2 ـ لقاءات تعليمية غير منتظمة :
أوردنا فيما سبق أخبار اللقاءات المنتظمة استناداً إلى مصادر
الفريقين . وأمّا ما يتعلق باللقاءات غير المنتظمة فقد جاء ـ أيضاً ـ
في مصادر مدرسة الخلفاء كالآتي :
روى الترمذيّ عن جابر بن عبد الله الأنصاري([1])
وقال :
«دعا رسول الله عليّاً يوم الطائف فانتجاه فقال الناس : لقد طال
نجواه مع ابن عمّه ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما
انتجيته ولكنّ الله انتجاه» .
ويضيف الترمذي في توضيح الرواية قائلاً : أنّ «نجوى الله» هو بمعنى
انّ الله أمر نبيّه ليناجي عليّاً([2]) .
فما هي المسألة التي ناجى بها النبي بأمر الله تعالى علياً في غزوة
الطائف ؟ هل النجوى كانت تتعلق بمسائل الحرب ؟ مع العلم أنّ النبيّ
كان يشاور الجميع في أمور الغزوات ولم يخصّص أحداً من بينهم للمشورة
كما رأينا ذلك من سيرته (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة بدر وأحد
والخندق .
فلا بدّ من القول بأنّ هذا اللقاء واللقاءات الأخرى من هذا القبيل([3])كانت
على نسق اللقاءات المنتظمة اليوميّة بعينها . كما انّ من الممكن أن
يكون هذا اللقاء من النمط الذي أشار إليه زيد بن عليّ بن الحسين وهو
انّ النبيّ حينما كان يفارق عليّاً (عليه السلام) ويغيب عنه لفترة
معيّنة ، يملي على عليّ ما نزل عليه من الوحي في تلك الفترة في أوّل
لقاء بينه وبين الإمام ولذلك كان يناجيه ويطيل معه النجوى ، سواءً
المنتظمة أو غير المنتظمة منها .
النبيّ يأمر وصيّه الأوّل أن يدوّن العلم للأوصياء من بعده :
في أمالي الشيخ الطوسي وبصائر الدرجات وينابيع المودّة واللفظ
للأوّل : عن أحمد بن محمّد بن عليّ الباقر ، عن آبائه (عليهم السلام)
قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ : «اكتب ما
أملي عليك» .
قال : يا نبيّ الله ! أتخاف عليَّ النسيان ؟
قال : «لست أخاف عليك النسيان ، وقد دعوت الله لك أن يحفّظك ولا
ينسيك ولكن اكتب لشركائك» .
قال : قلت : ومَنْ شركائي يا نبيّ الله ؟ .
قال : «الأئمّة من ولدك بهم تسقى أمّتي الغيث ، وبهم يستجاب دعاؤهم
وبهم يصرف الله عنهم البلاء وبهم تنزل الرحمة من السماء» وأومأ إلى
الحسن ، وقال : «هذا أوّلهم» وأومأ إلى الحسين (عليه السلام) وقال :
«الائمّة من ولده»([4]) .
1
جابر بن عبدالله بن عمر الأنصاري صحابيّ أدرك الإمام محمّد بن
عليّ الباقر أيضاً . توفي بعد عام سبعين من الهجرة في المدينة .
تقريب التهذيب 1 / 122 .
2
صحيح الترمذي ، كتاب المناقب ، باب مناقب عليّ بن أبي طالب (عليه
السلام) 13 / 173 ، وتاريخ بغداد 7 / 402 ، ونقل المضمون نفسه عن
جابر بن عبدالله في تاريخ ابن عساكر 2 / 310 و 311 ، تاريخ ابن
كثير 7 / 356 ، أسد الغابة 4 / 27 . كما وجاء ما يقرب من هذا
المضمون عن جندب بن ناجية (أو ناجية بن جندب) في كنز العمال 6 /
399 (طبعة حيدرآباد 1312 هـ ) و 12 / 200 ، الحديث 1122 (الطبعة
الثانية) ، والرياض النضرة 2 / 265 .
3
فمن جملة اللقاءات ما تمّت بين النبي والوصي في المدينة ، وقد
أشير إليها في التفاسير في ذيل آية النجوى ـ المجادلة (12 ،
13) ، وراجع للتحقيق والتفصيل معالم المدرستين 1 / 322 .
4
الأمالي للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 هـ) ، مطبعة
النعمان ، النجف الأشرف سنة 1384هـ ، 2 / 56 .
وبصائر
الدرجات ، ص 167 عن أبي الطفيل عن أبي جعفر .
وينابيع
المودة ، للشيخ سليمان الحنفي (ت 1294 هـ ) ، ص 20 ، ورجعنا إلى
النسخة المطبوعة بدار الخلافة العثمانية سنة 1302 هـ .