المناقب - الموفق الخوارزمي - ص 213
: - |
|
آلاف ، قطاع اقران ; طافيا عن
الجولة ، راكدا " في الغمرة ، يهتف بأولاها ، فتنكفت
أخراها ، فتارة يطويها طي الصحيفة وآونة يفرقها فرق
الوفرة ; فبأي آلاء أمير المؤمنين تمترون ؟ وعن أي أمر
مثل حديثه تأثرون ؟ وربنا الرحمان ، المستعان على ما
تصفون . قال رضي الله عنه : الحصب كل ما حصب به في
النار اي رمى به .
وقال ابن عباس في قوله تعالى : "
حَصَبُ جَهَنَّمَ " ( 1 ) : وقودها ، وقال مجاهد : حطبها .
يقال : طمس الأثر وانطمس وطمسة بالريح ( 2 ) .
وقال
الخليل : الخصل في النضال إذا وقع السهم بلزق القرطاس
ويقال : احرز فلان خصله : إذا غلب على الرهان في الرمي
وغيره . ويقال تناوشوه : تناولوه وناشه ينوشه نوشا
وناوشوهم بالرماح وتناوشوهم . يقال : نجلت الشئ نجلا :
رميت به ، والناقة تنجل الحصى بمناسمها ، وقولهم نجله
أب كريم ونجل به ، وفحل ناجل : منجب . وهو نجل فلان
مجاز ما ذكرنا
.
الطخية : شدة الظلمة
والسحابة الرقيقة .
ارفان : نفر ثم سكن . جيشانه :
غليانه . يقال : كفت المتاع : ضم بعضه إلى بعض ، وكفت
الفراش . وفي الحديث : اكفتوا صبيانكم بالليل ، وكفت
الرعاة مواشيهم ، والأرض تكفت أهلها ، أحياء وأمواتا "
.
الاكظام جمع كظم وهو مجرى النفس . يقال : جمل الشحم
واجتمله : أذابه . ويقال : اجتمل وتجمل : أكل الجميل
وهو الورك وقالت اعرابية لبنتها : تجملي وتعففى أي كلى
الجميل واشربي العفافة أي بقية اللبن في الضرع ، ويقال
: خذ الجميل واعطني الجمالة - أي الصهارة ، والسكن
الدار وسكانها أيضا ، والثفاف : ما يسوى به الرماح .
يقال أنه لموقع الظهر ووقعت
|
( 1 ) عبارة من آية 98 من
سورة الأنبياء . ( 2 ) وطمسته الريح
. [ * ] |
|
|
الدابة بكثرة الركوب : سجحت ،
فتخلص عنه الشعر ، فنبت أبيض . يقال مر ممقر وهو أمر
من المقر وهو الصبر وقد أمقر قال لبيد :
ممقر مر على
أعدائه * وعلى الأدنين حلو كالعسل
يقال سم ذعاف : قاتل
سريعا " وموت ذعاب : سريع مرعف من أرعفه قتله مكانه
قتلا وحيا " ( 1 ) . خنع وخضع وخشع اخوات . وطاخ :
تلطخ بقبيح ، طيخا " وطاخه غيره وطاخ : تكبر .
وقال
ابن دريد : الطيخ : الانهماك في الباطل . يقال : قته ،
فاقتات من القوت ، كما يقال رزقته فارتزق واستقاته :
سأله القوت . والجبنة : عامة الشجر واللبن الحامض .
قال : تهدم الثوب ، بلى وعليه هدم خلق ، واهدام أخلاق
وهو من تهدم البناء واندهم : وطاح يطوح ويطيح : سقط
وتاه وهلك .
والوشيظ : الخسيس . وقال يعقوب : الوشيظ :
الرحيل ، واشاح في الامر : جد فيه ، وعامل مشيح : جاد
مواظب على عمله ، واشاح : حذر وخطر ، فينقها : فحلها
والجمع : فنق
وافناق أيضا " وهو قليل
كيتيم وأيتام وشريف واشراف أي رفع ذنبه مرة ووضعه اخرى
للصيال ، كأنه يهدد وتخاطرت الفحول باذنابها للتصاول .
يقال : ارب العقدة : وثقها .
فتأربت : فتوثقت .
والجولة : الهزيمة ، يقال : كانت لهم جولة أي هزيمة .
وطفا السمك طفوا وطفا الوحشي : علا الأكمة ، وفرس طاف
: شامخ برأسه ، أي كان علي عليه السلام مرتفعا " بعيدا
" من الهزيمة ، راكدا " ثابتا " مستقرا " في الغمرة ;
في شدة الحرب وهو لها . يقال قد انجلت غمرات الحرب أي
أهوالها وشدائدها ، وفلان في غمرات الموت وسكراته ،
والغمرة في الأصل ، واحدة الغمار من الماء وهي معظمه ،
وغمرة كل شئ معظمه .
|
( 1 ) الوحي : عجل مسرع . المعجم
الوسيط
. [ * ] |
|
|
قال وخرج الأشعث والأشتر في
اثني عشر ألفا " ، فلم يزالوا يتقدمون ، وقال هاشم بن
الحرث :
يا اشتر الخيرات يا خير النخع * وصاحب
الأمر
إذا عم الفزع
وكاشف الأمر إذا الأمر وقع * ما أنت في
الحرب العوان بالجزع ( 1 )
وقال الأشتر لصاحب علمه :
اجتهد في نصبه فقد وهبت لك ألف درهم وفرسا فبلغ ذلك
الأشعث فقال لغلامه : اجتهد في نصب علمي فقد وهبت لك
ألفي درهم وفرسين ، وتقدم الأشتر وقال :
نسير إليكم
بالقنابل والقنا * وان كان فيما بيننا سرف القتل
فلا
يرجع الله الذي كان بيننا * ولا زال بالبغضا مرحلكم
يغلى
فدونكها حربا عوانا ملحة * عزيزكم عندي أذل من
النعل
وكان أبو الأعور في ثمانية عشر ألفا من أهل
الشام يحمى الفرات " قال رضي الله عنه " يقال في العود
خرع أي لين ورخاوة ، وعود خرع وشئ خريع : لين منثن ،
ومنه قيل للفاجرة : خريع . قال :
يزين جمال الدار منها
رزانة * وحلم إذا خف النساء الخرائع
وقولهم في فلان
خرع أي جبن وضعف ، وخور ، مجاز ما قدمنا . وقال أبو
طالب عند موته حين عرض عليه رسول الله صلى الله عليه
وآله كلمة الشهادة : ( 2 ) لولا أن تعيرني قريش فتقول
أدركه الخرع ، لأقررت بها عينك ، والقنابل جمع قنبل
وهي قطعة من الخيل .
قال أبو هاني بن معمر السدوسي :
كنت حينئذ مع الأشتر وقد تبين فيه العطش ، فقلت لرجل
من بني عمي : ان الأمير عطشان ، فقال الرجل : كل هؤلاء
عطاش ، وعندي اداوة ماء امنعه لنفسي ولكني أوثره على
نفسي ،
|
( 1 ) الحرب العوان : التى حورب
فيها مرة بعد مرة .
( 2 ) راجع للتعرف على إيمان
أبي
طالب ، ج 7 من موسوعة الغدير
. [ * ] |
|
|
فتقدم إلى الأشتر فعرض عليه
الماء فقال : لا اشرب حتى يشرب الناس ، ودنا أصحاب أبي
الأعور يرشقون [ بالنبل ] والأشتر ينادي : يا معاشر
الناس صبرا " ، ثم حمل على أصحاب أبي الأعور وبدد
الرماة وقتل منهم سبعة رجال أولهم صالح بن فيروز العكي
وكان مشهورا " بشدة البأس ، قد خرج إلى الأشتر وهو قال
:
يا صاحب الطرف الحصان
الأدهم * أقدم إذا شئت علينا
أقدم
انا ابن ذي العز وذي التكرم * سيد عك كل عك فاعلم
فبرز إليه الأشتر وهو يقول :
آليت لا أرجع حتى أضربا *
بسيفي المصقول صربا معجبا
أنا ابن خير مذحج مركبا * من
خيرها نفسا واما وأبا
ثم شد على الشامي بالرمح فدق
ظهره فقتله ثم خرج إليه مالك بن ادهم السلامي وكان من
فرسان أهل الشام وهو يقول:
إني منحت صالحا سنانيا *
أجبته بالرمح إذ دعانيا لفارس امنحه طعانيا
ثم شد على
الأشتر بالرمح فلما رهقه ( 1 ) التوى الأشتر عن فرسه
فإذا هو
ببطن فرسه فسار السنان
فأخطأه ، ثم استوى على فرسه وشد عليه بالرمح أو السيف
وهو يقول : ( 2 )
خانك رمح لم يكن خوانا * وكان قدما
يقتل الفرسانا ( 3 )
بوأته ( 4 ) لخير ذي قحطانا *
لفارس يخترم الاقرانا
اشتر لا ذعلا ولا جبانا ( 5 )
|
( 1 ) رهقه : دنا منه .
( 2 ) في وقعة صفين
/ لنصر بن مزاحم ص 175 وفيه : ومار السنان فأخطأه .
(
3 ) وقعة صفين / 174 .
( 4 ) قال ابن الاثير في
النهاية : " أن رجلا " بوأ رجلا " برمحه " أي سدده
قبله وهيئه له .
( 5 ) في [ و ] : " ذغلا " " وفي وقعة
صفين " وغلا " " ولعله هو الصحيح ، والوغل : الضعيف
النذل الساقط
. [ * ] |
|
|
وضرب الشامي وقتله ثم خرج
إليه رياح بن عبيدة الغساني وهو يقول :
إني زعيم مالك
بضرب * بذي عرانين جميع القلب عبل الذراعين
شديد الصلب
فقال الأشتر :
رويد لا تجزع من الجلاد * جلاد شخص جامع
الفؤاد
يجيب في الروع دعا المنادي * يشد بالسيف على الأعادي
وشد على الشامي فقتله ثم خرج إليه إبراهيم بن
الوضاح الجمحى وهو ينشد ويقول :
هل لك يا أشتر في
برازي * براز ذي غشم ( 1 )
وذي اعتزاز مقاوم لقرنه لزاز
( 2 )
فخرج إليه الأشتر وهو يقول :
نعم نعم أطلبه
شديدا " * معي حسام يقصم الحديدا
يترك هامات العدى
حصيدا
وقتل الشامي ثم خرج إليه زامل بن عتيك الحزامي
وهو من أصحاب الألوية وهو ينشد ويقول :
هل لك في طعن
غلام محرب ( 3 ) * يحمل رمحا " مستقيم الثعلب
ليس
بحياد ولا مغلب
وطعن الأشتر في موضع الجوشن فصرعه فلم
يصب منه مقتلا بل صرعه إلى الأرض ، فشد عليه الأشتر
فكشف قوائم الفرس بالسيف وهو يقول :
لابد من قتلى أو
من قتلكا * قتلت منكم خمسة من قبلكا
وكلهم كانوا حماة
مثلكا
|
( 1 ) في [ و ] : ذي عشمشم .
( 2 ) اللزاز : الشديد الخصومة ، اللزوم لما يطالب ، ويقال
ايضا " لزه لزا " : طعنه .
( 3 ) المحرب والمحراب :
الشديد الحرب الشجاع
. [ * ] |
|
|
وقتل الشامي ( 1 ) ، ثم خرج
إليه الأجلح بن منصور الكندي - وكان من أعلام العرب
وفرسانها - فلما استقبله الأشتر كره لقاءه واستحيا أن
يرجع عنه فخرج إليه الأجلح وقال :
إذا دعاني القرن لم اعول ( 2 )
* أمشي إليه بحسام مصقل
مشيا رويدا " غير
ما مستعجل * يخترم الآخر بعد الأول
فشد عليه الأشتر
وهو يقول :
بليت بالأشتر ذاك المذحجي * بفارس في حلق
مدجج
كالليث ليث الغابة المهيج * إذا دعاه القرن لم
يعرج
وضرب الاجلح فقتله ثم خرج إليه محمد بن روضة
الجمحى وهو يضرب في أهل العراق ضربا " منكرا " وهو
ينشد ويقول :
يا ساكنى الكوفة يا أهل الفتن * يا قاتلي
عثمان ذاك المؤتمن
ورث قلبي قتله طول الحزن ( 3 )
وبرز
إليه الأشتر وقتله . ثم حمل الأشعث وقتل الأشعث من أهل
الشام خمسة ، ثم حمل الأشعث وقال للأشتر : اقح الخيل
وحسر ( 4 ) عن رأسه ، وقال : يا أهل الشام خلوا عن
الماء ، فقال أبو الأعور : لا والله حتى تأخذنا وإياكم
السيوف ، فقال الأشعث : أظنها والله قد دنت . وقال
الأشتر :
خلوا لنا عن الفرات الجاري * أو اثبتوا
للجحفل الجرار
|
( 1 ) وقعة صفين / 176 .
(
2 ) التعويل : رفع الصوت بالبكاء والصياح .
( 3 ) وقعة
صفين / ص 177 .
( 4 ) حسر الشئ عن الشئ : ازاله فانكشف
- ( المعجم الوسيط ) والمراد هنا أنه جرد رأسه
. [ * ] |
|
|
بكل قرن مستميت شارى ( 1 )
*
مطاعن برمحه كرار
ضراب هامات العدى مغوار
واقحم الأشتر
في الفرات خيله ووقف على الشط وهو يقول للرجالة :
املأوا القرب فملاؤها فانصرفوا وهو واقف مكانه وهو
يقول :
لا تدركوا ( 2 )
ما قد مضى وفاتا * الله ربي
يبعث الامواتا
من بعد ما صاروا كذى رفاتا * لأوردن
خيلى الفراتا
شعث النواصي أو يقال ماتا ( 3 )
قال رضى
الله عنه : يقال نسفت الريح التراب والله ينسف الجبال
، والإبل تنسف الكلأ بمقاديم افواهها : تقلعه ، ونسفوا
البناء : قلعوه من اصله ، ونسفت قوائم الفرس من هذا .
ووجه أبو الأعور إلى معاوية رسولا بخبر الماء واستمده
، فعظم على معاوية ذاك وقال لعمرو بن العاص : سر إلى
أبي الأعور مددا ، قال عمرو : وما ينفع مددى وقد أخذوا
الماء ، وإنما انفذه معاوية لدهائه وخدعه ، فألح عليه
حتى خرج عمرو إلى أبي الأعور ومعه ثلاثة آلاف رجل ،
فلما لحق عمرو
بصاحبه ، قال الأشتر :
جاءهم مدد ولكن يا أصحابي إبشروا فانا على الحق ،
والباطل زاهق واستأمن رجل منهم إلى الأشتر ، فقال له
الأشتر : من صاحب المدد ؟ قال : هو عمرو بن العاص ،
فنظر الأشتر إليه وكان عمرو لبس فوق درعه خفتانا " ( 4
) أحمر وهو شاهر سيفه فقال له الأشتر : ويلك يابن
العاص أهرب إلى الصياصى ( 5 ) ثم حمل الأشتر على عمرو
فاتقاه بالحجفة
|
( 1 ) الشاري : البائع : الذي يبيع
نفسه ولذلك سمى الخوارج " شراة " لأنهم
زعموا أنهم باعوا انفسهم لله بالجنة .
( 2 ) كذا في الاصل وفي وقعة صفين لا تذكروا ولعل الاخير هو الانسب
.
( 3 ) الابيات هذه في وقعة صفين / 179 -
مروج الذهب
3 / 376 .
( 4 ) خفتان : ضرب من الثياب - فارسية .
( 5
) الصياصى جمع الصيصية : كل ما يتحصن به المفردات
للراغب
. [ * ] |
|
|
وانهزم عمرو وزعق ( 1 ) أصحاب
أبي الأعور جميعا " فأخذوا في الحرب ، ثم حمل
الأشعث
بن قيس عليهم في ستة آلاف رجل جامين ( 2 ) مستريحين
واشتدت المناجزة والمكافحة ، فأرسل الأشتر إلى أبي
الأعور : أن ابرز إلي ، فبرز إليه لكثرة ما دعاه
الأشتر إليه وعليه درع مذهب وبيضة ( 3 ) عادية ، فوقفا
وتحدثا ، وخمدت الأصوات فقال له الأشتر : أتعرفني يا
أبا الأعور ؟ كم مرة دعوتك ان تبرز إلي فالآن برزت إلي
فلأوردنك حياض الموت ولأذيقنك ما كنت تهرب منه ؟ قال
أتهددني وأنا قاتل الشجعان ومبيد الاقران ؟ قال فابرز
إلي لترى صولة الرجال فتقهقرا ليحمل كل واحد منهما على
صاحبه ، وعمرو ينظر إليهما ، فحمل الأشتر عليه فضربه
على بيضته فقطع أنف البيضة ووقع السيف في وجنته فدمي
وجهه ، وهرب أبو الأعور وحمل الأشعث وانهزم عسكر أبي
الأعور وعمرو بن العاص . قال رضي الله عنه : يقال زعق
به : صاح صيحة
مفزعة . قال أبو هاني بن
معمر : رأيت اعرابيا " يخوض في الماء وهو يقول :
أيعطش
القوم وفينا الأشعث * واشتر الخيرات ليث يلهث
قال رضي
الله عنه : روى ان الأشتر كان يخطب ويقول : اثبتوا في
مواضعكم وأقيموا صفوفكم ، فلما كتب الكتائب ورتب
الصفوف ، اقبل علينا بوجهه فحمد الله وأثنى عليه وصلى
على نبيه ثم قال : أما بعد فقد كان سابقا في علم الله
اجتماعنا في هذه البقعة من الأرض لآجال اقتربت وأمور
تصرفت وآمال تصرمت يسوسنا سيد الأوصياء ويرأسنا ابن عم
خير الأنبياء وإمامنا المؤيد بنصر الله من السماء وسيف
من سيوف الله ، ورئيسهم بن
|
( 1 ) الحجفة
: الترس من جلد بلا حسب .
( 2 ) جامين ، من جم القوم :
استراحا ، وفي حديث ابي قتادة : فأتى الناس الماء
جامين رواء أي مستريحين قد رووا من الماء - لسان العرب
.
( 3 ) البيضة : الخوذة
. [ * ] |
|
|
آكلة الأكباد يسوقهم إلى
النار والشقاء ونحن نرجو الثواب وهم ينتظرون العقاب
فإذا حمى الوطيس وجبن الرئيس وثار القتال وطال العتاب
والملام والتقت حلقتا البطلان وتقصف المران ( 1 )
وجالت الخيل بالأبطال وبلغت النفوس الآجال فلا استمع
الاغماغم الفرسان وهماهم الشجعان كان الله ولينا ،
وعلي إمامنا والنصر لواؤنا ، أيها الناس ، غضوا
الأبصار وعضوا على النواجذ والأضراس فانها أشد لشؤون
الرأس واستقبلوا القوم بهامكم وخذوا قوائم سيوفكم
بأيمانكم ، واطعنوا الشرسوف ( 2 ) الأيسر فانه مقتل
وشدوا شدة قوم موتورين بدينهم ودماء اخوانهم حنقين ( 3
) على عدوهم قد وطنوا على الموت أنفسهم لئلا تسبقوا
بثار ولا تلحقوا في الآخرة ، بنار ، واعلموا ان الفرار
من الزحف مسبة ، وفيه الخزى والمذمة إلى يوم القيامة
والوقوف محمدة والحمد أفضل من الذم ، أعاننا الله
وإياكم على طاعته وإتباع مرضاته ونصر أوليائه وقهر
أعدائه أنه خير معين .
قال رضي الله عنه : ثم لما
أنهزم أبو الأعور وأصحابه ونزلت مقدمة علي رضي الله
عنه على مشرعة الفرات أخبر الأشعث عليا رضي الله عنه
بذلك فنهض مع عسكره ونزل عند مقدمته ، ثم قال معاوية
لعمرو : ما ظنك بعلي أيمنعنا الماء ؟ قال : إنه لا
يستحل منك ما استحللته منه ، وقال له معاوية قولا
أغضبه فأنشأ عمرو يقول :
أمرتك أمرا " فسخفته *
وخالفني ابن أبي سرحه ( 4 )
فكيف رأيت كباش العراق *
ألم ينطحوا جمعنا نطحه
أظن لها اليوم ما بعدها *
وميعاد ما بيننا صبحه
|
( 1 ) تقصف : ازدحم ، والمران
تثنية المر بتشديد الراء وهو الحبل .
( 2 ) الشرسوف : اطراف الضلع المشرف على البطن - النهاية .
(
3 ) الحنق بفتح الحاء وكسر النون : الحاقد والمغتاظ .
( 4 ) يريد به عبد الله بن سعد بن أبي سرح وقد تصرف في
الاسم للشعر
. [ * ] |
|
|
فان ينطحونا غدا مثلها * نكن
كالزبير أو طلحه
وان أخروها إلى مثلها * فقد قدموا
الخبط والنفحة ( 1 )
وقد شرب القوم ماء الفرات * وقلدك
الأشعث الفضحه
ثم ان معاوية أرسل إلى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام أثنى عشر رجلا في طلب
الماء ( 2 ) فأتوا عليا " عليه السلام فخرج علي عليه
السلام وعليه رداء رسول الله صلى الله عليه وآله ونصب
له كرسى ، فجلس عليه ثم تكلم من الشاميين حوشب ، فقال
: ملكت فاسجح وعد علينا بالماء واعد عما سلف من معاوية
، وقال رجل من الشاميين - اسمه مقاتل بن زيد العكي - :
يا أمير المؤمنين ، وإمام المسلمين وابن عم رسول رب
العالمين ان معاوية يعتل بدم عثمان ، والله ما يطلب
بذلك إلا الملك والسلطان ، والله يعلم أني احبك وان
كنت من أهل الشام ، والله لا ارجع إلى معاوية بل أخدمك
وأكون أول مبارز ، عسى اقتل بين يديك ، فان القتل في
طاعتك شهادة ،
ثم حمد الله أمير المؤمنين
عليه السلام وأثنى عليه بما هو أهله ، وصلى على رسوله
محمد وآله الطيبين ، ثم قال : معاشر الناس أنا أخو
رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه ووارث علمه ، خصني
وحباني بوصيته واختارني من بينهم وزوجني ابنته بعدما
خطبها عدة فلم يزوجهم وانما زوجنيها بأمر ربه تعالى
فوهب لي منها ذرية طيبة ، فمن أعطي مثل ما أعطيت ، أنا
الذي عمى سيد الشهداء وأخي يطير مع الملائكة حيث يشاء
بجناحين مكللين بالدر والياقوت ، أنا صاحب الدعوات ،
أنا صاحب النقمات ، أنا صاحب الآيات العجيبات ، أنا
قرن من حديد ، أنا أبدا " جديد ، أنا أبو الأرامل
واليتامى ، أنا مبير الجبارين وكهف المتقين وسيد
الوصيين وأمير المؤمنين وحبل الله المتين والكهف
الحصين والعروة الوثقى التي لا انفصام لها والله سميع
|
( 1 ) الخبط : الضرب الشديد ،
والنفحة : الدفعة من العذاب .
( 2 ) الإمامة والسياسة 1 /
105 . [ * ] |
|
|
عليم . قولوا لمعاوية ليشرب
وليسق دوابه لا يمنعه مانع ولا يحول بينه وبينه .
وروى
ان حريثا مولى معاوية كان شجاعا " بطلا يعده معاوية
لكل شديدة ، وقد أبلى في فتح عسقلان وقتل عدة من
الشجعان ، وكان يركب فرس معاوية ويلبس لباسه وسلاحه ،
فيظن الناس أنه معاوية وكان الشقي يتمنى مبارزة أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وكان معاوية
ينهاه عن مبارزته ضنا " به ( 1 ) فقال في اليوم الثالث
من حروب صفين لمعاوية : ان أنا قتلت عليا " أتقلدني
ولاية الطبرية ؟ فقال معاوية : لا تبارز عليا ، وعليك
بالأشتر ، فان أنت قتلته فقد كفيت وأغنيت ، فأما علي
فلا تبارزه فان لي نابين : أحدهما أنت والآخر عبد
الرحمان بن خالد بن الوليد ، وان فجعت بك لم أجد بدلا
" منك ، فجانب عليا فسمع بذلك عمرو بن العاص فخلا
بحريث وقال له أنت لو كنت قرشيا " ما نهاك معاوية عن
مبارزة علي ، ولأحب أن تقتل عليا وتريحه منه ولكنه
يكره أن يقتل ابن عمه مولاه فان وجدت فرصة فاقحم ، فان
حظها لك ، فلما خرج علي عليه السلام أمام الخيل أنبرا
له حريث فحمل عليه علي عليه السلام وهو يقول :
أنا علي
وابن عبد المطلب * نحن وبيت الله أولى بالكتب
منا
النبي المصطفى غير الكذب * أهل اللواء والمقام والحجب
نحن نصرناه على جل العرب * يا أيها العبد الغرير
المنتدب ( 2 )
اثبت لها يا أيها الكلب الكلب ( 3 )
فقيل : يا أمير المؤمنين تبرز إلى هذا الكلب ؟ قال :
والله انه لأعظم عناء من معاوية ، فضربه على رأسه فسقط
قتيلا على هامته ، فجزع عليه معاوية جزعا " شديدا "
وقال : يا عمرو ما أنصفته حين أمرته بأمر كرهته لنفسك
وانشأ معاوية يقول :
|
( 1 ) في المطبوع : صيانة له . |
( 2 ) الغرير : المخدوع .
|
( 3 ) وقعة
صفين / 272 .
[ * ]
|
|
|
حريث ألم تعلم وعلمك ضائر *
بأن عليا " للفوارس قاهر
وان عليا لا يبارز فارسا * من
الناس إلا أحرزته الا ظافر
أمرتك أمرا حازما " فعصيتني
* فجدك إن لم تقبل النصح عاثر
ودلاك عمرو والحوادث جمة
* فلله ما جرت عليك المقادر
فظن حريث أن عمرا نصيحه *
وقد يدرك الإنسان ما قد يحاذر ( 1 )
وروى أن الأشتر
خرج في اليوم السادس من حروب صفين وهو يقول :
في كل
يوم هامتي موقرة * يا رب جنبني سبيل الفجرة
واجعل
وفاتي بأكف الكفرة * لا تعدل الدنيا جميعا وبرة
ولا
بعوضا في ثواب البررة
فبرز إليه عبيدالله بن عمر بن
الخطاب وهو يقول :
أنعى ابن عفان وأرجو ربي * ذاك الذي
يخرجني من ذنبي
قتل ابن عفان عظيم الخطب
ولم يعلم
الأشتر من هو ؟ فقال له : من أنت ؟ قال عبيدالله بن
عمر ، قال الأشتر : بئس ما اخترت لنفسك يابن عمر ، هلا
اعتزلت كما اعتزل أخوك أو سعيد بن مالك ؟ وان كنت خفت
القصاص بدم الهرمزان فهلا هربت إلى مكة ؟ فقال : خل عن
الخطاب والعتاب ، وحمل كل واحد منهما على صاحبه
فتضاربا وتكافحا صدرا من النهار ، ثم انصرف عنه ابن
عمار وعذله بذلك عمرو بن تميم بن وهب التميمي ، وخرج
هو إلى الأشتر وهو يظن انه يقتله ، فتطاعنا ، فطعنه
الأشتر برمحه فاخرج سنان رمحه من ظهره وخر عمرو على
وجهه واقتتل الناس قتالا شديدا " حتى كاد يذبح بعضهم
بعضا " ، وتكادموا بالافواه وكان فيه بوار القوم وفي
اليوم السابع خرج القوم للقتال ، وابو الهيثم بن
التيهان نقيب رسول الله يسوي صفوف أهل العراق ،
|
( 1 ) وقعة صفين /
273 . [ * ] |
|
|
فخرج إليهم عبد الرحمان بن
خالد بن الوليد وهو يقول : ( 1 )
أنا ابن سيف الله ذاكم خالد * أضرب كل قدم وساعد
بأبيض مثل الشهاب واقد
* بالجهد لا بل فوق جهد الجاهد
ما أنا عما نابني براقد
* أنصر عمى ان عمي والدي
فحمل عليه حارثة بن قدامة
السعدي وهو يقول :
اصبر لصدر الرمح يابن خالد * اصبر
لليث مشبل مجاهد
من أسد خفان شديد الساعد * أنصر خير
راكع وساجد
من حقه عندي كحق الوالدي * ذاك علي كاشف
الأوابد
فاطعنا ساعة ثم رجع عنه حارثة ومر ابن خالد لا
يأتي على شئ إلا هذه حتى أتى رايات مذحج وهو يقول :
إني إذا ما الحرب فرت عن كشر ( 2 ) تخالنى أخزر من غير
خزر
اقحم والخطى في النقع كسر * كحية صماء في أصل
الحجر
أحمل ما حملت من خير وشر
وتحاماه الناس وصاح
عمرو بن العاص أن أقحم يابن سيف الله فانه الظفر
فاجتلد الناس جلادا " شديدا " وغم ذلك عليا عليه
السلام فقال القوم للأشتر : يوم من أيامك الأول ، فقد
بلغ لواء معاوية حيث ترى فأخذ الأشتر لواءه ثم حمل وهو
يقول :
إني أنا الأشتر معروف الشتر * إني أنا
الأفعى
العراقي الذكر ( 3 )
ولست من حي ربيع أو مضر * لكننى
من مذحج الحى الغرر ( 4 )
|
( 1 ) وقعة
صفين / 395 وفيه : فاستقبله جارية بن قدامة السعدي .
(
2 ) الكشر بكسر الأول وفتح الثاني : جمع الكشر :
التنمر والارعاد كالسبع . وكثر العدد عن أنيابه : تنمر
وأوعد كانه سبع . ( المعجم الوسيط ) .
( 3 ) الشتر :
انقلاب جفن العين من أعلى وأسفل وتشنجه .
( 4 ) وقعة
صفين / 396 وربيع : مرخم ربيعة لغير نداء
. [ * ] |
|
|
فضرب القوم فلم يلبثوا له بل
انكشفوا عنه حتى رجعوا إلى عسكر معاوية وضرب عبد الله
بن بديل الخزاعي وهو من فرسان علي عليه السلام
المشهورين المذكورين بسيفه في ذلك اليوم حتى قتل احد
عشر رجلا " وخرج من أهل الشام جماعة وكان يمسح سيفه
على عرف فرسه وهو يقول :
لا تحبطن يا إلهى أجرى *
وعجلن يا رب لابن صخر
نار لظى لا يشترك في أمرى * إن
ينج منى ينقصم من ظهرى
ويا لها من غصة في صدري
" قال
رضي الله عنه " : يقال كسفت الشمس وكسفها الله تعالى ،
وكسف البعير ، وكرسفه : عرقبه ، والأوابد ، بقر الوحش
، جمع أبدة وأبدت الدواب وتأبدت : توحشت وهي أوابد
ومتأبدات وفرس قيد الاوابد وتأبد المنزل : سكنته
الأوابد وتأبد فلان : توحش وقولهم فلان مولع باوابد
الكلام واوابد الشعر وهي غرائبه التي لا تشاكل جودة
قال الفرزدق :
لن تدركوا كرمي بلوم
أبيكم * واوابدى
يتخيل الأشعار
ودعا معاوية الأحمر في هذا اليوم مولى
أبي سفيان وكان شجاعا " بطلا " وحثه على قتل
الأشتر أو
عبد الله بن بديل ، فقال الأحمر ، : إن عليا " لا
يقتله غيري ، فقال معاوية : مهلا " يا أحمر ، لا تبارز
عليا " .
وبرز الأحمر ونادى : أين ابن أبي طالب ؟ فصاح
عليه صعصعة بن صوحان وقال : لعن الله ابن آكلة الأكباد
، حيث أمرك بمناجزة خير العباد ، فقال الأحمر : انما
تقولون هذا جبنا ، فبرز إليه شقران مولى رسول الله صلى
الله عليه وآله فقال له الأحمر : من أنت فانى لا أقاتل
إلا أشجعكم ، فعرفه شقران نفسه فحمل عليه الأحمر فضربه
فقتله وثبت مكانه وقال : ليبرز إلي على لينظر حملتى
وضربتي فصاح عليه القوم وقالوا : تنح أيها الكلب فما
أنت بكفو علي أمير المؤمنين ، فقال الأحمر : والله لا
انصرف إلا مع رأس علي أو أموت دونه ، فبرز إليه أمير
المؤمنين وحمل عليه فاخذ بعضده وجذبه ثم رمى به من يده
على الأرض
فحطمه حطما ( 1 ) ، وتولول
الناس وشتموا أهل الشام ، فقال أمير المؤمنين في أهل
الشام : من فيهم خير ومأكلهم يرضى بفعل معاوية ،
فعودوا ألسنتكم ذكر الله ، واستكثروا من قول " لا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " ثم خرج من عسكر
معاوية ( 2 ) كريب بن أبرهة من آل ابن ذي يزن وكان
مهيبا " قويا " يأخذ الدرهم فيغمزه بإبهامه فيذهب
بكتابته فقال له معاوية : ان عليا يبرز بنفسه وكل احد
لا يتجاسر على مبارزته وقتاله ، قال كريب : أنا أبرز
إليه ، فخرج إلى صف أهل العراق ونادى : ليبرز إلي علي
، فبرز إليه مرتفع بن وضاح الزبيدى فسأله من أنت ؟
فعرفه نفسه فقال : كفو كريم وتكافحا فسبقه كريب فقتله
ونادى : ليبرز الي أشجعكم أو علي ، فبرز إليه شرحبيل
بن بكر وقال لكريب : يا شقي ألا تتفكر في لقاء الله
ورسوله يوم الحساب عن سفك الدم الحرام ، قال كريب : إن
صاحب الباطل من آوى قتلة عثمان ثم تكافحا فقتله كريب (
3 ) ، ثم برز إليه الحرث بن الجلاح الشيباني وكان
زاهدا صواما قواما وهو يقول :
هذا علي والهدى حقا معه
* نحن نصرناه على من نازعه
ثم تكافحا فقتله كريب فدعا
علي عليه السلام ابنه العباس - وكان تاما كاملا من
الرجال فأمره بأن ينزل عن فرسه وينزع ثيابه ، ففعل
فلبس علي عليه السلام ثيابه وركب فرسه والبس ابنه
العباس ثيابه وأركبه فرسه لئلا يجبن كريب عن مبارزته ،
فلما هم علي بذلك جاءه عبد الله بن عدى الحارثى وقال :
يا أمير المؤمنين بحق امامتك فائذن لي أبارزه ، فإن
قتلته وإلا قتلت شهيدا " بين يديك ، فأذن له علي فتقدم
إلى كريب وهو يقول :
هذا علي والهدى يقوده * من خير
عيدان قريش عوده
لا يسأم الدهر ولا يؤوده * وعلمه
معاجز وجوده
|
( 1 ) و ( 2 ) و ( 3 )
وقعة صفين / 249 و 315
. [ * ] |
|
|
فتصارعا ساعة ، ثم صرعه كريب
، ثم برز إليه علي عليه السلام متنكرا " وحذره بأس
الله وسخطه ، فقال له كريب : اترى سيفى هذا ؟ لقد قتلت
به كثيرا " مثلك ، ثم حمل على علي بسيفه فاتقاه بحجفته
، ثم ضربه علي عليه السلام على رأسه فشقه حتى سقط
نصفين وقال :
النفس بالنفس والجروح قصاص * ليس للقرن بالضراب خلاص
بيدي عند ملتقى الحرب سيف * هاشمي يزينه
الإخلاص
مرهف ( 1 ) الشفرتين أبيض كالملح *
ودرعي من
الحديد دلاص ( 2 )
ثم انصرف أمير المؤمنين عليه السلام
وقال لابنه محمد : قف مكاني فان طالب وتره يأتيك ،
فوقف محمد عند مصرع كريب فاتاه احد بني عمه وقال : أين
الفارس الذي قتل ابن عمي ؟ قال محمد : وما سؤالك عنه ،
فانا أنوب عنه ، فغضب الشامي وحمل على محمد ، وحمل
عليه محمد فصرعه ، فبرز إليه آخر فقتله حتى قتل من
الشاميين سبعة ، فأتاه شاب وقال لمحمد : أنت قتلت عمي
وإخوتي ، فبرزت
إليك لأشفى صدري منك أو
الحق بهم ؟ وقال :
ومن للصباح ومن للرواح * ومن للسلاح
ومن للخطب
ومن للسعاة ومن للكماة * إذا ما الكماة جثت
بالركب
ثم تكافحا مليا " فضربه محمد فصرعه . وروى ان
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال للأشتر
: ان احدا " لا يبرز إلي ولا إليك فأنا احمل على
الميمنة وتحمل على الميسرة ، وكان في ميمنة معاوية نحو
من عشرة آلاف فارس ، فحمل علي عليه السلام فانهزموا ،
قال :
ألم تر أنى في الحروب مظفر * هزبر الوغى في حومة
الموت حيدر
أقيم على الأبطال في الحرب مأتما " * واقتل
ألفا ثم ألفا واخطر
|
( 1 ) المرهف : المحدد - لسان
العرب . |
( 2 ) الدلاص : اللين البراق -
لسان العرب
. [ * ]
|
|
|
أدير رحى منصوبة في ثفالها *
رؤوس غطاء الشعر فيها معصفر
وحمل الأشتر على الميسرة
كذئب في غنم ، فنكص الناس عنه وشد عليه رجل من أهل
الشام فضربه ، وقابله الأشتر بحجفته ، وشد عليه الأشتر
فصرعه وقال الأشتر :
الم تر أنى في المعارك اشتر *
أفلق هامات الليوث وانعر
أمثلى ينادى في القتال جهالة
* لقيت حمام الموت والموت أحمر
ضربتك ضربا " مثل ضرب إمامنا * علي أمير المؤمنين واعذر
" قال رضي الله عنه
" : الثفال نطع أو غيره ، يبسط تحت الرحى عند الطحن
يقال : لأعركنك عرك الرحى بثفالها فهو في محل الحال
كانه قال عرك الرحى مطحونا " بها ، وتبرذعت فلانا
وتثفلته أي جعلته تحتي بمنزلة البرذعة .
" قال رضي
الله عنه " : وروى ان في اليوم العاشر من حروب صفين
اقتتل الناس قتالا شديدا " حتى عانق الرجال الرجال ،
وانهزم طائفة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام
وأمير المؤمنين واقف ينظر إليهم وركض الأشتر في آثارهم
يستردهم ويقول اما تستحيون ؟ تدعون أمير المؤمنين عليه
السلام وسيد المسلمين ، واقبل أمير المؤمنين ومعه
الحسن والحسين ومحمد إبنه ومحمد بن أبي بكر وعبد الله
بن جعفر حتى صار إلى رايات ربيعة والنبل يقع عليه ،
فقال له ابنه محمد : يا ابة لو بادرت إلى هذه الرايات
فان فيها بقية وهذا النبل كما ترى ؟ فقال : يا بني ان
لأبيك يوما " لن يعدوه ، ثم صاح بصوت عالي جهير كغير
المكترث بما فيه الناس : لمن هذه الرايات ؟ قالوا :
رايات ربيعة ، قال : بل هي رايات الله ، عصم الله
أهلها وثبت أقدامهم وكانت في ميسرة أمير المؤمنين عليه
السلام ، فجلس إليهم فثاروا إليه وقالوا هذا أمير
المؤمنين عليه السلام ، قد صار إلينا والله لئن أصيب
فينا انه لعار الأبد ، ثم قال للحصين بن المنذر وهو
شاب : يافتى الا تدنى رايتك هذه
ذراعا " ، فقال ادنيها والله
عشرة اذرع فادنيتها ، فقال لي : حسبك مكانك ، ثم انشأ
الحصين بن المنذر يقول :
لمن راية حمراء يحقق ظلها *
إذا قيل قدمها حصين تقدما
ويقحمها في الصف حتى يزيرها
( 1 ) * حمام المنايا تقطر الموت والدما
تراه إذا ما
كان يوم عظيمة * ابى فيه إلا عزة وتكرما
جزى الله قوما
صابروا في لقائهم * لدى البأس خيرا ما اعطف واحرما
وأكرم صبرا " حين يدعى إلى الوغى * إذا كان أصوات
الرجال تغمغما
ربيعة أعني أنهم أهل نجدة * وبأس إذا
لاقوا خميسا " عرمرما
ونادت جذام آل مذحج ويحكم * جزى
الله شرا " أينا كان اظلما
أما تتقون الله في حرماتكم
* وما قرب الرحمان منها وعظما
أذقنا ابن هند طعننا
وضرابنا * بأسيافنا حتى تولى واحجما
وانصرف الناس مع
الأشتر وهم يعتذرون واقتتلوا واشتجر ( 2 ) القتال
فطحطحوا أهل الشام إلى ان حجز بينهم الليل.
" قال رضي
الله عنه " : يقال
ثار العسكر من مركزه ، وثار
القط من مجاثمه والتقوا ، فثار هؤلاء في وجوه هؤلاء
وثاوره وساوره : واثبه . يقال : تغمغم الفريق ،
والتغمغم : الكلام الذي لا يتبين ، والغمغمة : أصوات
الثيران عند الذعر ، واصوات الأبطال عند القتال ،
والخميس : الجيش ، والعرمرم : الكبير ويقال : طحطح
الشئ : إذا فرقه أهلاكا .
قال رضي الله عنه : وروى أنه
برز في اليوم التاسع عشر من أصحاب معاوية عثمان بن
وائل ، وكان يعد بمائة فارس وله أخ يسمى حمزة يعدهما
معاوية للشدائد وجعل عثمان بن وائل يلعب برمحه وسيفه ،
والعباس بن الحارث بن عبد المطلب ينظر إليه مع سليمان
بن صرد الخزاعي فقال
|
( 1 ) يزبرها :
يسوقها إليه . ( 2 ) اشتجر : اشتبك .
لسان العرب
. [ * ] |
|
|
لسليمان : أنا ابرز إليه وقد نهاني أمير المؤمنين عليه السلام وفي قلبي أني اقتله ،
فبرز إليه وقال :
بطل إذا غشي الحروب بنفسه * كانت وحادته كحملة عسكر
بطل إذا أفترت نواجذ وقعة * حصد
الرؤوس كحصد زرع مثمر ( 1 )
فتكافحا مليا ، فلم يظفر
أحدهما بصاحبه فقال سليمان للعباس : ألا تجد فرصة عليه
؟ فقال : فيه شجاعة ثم ضربه بعد ذلك العباس فرمى برأسه
ووقف مكانه ، فبرز إليه أخوه حمزة فأرسل إليه علي عليه
السلام فنهاه عن مبارزته وقال له : انزع ثيابك وناولني
سلاحك وقف مكاني وأنا أخرج إليه ، فتنكر علي وخرج إلى
حمزة فظن حمزة انه العباس الذي قتل أخاه ، فضربه علي
عليه السلام فقطع ابطه وكتفه ونصف وجهه ورأسه فتعجب
اليمانيون من تلك الضربة وهابوا العباس وبرز إلى علي
عليه السلام عمرو بن عنبس اللخمي وكان شجاعا " فجعل
يلعب برمحه وسيفه ، فقال علي عليه السلام : هلم
للمكافحة ، فليس
هذا وقت اللعب ، فحمل عمرو
على علي عليه السلام حملة منكرة فاتقاها بحجفته ثم
ضربه علي وسطه فبان نصفه وبقى نصفه على فرسه فقال عمرو
بن العاص : ما هذه إلا ضربة علي فكذبه معاوية فقال له
عمرو : قل للخيل تحمل عليه ، فان ثبت مكانه فهو علي بن
أبي طالب ، فحملوا عليه فثبت لهم ولم يتزعزع ثم حمل
عليهم فجعل يقتلهم حتى قتل منهم ثلاثة وثلاثين رجلا ،
فقال الأشتر : يا أمير المؤمنين لا تتعب نفسك ، فقال
علي عليه السلام : كان رسول الله صلى الله عليه وآله
أكرم الناس على الله تعالى وقد قاتل بنفسه يوم أحد
ويوم حنين ويوم خيبر ، ولو أن معاوية وعمرا برزا " إلي
لتخلص شيعتي مما يقاسونه ، فقال الأشتر : بحق قرابتك
من رسول الله صلى الله عليه وآله فانصرف وأنا أحاربهم
اليوم فأذن
|
( 1 ) افترت : تلألأت . وافتر
البرق : تلألأ وهو فوق الانكال في الضحك والبرق .
لسان
العرب .
[ * ] |
|
|
له علي عليه السلام في ذلك
فقال الأشتر :
لقيت وفرى وانحرفت عن العلى * ولقيت
أضيافي بوجه عبوس
ان لم أشن على ابن هند غارة * لم تخل
يوما من نهاب نفوس
خيلا كأمثال السعالى شزبا ( 1 )
*
يعدو ببيض في الكريهة شوس ( 2 )
حمى الحديد عليهم
فكأنه * ومضان برق أو شعاع شموس
ونادى : ليبرز إلي
معاوية ، فقال لست بكفوى قال الأشتر فابرز إلى صاحبي
فانه سيد قريش والعرب كلهم ، فدع التعلل ثم دعا معاوية
، جندب بن ربيعة وكان خطب إلى معاوية ابنته فرده فقال
له عمرو بن العاص : ان قتلت الأشتر زوجك معاوية ابنته
" رملة " فبرز إليه جندب فقال له الأشتر : من أنت وكم
ضمن لك معاوية على مبارزتي ؟ قال : يزوجنى ابنته بقتلك
، فانا الآن آتيه برأسك ، فضحك الأشتر وحمل عليه جندب
برمحه فاخذه الأشتر تحت ابطه ، فجعل جندب يجتهد في
جذبه فلم يمكنه حتى ضرب الأشتر رمحه فقده نصفين وهرب
جندب فضربه الأشتر بسيفه فصرعه ، ثم حمل الأشتر
فضاربهم حتى ازال عمرو بن العاص عن موقفه وانكشف أهل
الشام وأفضى الأشتر إلى معاوية ، فخرج رجل من بنى جمع
فضارب عن معاوية حتى انقذه وكاد الأشتر يصلى إليه وحجز
بينهم الليل . قال رضي الله عنه : شن الماء على وجهه
صبه صبا " متفرقا " ، وشن عليهم الغارة : فرقها ، وشنت
العين : دمعها . والسعالى : جمع السعلاة وهي الغول ،
ومن المجاز نعوذ بالله من هؤلاء السعالى ، يريد النساء
الصخابات ، وقد استسعلت فلانة كما تقول استكلبت واسعله
الخصب ( 3 ) ، ويقال فرس شازب
|
( 1 ) السعالى جمع سعلاة : سحرة الجن والشزب جمع شازب :
المتغير اللون للضامر .
( 2 ) الشوس : جمع الاشوس
والشوساء ، المتكبر - لسان العرب .
( 3 ) الخصب بكسر
الأول : النماء والبركة وفي المطبوع مكان الخصب ،
الصخب .
[ * ] |
|
|
وخيل شزب وقد شزب شزوبا " وهي
الضمر ، ويقال : رجل اشوس وامرأة شوساء وقوم شوس وفيه
شوس وهو النظر بشق العين ، وقيل أن يصغر العين ويضم
الأجفان .
قال رضي الله عنه : وروى ان في اليوم السادس
والعشرين من حروب صفين قتل أبو اليقظان عمار بن ياسر
وأبو الهيثم بن التيهان نقيب رسول الله صلى الله عليه
وآله ورضى عنهما .
روى أن الحرث بن ياقور أخا ذي
الكلاع برز إلى عمار فضربه عمار فصرعه وكان يقتل كل من
بزر إليه عمار وينشد :
نحن ضربناكم على تنزيله *
فاليوم نضربكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله *
ويذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحق إلى سبيله
واستسقى
عمار فاتى بلبن في قدح فلما رآه كبر ، ثم شربه وقال :
ان النبي صلى الله عليه وآله قال لي : آخر زادك من
الدنيا ضياح من لبن ( 1 ) وتقتلك الفئة الباغية ، وهذا
آخر أيامي من الدنيا ، ثم حمل وأحاط به أهل الشام
واعترضه أبو الغادية الفزاري وابن جوني ( 2 ) السكسكى
، فأما أبو الغادية فطعنه ، وأما ابن جونى فاحتز رأسه
وقد كان ذوالكلاع سمع عمرو بن العاص يقول : قال رسول
الله صلى الله عليه وآله لعمار بن ياسر يابن سميه
تقتلك الفئة الباغية ، كان ذوالكلاع وتحت أمره ستون
ألفا من الفرسان ، يقول لعمرو بن العاص ويحك أنحن
الفئة الباغية ؟ وكان في شك من ذلك فيقول عمرو : إنه
سيرجع إلينا ، واتفق أنه أصيب ذوالكلاع يوم أصيب عمار
فقال عمرو : لو بقى ذوالكلاع لمال بعامة قومه ولأفسد
علينا جندنا ، وقتل
|
( 1 )
الإمامة
والسياسة 1 / 126 ووقعة صفين / 340 .
( 2 ) ابن جونى -
في ضبط هذا الاسم اختلاف كثير . راجع
وقعة صفين ص 341 . [ * ] |
|
|
أبو الهيثم وجماعة من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله فلما رأى ذلك عبد الله
بن عمرو بن العاص قال لأبيه : اشهد لسمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول لعمار : تقتلك الفئة الباغية
، فقال عمرو لمعاوية : ألا تسمع إلى ما يقول ابن اخيك
، واخبره بالحديث ، فقال معاوية : صدق رسول الله أنحن
قتلنا عمارا ، انما قتله من جاء به فألقاه تحت رماحنا
وسيوفنا ، وفرح بقتل عمار أهل الشام ، وقال معاوية :
قتلنا عبد الله بن بديل وهاشم بن عتبة وعمار بن ياسر ،
فاسترجع النعمان بن بشير وقال : والله إن كنا نعبد
اللات والعزى ، وعمار يعبد الله ولقد عذبه المشركون
بالرمضاء وغيرها من الوان العذاب ( 1 ) وكان يوحد الله
ويصبر على ذلك . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله :
صبرا يا آل ياسر ، موعدكم الجنة وقال : ان عمارا "
يدعو الناس إلى الجنة ويدعونه إلى النار .
وقال ابن جونى من أهل الشام : انا قتلت عمارا " ، فقال له عمرو
بن العاص : ماذا قال حين ضربته ؟ قال : قال :
اليوم ألقي الأحبة * محمدا " وحزبه
فقال عمرو : صدقت أنت
صاحبه والله ما ظفرت يداك ولقد أسخطت ربك .
وعن السدى
عن يعقوب بن واسط قال : احتج رجلان بصفين في سلب عمار
وفي قتله ، فأتيا عبد الله بن عمرو بن العاص يتحاكمان
إليه ، فقال : ويحكما اخرجا عنى فان رسول الله صلى
الله عليه وآله قال : أولعت قريش بعمار وعمار يدعوهم
إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، قاتله وسالبه في النار
( 2 ) .
قال رضي الله عنه : ويروى في يوم السادس
والعشرين من حروب
|
( 1 ) في [ و ] : أنواع
العذاب . |
( 2 ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم /
342 . [ * ]
|
|
|
صفين اجتمع عند معاوية الملا
من قومه ، فذكروا شجاعة على وشجاعة الأشتر ، فقال عتبة
بن أبي سفيان : ان كان الأشتر شجاعا لكن عليا لا نظير
له في شجاعته وصولته وقوته ، قال معاوية : مامنا احد
إلا وقد قتل علي أباه أو أخاه أو ولده ، قتل يوم بدر
أباك يا وليد ، وقتل عمك يا أبا الأعور يوم احد ، وقتل
يابن طلحة الطلحات أباك يوم الجمل ، فإذا اجتمعتم عليه
أدركتم ثأركم منه وشفيتم صدوركم ، فضحك الوليد بن عقبة
بن أبي معيط من قوله وانشأ يقول :
يقول لكم معاوية بن
حرب * أما فيكم لواتركم طلوب
يشد على أبي حسن علي *
بأسمر لا تهجنه الكعوب
فيهتك مجمع اللبات منه * ونقع
القوم مطرد يثوب
فقلت له أتلعب بابن هند * كأنك وسطنا
رجل غريب
أتأمرنا بحية بطن واد * إذا نهشت فليس لها
طبيب
وبشر مثلها لاقى جهادا " * فأخطأ نفسه الأجل
القريب
سوى عمرو وقته خصيتاه * نجا ولقلبه منها وجيب
وما ضيع تدب بطن واد * أتيح لقتلها أسد مهيب
بأضعف
حيلة منا إذا ما * لقيناه وذا منا عجيب
كأن القوم لما
عاينوه * خلال النقع ليس لها قلوب
وقد نادى معاوية بن
حرب * فاسمعه ولكن لا يجيب ( 1 )
وقال الوليد : ان لم
تصدقوني فاسألوا الشيخ عمرو بن العاص ليخبركم عن
شجاعته وصولته ، وكان هذا توبيخا " منه لعمرو ، حين
خرج عمرو بن العاص للحرب وقال لإبنيه عبد الله ومحمد :
لمتابعة الموضوع اضغط على الصفحة التالية أدناه
|
( 1 ) وقعة صفين / 417 وفيه في البيت
الأول يقول لنا معاوية بن حرب وفي البيت السادس المصرع
الأول : دعا للقاه في الهيجاء لاق
. [ * ] |
|
|
|