نوعان من التبليغ :

ينقسم الوحي الإلهي على نبيّه إلى قسمين :

القسم الأوّل :  الوحي بالأحكام الإلهيّة التي يجب إبلاغها إلى الناس في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك لتوفّر الشروط المقتضية لذلك في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبليغ هذا القسم من الأحكام إلى الناس .

القسم الثاني :  الأحكام التي لم يكن وقت العمل بها إلاّ بعد عصر النبيّ ، وقد علّم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام) هذا القسم من الأحكام ولم يعلّمها غيره ، وكان عليّ (عليه السلام) يكتب ما يملي عليه النبيّ من الأحكام ويفرز الطائفة الأولى عن الثانية منها .

واستمرّت هذه اللقاءات إلى أن حان وقت فراق الحبيبين النبيّ والوصيّ وفي الساعات الأخيرة من حياة النبيّ وفي لقائه الخاصّ والهامّ مع الإمام بلّغه النبيّ التعاليم الإلهيّة الأخيرة كالآتي بيانه :

 

اللقاء التعليميّ الأخير :

قال عبدالله بن عمرو : انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في مرضه : «اُدعوا لي أخي ، فدعي له أبو بكر فأعرض عنه ، ثمّ قال : ادعوا لي أخي ، فدعي له عمر فأعرض عنه ، ثمّ قال : ادعوا لي أخي ، فدعوا له عثمان فأعرض عنه ، ثمّ قال : اُدعوا لي أخي ، فدعي له عليّ بن أبي طالب ، فستره بثوب ، وأكبّ عليه : فلّما خرج من عنده قيل له : ما قال ؟ قال : علّمني ألف باب يفتح من كلّ باب ألف باب»([1]) .

وروت أمّ سلمة الحادث كما يلي ، قالت : والذي أحلف به أن كان عليّ ابن أبي طالب لأقرب الناس عهداً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عدنا رسول الله غداة يقول : جاء عليّ ؟ مراراً ـ وأظنّه كان بعثه في حاجة ـ قالت : فجاء بعد ، فظننت أنّ له إليه حاجة فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب فكنت من أدناهم إلى الباب ، فأكبّ عليه رسول الله وجعل يسارّه ويناجيه ، ثمّ قبض رسول الله من يومه ذلك فكان عليّ أقرب الناس إليه عهداً .

قال الحاكم :  هذا حديث صحيح الإسناد([2]) .

وأخيراً نرجع إلى ما رواه عمر ابن الإمام علي (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) في هذا الصدد : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه : اُدعوا لي أخي ، قال : فدعي له عليّ ، فقال : ادن منِّي ، فدنوت منه فاستند إليَّ فلم يزل مستنداً إليَّ وانّه ليكلّمني حتّى انّ بعض ريق النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ليصيبني ثمّ نزل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وثقل في حجري فصحت : يا عبّاس ! أدركني فإنِّي هالك ! فجاء العبّاس فكان جهدهما جميعاً أن أضجعاه([3]) .

من مجموع ما قدّمناه ثبت أنّ النبيّ علّم علياً (عليه السلام) العلوم والمعارف الإسلاميّة كلّها وأملاها عليه ، ودوّنها علي (عليه السلام) في كتاب عنده ليبقى وثيقة مكتوبة عن الاسلام عند الأئمّة من ولده (عليهم السلام) .


1  تاريخ ابن عساكر (طبعة بيروت 1359) ، ترجمة الإمام علي (عليه السلام) ، تاريخ ابن كثير 7/ 359 ، كنز العمال 6 / 392 (الطبعة الأولى)، ومختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 18 / 18.

2  مستدرك الحاكم 3 / 138 ، مصنّف ابن أبي شيبة 6 / 348 ، مجمع الزوائد 9 / 112 ، كنز العمال 15 / 128 .

3  طبقات ابن سعد ، باب مَن قال توفي رسول الله في حجر علي بن أبي طالب 2 / ق 2 / 51 وط . بيروت ج 2 / 263 .