طالب خطيباً على أصحابك ليبلّغوا من بعدهم ذلك عنك ، ويأمر جميع الملائكة أن تسمع ما تذكره ، والله يوحي اليك يا محمد أن من خالفك في أمرهِ فله النار ، ومن اطاعك فله الجنّة .
فأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) منادياً فنادى : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس وخرج حتى علا المنبر ، وكان أوّل ما تكلَّم به : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم» ثم قال : أيها الناس أنا البشير وأنا النذير وأنا النبي الأمي إني مبلِّغكم عن الله عزّ وجلّ في أمر رجل لحمه من لحمي ودمه من دمي ، وهو عيبة العلم ، وهو الذي انتجبه الله من هذه الأمة واصطفاه وهداه وتولاه ، وخلقنى واياه ، وفضلني بالرسالة وفضّله بالتبليغ عني ، وجعلني مدينة العلم وجعله الباب ، وجعله خازن العلم والمقتبس منه الأحكام ، وخصّه بالوصيّة وأبان أمره ، وخوّف من عداوته ، وأزلف من والاه وغفر لشيعته ، وأمر الناس جميعاً بطاعته ، وانه عزّ وجلّ يقول : من عاداه عاداني ، ومن والاه والاني ، ومن ناصبه ناصبني ، ومن خالفه خالفني ، ومن عصاه عصاني ، ومن آذاه آذاني ، ومن أبغضه أبغضني ، ومن أحبّه أحبني ، ومن أراده أرادني ، ومن كاده كادني ، ومن نصره نصرني .
يا أيها الناس اسمعوا ما آمركم به وأطيعوه ، فإني أخوِّفكم عقاب الله : (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويُحذركم الله نفسه)(1) .
ثم أخذ بيد عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : معاشر الناس هذا مولى المؤمنين وحجة الله على خلقه أجمعين ، والمجاهد للكافرين . اللهم إني قد بلّغت وهم عبادك ، وانت القادر على صلاحهم فأصلحهم برحمتك يا أرحم الراحمين ، استغفر الله لي ولكم .
ثم نزل عن المنبر ، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال : يا محمد إن الله عزّ وجلّ يقرؤك السلام ويقول لك : جزاك الله عن تبليغك خيراً فقد بلّغت رسالات ربِّك ونصحت لأمتك وأرضيت المؤمنين وأرغمت الكافرين ، يا محمد إن ابن عمّك مبتلى ومبتلى به ، يا محمد قل في كلّ أوقاتك : الحمد لله رب العالمين وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون(2) .
648 ـ روى الشيخ (رحمه الله) في اماليه بسنده عن عبدالله بن بريدة ، عن أبيه قال : بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي ابن أبي طالب (عليه السلام) وخالد بن الوليد كل واحد منهما وحده ، وجمعهما فقال : اذا اجتمعتما فعليكم علي ، قال : فاخذنا يميناً أو يسارا ، قال : فأخذ علي فابعد فأصاب سبياً ، فأخذ جارية ً من الخمس .
قال بريدة : وكنت من أشدّ الناس بغضاً لعلي (عليه السلام) وقد علم ذلك خالد بن الوليد ، فأتى رجل خالداً فأخبره أنه أخذ جاريةً من الخمس ، فقال : ما هذا ؟! ثم جاءه آخر ثم أتى آخر ثم تتابعت الأخبار على ذلك ، فدعاني خالد فقال : يابريدة قد عرفت الذي صنع ، فانطلق بكتابي هذا الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره وكتب اليه .
فانطلقت بكتابه حتى دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذ الكتاب فأمسكه بشماله ، وكان كما قال الله عزوجل لا يكتب ولا يقرأ، وكنت رجلاً اذا تكلمت طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي ، فطأطأت وتكلمت فوقعت في علي حتى فرغت ، ثم رفعت رأسي فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد غضب غضباً شديداً لم أره غضب مثله قطّالا يوم قريظة والنظير ، فنظر اليّ فقال :
(1) آل عمران : 30 .
(2) أمالي الشيخ المفيد : 46 ـ 48 ، أمالي الشيخ : 73 و74 ، البحار 38 : 112 ـ 114 ح51 .