الفصل 11: الإمام علي عليه السلام زهده في الدنيا

1ـقال عليه السلام:«فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ،و قراضة الجلم (1) ».

أقول:الحثالةـبالضمـ:الردي من كل شي‏ء،و ما لا خير فيه،القرظـبالتحريكـ:ورق السلم،أو شجر له شوك كثير،و الجلمـبالتحريكـ:مقراض يجز به الصوف،و القراضة:ما يسقط منه عند الجز و القرض.

2ـقال عبد الله بن عباس رضى الله عنه:«دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذى قار،و هو يخصف نعله فقال لي:ما قيمة هذا النعل؟فقلت:لا قيمة لها،فقال عليه السلام:و الله،لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن اقيم حقا أو أدفع باطلا (2) ».

3ـو قال عليه السلام:«و الله،لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم (3) ».

قال ابن المنظور:«و العظام إذا لم يكن عليها شي‏ء من اللحم سميت عراقا (4) »،وقال الشيخ محمد جواد مغنية:«و قيل هو الكرش،و من الذي يأكل كرش الخنزير،أو عظمه من يد مشوهة بالجذام،و هل في الكون كله أبشع و أشنع من هذا الطعام و اليد التي تحمله،هذه هي الدنيا في نظر علي قولا و فعلا و عاطفة و عقلا،و هذا هو واقعها و إن تحلت بالذهب،و رفلت بالديباج،و تعطرت بالعنبر،و إذا خدعت بها أنا،و غيرى من طلابها و كلابها،فهل يخدع بها العقل السليم... (5) ».

4ـو قال عليه السلام:«...و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عطفة عنز (6) ».

قال ابن المنظور:«في حديث علي:«لكانت دنياكم هذه أهون علي من عفطة عنز»،و المعفطة:الإست،و العرب تقول:ما لفلان عافطة و لا نافطة،العافطة:النعجة (7) ».

5ـو قال عليه السلام:«و إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها (8) ،ما لعلي و لنعيم يفنى،و لذة لا تبقى،نعوذ بالله من سبات العقل (9) ،و قبح الزلل،و به نستعين (10) ».

6ـو قال عليه السلام:«فو الله،ما كنزت من دنياكم تبرا،و لا ادخرت من غنائمها وفرا،و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا،و لا حزت من أرضها شبرا،و لا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة،و لهي في عيني أوهى و أهون من عفصة مقرة (11) ».

أقول:الكنز:المال المدفون،و كل شي‏ء يرغب و يتنافس فيه،و التبرـبكسر الأول و سكون الثانيـ :الذهب و الفضة قبل أن يصاغ،الوفر:المال،و الطمرـبالكسرـ:الثوب الخلق،و الأتان:مقام المستسقي على فم البئر و هو صخرة،وـأيضاـالحمارة،و على هذا يقرأ بإضافة أتان إلى دبرة و سكون الباء في دبرة،و الدبرةـبسكون الباءـ:البقعة من الأرض تزرع،و بفتح الباء:قرحة الدابة و البعير،و العفصة:شجرة البلوط و هو دواء قابض،و المقرة:المر.

ممقر مر على أعدائه‏ 
و على الأدنين حلو كالعسل

قال ابن أبي الحديد:«أقسم(علي عليه السلام)أنه ما كنز ذهبا،و لا ادخر مالا،و لا أعد ثوبا باليا سملا لبالي ثوبيه فضلا عن أن يعد ثوبا قشيبا كما يفعله الناس في إعداد ثوب جديد ليلبسوه عوض الأسمال التى ينزعونها،و لا حاز من أرضها شبراـو الضمير في أرضها يرجع إلى دنياكمـو لا أخذ منها إلا كقوت أتان دبرة و هي التي عقر ظهرها فقل أكلها (12) ».

أقول:يحتمل أن يكون المعني:و ما أخذت منه إلا كقوت مستسقي البقعة المزروعة في خلف الدار،يعني كما أن المتصدي لسقي البقعة يأخذ منها شيئا يسيرا،كذلك أنا ما أخذت من قوت الدنيا إلا قليلا،و هذا المعنى أنسب لكلام علي عليه السلام،و كأنه مثل سائر للشي‏ء القليل.

تعليقات:

1ـنهج البلاغة،خ .32

2ـالمصدر،خ .33

3ـالمصدر،خ .235

4ـابن المنظور:لسان العرب/مادة«عرق».

5ـالمغنية:في ظلال نهج البلاغة،ج 4:ص .358

6ـنهج البلاغة،خ .3

7ـابن المنظور:لسان العرب/مادة«عف».

8ـأى تكسرها بالسنان.

9ـسبات العقل:نومه.

10ـنهج البلاغة،خ .222

11ـنهج البلاغة،خ .45

12ـابن أبي الحديد:شرح نهج البلاغة،ج 16:ص .205