تتمّة (1)

   واعلم (2) ؛ أن الخلفاء المتقدّمين ، والعلماء العارفين ـ الذين رووا (3) لأمير المؤمنين [ عليه السلام ] هذه الفضائل ، ورووا (4) للمتقدّمين (5) عليه وعلى أولاده (6) هذه الرّذائل ـ لا يخفى عليهم أن الحقّ لعليّ عليه السلام (7) ولأولاده المعصومين عليهم السلام ، لكنّ الخلفاء لمّا (8) طلبوا الأمر لأنفسهم ، مالت (9) العلماء معهم (10) خوفا وطمعا ، ومن المعلوم أن بني أميّة لما (11) استولوا على سلطان الإسلام في (12) شرق البلاد وغربها ، واجتهدوا بكلّ حيلة على إطفاء نور عليّ بن
____________
(1) لا توجد كلمة : تتمة ، في نسخة (ر) .
(2) لا توجد كلمة : واعلم في الطبعة الحجرية .
(3) في نسخة (ر) : عن .. بدلا من اللام ، وما هنا أظهر ، ولا توجد : الذين ، في نسخة ( ألف ) .
(4) في نسخة (ر) : عن .. بدلا من اللام ، وهو خلاف الظاهر .
(5) في نسخة ( ألف ) : عن المتقدّمين .
(6) لا توجد كملة : وعلى أولاده .. في نسخة (ر) .
(7) في الطبعة الحجرية : له .. بدلا من : لعليّ عليه السلام .
(8) لا توجد : لماّ ، في نسخة (ر) .
(9) في سائر النسخ عدا ( ألف ) : ومالت .
(10) في مطبوع الكتاب : إليه .. بدلا من : معهم .
(11) زيادة : لماّ ، من نسخة ( ألف ) .
(12) لا يوجد قوله : سلطان الإسلام في .. في نسخة (ر) .

( 220 )

أبي طالب عليه السلام وأولاده ، وقتلوا ذرّيّته وشيعته ، ومنعوا من كلّ (1) حديث يتضمّن له فضيلة ، أو يرفع له ذكرا ، ولعنوه على المنابر حتى تولى عمر بن عبد العزيز ، فرفع اللعن (2) عنه (3) ، ومع ذلك ، لم يزد ذكره ، إلاّ علوّا ، وشرفه إلاّ سموّا (4) .
   روى (5) ابو عثمان الجاحظ (6) ـ وهو من علماء السنّة وكان (7) أشدّهم عنادا وعداوة لأهل البيت عليهم السلام أن قوما من بني أمية قالوا لمعاوية : يا أمير المؤمنين (8) ! قد بلغت ما أمّلت فلو كففت عن لعن (9) هذا الرجل ؟! فقال : لا والله حتى يربوا عليه (10) الصغير ويهرم عليه (11) الكبير (12) (13) .
____________
(1) لا توجد كلمة : كل في الطبعة الحجرية .
(2) لا توجد كلمة : اللعن ، في نسخة (ر) .
(3) لاحظ : معجم البلدان : 4|238 ، فتوح البلدان : 45 ، الكامل لابن الأثير : 3|255 | ، حياة الحيوان : 1|68 ، ربيع الأبرار : 1|316 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4|56 ـ 58 ، الغدير : 2|101 ـ 113 عن عدة مصادر .. وغيرها .
(4) من قوله : ومع ذلك .. الى هنا لا يوجد في مطبوع الكتاب ، ولا نسخة ( ألف ) .
(5) في نسخة ( ألف ) و (ر) : وروى .
(6) في نسخة ( ألف ) : الحافظ ، بدلا من : الجاحظ .
(7) لا يوجد في نسخة ( ألف ) : وكان .
(8) لا يوجد : يا أمير المؤمنين ، في الطبعة الحجرية ، ونسخة ( ألف ) .
(9) لا توجد : لعن ، في الطبعة الحجرية ، ونسخة ( ألف ) .
(10) في نسخة (ر) : عليها ، بدلا من : عليه .
(11) في نسخة (ر) : عليها ، بدلا من : عليه .
(12) في مطبوع الكتاب : حتى يهرم عليها الكبير ، ويكبر عليها الصغير .
(13) مروج الذهب : 3|223 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4|57 ، و 5|129 ـ 131 .

( 221 )

   ولقد صرّح أكثر علماءهم بأنّ (1) عليّا عليه السلام أحق بهذا الأمر من (2) غيره ، وإنّما (3) مالوا عنه وعن أولاده حبّا للدّنيا (4) ، كما قال أبو فراس بن (5) حمدان في هذا المعنى شعرا (6) :

والله (7) ما جهل الأقوام موضعها * لكنّهم ستروا وجه الذي علموا (8)

   وأنا أذكر بعض من صرّح بذلك ، وإنما انحرف (9) عن آل محمد صلوات الله عليهم ميلا الى الدنيا :
   فمنهم : عمرو بن العاص ؛ وذلك أنه لما كتب اليه معاوية يستعينه على حرب أمير المؤمنين عليه السلام ورغّبه في الأموال و ولاّه (10) مصر ، فشاور عبداً له يقال له : وردان ، ـ وكان غلاماً (11) عاقلا ـ فقال له وردان : إنّ مع عليّ (12) آخرة
____________
(1) في مطبوع الكتاب ونسخة ( ألف ) : بعضهم أن ..
(2) في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية : بالأمر عن ..
(3) في نسخة (ر) زيادة : ما هنا ، ولا وجه لها .
(4) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 2|57 ـ 58 ، 9|196 ، السقيفة للجوهري : 2|51 ، 52 ، 70 .
(5) في بعض النسخ : من ، بدلا من : بن ، ولها وجه .
(6) قوله : في هذا المعنى شعرا .. لا توجد في الطبعة الحجرية ، ونسخة ( ألف ) .
(7) في الطبعة الحجرية : وتالله .
(8) وتما القصيدة في ديوانه المخطوط ، المشفوع بشرحه لابن خالويه النحوي المعاصر له المسمّى بـ : منن الرحمن : 1|143 ، أنظر الغدير : 3|399 .
(9) في المطبوع ونسخة ( ألف ) : مال ، بدلا من : انحرف ، و : عنهم ، بدلا من : آل محمد (ص) .
(10) في نسخة (ر) ونسخة ( ألف ) زيادة : به .
(11) لا توجد كلمة : غلاما ، في نسخة (ر) و ( ألف ) .
(12) في نسخة (ر) : عليا معه .

( 222 )

ولا دنيا معه ، وهي التي تبقى لك وتبقى لها ، وإن مع معاوية دنيا ولا آخرة معه (1) ، وهي التي لا تبقى لأحد (2) ، فإختر لنفسك (3) ما شئت ، فتبسّم عمرو ، ثمّ (4) قال :

يـا قـاتـل الله وردانـا وفـطنتـه * لقد أصاب الذي في القلب (5) وردان
لمّا تعرّضت للـدّنيا (6) عرضت لها * بحرص نفس وفي الأطباع أذهــان
نفس تعفّ وأخرى الحرص يغلبها (7) * والمرء يأكل تبناً (8) وهو غرْثان (9)
أمـّا عـليّ فـدين ليـس يـشركه * دنــيا وذاك لـه دنـيا وسـلطان
فاخترت من طمعي دنـيا على بصر * ومـا معي بـالّذي اختـار برهـان
أني لأعرف ما فيهـــا وأبصـره * وفيّ أيضا لمن (10) أهواه ألــوان
لكنّ نفسي تحــبّ العيش في شرف * وليش يرضى بــذلّ العيش إنسان

   ثمّ إن عمرا رحل الى معاوية ، فلما بلغ مفرق الطريقين (11) ـ طريق الشام
____________
(1) في الطبعة الحجرية : له ، بدلا من : معه .
(2) في نسخة (ر) : على أحد .
(3) لا توجد كلمة : لنفسك ، في نسخة ( ألف ) و (ر) .
(4) في المطبوع : واو ، بدلا من : ثمّ .
(5) في مطبوع الكتاب : قلب .
(6) في نسخة (ر) : الدنيا .
(7) في نسخة (ر) : يقتلها ، بدلا من : يغلبها .
(8) في الطبعة الحجرية : نتنا ، وفي نسخة (ر) : شيئا .
(9) الغرث : الجوع ، انظر : جمهرة اللغة : 422 .
   وفي نسخة (ر) : غرمان ، وفي الطبعة الحجرية : عرثان .
(10) في نسخة ( ألف ) و (ر) : لماّ ، بدلا من : لمن .
(11) في نسخة (ر) : فلماّ صار في بعض الطريق بمفرق .. ألى آخر .

( 223 )

والعراق ـ قال (1) له وردان : طريق العراق طريق الآخرة ، وطريق الشام طريق الدنيا .. فاختر لنفسك أيّهما (2) تسلك ؟ فقال : طريق الشام (3) .
   فهذا عمرو بن العاص وعبده اعترفا أن الحق مع عليّ (4) ، وما مال عمرو الى معاوية إلاّ لطلب الدنيا والرئاسة (5) .
   ومنهم: عبد العزيز بن مروان (6) بن عبد العزيز .
   روى أبو عثمان الجاحظ (7) المتظاهر بالتّعصب على أمير المؤمنين عليه السلام ، قال عمر بن عبد العزيز : كنت أحضر بجنب المنبر في المدينة (8) ـ وأبي يخطب ـ فكنت أسمعه يمرّ في خطبة تهدر شقاشقه (9) حتى يأتي الى لعن (10) عليّ عليه الصلاة
____________
(1) في نسخة (ر) : فقال .
(2) في الطعبة الحجرية ونسخة ( ألف ) : فأيهما .. بدلا من : فأختر لنفسك أيّهما .
(3) لاحظ : كتاب الصفّين لابن مزاحم : 34 ـ 40 ، الكامل للمبرد : 1|221 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 2|61 ـ 64 و 12|222 ، تاريخ اليعقوبي : 2|184 ـ 186 ، رغبة الآمل من كتاب الكامل : 3|108 ، قصص العرب : 2|368 ، المناقب للخوارزمي 129 ـ 132 .. وغيرها .
(4) في نسخة (ر) : لعلي بن أبي طالب عليه السلام .
(5) لا توجد كلمة : والرئاسة ، في الطبعة الحجرية ونسخة ( ألف ) .
(6) هنا زيادة كلمة : أبو عمر ، في المطبوع ونسخة ( ألف ) ، ولا وجه لها .
(7) لا توجد كلمة : الجاحظ ، في الطبعة الحجرية ، ونسخة ( ألف ) .
(8) في نسخة ( ألف ) والمطبوع بدلا من : بجنب المنبر .. الى آخره : منبر الكوفه ! .
(9) تهدر شقاشقه : ردّد صوته في حنجرته .. ، قاله في صحاح اللغة : 2|853 ، وفي صحاح الجوهري 3|1503 : شقق الكلام .. إذا أخرجه أحسن مخرج ... وإذا قالوا للخطيب : ذوشقشقة .. فإنما يشبّه بالفحل [ أي هدر ] ، وانظر : القاموس المحيط 3|250 .
(9) في الطبعة الحجرية : طعن .. بدلا من : لعن ، ولا توجد : الى ، في نسخة ( ألف ) .

( 224 )

والسلام ، فيحجم ، ويعرض له من الفهاهة (1) والحصر ما الله أعلم به (2) ، فكنت أعجب من ذلك ، فقلت له يوما : يا أبت ! أنت أفصح الناس وأخطبهم ، فما بالي (3) أراك أفصح خطيب يوم حفلك (4) حتى إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت لَكِنَاً عيّا ؟!
   فقال : يابنيّ ! إن من ترى (5) تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم لو علموا من فضائل (6) هذا الرجل ما يعلمه أبوك ما تبعنا منهم واحد .
   فوقعت (7) كلمته في صدري موقعا عظيما (8) ، فأعطيت الله عهدا إن كان لي في هذا الأمر نصيب لأغيّرنّ ذلك ولابدّلنّه (9) .
   فلما منّ الله عليّ بالخلافة أسقطت ذلك اللعن (10) وجعلت مكانه : ( إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي
____________
(1) الفهاهة : العيّ ، رجل فهّ بينّ الفهاهة إذا كان عييّا ، كما في جمهرة اللغة : 1|162 ، وفي النهاية : 3|482 : .. أراد بالفهة : السّقطة والجهلة ..
(2) في نسخة (ر) : به أعلم ، ولا توجد : به ، في نسخة ( ألف ) .
(3) في نسخة ( ألف ) : فما لي .
(4) لا توجد في الطبعة الحجرية ونسخة ( ألف ) : يوم حفلك .. والحفل : الإجتماع والاحتشاد للقوم فيه . لاحظ : الصحاح : 4|1670 وغيره .
(5) لا توجد كلمة: ترى ، في نسخة (ر) .
(6) في المطبوع من الكتاب ونسخة ( ألف ) : فضل .
(7) في الطعبة الحجرية وكذا نسخة ( ألف ) : فوقّرت .. بدلا من : فوقعت .
(8) لا توجد في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية : موقعا عظيما .
(9) جملة : ذلك ولابدّلنّه .. لا توجد في مطبوع الكتاب .
(10) في الطبعة الحجرية : الطعن .. بدلا من : اللعن .

( 225 )

يعظكم لعلكم تذكّرون ) (1) وكتبت به (2) الى الآفاق فصار سنة الى الآن (3) .
   فانظروا ـ هداكم الله ـ الى اعتراف عبد العزيز بن مروان ـ الذي نقله عنه (4) الجاحظ (5) ونقله عنه ابن أبي الحديد المدايني (6) ـ ؛ كيف اعترف أنّ الحقّ لعليّ عليه السلام ، وإنما شبّهوا على العامة فانقادوا لهم اختيارا ، وانقادت العلماء اظطرارا ، وتابعوهم خوفا وطمعا .
   ومما رواه ابن أبي الحديد (7) عن ابن الكلبي (8) ـ وهما من علماء السنّة ـ قال ابن أبي الحديد : أنا أذكر هاهنا (9) الخبر [ المروي ] المشهور عن عمر [ بن عبد العزيز ] وهو من رواية ابن الكلبي (10) ، قال : بينا عمر بن عبد العزيز جالسا في مجلسه (11) إذ (12) دخل عليه حاجبه ، ومعه (13) امرأة أدماء ، طويلة ، حسنة
____________
(1) سورة النحل (16) : 90 .
(2) في الحجرية : بها ، بدلا من : به ، وهو خلاف الظاهر .
(3) انظر : الكامل لابن الأثير : 5|42 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4|58 .
(4) لا توجد : عنه في نسخة (ر) .
(5) في نسخة ( ألف ) : الحافظ .
(6) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2|61 ـ 64 .
(7) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 20|222 ـ 225 باختلاف يسير أشرنا لغالبه .
(8) في نسخة (ر) : وروى ابن أبي الحديد عن الكلبي ..
(9) لا يوجد في نسخة ( ألف ) : أنا أذكر هاهنا . وقد جاء في المصدر .
(10) لا يوجد من قوله : قال ابن .. الى ابن الكلبي ، في نسخة (ر) .
(11) في الطبعة الحجرية : مجلس .
(12) لا يوجد : إذ .. في شرح النهج .
(13) لا توجد : معه ، في نسخة ( ألف ) .

( 226 )

الجسم والقامة ، ورجلان متعلّقان بها ، ومعهم (1) كتاب من ميمون بن مهران ، ـ وكان ميمون عاملا لعمر بن عبد العزيز على بلاد الجزيرة وما والاها (2) ـ الى عمر (3) ، فدفعوا إليه الكتاب ، ففضّه فإذا فيه (4) :
بسم الله الرحمن الرحيم

   الى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من ميمون بن مهران
   سلام الله (5) عليك ورحمة الله وبركاته !
   أما بعد ؛ فإنه (6) ورد علينا أمر ضاقت به الصدور ، وعجزت عنه الأوساع (7) ، و (8) هربنا بأنفسنا عنه (9) ، و وكلناه الى عالمه ، لقول الله عزّوجلّ : ( و لو ردّوْهُ الى الرّسول والى أُولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم ) (10) وهذه المرأة والرجلان ، أحدهما زوجها والآخر أبوها ، وإنّ أباها ـ يا أمير المؤمنين ! ـ زعم أنّ زوجها حلف بطلاقها أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام خير هذه الأمة
____________
(1) في نسخة (ر) : معهما .
(2) من قوله : وكان ... الى هنا لا يوجد في المطبوع وكذا المصدر .
(3) لا بوجد في الطبعة الحجرية ونسخة (ر) : الى عمر . كما لا يوجد من قوله : وكان ميمون .. الى هنا في نسخة ( ألف ) .
(4) في الطبعة الحجرية : وكان فيه .. بدلا من : ففضّه فإذا فيه ..
(5) لم يرد لفظ الجلالة في المصدر .
(6) في نسخة (ر) : فقد .. بدلا من : فإنّه .
(7) الأوساع ، جمع : وسع ، وهو الطاقة . انظر القاموس المحيط 3|93 وغيره .
(8) الواو زيدت من المصدر .
(9) لا يوجد في المطبوع من الكتاب : هربنا بأنفسنا عنه ، وفي نسخة (ر) جاءت العبارة هكذا : فهرهبنا [ كذا ] عنه بأنفسنا ، ولا توجد : عنه ، في نسخة ( ألف ) .
(10) سورة النساء (4) : 83 .

( 227 )

وأولاها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه يزعم أن ابنته طلقت منه ، وأنه لا يجوز له (1) في دينه أن يتّخذه (2) صهرا ، وهو يعلم أنها حرام عليه كأمّه (3) ، وأن الزوج يقوله له (4) : كذبت واثمت .. فقد والله (5) برّ قسمي ، وصدقت مقالتي ، وأنها (6) إمرأتي على رغم أنفك وغيظ قلبك ، فاجتمعوا اليّ يختصمون في ذلك ، فسألت الرجل (7) عن يمينه ، فقال : نعم ، قد كان ذلك ، وقد حلفت بطلاقها أن علياً (8) خير هذه الأمة وأولادها برسول الله [ صلى الله عليه وآله وسلم ] ، عرفه من عرفه وأنكره (9) من أنكره ، فليغضب من غضب ، وليرض من رضي ، وتسامع الناس بذلك ، فاجتمعوا له (10) ، وان كانت الألسن مجتمعة فالقلوب شتّى ، وقد علمت ـ يا أمير المؤمنين ! ـ إختلاف الناس في أهوائهم ، وتسرّعهم الى ما فيه (11) الفتنة ، فأحجمنا عن الحكم لتحكم (12) بما أراك الله ، وأنهما تعلّقا بها (13) ،
____________
(1) لا توجد : له ، في الطبعة الحجرية .
(2) لا يوجد الضمير المتصل في نسخة (ر) .
(3) كلمة : كأمّه ، لا توجد في نسخة (ر) .
(4) كلمة : له ، مزيدة من المصدر .
(5) حذف لفظ الجلالة من مطبوع الكتاب ، ونسخة ( ألف ) ، والمصدر ، وفيه : لقد .
(6) في نسخة (ر) : وهي ، بدلا من : وأنّها .
(7) لا يوجد في المطبوع من الكتاب ونسخة ( ألف ) : فسألت الرجل .
(8) في نسخة (ر) : علي بن أبي طالب .
(9) في نسخة ( ألف ) : عرف من عرفه وأنكر ..
(10) لا توجد كلمة : له .. في نسخة (ر) .
(11) لا توجد كلمة : ما فيه .. في نسخة (ر) .
(12) في شرح النهج : لنحكم .
(13) جاءت العبارة في نسخة (ر) هكذا : وأنما تعلق بها أبواها ، وحلف أن لا يدعها معه ..

( 228 )

وأقسم أبوها أن لا يدعها معه (1) ، وأقسم (2) زوجها أن لا يفارقها ولو ضربت عنقه (3) إلاّ أن يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته والإمتناع منه ، فرفعناهم إليك ـ يا أمير المؤمنين ! (4) ـ أحسن الله توفيقك وأرشدك (5) ..
   وكتب في أسفل الكتاب هذه الأبيات :

إذا مـا المـشكـلات وردن يـوماً * فـحـارت (6) في تأمّـلها العـيون
وضاق القوم ذرعـا عن (7) نـباها * فأنت لهـا ـ أبـا حفص ـ أمـين
لأنك قـد حـويت العـلم طـرّا * وأحـكمك التـجارب والشـؤون (8)
وخـلّفك الإلـه عـلى البرايـا (9) * فـحظّك فـيهـم الحـظّ الّثمـين

   قال : فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم وبني أميّة وأفخاذ قريش ، ثمّ قال لأب المرأة : ما تقول أيّها الشيخ (10) ؟ قال : يا أمير المؤمنين ! هذا الرجل زوّجته ابنتي ، وجهزتها إليه بأحسن ما تجهّز (11) به مثلها ، حتى أذا أمّلت خيره ،
____________
(1) قوله : وأقسم أبوها .. الى هنا لا يوجد في مطبوع الكتاب .
(2) في نسخة (ر) : وحلف .. بدلا من : وأقسم .
(3) في المصدر : عنقها .
(4) لا توجد : يا أمير المؤمنين .. في نسخة ( ألف ) .
(5) في نسخة (ر) : وتسديدك ..
(6) في نسخة (ر) : وضاقت .
(7) في الطبعة الحجرية : من ، بدلا من : عن ، وفي (ر) : في .
(8) في نسخة (ر) : الفنون ، وفي الطبعة الحجرية : من الشؤون .
(9) في شرح النهج : الرعايا ، بدلا من : البرايا .
(10) في نسخة (ر) : يا شيخ .
(11) في نسخة (ر) : تجهيز ، بدلا من : ما تجهزّ به ، وفي نسخة ( ألف ) : ما يتجهّز مثلها . وفي المصدر : يجهّز .

( 229 )

ورجوت صلاحه (1) ، حلف بطلاقها كاذبا ، ثمّ اراد الإقامة (2) معها .
   فقال له (3) عمر : يا شيخ ! لعلّه لم يطلّق امرأته ، وكيف حلف ؟ فقال الشيخ : سبحان الله ! إنّ (4) الذي حلف عليه لأبين حنثا (5) و أوضح (6) كذبا من أن يختلج في صدري منه شكّ ـ مع كبر (7) سنّي وعلمي ـ لأنه زعم أن علياً خير هذه (8) الأمة ، وإلاّ (9) وامرأته طالق ثلاثا .
   فقال للزوج : ما تقول ! ؟ أهكذا حلفت (10) ؟
   قال : نعم ـ فقيل أنّه لمّا قال نعم كاد (11) المجلس يرتج بأهله ، وبنو أميّة ينظرون إليه شزراً (12) إلاّ أنهم لم ينطقوا بشيء ، كلّ ينظر الى وجه
____________
(1) في نسخة ( ألف ) : خيرهم ، ورجوت صلاحهم .
(2) في الطبعة الحجرية : المقام ، بدلا من : الإقامة .
(3) لا توجد : له ، في نسخة (ر) .
(4) لا توجد : إنّ ، في المصدر .
(5) لاتوجد في نسخة (ر) : لأبين حنثا ، وفي الطبعة الحجرية : أبين خبثا ، وفي نسخة ( ألف ) : ليبيّن حنثا .
(6) في نسخة (ر) : ولأوضح ..
(7) كلمة : كبر من نسخة ( ألف ) ، ولم ترد في غيرها ، كما لم ترد في المصدر المطبوع .
(8) لا توجد : هذه ، في نسخة (ر) .
(9) كذا في المصدر ونسخة ( ألف ) ، ولا توجد : إلا ، في مطبوع الكتاب . والظاهر : وإلا فإمرأته ..
(10) في نسخة ( ألف ) : طلّقت ، بدلا من : حلفت .
(11) في نسخة (ر) : قيل لما قال : نعم كاد ..
(12) الشزر : هو النظر بمؤخّر العين .. قاله في جمهرة اللغة : 2|704 ، وفي النهاية : 2|470 : الشزر : النظر عن اليمين والشمال . وليس بستقيم الطريقة .. قال : وأكثر ما يكون النظر الشزر في حال الغضب والى الأعداء . وفي الطبعة الحجرية : شرزا ، وهو تصحيف .

( 230 )

عمر (1) ـ فأكبّ عمر مليّا ينكت (2) بيده (3) الأرض والقوم (4) صامتون ينظرون ما يقوله ، ثمّ رفع رأسه ، وقال :

إذا ولّى الحكـومـة بـين قــوم * اصـاب الحـقّ والتمـس السـدادا
ومـا خـير الأنـام (5) إذا تـعدّى * خـلاف الحـقّ واجـتنب الرشـادا

   ثمّ قال للقوم : ما تقولون في يمين هذا الرجل ؟ فسكتوا فلم ينطقوا بشيء (6) ، فقال : سبحان الله ! قولوا !؟ فقال رجل من بني أميّة : هذا حكم في فرج ، ولسنا نجتري على القول فيه ، وأنت عالم بالقول (7) ، مؤتمن لهم وعليهم ، فقال (8) : قل ما عندك فإن القول ما لم يكن (9) يحقّ باطلا ويبطل حقا جائز عليّ في مجلسي ، قال : لا (10) أقول شيئا ، فالتفت عمر (11) الى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي
____________
(1) في نسخة (ر) : وجعلوا ينظروا الى وجه عمر .
(2) في نسخة (ر) : ينكب . وفي نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية : ينكث .
(3) لا توجد كلمة : بيده ، في نسخة (ر) ، وفي نسخة ( ألف ) : ينكث الارض بيده . والصواب ما أثبتناه ، حيث يقال : نكت الأرض بالقضيب هو أن يؤثر فيها بطرفه فعل المفكر المهوم . أما النكث فهو نقض العهد ، والنكب هو الإمالة . انظر : النهاية : 5|115 وغيرها .
(4) في نسخة (ر) : الأرض بأصبعه والناس ..
(5) في المصدر : الإمام ، بدلا من : الأنام .
(6) حملة : فلم ينطقوا بشيء ، لا توجد في مطبوع الكتاب ، ونسخة ( ألف ) ، وكذا المصدر .
(7) في نسخة (ر) : أعلم بالقوم .
(8) لا يوجد في المصدر : فقال .
(9) لا توجد في الطبعة الحجرية : فإن القول ما لم يكن .. وفيه : ما .. وكذا نسخة (ر) . ولا توجد : يكن ، في نسخة ( ألف ) .
(10) في نسخة (ر) : ما ، بدلا من : لا .
(11) لا توجد كلمة : عمر ، في الطبعة الحجرية ونسخة ( ألف ) وكذا المصدر .

( 231 )

طالب فقال له : ما تقول يا عقيليّ (1) فيما حلف به (2) هذا الرجل (3) ؟! فاغتنمها العقيليّ (4) ، فقال : يا أمير المؤمنين ! إن جعلت قولي حكما و (5) حكمي جائزا (6) قلت ، وإن لم يكن ذلك (7) فالسكوت أوسع لي وأبقى (8) للمودّة ، قال : قل : وقولك حكم ، وحكمك ماض (9) .
   فلما سمع ذلك بنو أميّة قالوا : ما أنصفتنا يا أمير المؤمنين إذا جعلت الحكم الى غيرنا (10) ونحن من لحمتك (11) وأولي رحمك ، فقال عمر : اسكتوا عجزا (12) ولؤما ، عرضت ذلك عليكم آنفا (13) فما انتدبتم ، قالوا : لأنك لم تعطنا (14) ما أعطيت العقيلي ، ولا حكمتنا كما حكّمته ، فقال عمر : أن كان اصاب وأخطأتم ،
____________
(1) لا توجد كلمة : ياعقيلي ، في الطبعة الحجرية ، ونسخة ( ألف ) وكذا المصدر .
(2) في نسخة (ر) : عليه ، بدلا من : به .
(3) كرّر هنا كلمة : ياعقيلي ، في نسخة (ر) . وقد حذفت في نسخة ( ألف ) من أوله ، وأثبتت هاهنا ، وكذا في المصدر .. والمعنى واحد .
(4) كلمة : العقيلي .. مزيدة في الطبعة الحجرية ، ومحذوفة في نسخة ( ألف ) ، كما سلف .
(5) في بعض النسخ : أو ، بدلا من الواو ، وكذا في المصدر .
(6) كذا في المصدر ونسخة ( ألف ) ، وفي غيرهما : جايرا .
(7) في نسخة ( ألف ) و (ر) : كذلك .
(8) في الطبعة الحجرية : أولى وأبقى .. ولا يوجد في نسخة (ر) : لي .
(9) في مطبوع الكتاب : فقد جعلت حكمك ماضيا ، وفي الطبعة الحجرية : وعلمك ، بدلا من : حكمك ، ولا يوجد في نسخة (ر) : وحكمك ماض .
(10) في نسخة ( ألف ) : لغيرنا .
(11) في نسخة (ر) : لهمتك .
(12) في المصدر : أعجزاً .
(13) في نسخة (ر) : أولا .
(14) في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية : فقالوا ما أعطيتنا .

( 232 )

وجزم (1) وعجزتم ، وأبصر وعميتم ، فما ذنب عمر .. لا أباً لكم ؟ أتدرون ما مثلكم (2) ؟ قالوا : لا ندري ، قال : لكنّ (3) العقيليّ يدري ما مثلكم (4) .
   ثمّ قال : ما تقول يا رجل ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين (5) ، مثلهم كما قال الأول (6) :

دعـيتم الى أمـــر فلمــا عـجزتم
تـناولــه مـن لا يـداخـلــه عـجز
فـلما رأيـتــم ذاك ابـدت نفوسكـم
نداما (7) وهل يغني عن (8) القدر الحذر ؟

   فقال له (9) عمر : أحسنت وأصبت فيما (10) سألتك عنه ، قال : يا أمير المؤمنين ! برّ قسمه ولم تطلّق امرأته ، قال : وأنّى علمت (11) ذاك (12) ؟ قال : نشدتك الله يا
____________
(1) في نشرح النهج : وحزم .
(2) في نسخة ( ألف ) : من مثلكم .
(3) لا توجد : لكن ، في نسخة (ر) .
(4) لا توجد كلمة : ما مثلكم ، في مطبوع الكتاب ، ولانسخة ( ألف ) والمصدر .
(5) من قوله : ما تقول .. الى هنا لا يوجد في نسخة (ر) .
(6) في نسخة (ر) : الشاعر ، بدلا من : الأول .
(7) في الطبعة الحجرية : قداما ، بدلا من : نداما .
(8) في المصدر : من ، بدلا من : عن .
(9) لا توجد : له ، في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية ، وكذا في المصدر .
(10) في المطبوعة : وأطبت بدلا من : اصبت ، وفي نسخة ( ألف ) : وأطنبت فيما ، ولا توجد في (ر) فيما ، وفيها : يا عقيلي قل جواب ما .. ، وفي المصدر : فقل .
(11) في نسخة (ر) : قال عمر : من أين علمت ..
(12) كذا في المصدر ، وفي سائر النسخ : ذلك

( 233 )

أمير المرمنين ! ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام وهو عندها في بيتها عايدا لها ـ : « يا بنيّة (1) ما علّتك ؟ » ، قالت : « الوَعَك يا أبتاه ! » ـ وكان علي [ عليه السلام ] غائبا في بعض جوائج النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فقال لها « أتشتهين شيئا ؟ » قالت : « نعم ، أشتهي عنبا وأنا أعلم أنه عزيز ، وليس هذا (2) بوقت عنب » ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إن الله قادر على (3) أن يجيئنا به (4) » ، ثمّ قال : « الّلهمّ أئتنا (5) به مع أفضل أمّتي عندك منزلة » ، فطرق علي عليه السلام الباب فدخل ومعه مكتل (6) قد ألقى عليه طرف ردائه ، فقال له (7) النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ما هذا يا علي ؟ قال عليه السلام : عنب (8) إلتمسته لفاطمة [ صلوات الله عليها ] ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (9) : « الله أكبر ، الله أكبر الّلهمّ (10) كما سررتني بأن خصصت علياً بدعوتي فاجعل فيه شفاء لبُنيّتي (11) » ، ثم قال : « كُلي على اسم الله يا بنيّة ! » ،
____________
(1) لا توجد : يا بنية .. في نسخة (ر) .
(2) لا توجد كلمة : هذا ، في الطبعة الحجرية ، ولا نسخة ( ألف) ، وكذا في المصدر ، وفيه : وقت .
(3) لا توجد كلمة : على ، في نسخة (ر) .
(4) في الطبعة الحجرية : يجيبنا ، بدلا من : يجيئنا به .
(5) في نسخة (ر) : ائتني .
(6) في نسخة (ر) : مكيل .
(7) لا توجد : له ، في نسخة (ر) .
(8) في نسخة (ر) : عنبا .
(9) لا توجد في المصدر ونسخة (ر) : النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
(10) لا توجد كلمة : اللهم ، في نسخة (ر) ولا كلمة : كما ، في نسخة ( ألف ) .
(11) في مطبوع الكتاب ونسخة (ر) : ابنتي ، وفي المصدر : بنيتي .

( 234 )

فأكلت وما خرج رسول الله (1) صلى الله عليه وآله وسلم حتّى استقلّت (2) وبرءت .
   فقال عمر : صدقت وبررت ، أشهد لقد (3) سمعته و وعيته ، يا رجل ! خذ بيد امرأتك ، فإن عرض لك أبوها فاهْشم أنفه (4) ، ثمّ قال عمر (5) : يا بني عبد مناف ! والله (6) ما نجهل ما يعلمه (7) غيرنا ، ولا بنا (8) عمىً في ديننا ، ولكنّنا كما قال الأُوَل (9) :

تــصيّدت الدنـيا رجـالا بـفخّها
فلم يدركوا خيرا بل أستقبحوا (10) الشرّا
وأعــماهم حبّ الغـنى وأصـمّهم
فـلم يـدركــوا إلاّ الخسـارة والوزرا

   قيل : فكأنما ألقم (11) بنو أميّة (12) حجرا ، ومضى الرجل بامرأته .
____________
(1) في نسخة (ر) : النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بدلا من : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
(2) لا توجد : استقلت ، في نسخة ( ألف ) و (ر) ولا الحجرية .
(3) في نسخة (ر) : أني ، بدلا من : لقد .
(4) في نسخة ( ألف ) و (ر) وكذا المطبوع : وجههه .
(5) لا توجد في الطبعة الحجرية والمصدر : عمر .
(6) في نسخة ( ألف ) ومطبوع الكتاب بتقديم وتأخير : والله يا بني عبد مناف .
(7) في المصدر : نعلم ، بدلا من : يعلمه .
(8) في نسخة (ر) : ما بنا إلاّ .. بدلا من : ولا بنا ..
(9) في نسخة ( ألف ) و (ر) : كما قال الشاعر ..
(10) في نسخة ( ألف ) و (ر) ومطبوع الكتاب : احتقبوا .
(11) في نسخة ( ألف ) : ألقوا .
(12) في المصدر : بني أمية .