المناقب - الموفق الخوارزمي - ص 335 : -

الفصل العشرون في تزويج رسول الله صلى الله عليه وآله إياه فاطمة رضي الله عنها

 356 - أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي شيخ السنه أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد ابن الحسن قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن علي عليه السلام قال : خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت لي مولاة لي : هل علمت ان فاطمة قد خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
قلت : لا .
قالت : قد خطبت . فما يمنعك ان تأتي رسول الله صلى الله عليه وآله فيزوجك ؟ فقلت : وعندي شئ أتزوج به ؟ فقالت : انك ان جئت رسول الله صلى الله عليه وآله ، زوجك ، فوالله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وكان لرسول الله جلالة وهيبة ، فلما قعدت بين يديه ، أفحمت فوالله ما استطعت ان أتكلم فقال رسول الله : ألك حاجة ؟ فسكت فقال : ما جاء بك ، ألك حاجة ؟ فسكت .

فقال : لعلك جئت تخطب فاطمة ؟ فقلت : نعم فقال وهل عندك من شئ تستحلها به ؟ فقلت : لا والله ، يا رسول الله ، قال : ما فعلت بدرع سلحتكها ؟ والذي نفسي بيده ، انها لحطمية ، ما ثمنها إلا أربعمائة درهم . قلت : عندي فقال : قد زوجتكها بها فابعث إليها بها 

- ص 336 -

فاستحلها بها فان كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ( 1 ) .

 357 - وبهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين - هذا - ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو الفضل بن أبي نصر العطار ، حدثنا أبو أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله القطان حدثنا محمد بن أحمد بن هارون الدقاق ، حدثنا علي بن محيا ، حدثني عبد الملك بن حباب بن عمر بن يحيى بن معين ، حدثنا محمد بن دينار من أهل الساحل الدمشقي ، حدثنا هشيم ، عن يونس ، عن عبيد ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله فغشيه الوحي فلما أفاق ، قال لي : يا أنس ، أتدرى ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش ؟ قال : قلت الله ورسوله اعلم قال : أمرني ان أزوج فاطمة من علي ، فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير ، وبعددهم من الأنصار ، قال فانطلقت فدعوتهم له ، فلما ان أخذوا مجالسهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع بسلطانه ، المرهوب من عذابه ، المرغوب إليه فيما عنده ، النافذ أمره في أرضه وسمائه ، الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه ، وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد ، ثم ان الله جعل المصاهرة نسبا لاحقا وأمرا " مفترضا وشج بها الأرحام وألزمها الأنام فقال تبارك اسمه وتعالى جده : " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا " " ( 2 ) فأمر الله يجرى إلى قضائه وقضاؤه يجرى إلى قدره فلكل قضاء قدر ولكل قدر اجل ، ولكل أجل كتاب " يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " ( 3 ) ثم إني أشهدكم إني زوجت فاطمة من علي على أربعمائة مثقال فضة ، ان رضي

  ( 1 ) وللحديث صورة أخرى أورده ابن المغازلي في مناقبه / 350 .
( 2 ) الفرقان : 54 . ( 3 ) اقتباس من الآية " 39 " من
سورة الرعد . [ * ] 
 
 

- ص 337 -

بذلك علي وكان غائبا ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله في حاجة ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بطبق فيه بسر ، فوضع فيما بين أيدينا فقال : انتهبوا . فبينا نحن كذلك إذ اقبل علي عليه السلام فتبسم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : يا علي ، ان الله أمرني ان أزوجك فاطمة وقد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة ، أرضيت ؟ فقال : قد رضيت يا رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قام علي فخر لله ساجدا " شكرا فقال النبي صلى الله عليه وآله : جعل الله فيكما الكثير الطيب وبارك الله فيكما ، قال أنس : فوالله لقد اخرج الله منهما الكثير الطيب ( 1 ) .

 358 - وأخبرني الإمام الكيا الحافظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي - فيما كتب إلي من همدان - أخبرني أبو على الحسن بن أحمد الحداد أخبرنا أبو نعيم الحافظ - في حلية الأولياء - ، عن محمد بن عمر بن سلم ، عن محمد بن عمر بن خالد السلقي ، عن أبيه عن محمد بن موسى ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود " رض " قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا فاطمة زوجتك سيدا " في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين ، لما أراد الله ان أملكك من على أمر الله جبرئيل عليه السلام فقام في السماء الرابعة فصف الملائكة صفوفا " ثم خطب عليهم ، فزوجك من علي ، ثم أمر الله شجر الجنان ، فحملت الحلي والحلل ، ثم أمرها فنثرت على الملائكة ، فمن اخذ منهم شيئا أكثر مما اخذ غيره افتخر به إلى يوم القيامة ( 2 ) .

 359 - وأنبأني الإمام الحافظ صدر الحفاظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمداني ، أخبرنا محمود بن إسماعيل بن محمد بن محمد الاصبهاني ، أخبرنا

  ( 1 ) روى الكنجي في كفاية الطالب / 297 وروى نظيره الجويني في فرائد السمطين 1 / 89 .
( 2 ) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 4 / 128
. [ * ]
 
 

- ص 338 -

أحمد بن محمد بن الحسين التأني ، أخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصنعاني ، عن عبد الرزاق ، عن يحيى ابن العلا البجلي ، عن عمه شعيب بن خالد ، عن حنظلة بن سبرة بن المسيب بن نجبة عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس قال : كانت فاطمة تذكر لرسول الله فلا يذكرها احد الا صد عنه حتى يئسوا منها ، فلقى سعد بن معاذ عليا فقال : إني والله ما أرى رسول الله صلى الله عليه وآله يحبسها إلا عليك ، فقال له علي عليه السلام : فلم ترى ذلك ؟ فوالله ما أنا بواحد الرجلين ما أنا بصاحب دنيا ، يلتمس ما عندي وقد علم مالي صفراء ولا بيضاء ، وما أنا بالكافر الذي يترقق بها عن دينه يعنى يتألفه . أني لأول من اسلم . قال سعد : فاني اعزم عليك لتفرجنها عنى فان لي في ذلك فرحا قال : فأقول ماذا ؟ قال تقول : جئت خاطبا " إلى الله والى رسوله فاطمة بنت محمد قال : فانطلق علي عليه السلام فعرض للنبي صلى الله عليه وآله وهو يقيل [ على ] حصير فقال له النبي صلى الله عليه وآله : كان لك حاجة يا علي ؟ قال : أجل ، جئتك خاطبا " إلى الله والى رسوله فاطمة بنت محمد ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : مرحبا - بكلمة ضعيفة - ثم سكت [ فجاء علي عليه السلام فأخبر سعد ] فقال سعد : أنكحك ، والذي بعثه بالحق انه لا خلف الآن ولا كذب عنده . اعزم عليك لتأتينه غدا " ولتقولن يا نبي الله متى تبنيني ( 1 ) قال علي : هذه - والله - أشد علي من الأولى ، أو لا أقول يا رسول الله حاجتي ؟ قال قل كما أمرتك ، فانطلق علي عليه السلام فقال : يا رسول الله متى تبنيني ؟ قال الليلة ان شاء الله ، ثم دعا بلالا فقال : يا بلال ، إني قد زوجت ابنتي ابن عمي ، وأنا أحب أن يكون من سنتي ، الطعام عند

  ( 1 ) متى تبنيني : متى تدخلني على زوجتي وحقيقته متى تجعلني أبتنى بزوجتي - النهاية [ * ]   
 

- ص 339 -

النكاح ، فأت الغنم فخذ شاة وأربعة امداد أو خمسة فاجعل لي قصعة لعلى اجمع عليها المهاجرين والأنصار فإذا فرغت منها ، فأذني بها ، فانطلق ففعل ما أمر به ثم أتاه بقصعة فوضعها بين يديه فطعن رسول الله في رأسها ثم قال ادخل الناس علي زفة زفة ( 1 ) ولا تغادر زفة إلى غيرها - يعنى إذا فرغت زفة لم تعد ثانية - فجعل الناس يزفون ، كل ما فرغت زفة ، وردت أخرى حتى فرغ الناس ثم عمد النبي صلى الله عليه وآله إلى ما فضل منها فتفل فيه وبارك وقال : يا بلال احملها إلى أمهاتك وقل لهن : كلن واطعمن من غشيكن ، ثم ان النبي صلى الله عليه وآله قام حتى دخل على النساء فقال : إني قد زوجت ابنتي ابن عمى وقد علمتن منزلتها مني وأنا دافعها إليه الآن فدونكن ابنتكن ، فقامت النساء فغلفتها من طيبهن وحليهن ، ثم ان النبي قام حتى دخل فلما رأته النساء ، وثبن ، وبينهن وبين النبي سترة ، وتخلفت أسماء بنت عميس ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله : كما أنت على رسلك . من أنت ؟ قالت : أنا التي أحرس ابنتك . ان الفتاة [ ليلة يبنى بها ] لابد لها من امرأة تكون قريبة منها ، ان عرضت لها حاجة أو أرادت شيئا " ، أفضت بذلك إليها قال : فاني اسأل إلهي ان يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم ، ثم صرخ بفاطمة فأقبلت ، فلما رأت عليا عليه السلام جالسا إلى جنب النبي حصرت وبكت ، فأشفق النبي صلى الله عليه وآله ان يكون بكاؤها لأن عليا لا مال له فقال النبي : ما يبكيك فما آلوتك في نفسي فقد أصبت لك خير أهلي ، وايم الذي نفسي بيده لقد زوجتك سيدا " في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين فلان منها وقال : يا أسماء آتيني بالمخضب واملئيه ماء ، فآتت أسماء بالمخضب وملأته ماء فمج النبي فيه وغسل فيه وجهه وقدميه ، ثم دعا بفاطمة فأخذ كفا " من ماء

  ( 1 ) الزفة : الزمرة . [ * ]   
 

- ص 340 -

فضرب به على رأسها ، وكفا " بين ثدييها ثم رش جلده وجلدها ثم التزمها فقال : أللهم انها مني واني منها ، أللهم كما أذهبت عنى الرجس وطهرتني فطهرها ، ثم دعا بمخضب آخر ثم دعا عليا " عليه السلام فصنع به كما صنع بها ثم دعا له كما دعا لها ثم قال : قوما إلى بيتكما ، جمع الله بينكما وبارك في سركما وأصلح بالكما ، ثم قام فأغلق عليه بابه بيده . قال ابن عباس : فأخبرتني أسماء بنت عميس : انها رمقت ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يزل يدعو لهما خاصة ولم يشركهما في دعائه أحدا " حتى توارى في حجرته ( 2 ) .

 360 - وأنبأني أبو العلاء الحافظ الهمداني هذا والإمام الأجل نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي ، قالا أنبأنا الشريف الإمام الأجل نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد بن على الزينبي ، عن الإمام محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان ، حدثني القاضي المعافى بن زكريا ، عن الحسن بن علي العاصمي ، عن صهيب بن عباد بن صهيب ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه قال : بينا رسول الله في بيت أم سلمة ، إذ هبط عليه ملك له عشرون رأسا " في كل رأس ألف لسان ، يسبح الله ويقدسه بلغة لا تشبه الأخرى ، راحته أوسع من سبع سموات وسبع ارضين ، فحسب النبي صلى الله عليه وآله انه جبرئيل فقال يا جبرئيل لم تأتني في مثل هذه الصورة قط ؟ قال : ما انا جبرئيل ، انا صرصائيل ، بعثني الله إليك لتزوج النور من النور فقال النبي صلى الله عليه وآله : من ممن ؟ قال ابنتك فاطمة من علي بن أبي طالب عليه السلام فزوج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة من علي بشهادة ميكائيل وجبرئيل

  ( 1 ) رمقته ببصرى ورامقته : إذا أتبعته بصرك تتعهده وتنظر إليه وترقبه - لسان العرب .
( 2 ) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء 2 / 75 ورواه أيضا " الحافظ الكنجي في كفاية الطالب / 304
. [ * ]
 
 

- ص 341 -

وصرصائيل قال : فنظر النبي فإذا بين كتفي صرصائيل : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي بن أبي طالب مقيم الحجة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا صرصائيل منذ كم كتب هذا بين كتفيك ؟ فقال : من قبل ان يخلق الله الدنيا باثنتي عشرة ألف سنة ( 1 ) .

 361 - وبهذا الاسناد عن الإمام محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان - هذا - حدثنا إبراهيم بن محمد المذاري ( 2 ) الخياط ، عن أحمد بن محمد بن سعيد الرفاء البغدادي في طريق مكة ، عن أحمد بن عليل عن ابن داود بن عبد الله الأنصاري ، عن موسى بن على القرشي ، عن قنبر بن أحمد بن كعب ابن نوفل ، عن بلال بن حمامة قال : طلع علينا النبي ذات يوم ووجهه مشرق كدارة القمر ، فقام عبد الرحمان بن عوف فقال : يا رسول الله ما هذا النور ؟ فقال : بشارة أتتني من ربى في أخي وابن عمى وابنتي ، ان الله تعالى زوج فاطمة من على وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى فحملت رقاقا يعنى صكاكا ( 3 ) بعدد محبي أهل بيتي وانشأ من تحتها ملائكة من نور ودفع إلى كل ملك صكا فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا تلقى محبا " لنا أهل البيت إلا دفعت إليه صكا ، فيه فكاكه من النار بأخي وابن عمى وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار ( 4 ) .

 362 - وأخبرنا سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي الهمداني - فيما كتب إلى من همدان - اخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة ، حدثنا أبو طاهر ، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم ابن على العاصمي باصبهان ، حدثنا المفضل بن محمد ابن أخت عبد الرزاق ،

  ( 1 ) كتاب مائة منقبة لابن شاذان / 35 ح / 15 ورواه أيضا ابن المغازلي في مناقبه / 344 .
( 2 ) المذار ، بالفتح وآخر راء : بلده في ميسان بين واسط والبصرة وهي قصبة ميسان بينها وبين البصرة نحو من أربعة أيام وبها مشهد عظيم به قبر عبد الله بن أبي طالب مراصد الاطلاع .
( 3 ) الصكاك جمع الصك : الحوالة .
( 4 ) تاريخ بغداد 4 / 210 - أسد الغابة 1 / 206
 . [ * ]
 
 

- ص 342 -

أخبرنا توبة بن علوان البصري ، حدثني شعبة ، عن أبي حمزة ( 1 ) عن ابن عباس قال : لما ان كانت الليلة التي زفت فيها فاطمة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام كان النبي صلى الله عليه وآله قدامها وجبرئيل عن يمينها وميكائيل عن يسارها ، وسبعون ألف ملك من ورائها يسبحون الله ويقدسونه حتى طلع الفجر ( 2 ) .

 363 - وأخبرني الشيخ الثقة العدل الحافظ أبو بكر محمد بن عبيدالله بن نصر الزاغوني حدثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الباقرجى ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن علي بن بندار ، حدثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد ابن عامر الطائي ، حدثني أبي أحمد بن عامر بن سليمان ، حدثني أبو الحسن علي بن موسى الرضا ، حدثني أبي موسى بن جعفر ، حدثني أبي جعفر بن محمد ، حدثني أبي محمد بن علي ، حدثني أبي علي بن الحسين ، حدثني أبي الحسين بن علي ، حدثني أبي علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أتاني ملك فقال : يا محمد ان الله عزوجل يقرأ عليك السلام ويقول : قد زوجت فاطمة من علي ، فزوجها منه وقد أمرت شجرة طوبى ان تحمل الدر والياقوت والمرجان وان أهل السماء قد فرحوا بذلك ، وسيولد منهما ولدان ، سيدا شباب أهل الجنة ( 3 ) وبهم يزين أهل الجنة ، فابشر يا محمد فانك خير الأولين والآخرين ( 4 ) .

 364 - وأنبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك بن علي أبن محمد الهمداني - نزيل بغداد - أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري وأبو القاسم

  ( 1 ) في [ و ] : شعبة بن أبي حمزة .
( 2 ) تاريخ بغداد 5 / 7 - ذخائر العقبى / 32 ورواه أيضا الجويني في فرائد السمطين 1 / 96 .
( 3 ) في المخطوطتين : سيد كهول أهل الجنة وهو خطأ فاحش .
( 4 ) رواه المحب الطبري أيضا في ذخائر العقبى / 32
. [ * ]
 
 

- ص 343 -

هبة الله بن عبد الواحد بن الحصين ( 1 ) ، قالا : أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي اذنا ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن عبد الصمد بن الحسن بن محمد بن شاذان البزاز ، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن الحسين بن الخطاب بن فرات بن حيان العجلي - قراءة علينا من لفظه ومن كتابه - حدثنا الحسن بن محمد الصفار الضرير ، حدثنا عبد الوهاب بن جابر ، حدثنا محمد بن عمير ، عن أيوب ، عن عاصم الاحول ، عن ابن سيرين ، عن أم سلمة وسلمان الفارسي وعلي بن أبي طالب عليه السلام قال : لما أدركت فاطمة بنت رسول الله مدرك النساء ، خطبها أكابر قريش من أهل السابقة والفضل في الإسلام والشرف والمال ، وكان كلما ذكرها رجل من قريش لرسول الله اعرض رسول الله عنه بوجهه حتى كان الرجل منهم يظن في نفسه ان رسول الله ساخط عليه ، أو قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وحى من السماء ، ولقد خطبها من رسول الله صلى الله عليه وآله أبو بكر الصديق فقال له رسول الله : يا أبا بكر أمرها إلى ربها ، وخطبها بعد أبي بكر عمر ابن الخطاب فقال له كمقالته لأبي بكر ، وان أبا بكر وعمر كانا ذات يوم جالسين في مسجد رسول الله ومعهما سعد بن معاذ الأنصاري ، ثم الأوسي فتذاكروا أمر فاطمة بنت رسول الله فقال أبو بكر : لقد خطبها من رسول الله الأشراف فردهم رسول الله وقال : أمرها إلى ربها ان شاء ان يزوجها ، زوجها ، وان علي بن أبي طالب لم يخطبها من رسول الله ولم يذكرها له ولا أراه يمنعه من ذلك إلا قلة ذات اليد وانه ليقع في نفسي ان الله ورسوله إنما يحبسانها عليه ، قال ثم اقبل أبو بكر على عمر بن الخطاب وعلى سعد بن معاذ فقال : هل لكما في القيام إلى علي بن أبي طالب حتى تذكرا له هذا ، فان منعه منه قلة ذات اليد ، واسيناه وأسعفناه ، فقال له سعد بن معاذ : وفقك الله يا

  ( 1 ) في [ و ] : الحسين . [ * ]   
 

- ص 344 -

ابا بكر فما زلت موفقا " ، قوموا بنا على بركة الله ويمنه . قال سلمان الفارسي : فخرجوا من المسجد فالتمسوا عليا " في منزله فلم يجدوه وكان ينضح ببعير كان له الماء على نخل رجل من الأنصار باجرة فانطلقوا نحوه فلما رآهم نظر إليهم علي عليه السلام ، قال : ما وراكم وما الذي جئتم له ؟ فقام له أبو بكر : يا أبا الحسن انه لم يبق خصلة من خصال الخير إلا ولك فيها سابقة وفضل وأنت من رسول الله صلى الله عليه وآله بالمكان الذي قد عرفت من القرابة والصحبة والسابقة وقد خطب الأشراف من قريش إلى رسول الله ابنته فاطمة فردهم وقال : أمرها إلى ربها ان شاء ان يزوجها ، زوجها ، فما يمنعك ان تذكرها لرسول الله وتخطبها منه ؟ فاني أرجو أن يكون الله سبحانه وتعالى ورسوله إنما يحبسانها عليك قال فتغرغرت عينا علي بالدموع وقال : يا أبا بكر لقد هيجت منى ما كان ساكنا وأيقظتني لأمر كنت عنه غافلا وبالله ان فاطمة لرغبتي وما مثلى يقعد عن مثلها غير إني يمنعني من ذلك قلة ذات اليد ، فقال له أبو بكر : لا تقل هذا يا أبا الحسن فان الدنيا وما فيها عند الله تعالى ورسوله كهباء منثور ، قال ثم ان علي بن أبي طالب عليه السلام حل عن ناضحه واقبل يقوده إلى منزله فشده فيه واخذ نعله وأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فكان رسول الله في منزل زوجته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومي ، فدق علي بن أبي طالب الباب فقالت أم سلمة : من بالباب ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله قبل ان يقول علي ، أنا علي - قومي يا أم سلمة فافتحي له الباب ومريه بالدخول ، فهذا رجل يحبه الله ورسوله ويحبهما ، قالت أم سلمة : فقلت فداك أبي وأمي ومن هذا الذي تذكر فيه هذا وأنت لم تره ؟ فقال مه يا أم سلمة ، هذا رجل ليس بالخرق ولا بالنزق ، هذا أخي وابن عمي وأحب الخلق إلي

- ص 345 -

قالت أم سلمة : فقمت مبادرة ، اكاد أن أعثر بمرطى ( 1 ) ، ففتحت الباب فإذا أنا بعلي بن أبي طالب عليه السلام ، والله ما دخل حين فتحت له حتى علم إني قد رجعت إلى خدري ، قالت ثم انه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال النبي : وعليك السلام يا أبا الحسن ، اجلس ، قالت أم سلمة : فجلس علي بن أبي طالب عليه السلام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وجعل يطرق إلى الأرض كأنه قصد لحاجة وهو يستحيى ان يبديها لرسول الله فهو مطرق إلى الأرض حياء من رسول الله فقالت أم سلمة : فكأن النبي صلى الله عليه وآله علم ما في نفس على فقال له : يا أبا الحسن ، إني أرى انك أتيت لحاجة فقل حاجتك وابد ما في نفسك ، فكل حاجة لك عندي مقضية ؟ قال علي ابن أبي طالب : فقلت فداك أبي وأمي انك تعلم انك أخذتني من عمك أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد وأنا صبي ، لا عقل لى فغذيتني بغذائك وأدبتني بأدبك فكنت لي أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد في البر والشفقة ، وان الله عزوجل هداني بك وعلى يديك واستنقذني مما كان عليه آبائي ( 2 ) وأعمامي من الحيرة والشرك وانك والله يا رسول الله صلى الله عليه وآله ذخري وذخيرتي في الدنيا والآخرة يا رسول الله فقد أحببت مع ما قد شد الله من عضدي بك ان يكون لي بيت وان تكون لي زوجة اسكن إليها ، وقد أتيتك خاطبا " راغبا " اخطب إليك ابنتك فاطمة فهل أنت مزوجني يا رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قالت أم سلمة : فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله يتهلل فرحا

  ( 1 ) المرط : كساء من خز أو صوف أو كتان يؤتزر به وتتلفع به المرأة - المعجم الوسيط .
( 2 ) كلمة " آبائى " زيادة سهوية أو مقحمة فان آباء أمير المؤمنين عليه السلام هم آباء النبي صلى الله عليه وآله وقد أجمعت الإمامية على طهارتهم من الشرك وكثير من غيرهم ايضا " قائلون بذلك ولهم فيه مؤلفات وراجع تفاسيرهم في قوله تعالى : " وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ " الشعراء : 219
 . [ * ]
 
 

- ص 346 -

وسرورا ثم تبسم في وجه علي عليه السلام وقال له : يا أبا الحسن فهل معك شئ أزوجك به ؟ فقال له علي : فداك أبي وأمي ، والله ما يخفى عليك من أمري شئ ، أملك سيفي ودرعي وناضحي ، ما أملك شيئا غير هذا ، فقال له رسول الله : يا علي أما سيفك فلا غناء بك عنه . تجاهد به في سبيل الله وتقاتل به أعداء الله ، وناضحك فتنضح به على نخلك وأهلك وتحمل عليه رحلك في سفرك ، ولكني قد زوجتك بالدرع ورضيت بها منك يا أبا الحسن أأبشرك ؟ قال علي عليه السلام فقلت : نعم فداك أبي وأمي يا رسول الله ، بشرني فانك لم تزل ميمون النقيبة مبارك الطائر رشيد الأمر صلى الله عليك فقال لي رسول الله : أبشر يا أبا الحسن فان الله عزوجل قد زوجكها في السماء من قبل ان ازوجكها في الأرض ولقد هبط علي في موضعي من قبل ان تأتيني ملك من السماء له وجوه شتى ، وأجنحة شتى ، لم ار قبله من الملائكة مثله فقال لي : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ابشر يا محمد باجتماع الشمل وطهارة النسل فقلت : وما ذاك أيها الملك ؟ فقال يا محمد انا سيطائيل الملك الموكل بإحدى قوائم العرش سألت ربي عزوجل ان يأذن لي في بشارتك ، وهذا جبرئيل في اثري يبشرك عن ربك عزوجل بكرامة الله عزوجل قال النبي فما استتم الملك كلامه حتى هبط علي جبرئيل فقال لي : السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا نبي الله ثم انه وضع في يدي حريرة بيضاء من حرير الجنة وفيها سطران مكتوبان بالنور ، فقلت : حبيبي جبرئيل ما هذه الحريرة وما هذه الخطوط ؟ فقال جبرئيل : يا محمد ان الله اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارك من خلقه وابتعثك برسالاته ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار لك منها أخا " ووزيرا " وصاحبا وختنا " ، فزوجه ابنتك فاطمة فقلت حبيبي جبرئيل ومن هذا الرجل ؟ فقال لي : يا محمد أخوك في الدين وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب ، وان الله أوحى إلى الجنان ان تزخرفي فتزخرفت والى شجرة طوبى ان احملي الحلي والحلل فحملت شجرة طوبى الحلي والحلل 

- ص 347 -

وتزخرفت الجنان وتزينت الحور العين وأمر الله الملائكة ان تجتمع في السماء الرابعة عند البيت المعمور ، قال فهبطت الملائكة : ملائكة الصفيح الأعلى وملائكة السماء الخامسة إلى السماء الرابعة وزقت ملائكة السماء الدنيا وملائكة السماء الثانية وملائكة السماء الثالثة إلى الرابعة وأمر الله عزوجل رضوان فنصب منبر الكرامة على باب البيت المعمور وهو المنبر الذي خطب فوقه آدم يوم علمه الله الأسماء وعرضهم على الملائكة وهو منبر من نور فأوحى الله عزوجل إلى ملك من ملائكة حجبه - يقال له راحيل - : ان يعلو ذلك المنبر وان يحمده بمحامده وان يمجده بتمجيده وان يثنى عليه بما هو أهله وليس في الملائكة كلها أحسن منطقا " ولا أحلى لغة من راحيل الملك ، فعلا الملك راحيل المنبر وحمد ربه ومجده وقدسه وأثنى عليه بما هو أهله فارتجت السماوات فرحا وسرورا قال جبرئيل : ثم اوحى إلي : ان اعقد عقدة النكاح فاني قد زوجت أمتي فاطمة ابنة حبيبي محمد من [ عبدي ] علي بن أبي طالب فعقدت عقدة النكاح وأشهدت على ذلك الملائكة أجمعين وكتبت شهادة الملائكة في هذه الحريرة ، وقد امرني ربى ان اعرضها عليك وان اختمها بخاتم مسك أبيض وان ادفعها إلى رضوان خازن الجنان وان الله عزوجل لما ان اشهد على تزويج فاطمة من علي بن أبي طالب عليه السلام ملائكته أمر شجرة طوبى ان تنثر حملها وما فيها من الحلي والحلل ، فنثرت الشجرة ما فيها والتقطته الملائكة والحور العين وان الحور ليتهادينه ويفخرن به إلى يوم القيامة ، يا محمد وان الله أمرني ان آمرك أن تزوج عليا في الأرض فاطمة وان تبشرهما بغلامين زكيين نجيبين طيبين طاهرين فاضلين ، خيرين في الدنيا والآخرة ، يا أبا الحسن فوالله ما خرج ملك من عندي حتى دققت الباب ألا وإني منفذ فيك أمر ربى ، امض يا أبا الحسن أمامي فاني خارج إلى المسجد ومزوجك على رؤوس الناس وذاكر من فضلك ما تقربه عينك واعين محبيك في الدنيا والآخرة قال علي بن أبي طالب : فخرجت من عند 

- ص 348 -

رسول الله مسرعا وأنا لا أعقل فرحا وسرورا فاستقبلني أبو بكر وعمر وقالا لي : ما وراك يا أبا الحسن ؟ فقلت زوجني رسول الله صلى الله عليه وآله ابنته فاطمة وأخبرني ان الله عزوجل زوجنيها في السماء ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله خارج في أثرى ليظهر ذلك بحضرة الناس ، ففرحا بذلك فرحا شديدا " ورجعا معي إلى المسجد فوالله ما توسطناه حينا " ، حتى لحق بنا رسول الله وان وجهه ليتهلل سرورا وفرحا .

وقال أين بلال بن حمامة ؟ فأجابه مسرعا " بلال وهو يقول : لبيك ، لبيك يا رسول الله فقال له رسول الله : اجمع لي المهاجرين والأنصار ، فانطلق بلال لأمر رسول الله وجلس رسول الله صلى الله عليه وآله قريبا من منبره حتى اجتمع الناس ثم رقى على درجة من المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : معاشر المسلمين ، ان جبرئيل عليه السلام أتاني آنفا فاخبرني عن ربى عزوجل بأنه جمع الملائكة عند البيت المعمور وانه أشهدهم جميعا " أنه زوج أمته فاطمة بنت رسوله محمد ، من عبده علي بن أبي طالب عليه السلام وأمرني ان أزوجه في الأرض وأشهدكم على ذلك ثم جلس وقال لعلي عليه السلام : قم يا أبا الحسن فاخطب أنت لنفسك قال فقام فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وقال : الحمد لله شكرا " لأنعمه وأياديه ولا إله إلا الله ، شهادة تبلغه وترضيه وصلى الله على محمد ، صلاة تزلفه وتحظيه ، والنكاح مما أمر الله عزوجل به ورضيه ومجلسنا هذا مما قضاه الله ورضيه وأذن فيه وقد زوجني رسول الله صلى الله عليه وآله ابنته فاطمة وجعل صداقها درعي هذا وقد رضيت بذلك فسلوه واشهدوا فقال المسلمون لرسول الله : زوجته يا رسول الله ؟ فقال رسول الله : نعم ، فقال المسلمون : بارك الله لهما وعليهما وجمع شملهما ، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أزواجه فأمرهن أن يدففن لفاطمة ، فضربن أزواج النبي صلى الله عليه وآله على رأس فاطمة عليها السلام بالدفوف : قال علي بن أبي طالب : واقبل رسول الله صلى الله 

- ص 349 -

عليه وآله فقال يا أبا الحسن انطلق الآن فبع درعك واتني بثمنه حتى أهيئ لك ولابنتي فاطمة ما يصلحكما ، قال علي عليه السلام : فأخذت درعي فانطلقت به إلى السوق فبعته بأربعمائة درهم سود هجرية من عثمان بن عفان فلما ان قبضت الدراهم منه وقبض الدرع مني قال لي : يا أبا الحسن الست أولى بالدرع منك وأنت أولى بالدراهم منى ؟ فقلت : نعم قال فان الدرع هدية منى إليك قال فأخذت الدرع والدراهم وأقبلت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فطرحت الدرع والدراهم بين يديه وأخبرته بما كان من أمر عثمان فدعا له النبي صلى الله عليه وآله بخير وقبض رسول الله قبضة ودعا بأبي بكر فدفعها إليه وقال : يا أبا بكر اشتر بهذه الدراهم لابنتي ما يصلح لها في بيتها وبعث معه سلمان الفارسي وبلال بن حمامة ليعيناه على حمل ما يشترى به .

قال أبو بكر : وكانت الدراهم التي دفعها إلى رسول الله ثلاثة وستين درهما قال : فانطلقت إلى السوق فاشتريت فراشا من خيش ( 1 ) مصر محشوا " بالصوف ونطعا من أدم ووسادة من أدم محشوة ليف النخل وعباءة خيبرية وقربة للماء - وقلت هي خادم البيت - وكيزانا " وجرارا " ومطهرة للماء وستر صوف رقيق وحملت انا بعضه وسلمان بعضه وبلال بعضه واقبلنا به فوضعناه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فلما نظر إليه بكى وجرت دموعه على لحيته ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف .

قال علي بن أبي طالب عليه السلام : ودفع رسول الله صلى الله عليه وآله باقي ثمن الدرع إلى أم سلمة وقال ارفعي هذه الدراهم عندك ومكثت بعد ذلك شهرا " ، لا أعاود رسول الله صلى الله عليه وآله في أمر فاطمة بشئ استحياء من رسول الله صلى الله عليه وآله غير إني إذا خلوت برسول الله

  ( 1 ) نسج خش من الكتان . [ * ]   
 

- ص 350 -

صلى الله عليه وآله ، قال لي : يا أبا الحسن ما أحسن زوجتك وأجملها . أبشر يا أبا الحسن فقد زوجتك سيدة نساء العالمين .

قال علي : فلما كان بعد شهر ، دخل علي أخي عقيل فقال : والله يا أخي ، ما فرحت بشئ قط كفرحي بتزويجك فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله يا أخي ، فما بالك لا تسأل رسول الله صلى الله عليه وآله ان يدخلها عليك فتقر أعيننا باجتماع شملكما ؟ فقلت : والله يا أخي إني لأحب ذلك وما يمنعني أن اسأل رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك الا حياء منه فقال : أقسمت عليك ، إلا قمت معي تريد رسول الله صلى الله عليه وآله فلقيتنا في الطريق أم أيمن - مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله - فذكرنا ذلك فقالت : لا تفعل يا أبا الحسن ، ودعنا نحن نكلم في هذا ، فان كلام النساء في هذا الأمر أحسن وأوقع في قلوب الرجال ، قال ثم انثنت راجعة فدخلت على أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وآله فأعلمتها بذلك وأعلمت نساء رسول الله صلى الله عليه وآله جميعا " فاجتمعت أمهات المؤمنين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وكان في بيت عائشة بنت أبي بكر فأحدقن به وقلن : فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله قد اجتمعنا لأمر لو ان خديجة في الأحياء ، لقرت بذلك عينها ، قالت أم سلمة : فلما ذكرنا " خديجة " بكى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : " خديجة " وأين مثل " خديجة " ، صدقتني حين كذبني الناس وآزرتني على دين الله وأعانتني عليه بمالها ، ان الله عزوجل أمرني ان أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب الزمرد ، لا صخب فيه ولا نصب ( 1 ) قالت أم سلمة : فقلنا فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله صلى الله عليه وآله انك لم تذكر من خديجة أمرا " إلا وقد كانت كذلك ، غير انها قد مضت إلى ربها

  ( 1 ) القصب : قال ابن الأثير في النهاية ( 4 / 67 ) القصب في هذا الحديث لؤلؤ مجوف كالقصر المنيف الصخب : الصياح والجلبة وشدة الصوت واختلاطه . [ * ]   
 

- ص 351 -

فهنأها الله بذلك وجمع بيننا وبينها في درجات جنته ورحمته ورضوانه يا رسول الله صلى الله عليه وآله هذا اخوك في الدين وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب عليه السلام يحب ان تدخل زوجته فاطمة وتجمع بها شمله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أم سلمة فما بال علي لا يسألني ذلك ؟ قلت يمنعه من ذلك الحياء منك يا رسول الله صلى الله عليه وآله ، قالت أم أيمن : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله يا أم أيمن : انطلقي إلى على فأتيني به فخرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا أنا بعلي ينتظرني ليسألني عن جواب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما رآني ، قال : ما وراك يا أم أيمن ؟ قلت : اجب رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال على : فدخلت عليه وهو في حجرة عائشة وقمن أزواجه فدخلن البيت وأقبلت فجلست بين يدي رسول الله مطرقا نحو الأرض ، حياء منه ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : أتحب ان تدخل عليك زوجتك ؟ فقلت - وأنا مطرق - نعم فداك أبي وأمي ، فقال نعم وكرامة يا أبا الحسن ادخلها عليك في ليلتنا هذه أو في ليلة غد ان شاء الله ، فقمت من عنده فرحا مسرورا " وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أزواجه ليزين فاطمة وليطيبنها ويفرشن لها بيتا حتى يدخلها على بعلها علي ، ففعلن ذلك وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله من الدراهم التي دفعها إلى أم سلمة من ثمن الدرع عشرة دراهم فدفعها إلى على ثم قال : اشتر تمرا " وسمنا " وإقطا " ، قال علي : فاشتريت بأربعة دراهم تمرا " ، وبخمسة دراهم سمنا وبدرهم إقطا ، وأقبلت به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فحسر النبي عن ذراعيه ودعا بسفرة من ادم وجعل يشدخ ( 1 ) التمر بالسمن وجعل يخلطه بالاقط حتى اتخذه حيسا ( 2 ) ثم قال لي : يا على ادع من

  ( 1 ) الشدخ : كسر الشئ الاجوف النهاية .
( 2 ) الحيس : تمر واقط وسمن ، تخلط وتعجن وتسوى كالثريد - المعجم الوسيط
. [ * ] 
 
 

- ص 352 -

أحببت فخرجت إلى المسجد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله متوافرون فقلت : أجيبوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقام القوم بأجمعهم وأقبلوا نحو النبي صلى الله عليه وآله فدخلت على رسول الله فأخبرته ان القوم كثير ، فجلل رسول الله صلى الله عليه وآله السفرة بمنديل ثم قال : ادخل علي عشرة بعد عشرة ، ففعلت ذلك فجعلوا يأكلون ويخرجون والسفرة لا ينقص ما عليها ، حتى لقد أكل من الحيس تسعمائة رجل وامرأة ، كل ذلك ببركة كف رسول الله صلى الله عليه وآله ، قالت أم سلمة : ثم دعا النبي بابنته فاطمة ودعا بعلي فأخذ عليا بيمينه وأخذ فاطمة بشماله فجمعهما إلى صدره فقبل بين أعينهما ودفع فاطمة إلى علي عليه السلام وقال : يا علي نعم الزوجة ، زوجتك ثم اقبل على فاطمة فقال لها : يا فاطمة نعم البعل بعلك ، ثم قام معهما يمشي بينهما حتى ادخلهما بيتهما الذي هيأ لهما ، ثم خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب وقال : طهركما الله وطهر نسلكما ، أنا سلم لمن سالمكما وحرب لمن حاربكما ، استودعكما الله واستخلفه عليكما قال علي عليه السلام : ومكث رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ذلك ثلاثا " لا يدخل علينا ، فلما كان في صبيحة اليوم الرابع جاءنا صلى الله عليه وآله ليدخل علينا فصادف في حجرتنا أسماء بنت عميس الخثعمية فقال لها : ما يوقفك هاهنا وفي الحجرة رجل ؟ فقالت له : فداك أبي وأمي ان الفتاة إذا زفت إلى زوجها تحتاج إلى امرأة تتعهدها وتقوم بحوائجها فأقمت هاهنا لأقضى حوائج فاطمة وأقوم بأمرها فتغرغرت عينا رسول الله بالدموع وقال : يا أسماء ، قضى الله لك حوائج الدنيا والآخرة قال علي عليه السلام : وكانت غداة قرة وكنت أنا وفاطمة تحت العباء ، فلما سمعنا كلام رسول الله صلى الله عليه وآله لأسماء ، ذهبنا لنقوم فنظر إلينا رسول الله فقال : سألتكما بحقي عليكما لا تفترقا حتى ادخل عليكما ، فرجع كل واحد منا إلى صاحبه ودخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقعد عند رؤوسنا وادخل رجليه فيما بيننا 

- ص 353 -

فأخذت رجله اليمنى وضممتها إلى صدري وأخذت فاطمة رجله اليسرى فضمتها إلى صدرها وجعلنا ندفئ رجلي رسول الله صلى الله عليه وآله من القر حتى إذا دفئت رجله قال لي : يا علي آتني بكوز من ماء فأتيته بكوز من ماء فتفل فيه ثلاثا " وقرأ عليه آيات من كتاب الله عزوجل وقال : يا علي اشربه واترك منه قليلا " ففعلت ذلك ، فرش رسول الله صلى الله عليه وآله باقي الماء على رأسي وصدري وقال : اذهب الله عنك الرجس يا أبا الحسن وطهرك تطهيرا ، ثم قال أتني بماء جديد فتفل فيه ثلاثا " وقرأ عليه آيات من كتاب الله عزوجل ودفعه إلى ابنته فاطمة وقال : اشربي هذا الماء وأتركي منه قليلا " ، ففعلت ذلك فاطمة ورش النبي صلى الله عليه وآله باقي الماء على رأسها وصدرها وقال أذهب الله عنك الرجس وطهرك تطهيرا وأمرني بالخروج عن البيت وخلا بابنته وقال : كيف أنت يا بنية وكيف رأيت زوجك ؟ قالت : يا ابة ، خير زوج إلا انه دخل علي نساء قريش وقلن لي : زوجك رسول الله صلى الله عليه وآله من رجل فقير ، لا مال له فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : ما أبوك بفقير ولا بعلك بفقير ، ولقد عرضت علي خزائن الأرض من الذهب والفضة فاخترت ما عند ربي عزوجل . لو تعلمين ما يعلم أبوك لسمجت الدنيا في عينك والله يا بنية ما آلوتك نصحا ان زوجتك أقدمهم سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما ، يا بنية ان الله عزوجل اطلع إلى الأرض اطلاعة فأختار من أهلها رجلين فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك ، يا بنية نعم الزوج زوجك لا تعصين له أمرا " ، ثم صاح بي رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي فقلت لبيك يا رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : ادخل بيتك والطف بزوجتك وأرفق بها فان فاطمة بضعة منى ، يؤلمني ما يؤلمها ويسرني ما يسرها ، استودعكما الله واستخلفه عليكما ، قال علي عليه السلام : فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها من بعد ذلك على أمر حتى قبضها الله عزوجل إليه ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرا " ، ولقد كنت انظر إليها 

- ص 354 -

فتكشف عنى الغموم والأحزان بنظري إليها قال علي عليه السلام : ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله لينصرف فقالت له فاطمة : يا ابة لا طاقة لي بخدمة البيت ، فاخدمني خادما يخدمني ويعينني على أمر البيت ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : يا فاطمة أيما أحب إليك ، خادم أو خير من الخادم ؟ فقال على : فقلت : قولي خير من الخادم ، فقالت : يا ابة خير من الخادم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : تكبرين الله في كل يوم أربعا " وثلاثين تكبيرة ، وتحمدينه ثلاثا " وثلاثين مرة ، وتسبحينه ثلاثا " وثلاثين مرة فذلك مائة باللسان وألف حسنة في الميزان ; يا فاطمة انك ان قلتها في صبيحة كل يوم ، كفاك الله ما أهمك من أمر الدنيا والآخرة ( 1 ) .

  ( 1 ) أحاديث الزواج في الطبقات الكبرى لابن سعد 8 / 19 إلى 25 وأورد البخاري حديث التسبيحات في صحيحه الجزء الخامس / 19 . [ * ]   
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب