الفصل 27: الامام علي عليه السلام و مظلوميته

1ـعن أبي عثمان النهدي،عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال:«مررت مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بحديقة فقلت:يا رسول الله!ما أحسنها!قال:لك في الجنة خير منها،حتى مررت بسبع حدائقـو قال أحمد بن زهير بتسع حدائقـكل ذلك أقول له،و يقول:لك في الجنة خير منها،قال ثم جذبني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و بكى،فقلت:يا رسول الله!ما يبكيك؟قال:ضغائن في صدور رجال عليك لن يبدوها لك للأمر بعدي،فقلت:بسلامة من ديني؟قال :نعم،بسلامة من دينك (1) ».

2ـعن ابن عباس قال:«خرجت أنا و النبي صلى الله عليه و آله و سلم و علي في حشان المدينة فمررنا بحديقة،فقال علي:ما أحسن هذه الحديقة،يا رسول الله!فقال:حديقتك في الجنة أحسن منها،ثم أومأ بيده إلى رأسه ثم بكى حتى علا بكاؤه،قلت:ما يبكيك؟قال:ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني (2) ».

3ـفي خبر طويل،قال له:«اتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلابعد موتي،أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون.ثم بكى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقيل:مم بكاؤك،يا رسول الله؟قال:أخبرني جبرئيل عليه السلام أنهم يظلمونه و يمنعونه حقه و يقاتلونه و يقتلون ولده (3) ».

4ـقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام:«إذ مت ظهرت لك ضغائن في صدور قوم يتمالئون عليك و يمنعونك حقك».

5ـروى جابر بن عبد الله الأنصاري،قال:«دخلت فاطمة عليها السلام على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هو في سكرات الموت،فانكبت عليه تبكي،ففتح عينه و أفاق،ثم قال:يا بنية!أنت المظلومة بعدي،و أنت المستضعفة بعدى،فمن آذاك فقد اذاني و من غاظك فقد غاظني،و من سرك فقد سرني،و من برك فقد برني،و من جفاك فقد جفاني،و من وصلك فقد وصلني،و من قطعك فقد قطعني،و من أنصفك فقد أنصفني،و من ظلمك فقد ظلمني،لأنك مني و أنا منك،و أنت بضعة مني و روحي التي بين جنبي،ثم قال صلى الله عليه و آله و سلم:إلى الله أشكو ظالميك من أمتي.

ثم دخل الحسن و الحسين عليهما السلام فانكبا على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هما يبكيان و يقولان:أنفسنا لنفسك الفداء،يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم !فذهب علي عليه السلام لينحيهما عنه فرفع رأسه إليه،ثم قال:دعهما،يا أخي!يشماني و أشمهما،و يتزودا و أتزود منهما فإنهما مقتولان بعدي ظلما و عدوانا،فلعنة الله على من يقتلهما،ثم قال:يا علي!أنت المظلوم بعدي،و أنا خصم لمن أنت خصمه يوم القيامة (4) ».

6ـعن معاوية بن ثعلبة،قال:«جاء رجل إلى أبي ذر رحمه اللهـو هو جالس في المسجد و علي عليه السلام يصلي أمامهـفقال:يا أباذر!ألا تحدثني بأحب الناس إليك؟فو الله،لقد علمت أن أحبهم إليك أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،قال:أجل،و الذي نفسي بيده،إن أحبهم إلي لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هو هذا الشيخ المظلوم المضطهد حقه (5) ».

7ـالحسن بن علي،عن أبيه عليهما السلام قال:«لما نزلت«الم أحسب الناس الآيات»قلت:يا رسول الله ما هذه الفتنة؟قال:يا علي إنك مبتلى و مبتلى بك،و إنك مخاصم فأعد للخصومة».

8ـعن ياسر الخادم،عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا،عن أبيه،عن آبائه،عن الحسين بن عليـصلوات الله عليهم أجمعينـقال:«قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام:يا علي!أنت حجة الله،و أنت باب الله،و أنت الطريق إلى الله،و أنت النبأ العظيم،و أنت الصراط المستقيم،و أنت المثل الأعلى،يا علي!أنت إمام المسلمين،و أمير المؤمنين،و خير الوصيين،و سيد الصديقين،يا علي!أنت الفاروق الأعظم،و أنت الصديق الأكبر،يا علي!أنت خليفتي على أمتي،و أنت قاضي ديني،و أنت منجز عداتى،يا علي!أنت المظلوم بعدي،يا علي!أنت المفارق بعدي،يا علي!أنت المهجور بعدي،أشهد الله و من حضر من امتي أن حزبك حزبي،و حزبي حزب الله،و أن حزب أعدائك حزب الشيطان (6) ».

9ـعن أبي الحسن الهادي عليه السلام أنه كان يقول عند قبر أمير المؤمنينـصلوات الله عليهـ :«السلام عليك،يا ولي الله!أشهد أنك انت أول مظلوم،و أول من غصب حقه،صبرت و احتسبت حتى أتاك اليقين،و أشهد أنك لقيت الله و أنت شهيد،عذب الله قاتلك بأنواع العذاب،و جدد عليه العذاب،جئتك عارفا بحقك،مستبصرا بشأنك،معاديا لأعدائك و من ظلمك،ألقى على ذلك ربي إن شاء الله،يا ولي الله إن لي ذنوبا كثيرة فاشفع لي إلى ربك يا مولاي!فإن لك عند الله مقاما معلوما،و إن لك عند الله جاها و شفاعة،و قد قال الله تعالى:/و لا يشفعون إلا لمن ارتضى/ (7ـ8)

1ـعند وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:

10ـقال ابن قتيبة الدينوري:و خرج عليـكرم الله وجههـيحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة،و كانوا يقولون:يا بنت رسول الله!قد مضت بيعتنا لهذا الرجل،و لو أن زوجك و ابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به،فيقول عليـكرم الله وجههـ:أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في بيته لم أدفنه و أخرج أنازع الناس سلطانه؟فقالت فاطمة:ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له و لقد صنعوا ما الله حسيبهم و طالبهم (9) ».

11ـو قال بعد ذكر عدم بيعة علي عليه السلام:«فأتى عمر أبابكر فقال له:ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟فقال أبو بكر لقنفذـو هو مولى لهـ:اذهب فادع لي عليا،قال:فذهب إلى علي فقال له:ما حاجتك؟فقال يدعوك خليفة رسول الله،فقال علي:لسريع ما كذبتم على رسول الله!فرجع فأبلغ الرسالة،قال:فبكى أبوبكر طويلا،فقال عمر الثانية:لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة،فقال أبوبكرـرضى الله عنهـلقنفذ:عد إليه فقل له:خليفة رسول الله يدعوك لتبايع،فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به،فرفع علي صوته فقال:سبحان الله لقد ادعى ما ليس له،فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة فبكى أبوبكر طويلا،ثم قام عمر فمشى و معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة،فدقوا الباب،فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها:يا أبت يا رسول الله ماذا لقينابعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة.

فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين،و كادت قلوبهم تنصدع و أكبادهم تنفطر،و بقى عمر و معه قوم فأخرجوا عليا فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له:بايع،فقال:إن أنا لم أفعل فمه؟قالوا:إذا و الله،الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك،فقال:إن أنا لم أفعل إذا تقتلون عبد الله و أخا رسوله،قال عمر:أما عبد الله فنعم،و أما أخو رسوله فلا،و أبو بكر ساكت لا يتكلم،فقال له عمر:أ لا تأمر فيه بأمرك؟فقال:لا اكرهه على شي‏ء ما كانت فاطمة إلى جنبه،فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يصيح و يبكي و ينادي:/يا ابن أم إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني/ (10) . (11)

11ـقال العلامة الفيض رحمه الله:«ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام فوافوا بابه مغلقا فصاحوا به:اخرج،يا عليـ!فإن خليفة رسول الله يدعوك،فلم يفتح لهم الباب،فأتوا بحطب فضعوه على الباب و جاؤوا بالنار ليضرموه،فصاح عمرو قال:و الله،لئن لم تفتحوا لنضرمنه بالنار فلما عرفت فاطمة عليها السلام أنهم يحرقون منزلها قامت و فتحت الباب،فدفعوها القوم قبل أن تتوارى عنهم،فاختبت فاطمة عليها السلام وراء الباب و الحائط،ثم إنهم تواثبوا على أمير المؤمنين عليه السلام و هو جالس على فراشه،و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحبا من داره ملبسا بثوبه يجرونه إلى المسجد،فحالت فاطمة بينهم و بين بعلها،و قالت:و الله،لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلما،ما أسرع ما خنتم الله و رسوله فينا أهل البيت و قد أوصاكم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا،فقال الله تعالى:/قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى/ (12) . (13)

قال فتركه أكثر القوم لأجلها،ـإلى أن قال:ـو قد كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سماه محسناـو جعلوا يقودون أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد حتى أو قفوه بين يدي أبي بكر،فلحقته فاطمة عليها السلام إلى المسجد لتخلصه،فلم تتمكن من ذلك فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزنة و نحيب و هي تقول:

نفسي على زفراتها محبوسة 
ياليتها خرجت مع الزفرات

لا خير بعدك في الحياة و إنما 
أبكي مخافة أن تطول حياتي

ثم قالت:وا أسفاه عليك يا أبتاه،واثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن و أبو سبطيك الحسن و الحسين،و من ربيته صغيرا و واخيته كبيرا،و أجل أحبائك لديك،و أحب أصحابك عليك،أولهم سبقا إلى الإسلام و مهاجرة إليك يا خير الأنام،فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير .ثم إنها أنت أنة و قالت:وا محمداه،وا حبيباه،وا أباه،وا أبا القاسماه،وا أحمداه،وا قلة ناصراه،و اغوثاه،وا طول كربتاه،وا حزناه،وا مصيبتاه،وا سوء صباحاه،و خرت مغشية عليها،فضج الناس بالبكاء و النحيب و صار المسجد مأتما.

ثم إنهم أوقفوا أمير المؤمنين عليه السلام بين يدي أبي بكر و قالوا له:مد يدك فبايع،فقال :و الله،لا ابايع و البيعة لي في رقابكم.فروي عن عدي بن حاتم أنه قال:و الله،ما رحمت أحدا قط رحمتي علي بن أبي طالب عليه السلام حين أتى به ملببا بثوبه يقودونه إلى أبي بكر و قالوا:بايع،قال:فإن لم أفعل؟قالوا:نضرب الذي فيه عيناك،قال:فرفع رأسه إلى السماء،و قال:اللهم إني أشهدك أنهم أتوا أن يقتلوني فإني عبد الله و أخو رسول الله،فقالوا له :مد يدك فبايع فأبى عليهم فمدوا يده كرها،فقبض على أنامله فراموا بأجمعهم فتحها فلم يقدروا،فمسح عليها أبوبكر و هي مضمومة،و هو عليه السلام يقول و ينظر إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:يا ابن أم إن القوم استضعفوني و كادوا أن يقتلونني.قال الراوي:إن عليا عليه السلام خاطب أبابكر بهذين البيتين:فإن كنت بالشورى ملكت امورهم‏ 
فكيف بهذا و المشيرون غيب

و إن كنت بالقربى حججت خصيمهم‏ 
فغيرك أولى بالنبي و أقرب

و كان عليه السلام كثيرا ما يقول:واعجبا!تكون الخلافة بالصحابة،و لا تكون بالقرابة و الصحابة؟! (14) ».

12ـقال سليم بن قيس:«إنه أغرم عمر بن الخطاب في بعض السنين جميع عماله أنصاف أموالهم سوى قنفذ.قال سليم:انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليس فيها إلا هاشمي،غير سلمان و أبي ذر و المقداد و محمد بن أبي بكر و عمر بن أبي سلمة و قيس بن سعد بن عبادة،فقال العباس لعلي عليه السلام:ما ترى عمر منعه أن يغرم قنفذ كما أغرم جميع عماله؟فنظر علي عليه السلام إلى من حوله،ثم اغرو رقت عيناه،ثم قال:نشكوـإلى أن قال:ـفماتت و في عضدها أثره كأنه الدملج (15) ».

أقول:بأبي و أمي،من لا يتمكن من التكلم حتى ينظر أطرافه،فهذا أظهر آية المظلومية و الاستضعاف .

13ـقال المحدث القمي رحمه الله:«و مما ذكرناه ظهر شدة مصيبة أمير المؤمنين عليه السلام و عظم صبره،بل يمكن أن يقال:إن بعض مصائبه أعظم مما يقابله من مصيبة ولده الحسين عليه السلام الذي يصغر عند مصيبته المصائب،فقد ذكرت في كتاب المترجم بنفس المهموم في وقايع عاشورا عن الطبري أنه حمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين عليه السلام برمحه و نادى علي بالنار حتى احرق هذا البيت على أهله،قال:فصاح النساء و خرجن من الفسطاط،فصاح به الحسين عليه السلام:يا ابن ذي الجوشن!أنت تدعوا بالنار لتحرق بيتي على أهلي؟أحرقك الله بالنار.قال أبو مخنف:«حدثني سليمان بن أبي راشد،عن حميد بن مسلم قال:قلت لشمر بن ذي الجوشن:سبحان الله،إن هذا لا يصلح لك،أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين:تعذب بعذاب الله،و تقتل الولدان و النساء؟إن في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك؟!قال:فقال:من أنت؟قلت:لا اخبرك من أنا،و خشيت و الله،لو عرفني أن يضرني عند السلطان،قال:فجاء رجل كان أطوع له مني شبث بن ربعي فقال:ما رأيت مقالا أسوأ من قولك و لا موقفا أقبح من موقفك،أصرت مرعبا للنساء؟قال:فأشهد أنه استحيى فذهب لينصرف.

أقول:هذا شمرمع أنه كان جلفا جافا قليل الحياء استحيى من شبث ثم انصرف،و أما الذي جاء إلى باب أمير المؤمنين و أهل بيته عليهم السلام و هددهم بتحريقهم،و قال:و الذي نفس فلان بيده،ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه،فقيل له:إن فيه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و ولد رسول الله و آثار رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأشهد أنه لم يستحي و لم ينصرف بل فعل ما فعل،و لم يكن لأمير المؤمنين عليه السلام من ينصره و يذب عنه،إلا ما روي عن الزبير أنه لما رأى القوم أخرجوا عليا عليه السلام من منزله ملببا أقبل مخترطا سيفه و هو يقول:يا معشر بني عبد المطلب!أيفعل هذا بعلي و أنتم أحياء؟و شد على عمر ليضربه بالسيف فرماه خالد بن الوليد بصخرة فأصابت قفاه و سقط السيف من يده،فأخذه عمر و ضربه على صخرة فانكسرت.

و روى الشيخ الكليني عن سدير،قال:كنا عند أبي جعفر عليه السلام فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيهم و استذلالهم أمير المؤمنين عليه السلام،فقال رجل من القوم:أصلحك الله،فأين كان عز بني هاشم و ما كانوا فيه من العدد؟فقال أبو جعفر عليه السلام:و من كان بقي من بني هاشم؟إنما كان جعفر و حمزة فمضيا و بقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام :عباس و عقيل:و كانا من الطلقاء،أما و الله،لو أن حمزة و جعفرا كانا بحضرتهما ما وصلا إلى ما وصلا إليه،و لو كانا شاهديهما لأتلفا نفسيهما،فلذلك روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه لم يقم مرة على المنبر إلا قال في‏آخر كلامه قبل أن ينزل:ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه...أقول:و هذه نقثة مصدور،و نبذ من الرزايا التي تذوب منها الصخور (16) ».

2ـعند دفن فاطمة عليها السلام:

14ـعن أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام،قال:«لما قبضت فاطمة عليها السلام دفنها أمير المؤمنين سرا،و عفا على موضع قبرها،ثم قام فحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال:السلام عليك يا رسول الله!عني،و السلام عليك عن ابنتك و زائرتك و البائتة في الثرى ببقعتك و المختار الله لها سرعة اللحاق بك،قل يا رسول الله عن صفيتك صبري،و عفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي،إلا أن لي في التأسي بسنتك في فرقتك موضع تعز،فلقد وسدتك في ملحودة قبرك،و فاضت نفسك بين نحري و صدري بلى و في كتاب الله(لي)أنعم القبول :/إنا لله و إنا إليه راجعون/ (17) .

قد استرجعت الوديعة،و اخذت الرهينة،و اخلست الزهراء،فما أقبح الخضراء و الغبراء،يا رسول الله!أما حزني فسرمد،و أما ليلي فمسهد،و هم لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم،كمد مقيح،و هم مهيج،سرعان ما فرق بيننا،و إلى الله أشكوا،و ستنبئك ابنتك بتظافر امتك على هضمها فأحفها السؤال،و استخبرها الحال،فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا،و ستقول،و يحكم الله و هو خير الحاكمين،سلام مودع لا قال و لا سئم،فإن أنصرف فلا عن ملالة،و إن أقم فلا عن سوء ظن بما وعداـوعد اللهـالصابرين،واه واها و الصبر أيمن و أجمل،و لو لا غلبة المستولين لجعلت المقام و اللبث لزاما معكوفا،و لا عولت إعوال الثكلى على جليل الرزية،فبعين الله تدفن ابنتك سرا،و تهضم‏حقها،و تمنع إرثها،و لم يتباعد العهد،و لم يخلق منك الذكر،و إلى الله يا رسول الله!المشتكى،و فيك يا رسول الله!أحسن العزاء،صلى الله عليك و عليها السلام و الرضوان (18) ».

3ـفي قصة الشورى:

قال ابن أبي الحديد:«ثم قال(عمر):ادعوا إلي أبا طلحة الأنصاري فدعوه له،فقال:انظر يا أبا طلحة!إذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلا من الأنصار حاملي سيوفكم فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر و تعجيله،و اجمعهم في بيت،وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا و يختاروا واحدا منهم،فإن اتفق خمسة و أبى واحد فاضرب عنقه،و إن اتفق أربعة و أبى اثنان فاضرب عنقهما،و إن اتفق ثلاثة و خالف ثلاثة فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن،فارجع إلى ما قد اتفقت عليه فإن أصرت الثلاثة الاخرى على خلافها فاضرب أعناقهم،و إن مضت ثلاثة أيام و لم يتفقوا على أمر فاضرب أعناق الستة ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم (19) .

فلما دفن عمر جمعهم أبو طلحة و وقف على باب البيت بالسيف في خمسين من الأنصار حاملي سيوفهم ثم تكلم القوم و تنازعوا فأول ما عمل طلحة أنه أشهدهم على نفسه أنه قد وهب حقه من الشورى لعثمان و ذلك لعلمه أن الناس لا يعدلون به عليا و عثمان،و أن الخلافة لا تخلص له و هذان موجودان،فأراد تقوية أمر عثمان و إضعاف جانب علي عليه السلام بهبة أمر لا انتفاع له به و لا تمكن له منه،فقال الزبير في معارضته:و أنا أشهدكم على نفسي أني قد وهبت حقي من الشورى لعلي عليه السلام و إنما فعل ذلك لأنه لما رأى عليا قد ضعف و انخزل بهبة طلحة حقه لعثمان دخلته حمية النسب لأنه ابن عمة أمير المؤمنين عليه السلام و هي صفية بنت عبد المطلب،و أبو طالب خاله،و إنما مال طلحة إلى عثمان لانحرافه عن علي عليه السلام باعتبار أنه تيمي و ابن عم أبي بكر الصديق،و كان حصل في نفوس بني هاشم من بني تيم حنق شديد لأجل الخلافة و كذلك صار في صدور تيم على بني هاشم،و هذا أمر مركوز في طبيعة البشر و خصوصا طينة العرب و طبايعها و التجربة إلى الآن تحقق ذلك (20) .

فبقى من الستة أربعة،فقال سعد بن أبي وقاص:و أنا قد وهبت حقي من الشورى لابن عمي عبد الرحمن،و ذلك لأنهما من بني زهرة و لعلم سعد أن الأمر لا يتم له،فلما لم يبق إلا الثلاثة قال عبد الرحمن لعلي و عثمان:أيكما يخرج نفسه من الخلافة و يكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين؟فلم يتكلم منهما أحد،فقال عبد الرحمن:أشهدكم أنني قد أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدهما،فأمسكا،فبدأ بعلي عليه السلام و قال له:ابايعك على كتاب الله و سنة رسول الله و سيرة الشيخين أبي بكر و عمر،فقال:بل على كتاب الله و سنة رسول الله و اجتهاد رأيي،فعدل عنه إلى عثمان فعرض ذلك عليه فقال:نعم،فعاد إلى علي عليه السلام فأعاد قوله،فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثا فلما رأى أن عليا عليه السلام غير راجع عما قاله و أن عثمان ينعم له بالاجابة صفق على يد عثمان و قال:السلام عليك يا أمير المؤمنين!

فيقال:إن عليا عليه السلام قال له:و الله،ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه ما رجى صاحبكما من صاحبه،دق الله بينكما عطر منشم.قيل:ففسد بعد ذلك بين عثمان‏و عبد الرحمن فلم يكلم أحدهما صاحبه حتى مات (21) ».

أقول:إن شئت أن يتضح لك مظلومية علي عليه السلام و تألمه و تأثره من هذه الشورى فلاحظ ما قاله في شأنها فإنه قال:«فصبرت على طول المدة و شدة المحنة،حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم،فيالله و للشورى،متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت اقرن إلى هذه النظائر؟لكنى أسففت إذ أسفوا،و طرت إذ طاروا،فصغا رجل منهم لضغنه،و مال الآخر لصهره مع هن و هن (22) ».

و قال عليه السلامـأيضا:«كنت في أيام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كجزء من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،ينظر إلي الناس كما ينظر إلى الكواكب في افق السماء،ثم غض الدهر مني فقرن بي فلان و فلان،ثم قرنت بخمسة أمثلهم عثمان،فقلت:وا ذفراه،ثم لم يرض الدهر لي بذلك حتى أرذلني فجعلني نظيرا لابن هند و ابن النابغة،لقد استنت الفصال حتى القرعى (23) ».

و قال عليه السلام في كتاب له إلى معاوية:«فيا عجبا للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي و لم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحد بمثلها إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه و لا أظن الله يعرفه،و الحمد لله على كل حال (24) ».

و عجبا من قوم قاسوا أبا الحسن المظلوم عليه السلام الذي هو نفس النبي صلى الله عليه و آله و سلم و عديل القرآن بأوغاد الناس كأن في آذانهم و قرا و لم يسمعوا قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم في‏علي عليه السلام:«علي بن أبي طالب مني و أنا من علي،فمن قاسه بغيره فقد جفاني،و من جفاني فقد آذاني.يا عبد الرحمن إن الله تعالى أنزل علي كتابا مبينا و أمرني أن أبين للناس ما نزل إليهم ما خلا علي بن أبي طالب فإنه لم يحتج إلى بيان لأن الله تعالى جعل فصاحته كفصاحتي،و درايته كدرايتي،و لو كان الحلم رجلا لكان عليا،و لو كان العقل رجلا لكان الحسن،و لو كان السخاء رجلا لكان الحسين،و لو كان الحسن شخصا لكان فاطمة بل هي أعظم،إن فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصرا و شرفا و كرما (25) ».

للسيد رضا الهندي:

قاسوك أبا حسن بسواك‏ 
و هل بالطود يقاس الذر

أنى ساووك بمن ناووك‏ 
و هل ساووا نعلي قنبر

لابن حماد:

ليس من جوهره جوهره‏ 
مثل من جوهره من خزف

لابى القاسم الزاهي:

ما أحد قايسكم بغيركم‏ 
و مازج السلسل بالشرب اللمط

إلا كمن ضاحى الجبال بالحصى‏ 
أو قايس الأبحر جهلا بالنقط

فتعسا لقوم أخروا من قدمه الله،و قدموا من أخره الله.و قال ابن أبي الحديد:«عجبا لقوم أخروك و كعبك العالي،و خد سواك أضرع أسفل».

قال ابن أبي الحديد:«قال:بليت في حرب الجمل بأشد الخلق شجاعة،و أكثر الخلق ثروة و بذلا،و أعظم الخلق في الخلق طاعة،و أوفى الخلق كيدا و تكثرا (26) ،بليت بالزبير،لم يرد وجهه قط،و بيعلى بن منية يحمل المال على الإبل الكثيرة ويعطى كل رجل ثلاثين دينارا و فرسا على أن يقاتلني،و بعائشة ما قالت قط بيدها هكذا إلا و اتبعها الناس،و بطلحة لا يدرك غوره،و لا يطال مكره.

بعث عثمان بن حنيف إلى طلحة و الزبير،فعاد فقال:يا أمير المؤمنين!جئتك بالخيبة،فقال :كلا!أصبت خيرا و أحرت،ثم قال:إن من العجب انقيادهما لأبي بكر و عمر و خلافهما علي،أما و الله،إنهما ليعلمان أنى لست بدون واحد منهما،اللهم عليك بهما.

نعم،و ما نقموا منه إلا أن يؤمن بالله العزيز الحميد،و ما منعوه عن الخلافة و ما زحزحوه عنها إلا لعدله،فعن جابر،عن أبي جعفر عليه السلام في حديث الشورى:«...،فلما رأى أمير المؤمنين عليه السلام ما هم القوم به من البيعة لعثمان قام فيهم ليتخذ عليهم الحجة فقال لهم:اسمعوا مني فإن يك ما أقول حقا فاقبلوا،و إن يك باطلا فأنكروا،ثم قال لهم:أنشدكم بالله الذي يعلم صدقكم إن صدقتم،و يعلم كذبكم إن كذبتم،هل فيكم أحد صلى إلى القبلتين كلتيها (27) غيري؟قالوا:لا،قال:نشدتكم بالله هل فيكم من بايع البيعتين من بيعة الفتح و بيعة الرضوان غيري؟قالوا:لا،قال:نشدتكم بالله هل فيكم أحد أخوه المزين بالجناحين في الجنة غيرى؟قالوا :لا،قال:نشدتكم بالله هل فيكم أحد زوجته سيدة نساء أهل الجنة غيرى؟قالوا:لا،ـو ساق الكلام إلى أن قال عليه السلام:ـ

إذا أقررتم على أنفسكم و استبان لكم ذلك من قول نبيكم فعليكم بتقوى الله وحده لا شريك له،و أنهاكم عن سخطه،و لا تعصوا أمره،و ردوا الحق إلى أهله،و اتبعوا سنة نبيكم،فإنكم إذا خالفتم خالفتم الله،فادفعوها إلى من هو أهلها و هي له،فتغامزوا بينهم و تشاوروا و قالوا:عرفنا فضله و علمنا أنه أحق الناس بها و لكنه‏رجل لا يفضل أحدا على أحد،فإن وليتموها إياه جعلكم و جميع الناس شرعا سواء و لكن ولوها عثمان فإنه يهوي الذي تهوون،فدفعوها إليه (28) ».

و عن أبي ذر رحمه الله في كلام له طويل:«فما زال يناشدهم و يذكرهم ما أكرمه الله تعالى و أنعم عليه به حتى قام قائم الظهيرة و دنت الصلاةـإلى أن قال:ـثم نهض إلى الصلاة،قال :فتآمر القوم فيما بينهم و شاوروا فقالوا:قد فضل الله علي بن أبي طالب بما ذكر لكم و لكنه رجل لا يفضل أحدا على أحد و يجعلكم و مواليكم سواء،و إن وليتموه إياها ساوى بين أسودكم و أبيضكم و لو وضع السيف على عنقكم،لكن ولوها عثمان فهو أقدمكم ميلا،و ألينكم عريكة،و أجدر أن يتبع مسرتكم،و الله غفور رحيم (29) ».

4ـفى أمر التحكيم

16ـمن الموارد التي تصرح و تعلن بأنه عليه السلام مظلوم مضطهد،قصة رفع المصاحف على رؤوس الرماح و أمر التحكيم و ظهور الخوارج.

قال ابن أبي الحديد:«إن الذي دعا إليه(أى أمر التحكيم)طلب أهل الشام له و اعتصامهم به من سيوف أهل العراق،فقد كانت أمارات القهر و الغلبة لاحت،و دلائل النصر و الظفر و ضحت،فعدل أهل الشام عن القراع إلى الخداع،و كان ذلك برأي عمرو بن العاص،و هذه الحال وقعت عقيب ليلة الهرير... (30) ،و نحن نذكر ما أورده نصر بن مزاحم في«كتاب صفين»في هذا المعنى فهو ثقة،ثبت صحيح النقل،غير منسوب إلى هوى و لا إدغال،و هو من رجال أصحاب الحديث.قال نصر:حدثنا عمرو بن شمر،عن أبي ضرار،عن عمار بن ربيعة،قال:غلس علي عليه السلام بالناس صلاة الغداة يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الأول سنة سبع و ثلاثين،و قيل:عاشر شهر صفر ثم زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق و الناس على راياتهم و أعلامهم،و زحف إليهم أهل الشام،و قد كانت الحرب أكلت الفريقين و لكنها في أهل الشام أشد نكاية و أعظم وقعا،فقد ملوا الحرب و كرهوا القتال و تضعضعت أركانهم.

قال:فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب (31) عليه السلاح لا يرى منه إلا عيناه،و بيده الرمح،فجعل يضرب رؤوس أهل العراق بالقناة و يقول:سووا صفوفكمـرحمكم اللهـ،حتى إذا عدل الصفوف و الرايات استقبلهم بوجهه و ولى أهل الشام ظهره،ثم حمد الله و أثنى عليه و قال:الحمد لله الذي جعل فينا ابن عم نبيه،أقدمهم هجرة،و أولهم إسلاما،سيف من سيوف الله صبه الله على أعدائه،فانظروا إذا حمى الوطيس،و ثار القتام،و تكسر المران،و جالت الخيل بالأبطال،فلا أسمع إلا غمغمة (32) أو همهمة فاتبعونى و كونوا في أثري ثم حمل على أهل الشام فكسر فيهم رمحه ثم رجع فإذا هو الأشتر.

قال:و خرج رجل من أهل الشام فنادى بين الصفين:يا أبا الحسن!يا علي!ابرز الي،فخرج إليه علي عليه السلام حتى اختلفت أعناق دابتيهما بين الصفين فقال:إن لك يا علي!لقدما في الإسلام و الهجرة،فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء و تأخر هذه الحروب حتى ترى رأيك؟قال:و ما هو؟قال:ترجع إلى عراقك فنخلي بينك و بين العراق،و نرجع نحن إلى شامنا فتخلي بيننا و بين أهل الشام.فقال علي عليه السلام:قد عرفت ما عرفت،إن هذه لنصيحة و شفقة،و لقد أهمني‏هذا الأمر و أسهرني و ضربت أنفه و عينيه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد،إن الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض و هم سكوت مذعنون لا يأمرون بمعروف و لا ينهون عن منكر،فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم.

قال:فرجع الرجل و هو يسترجع،و زحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل و الحجارة حتى فنيت ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت و اندقت...

و روى نصر عن رجاله،قال:لما بلغ القوم إلى ما بلغوا إليه قام علي عليه السلام خطيبا فحمد الله و أثنى عليه و قال:أيها الناس،قد بلغ بكم الأمر و بعدوكم ما قد رأيتم و لم يبق منهم إلا آخر نفس،و إن الأمور إذا أقبلت أعتبر آخرها بأولها،و قد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا و أنا غاد عليهم بالغداة احاكمهم إلى الله.

قال:فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص،و قال:يا عمرو!إنما هى الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل،فما ترى؟قال:إن رجالك لا يقومون لرجاله و لست مثله،هو يقاتلك على أمر و أنت تقاتله على غيره،أنت تريد البقاء و هو يريد الفناء،و أهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم،و أهل الشام لا يخافون عليا إن ظفر بهم،و لكن ألق إلى القوم أمرا إن قبلوه اختلفوا،و إن ردوه اختلفوا،ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك و بينهم فإنك بالغ به حاجتك في القوم،و إني لم أزل أؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه،فعرف معاوية ذلك و قال له صدقت.

قال نصر:و حدثنا عمرو بن شمر،عن جابر بن عمير الأنصاري قال:و الله،لكأني أسمع عليا يوم الهرير...قال(الراوي):فلا و الذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات و الأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب،إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج‏بسيفه منحنيا فيقول:معذرة إلى الله و إليكم من هذا،لقد هممت أن أفلقه و لكن يحجزني عنه أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول :«لا سيف إلا ذو الفقار،و لا فتى إلا علي»و أنا اقاتل به دونه صلى الله عليه.قال:فكنا تأخذه فنقدمه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف،فلا و الله ماليث بأشد نكاية منه عليه السلام في عدوه.

قال نصر:فحدثنا عمرو بن شمر،عن جابر قال:سمعت تميم بن حذيم يقول:لما أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فإذا أشباه الرايات أمام صف أهل الشام في وسط الفيلق حيال موقف علي و معاوية،فلما أسفرنا إذا هي المصاحف قد ربطت في أطراف الرماح و هي عظام مصاحف العسكر،و قد شدوا ثلاثة أرماح جميعا و ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم،يمسكه عشرة رهط.قال نصر:و قال أبو جعفر و أبو الطفيل:استقبلوا عليا بمائة مصحف،و وضعوا في كل مجنبة (33) مائتي مصحف،فكان جميعها خمسمائة مصحف.

قال أبو جعفر:ثم قام الطفيل بن أدهم حيال علي عليه السلام،و قام أبو شريح الجزامي حيال الميمنة،و قام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة،ثم نادوا:يا معشر العرب!الله،الله،في النساء و البنات و الأبناء فمن للروم و الأتراك و أهل فارس غدا إذا فنيتم؟الله،الله،في دينكم،هذا كتاب الله بيننا و بينكم.فقال علي عليه السلام:اللهم إنك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون،فاحكم بيننا و بينهم إنك أنت الحق المبين.فاختلف أصحاب علي عليه السلام في الرأي فطائفة قالت :القتال،و طائفة قالت:المحاكمة إلى الكتاب،و لا يحل لنا الحرب و قد دعينا إلى حكم الكتاب .فعند ذلك بطلت الحرب و وضعت أوزارها.

فجاءه(يعني عليا.)من أصحابه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكى السلاح سيوفهم على عواتقهم،و قد اسودت جباههم من السجود،يتقدمهم مسعرابن فدكى و زيد بن حصين و عصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين:يا علي!أجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت إليه و إلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان،فو الله لنفعلنها إن لم تجبهم .فقال لهم:و يحكم أنا أول من دعا إلى كتاب الله،و أول من أجاب إليه،و ليس يحل لي و لا يسعني في ديني أن ادعى إلى كتاب الله فلا أقبله،إنى إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم القرآن،فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم و نقضوا عهده،و نبذوا كتابه،و لكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم و أنهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون.قالوا:فابعث إلى الأشتر ليأتينك،و قد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله.

قال نصر:فحدثني فضيل بن خديج،عن رجل من النخع قال:سأل مصعب إبراهيم بن الأشتر عن الحال كيف كانت؟فقال:كنت عند علي عليه السلام حين بعث إلى الاشتر ليأتيه و قد كان الأشتر أشرف على معسكر معاوية ليدخله،فأرسل إليه علي عليه السلام يزيد بن هاني أن ائتني،فأتاه فأبلغه،فقال الأشتر:ائته فقل له:ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي،إني قد رجوت الفتح فلا تعجلني،فرجع يزيد بن هاني إلى علي عليه السلام فأخبره،فما هو إلا أن انتهى إلينا حتى ارتفع الرهج (34) و علت الأصوات من قبل الأشتر و ظهرت دلايل الفتح و النصر لأهل العراق،و دلايل الخذلان و الادبار على أهل الشام.

فقال القوم لعلي:و الله،ما نراك إلا أمرته بالقتال.قال:أرأيتموني ساررت رسولي إليه؟أليس إنما كلمته على رؤوسكم علانية و أنتم تسمعون؟قالوا:فابعث إليه فليأتك و إلا فو الله،اعتزلناك .فقال:ويحك يا يزيد قل له:أقبل إلي فإن الفتنة قد وقعت فأتاه فأخبره،فقال الأشتر:أبرفع هذه المصاحف؟قال:نعم،قال:أما و الله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع خلاقا و فرقة،إنها مشورة ابن النابغة.ثم قال‏ليزيد بن هاني‏ء:ويحك ألاترى إلى الفتح؟أ لا ترى إلى ما يلقون؟أ لا ترى إلى الذي يصنع الله لنا؟أينبغي أن ندع هذا و ننصرف عنه؟فقال يزيد:أتحب أنك ظفرت ههنا و أن أمير المؤمنين بمكانة الذي هو فيه،يفرج عنه و يسلم إلى عدوه قال:سبحان الله،لا و الله،لا أحب ذلك،قال:فإنهم قد قالوا له و حلفوا عليه:لترسلن إلى الاشتر فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا عثمان أو لنسلمنك إلى عدوك.

فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم فصاح يا أهل الذل و الوهن أحين علوتم القوم و ظنوا أنكم لهم قاهرون و رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها؟و قد و الله تركوا ما أمر الله به فيها و تركوا سنة من انزلت عليه،فلا؟؟؟ تجيبوهم،أمهلوني فواقا فإني قد أحسست بالفتح،قالوا :لا نمهلك،قال:فأمهلوني عدوة الفرس فإني قد طمعت في النصر،قالوا:إذا ندخل معك في خطيئتك،قال :فحدثوني عنكم وـقد قتل أماثلكم و بقى أراذلكمـمتى كنتم محقين؟أحين كنتم تقتلون أهل الشام فأنتم الآن حين أمسكتم عن قتالهم مبطلون؟أم أنتم الآن في إمساككم عن القتال محقون فقتلاكم إذنـالذين لا تنكرون فضلهم و أنهم خير منكمـفي النار؟قالوا:دعنا منك يا أشتر!قاتلناهم في الله و ندع قتالهم في الله،إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا،فقال:خدعتم و الله فانخدعتم،و دعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم،يا أصحاب الجباه السود كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا و شوقا إلى لقاء الله فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت،ألا فقبحا يا أشباه النيب الجلالة (35) ،ما أنتم برائين بعدها عزا أبدا،فابعدوا كما بعد القوم الظالمون.

فسبوه و سبهم،و ضربوا بسياطهم وجه دابته،و ضرب بسوطه وجوه دوابهم و صاح بهم علي عليه السلام فكفوا،و قال الأشتر:يا أمير المؤمنين!احمل الصف على الصف يصرع القوم،فتصايحوا إن أمير المؤمنين قد قبل الحكومة و رضي بحكم‏القرآن،فقال الأشتر:إن كان أمير المؤمنين قد قبل و رضي فقد رضيت بما رضي به أمير المؤمنين،فأقبل الناس يقولون:قد رضي أمير المؤمنين،قد قبل أمير المؤمنين،و هو ساكت لا يبض بكلمة مطرق إلى الأرض،ثم قام فسكت الناس كلهم فقال ...ألا إني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا،و كنت ناهيا فأصبحت منهيا،و قد أحببتم البقاء،و ليس لي أن أحملكم على ما تكرهون،ثم قعد (36) ».

قال نصر بن مزاحم:«لما كتب علي الصلح يوم صالح معاوية فدعا الأشتر ليكتب،قال قائل:اكتب بينك و بين معاوية،فقال:إني و الله لأنا كتبت الكتاب بيدي يوم الحديبية و كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل:لا أرضى،اكتب:«باسمك اللهم»فكتبت هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل ابن عمرو،فقال:لو شهدت أنك رسول الله لم اقاتلك،قال علي:فغضبت فقلت:بلى،و الله إنه لرسول الله و إن رغم أنفك،فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:اكتب ما يأمرك،إن لك مثلها،ستعطيها و أنت مضطهد (37) ».

و قالـأيضا:«و في كتاب عمر بن سعد:هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين،فقال معاوية :بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته،و قال عمرو:اكتب اسمه و اسم أبيه،إنما هو أميركم و أما أميرنا فلا.فلما أعيد إليه الكتاب أمر بمحوه،فقال الأحنف:لا تمح اسم إمرة المؤمنين عنك،فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبدا،لا تمحها و ان قتل الناس بعضهم بعضا،فأتى مليا من النهار أن يمحوها.

ثم إن الأشعث بن قيس جاء فقال:امح هذا الاسم،فقال علي:لا إله إلا الله،والله أكبر،سنة بسنة،أما و الله لعلى يدي دار هذا يوم الحديبية حين كتبت الكتاب عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و سهيل بن عمرو،فقال سهيل:لا اجيبك إلى كتاب تسمى فيه رسول الله،و لو أعلم أنك رسول الله لم أقاتلك،إني إذا ظلمتك إن منعتك أن تطوف ببيت الله و أنت رسول الله،و لكن أكتب«محمد بن عبد الله»اجبك،فقال محمد صلى الله عليه و آله و سلم:يا علي!إني لرسول الله،و إني لمحمد بن عبد الله،و لن يمحو عني الرسالة كتابي إليهم من محمد بن عبد الله،فاكتب:محمد بن عبد الله.فراجعني المشركون في هذا إلى مدة،فاليوم أكتبها إلى ابنائهم كما كتبها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى آبائهم سنة و مثلا.

فقال عمرو بن العاص:سبحان الله،و مثل هذا شبهتنا بالكفار و نحن مؤمنون؟فقال له علي:يا ابن النابغة و متى لم تكن للكافرين وليا و للمسلمين عدوا؟و هل تشبه إلا أمك التي وضعت بك... (38) ».

17ـقال ابن أبي الحديد:«فبينا علي عليه السلام واقفا بين جماعة من همدان و حمير و غيرهم من أفناء (39) قحطان إذ نادى رجل من أهل الشام:من دل على أبي نوح الحميري؟فقيل له:قد وجدته فماذا تريد؟قال :فحسر عن لثامه فإذا هو ذو الكلاع الحميري و معه جماعة من أهله و رهطه،فقال لأبي نوح :سر معي،قال:إلى أين؟قال:إلى أن نخرج عن الصف،قال:و ما شأنك؟قال إن لي إليك لحاجة،فقال أبو نوح:معاذ الله أن أسير إليك إلا في كتبة،قال ذو الكلاع:بلى فسر فلك ذمة الله و ذمة رسوله و ذمة ذي الكلاع حتى ترجع إلى اخيك،فإنما أريد أن أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه .

فسار أبو نوح و سار ذو الكلاع فقال له:إنما دعوتك أحدثك حديثا حدثني‏عمرو بن العاص قديما في خلافة عمر بن الخطاب ثم أذكرناه الآن به فاعاده،إنه يزعم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال:«يلتقي أهل الشام و أهل العراق و فى إحدى الكتيبتين الحق و إمام الهدى و معه عمار بن ياسر».فقال أبو نوح:نعم،و الله إنه لفينا،قال:نشدتك الله أجاد هو على قتالنا؟قال أبو نوح:نعم،و رب الكعبة،لهو أشد على قتالكم منى،و لوددت أنكم خلق واحد فذبحته و بدأت بك قبلهم...

قلت:وا عجباه من قوم يعتريهم الشك في أمرهم لمكان عمار و لا يعتريهم الشك لمكان علي عليه السلام،و يستدلون على أن الحق مع أهل العراق بكون عمار بين أظهرهم و لا يعبئون بمكان علي عليه السلام،و يحذرون من قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم:«تقتلك الفئة الباغية»و يرتاعون لذلك،و لا يرتاعون لقوله صلى الله عليه و آله و سلم فى علي عليه السلام :«اللهم وال من والاه،و عاد من عاداه»و لا لقوله:«لا يحبك إلا مؤمن،و لا يبغضك إلا منافق»،و هذا يدلك على أن عليا عليه السلام اجتهدت قريش كلها من مبدأ الأمر في إخمال ذكره و ستر فضائله و تغطية خصائصه حتى محى فضله و مرتبته من صدور الناس كافة إلا قليلا منهم (40) ».

18ـو قالـأيضا:«في شكواه و تظلمه عليه السلام من قريش قال عليه السلام:«اللهم إني أستعديك على قريش،فإنهم أضمروا لرسولك صلى الله عليه و آله و سلم ضروبا من الشر و الغدر،فعجزوا عنها و حلت بينهم و بينها،فكانت الوجبة بي و الدائرة علي،اللهم احفظ حسنا و حسينا،و لا تمكن فجرة قريش منهما مادمت حيا،فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم،و أنت على كل شي‏ء شهيد (41) ».

19ـو قال له قائل:يا أمير المؤمنين!أرأيت لو كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ترك ولداذكرا قد بلغ الحلم و آنس منه الرشد أكانت العرب تسلم إليه أمرها؟قال:لا،بل كانت تقتله إن لم يفعل،ما فعلت إن العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه و آله و سلم و حسدته على ما آتاه الله من فضله،و استطالت أيامه حتى قذفت زوجته،و نفرت به ناقته مع عظيم إحسانه إليها،و جسيم مننه عندها،و أجمعت مذكان حيا على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته،و لو لا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة و سلما إلى العز و الإمرة لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا،و لارتدت في حافرتها،و عاد قارحها جذعا،و بازلها بكرا.

ثم فتح الله عليها الفتوح فأثرت بعد الفاقة،و تمولت بعد الجهد و المخمصة،فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجا،و ثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا،و قالت:لو لا أنه حق لما كان كذا،ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها و حسن تدبير الأمراء القائمين بها،فتأكد عند الناس نباهة قوم و خمول آخرين،فكنا نحن ممن خمل ذكره،و خبت ناره و انقطع صوته وصيته حتى أكل الدهر علينا و شرب،و مضت السنون و الأحقاب بما فيها،و مات كثير ممن يعرف،و نشأ كثير ممن لا يعرف،و ما عسى أن يكون الولد لو كان،إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم يقربني ما تعلمونه من القرب للنسب و اللحمة بل للجهاد و النصيحة،أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت:و كذاك لم يكن يقرب ما قربت،ثم لم يكن عند قريش و العرب سببا للحظوة و المنزلة بل للحرمان و الجفوة.

اللهم إنك تعلم أني لم ارد الإمرة،و لا علو الملك و الرياسة،و إنما أردت،القيام بحدودك،و الأداء لشرعك،و وضع الامور مواضعها،و توفير الحقوق على أهلها،و المضي على منهاج نبيك،و إرشاد الضال إلى أنوار هدايتك (42) ».

20ـو قالـأيضا:«قال عليه السلام:كل حقد حقدته قريش على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم‏أظهرته في،و ستظهره في ولدي من بعدي،مالي و لقريش!إنما و ترتهم بأمر الله و رسوله،أفهذا جزاء من أطاع الله و رسوله إن كانوا مسلمين (43) ».

21ـو قال عليه السلام:«ما زلت مظلوما منذ قبض الله تعالى نبيه إلى يوم الناس (44) ».

22ـو عن مسيب بن نجبة قال:«بينما علي يخطب و أعرابي يقول:و امظلمتاه»فقال علي عليه السلام :ادن،فدنا،فقال:لقد ظلمت عدد المدر و الوبر (45) ».

و جاء أعرابي يتخطا فنادى:يا امير المؤمنين مظلوم،قال علي:«ويحك و أنا مظلوم ظلمت عدد المدر و الوبر».

23ـعن جعفر بن عمرو بن حريث،عن والده:«أن عليا عليه السلام لم يقم مرة على المنبر إلا قال في آخر كلامه قبل أن ينزل:ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه (46) ».

24ـو كان أبو ذرـرضى الله عنهـيعبر عن أمير المؤمنين عليه السلام بالشيخ المظلوم المضطهد (47) .أقول:و إنه عليه السلام يطلع على البئر إلى نصفه و يخاطب البئر و يقول:

و في الصدر لبانات‏ 
إذا ضاق لها صدري

نكت الأرض بالكف‏ 
و أبديت لها سري

فمهما تنبت الأرض‏ 
فذاك النبت من بذري (48)

25ـو قال عليه السلام:«و قد قال قائل:إنك على هذا الأمر يا ابن أبي طالب لحريص!فقلت :بل،أنتم و الله،لأحرص و أبعد،و أنا أخص و أقرب،و إنما طلبت حقا لى و أنتم تحولون بيني و بينه،و تضربون وجهي دونه،فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين هب كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به.اللهم إني أستعديك على قريش و من أعانهم،فإنهم قطعوا رحمي،و صغروا عظيم منزلتي،و أجمعوا على منازعتي أمرا هولي،ثم قالوا:ألا إن في الحق أن تأخذه،و في الحق أن تتركه (49) ».

26ـو قال عليه السلامـأيضا:«اللهم إني أستعديك على قريش و من أعانهم،فإنهم قد قطعوا رحمي،و أكفأوا إنائي،و أجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري،و قالوا:ألا إن في الحق أن تأخذه،و في الحق أن تمنعه،فاصبر مغموما،أو مت متأسفا،فنظرت فإذا ليس لي رافد و لا ذاب و لا مساعد إلا أهل بيتي،فضننت بهم عن المنية،فأغضيت على القذى و جرعت ريقي على الشجا،و صبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم و ألم للقلب من و خز الشفار (50) ».

27ـو قال ابن أبي الحديد:«و روى الزبير بن بكارـأيضاـفي كتابه عن رجال أسند بعضهم،عن بعض،عن علي بن أبي طالب عليه السلام،قال:أرسل إلي عثمان في الهاجرة (51) ،فتقنعت بثوبي و أتيته فدخلت عليه و هو في سريره و في يده قضيب و بين يديه مال دثر (52) صبرتان من ورق و ذهب،فقال:دونك خذ من هذا حتى تملأ بطنك فقد أحرقتني،فقلت:وصلتك رحم،إن كان هذا المال ورثته أو أعطاكه معط أو اكتسبته من تجارة كنت أحد رجلين:إما آخذ و أشكر،أوفر و أجهد،و إن‏كان من مال الله و فيه حق المسلمين و اليتيم و ابن السبيل،فو الله،مالك أن تعطينيه،و لالي أن آخذه،فقال:أبيت و الله،إلا ما أبيت،ثم قام إلي بالقضيب فضربني،و الله ما أرد يده حتى قضى حاجته،فتقنعت بثوبي رجعت إلى منزلي...الخبر (53) ».

شكواه عليه السلام من تكاهل أصحابه و تواكلهم

28ـقال ابن أبي الحديد:«قال إبراهيم:و قدم علج (54) من أهل الأنبار على علي عليه السلام فأخبره الخبر،فصعد المنبر فخطب الناس و قال:«إن أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار (55) و هو معتز لا يخاف ما كان،و اختار ما عند الله على الدنيا،فانتدبوا إليهم حتى تلاقوهم،فإن أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم عن العراق أبدا ما بقوا».ثم سكت عنهم رجاء أن يجيبوه أو يتكلم متكلم منهم بكلمة فلم ينبس أحد منهم بكلمة،فلما رأى صمتهم نزل و خرج يمشي راجلا حتى أتى النخيلة و الناس يمشون خلفه حتى أحاط به قوم من أشرافهم فقالوا:ارجع يا أمير المؤمنين،و نحن نكفيك،فقال:ما تكفونني و لا تكفون أنفسكم،فلم يزالوا به حتى صرفوه إلى منزله و هو واجم كئيب.

و دعا سعيد بن قيس الهمداني فبعثه من النخيلة في ثمانية آلاف،و ذلك أنه اخبر أن القوم جاؤوا في جمع كثيف،فخرج سعيد بن قيس على شاطى‏ء الفرات في طلب سفيان بن عوف حتى إذا بلغ عانات سرح أمامه هاني‏ء بن الخطاب الهمداني فأتبع آثارهم حتى دخل أدانى أرض قنسرين و قد فاتوه و انصرف.قال:و لبث علي عليه السلام ترى فيه الكآبة و الحزن حتى قدم عليه سعيد ابن قيس،و كان تلك الأيام عليلا فلم يقو على القيام في الناس بما يريده من القول،فجلس بباب السدةالتي تصل إلى المسجد و معه ابناه حسن و حسين عليهما السلام و عبد الله بن جعفر (56) ».

29ـو قال عليه السلام:«و لقد أصحبت الأمم تخاف ظلم رعاتها،و أصبحت أخاف ظلم رعيتي.. .أيها القوم الشاهدة أبدانهم،الغائبة عنهم عقولهم،المختلفة أهواؤهم،المبتلى بهم أمراؤهم،صاحبكم يطيع الله و أنتم تعصونه،و صاحب أهل الشام يعصي الله و هم يطيعونه،لوددتـو اللهـأن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم و أعطاني رجلا منهم (57) ».

30ـو قال عليه السلام:«...و لكن بمن و إلى من؟أريد أن أداوي بكم و أنتم دائي،كناقش الشوكة بالشوكة و هو يعلم أن ضلعها معها.اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوي،و كلت النزعة بأشطان الركي (58) ».

31ـو قال عليه السلام:«يا أشباه الرجال و لا رجال،حلوم الأطفال و عقول ربات الحجال،لوددت أني لم أركم و لم أعرفكم،معرفةـو اللهـجرت ندما و أعقبت سدما،قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا،و شحنتم صدري غيظا،و جر عتموني نغب التهمام أنفاسا،و أفسدتم علي رأيي بالعصيان و الخذلان حتى قالت قريش:إن ابن أبي طالب رجل شجاع و لكن لا علم له بالحرب،لله أبوهم و هل أحد منهم أشد لها مراسا،و أقدم فيها مقاما مني؟لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين،و ها أنا ذا قد ذرفت على الستين،و لكن لا رأي لمن لا يطاع (59) ».

و قال عليه السلام:«أنبئت بسرا قد اطلع اليمن،و إنىـو اللهـلأظن أن هؤلاء القوم سيد الون منكم باجتماعهم على باطلهم و تفرقكم عن حقكم،و بمعصيتكم إمامكم في الحق.و طاعتهم إمامهم في الباطل،و بأدائهم الأمانة إلى صاحبهم و خيانتكم،و بصلاحهم في بلادهم و فسادكم،فلو ائتمنت أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته.اللهم إني قد مللتهم و ملوني،و سئمتهم و سئموني،فأبدلني بهم خيرا منهم،و أبدلهم بى شرا مني،اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء (60) ».

33ـو قال عليه السلام في كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن عباس بعد قتل محمد بن أبي بكر:«أما بعد فإن مصر قد افتتحت،و محمد بن أبي بكرـرحمه اللهـقد استشهد،فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا،و عاملا كادحا،و سيفا قاطعا،و ركنا دافعا،و قد كنت حثثت الناس على لحاقه،و أمرتهم بغياثه قبل الوقعة،و دعوتهم سرا و جهرا و عودا و بدءا،فمنهم الآتي كارها،و منهم المعتل كاذبا،و منهم القاعد خاذلا،أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا،فو الله لو لا طمعي عند لقاء عدوي في الشهادة،و توطيني نفسي على المنية لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا،و لا التقي بهم أبدا (61) ».

34ـو قال عليه السلام في كتاب له إلى معاوية جوابا عنه:«و قلت:إنى كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى ابايع،و لعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت،و أن تفضح فافتضحت،و ما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه و لا مرتابا بيقينه،و هذه حجتي إلى غيرك قصدها و لكني أطلقت لك‏منها بقدر ما سنح من ذكرها (62) ».

35ـعن سليم بن قيس:«فألقوا في عنقه(علي)حبلا،و حالت بينهم و بينه فاطمة عليها السلام عند باب البيتـإلى أن قال:ـفماتت حين ماتت،و إن فى عضدها كمثل المدملج،ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلا (63) ».

36ـو قال عليه السلام:«غدا ترون أيامي،و يكشف لكم عن سرائري،و تعرفونني بعد خلو مكاني و قيام غيري مقامي (64) ».

37ـروى الكليني رحمه الله عنه عليه السلام في خطبة:«ثم أقبل بوجهه و حوله ناس من بيته و خاصته و شيعته فقال:قد عملت الولاة قبلى أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم (65) متعمدين لخلافه،ناقضين لعهده،مغيرين لسنته،و لو حملت الناس على تركها و حولتها إلى مواضعها و إلى ما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لتفرق عني جندي،حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلى و فرض إمامتى من كتاب الله عز و جل و سنة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.

أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام،ورددت صاع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم‏كما كان،و أمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لأقوام لم تمض لهم و لم تنفذ،ورددت دار جعفر إلى ورثته و هدمتها من المسجد،ورددت قضايا من الجور قضي بها،و نزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن و استقبلت بهن الحكم في الفروج و الأحكام،و سبيت ذراري بني تغلب،ورددت ما قسم من أرض خيبر،و محوت دواوين العطايا،و أعطيت كما كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يعطي بالسوية و لم أجعلها دولة بين الأغنياء،و ألقيت المساحة،و سويت بين المناكح،و أنفذت خمس الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كما أنزل الله عز و جل و فرضه،ورددت مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى ما كان عليه،و سددت ما فتح فيه من الأبواب،و فتحت ما سد منه،و حرمت المسح على الخفين،و حددت على النبيذ،و أمرت بإحلال المتعتين،و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات و ألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم،و أخرجت من ادخل مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في مسجده ممن كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أخرجه،و أدخلت من أخرج بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ممن كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أدخله،و حملت الناس على حكم القرآن،و على الطلاق على السنة،و أخذت الصدقات على أصنافها و حدودها،و رددت الوضوء و الغسل و الصلاة إلى مواقيتها و شرائعها و مواضعها،ورددت أهل نجران إلى مواضعهم،ورددت سبايا فارس و سائر الامم.إلى كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و آله و سلم،إذا لتفرقوا عني.

و الله،لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة،و أعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة،فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي:يا أهل الإسلام!غيرت سنة عمر!ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا.و لقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري مالقيت من هذه الامة من الفرقة و طاعة أئمة الضلالة و الدعاة إلى النار،و أعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عز و جل:/إن كنتم آمنتم بالله و ما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى//الجمعان/ (66) ،فنحن و الله عنى بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه و برسوله صلى الله عليه و آله و سلم،فقال تعالى:/فلله و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل/(فينا خاصة)/كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا و اتقوا الله/(في ظلم آل محمد)/إن الله شديد العقاب/ (67) لمن ظلمهم رحمة منه لنا و غنى أغنانا الله به،و وصى به نبيه صلى الله عليه و آله و سلم،و لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و أكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس،فكذبوا الله و كذبوا رسوله،و جحدوا كتاب الله الناطق بحقنا،و منعونا فرضا فرضه الله لنا،ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبينا صلى الله عليه و آله و سلم،و الله المستعان على من ظلمنا،و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم (68) ».

أقول:و نتعرض في شرح الخطبة لموردين لهما إلمام بمظلوميته و أهله عليهم السلام و نحيل القراء الكرام لشرح سائر الفقرات إلى كتاب الوافي(الجزء 14:ص 15)و شروح الكافي(قسم الروضة،ح 21).

قوله عليه السلام:«ورددت فدك إلى ورثة فاطمة»،قال الياقوت:«فدكـبالتحريك و آخره كافـقال ابن دريد:فدكت القطن تفديكا إذا نفشته.و فدك قرية بالحجاز بينها و بين المدينة يومان و قيل ثلاثة،أفاءها الله على رسولهـصلى الله عليه(و آله)و سلمـفي سنة سبع صلحا،و ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم لما نزل خيبر و فتح حصونها و لم يبق إلا ثلاث و اشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله صلى الله عليه(و آله)و سلم يسألونه أن ينزلهم على الجلاء،و فعل،و بلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن يصالحهم على النصف من ثمارهم و أموالهم،فأجابهم إلى ذلك،فهي مما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،وفيها عين فوارة و نخيل كثيرة،و هي التي قالت فاطمةـرضي الله عنهاـ:إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نحلنيها،فقال أبو بكرـرضى الله عنهـ:أريد لذلك شهودا،و لها قصة...

فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمره برد فدك إلى ولد فاطمةـرضي الله عنهاـفكانت في أيديهم في أيام عمر بن عبد العزيز،فلما ولي يزيد بن عبد الملك قبضها،فلم تزل في أيدي بني أمية حتى ولي أبو العباس السفاح الخلافة فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب،فكان هو القيم عليها يفرقها في بني علي بن أبي طالب،فلما ولي المنصور و خرج عليه بنو الحسن قبضها عنهم،فلما ولي المهدي بن المنصور الخلافة أعادها عليهم،ثم قبضها موسى الهادي و من بعده إلى أيام المأمون فجاءه رسول بني علي بن أبي طالب فطالب بها فأمر أن يسجل لهم بها،فكتب السجل و قرء على المأمون،فقام دعبل الشاعر و أنشد:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا 
برد مأمون هاشما فدكا (69)

و قال الاستاذ عبد الفتاح عبد المقصود،الكاتب الشهير المصري،مؤلف الموسوعة العلوية«الإمام علي بن أبي طالب»في تقديمه للكتاب القيم«فدك»للعلامة السيد محمد حسين الموسوي القزويني الحائري(ص 6:)ذلك أن أرض فدكـنحلة كانت أو ميراثاـهي حق خالص لفاطمة،لا يمكن المماراة فيه».

و قال السيوطي:«عن أبي سعيد الخدريـرضى الله عنهـقال:لما نزلت هذه الآية:/و آت ذا القربى حقه/ (70) دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة فأعطاها فدك».

و أخرج ابن مردويه،عن ابن عباسـرضي الله عنهماـقال:لما نزلت و آت ذالقربى‏حقه أقطع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة فدكا (71) ».

و قال البلاذري:«عن عبد الرزاق،عن معمر،عن الكلبي:إن بنى امية اصطفوا فدك و غيروا سنة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فيها،فلما ولي عمر بن عبد العزيزـرضى الله عنهـردها إلى ما كانت عليه (72) ».

و قوله عليه السلام:«فأعطيت من ذلك سهم ذي القربى»قال الحافظ الهيثمي:«إن أبابكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم غير أنه لم يعطي قربى،رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كما كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يعطيهم (73) ».

و قال الطبري:«عن ابن عباس،قال:جعل سهم الله و سهم الرسول واحدا و لذي القربى،فجعل هذان السهمان في الخيل و السلاح،و جعل سهم اليتامى و المساكين و ابن السبيل لا يعطى غيرهم (74) ».و عن قتادة«إنه سئل عن سهم ذى القربى فقال:كان طعمة لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،فلما توفي حمل عليه أبوبكر و عمر في سبيل الله صدقة على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم (75) ».

و قال الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام(المتوفى 224):«حدثنا حجاج عن الليث بن سعد،عن عقيل بن خالد،عن ابن شهاب أن يزيد بن هرمز حدثه أن نجدة كتب إلى ابن عباس يساله عن سهم ذي القربى،فكتب إليه:انه لنا،و قد دعانا عمر لينكح أيامانا،و يخدم منه عائلنا،فأبينا عليه إلا أن يسلمه لنا كله،و أبى ذلك علينا،قال ابن هرمز:أنا كتبت ذلك الكتاب من ابن عباس إلى نجدة (76) ».و قالـأيضا:«إن عمر بن الخطاب قال:جاءني خمس العراق،لا أدع هاشميا إلا زوجته،و لا من لا جارية له إلا أخدمته.قال:و كان يعطي الحسن و الحسين عليهما السلام (77) ».

و قال ابن أبي الحديد:«و اعلم أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة أبابكر كان في أمرين في الميراث و النحلة،و قد وجدت في الحديث أنها نازعت في أمر ثالث،و منعها أبوبكر إياه أيضا و هو سهم ذوي القربى...

إن فاطمة عليها السلام أتت أبابكر فقالت:لقد علمت الذي ظلمتنا عنه أهل البيت من الصدقات و ما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى،ثم قرأت عليه قوله تعالى :/و اعلموا أنما غنمتم من شي‏ء فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربى/ـالآية (78) ،فقال لها أبوبكر:بأبى أنت و امي و والد ولدك السمع و الطاعة لكتاب الله و لحق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و حق قرابته،و أنا أقرء من كتاب الله الذي تقرئين منه و لم يبلغ علمى منه أن هذا السهم من الخمس يسلم إليكم كاملا،قالت:أفيك هو و لأقربائك؟قال :لا،بل أنفق عليكم منه و أصرف الباقى في مصالح المسلمين...».

و قالـأيضا:عن عروة قال:أرادت فاطمة أبابكر على فدك و سهم ذوي القربى،فأبى عليها و جعلهما في مال الله تعالى».

وـأيضاـعن جويبر،عن أبي الضحاك،عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام:إن أبابكر منع فاطمة و بني هاشم سهم ذوي القربى،و جعله في سبيل الله في السلاح و الكراع (79) ».

و قال البخاري:«عن ابن شهاب،عن عروة،عن عائشة:أن فاطمة عليها السلام بنت‏النبي صلى الله عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر،فقال أبوبكر:إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال:لا نورث،ما تركنا صدقة،إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم في هذا المال،و إني و الله لا اغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم...

فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة عليها السلام منها شيئا،فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك (80) فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت،و عاشت بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم ستة أشهر،فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا،و لم يؤذن بها أبابكر،و صلى عليها،و كان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة،فلما توفيت استنكر علي وجوه الناسـالخبر (81) ».