المراد من لفظ «منِّي» في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) :

إنّ لفظ « منِّي » في حديث «أنت منِّي بمنزلة هارون من موسى» يوضِّح المراد من هذا اللفظ في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الاُخرى ، وذلك أنّ هارون لمّا كان شريك موسى في النبوّة ووزيره في التبليغ ، وكان عليّ من خاتم الأنبياء بمنزلة هارون من موسى باستثناء النبوّة ، يبقى لعليّ الوزارة في التبليغ .

وكذلك بيّن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المراد من لفظ «منِّي» في حديثه يوم عرفات في حجّة الوداع حيث قال :

«عليّ منِّي وأنا من عليّ . لا يؤدّي عنِّي إلاّ أنا أو عليّ»([1]) ، وعلى هذا فإنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فسّر لفظ «منِّي» في هذه الأحاديث بكلّ وضوح وجلاء ، وصرّح (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ القصد منه ; أ نّه منه في مقام التبليغ عن الله إلى المكلّفين بلا واسطة. ومن ثمّ يتّضح معنى «منِّي» في أحاديث اُخرى للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّ الإمام عليّ والذي جاء فيها غير مفسّرة .

مثل ما جاء في رواية بريدة في خبر الشكوى أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له : «لا تقع في عليّ فإنّه منِّي و ... »([2]) .

ورواية عمران بن حصين : «إنّ عليّاً منِّي ... »([3]) .

*                    *                    *

 في كلّ هذه الروايات وما يأتي قصد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ عليّاً والأئمة من ولده ، من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حمل أعباء التبليغ إلى المكلّفين مباشرة ووظيفتهم من نوع وظيفته ، وعلى هذا فَهُم منه وهو منهم ، يشتركون في التبليغ ويخـتلفون في أ نّه يأخذ الأحكام التي يبلِّغها من الله عن طريق الوحي ، وهم يأخذونها عن طريق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهم مبلِّغون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الاُمّة وقد أعدّهم الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحمل أعباء التبليغ ، وذلك بما عصمهم الله من الرجس وطهّرهم تطهيراً ، كما أخبر سبحانه عن ذلك في آية التطهير([4]) ، وبما أفاض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على الإمام عليّ خاصّة ممّا أوحى الله إليه ، ثمّ ورث الأئمة من أبيهم الإمام عليّ ذلك واحداً بعد الآخر ، كما نصّت على ذلك الروايات الآتية .


1  أخرجه ابن ماجة في كتاب المقدّمة ، باب فضائل الصحابة ، ص 92 من الجزء الأوّل من سننه . والترمذيّ ، كتاب المناقب 13 / 169 ، وهو الحديث 2531 ، في ص 153 من الجزء السادس من الكنز في طبعته الاُولى . وقد أخرجه الإمام أحمد في ص 164 و 165 من الجزء الرابع من مسنده من حديث حبشيّ بن جنادة بطرق متعدّدة .

2  مسند أحمد 5 / 356 ، وخصائص النسائي ، ص 24 ، باختلاف يسير . ومستدرك الصحيحين 3 / 110 مع اختلاف في اللفظ . ومجمع الزوائد 9 / 127 . وفي كنز العمال 12 / 207 مختصراً عن ابن أبي شيبة ، وفي 12 / 210 منه عن الديلمي ; وراجع كنوز الحقائق للمناوي ، ص 186 .

3  سنن الترمذي 13 / 165 ، كتاب المناقب، مناقب علي بن أبي طالب ، ومسند أحمد 4 / 437 . ومسند الطيالسي 3 / 111 ، ح 829 ، ومستدرك الحاكم 3 / 110 ، وخصائص النسائي: ص 16 و 19 ، وحلية أبي نعيم 6 / 294 . والرياض النضرة 2 / 171 ، وكنز العمال 12 / 207 و 15 / 125 .

4  حيث قال تعالى : (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرِّجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيرا ) (سورة الأحزاب / 33) .