جميع الرحمات و العلوم و الكمالات على جميع الخلق.فكلما يكون التوسل بهم و الإذعان بفضلهم أكثر كان فيضان الكمالات من الله أكثرـإلى أن قال رحمه الله:ـفعلى قياس ما قالوا يمكن أن يكون المراد بالعقل نور النبي صلى الله عليه و آله و سلم الذي انشعب منه أنوار الأئمة عليه السلام».

تعليقات:

1ـعبقات الانوار المعرب،ج 4:صص 128 و .184

2ـعبقات الانوار المعرب،ج 4:صص 182 و .184

3ـعبقات الانوار،ص .180

4ـالمصدر،ص .178

5ـآل عمران: .81

6ـالخصائص الكبرى للعلامة جلال الدين السيوطى،ج 1:ص 4،ط بيروت.

7ـتذكرة الخواص،ص .130

8ـبحار الانوار،ج 1،ص .103