النصوص الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

في تعيين وليّ الأمر من بعده

كما جاء في القرآن وكتب مدرسة الخلفاء

 

أوّلاً ـ  في السنة الثالثة من البعثة :

عيّن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وليّ الأمر من بعده وشخّص وصيّه وخليفته في مجتمع أصغر من مجتمع بيعة الأنصار له (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وذلك في أوّل يوم دعا الأقربين إليه للإسلام ، كما رواه جمع من أهل الحديث والسير مثل : الطبري، وابن عساكر، وابن الأثير ، وابن كثير، والمتّقي ، وغيرهم ـ  واللفظ للأوّل([1])  ـ روى : عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) انّه قال :

لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (وَأنْذِرْعَشِيرَتَكَ الأقْرَبِين )(الشعراء / 214) ، دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال لي :

«يا عليّ ! إنّ الله أمرني أن اُنذر عشيرتي الأقربين ، فضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أنِّي متى اُباديهم بهذا الأمر أرى ما أكره ، فصمتّ عليه ، حتّى جاءني جبرئيل فقال : يا محمّد ! إن لا تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك . فاصنع لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عسّاً من لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطّلب حتّى اُكلِّمهم واُبلِّغهم ما اُمرت به .

ففعلت ما أمرني به ، ثمّ دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعبّاس ، وأبو لهب . فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم ، فجئت به . فلمّا وضعته تناول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حذية (أي : قطعة) من اللحم فشقّها بأسنانه ، ثمّ ألقاها في نواحي الصفحة ، ثمّ قال : خذوا بسم الله . فأكل القوم حتّى ما لهم بشيء من حاجة ، وما أرى إلاّ موضع أيديهم . وأيم الله الذي نفس عليّ بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم . ثمّ قال : إسقِ القوم ، فجئتهم بذلك العسّ ، فشربوا منه حتّى رووا منه جميعاً ، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله .

فلمّا أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكلِّمهم ، بَدَره أبو لهب إلى الكلام فقال : لشدّ ما سحركم صاحبكم . فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال الغد : يا عليّ ! إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول ، فتفرّق القوم قبل أن اُكلّمهم ، فعدّ لنا من الطعام بمثل ما صنعت ، ثمّ اجمعهم إليَّ .

قال : ففعلت ، ثمّ جمعتهم ، ثمّ دعاني بالطعام ، فقرّبته لهم ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا حتّى ما لهم بشيء حاجة ، ثمّ قال : إسقهم ، فجئتهم بذاك العسّ ، فشربوا حتّى رووا منه جميعاً . ثمّ تكلّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا بني عبد المطّلب ! إنِّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به . إنِّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه . فأ يّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟

قال : فأحجم القوم عنه جميعاً وقلت ـ وإنِّي لأحدثهم سنّاً ، وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً ـ : أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه . فأخذ برقبتي ، ثمّ قال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا . قال : فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع» .


1  تأريخ الطبري ، ط . أوربا 3 / 1171 ـ 1172 . وابن عساكر ، تحقيق المحمودي ، ج 1 ، ص 87 ـ 88 ، مصورة مكتبة كلية أصول الدين 12 / 1 / 67 ب ـ 68 ب ، ومختصر تاريخ دمشق 17 / 308 ـ 311 ، ترجمة الإمام . وتأريخ ابن الأثير 2 / 222 . وشرح ابن أبي الحديد 3 / 263 . وفي تأريخ ابن كثير 3 / 39 ، وقد حذف الألفاظ وقال : كذا وكذا . وكنز العمال للمتّقي 15 / 100 ، 115 و 116 منه ، وفي ص 130 : (يكون أخي وصاحبي ووليّكم بعدي) . والسيرة الحلبية ، نشر المكتبة الإسلامية ببيروت 1 / 285 .