الفصل الخامس : في أحوال مؤمن آل فرعون و امرأة فرعون و خروج موسى (عليه السلام) و قومه من البحر و حال ابتلائهم بالتقية
قال الله تعالى في مؤمن آل فرعون فَوَقاهُ اللَّهُ أي صرف الله عنه
سوء مكرهم فجاء مع موسى (عليه السلام) حتى عبر البحر .
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا
وَ عَشِيًّا أي يعرض آل فرعون على النار في قبورهم صباحا و مساء فيعذبون .
و قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة لأن نار القيامة لا
تكون غدوا و عشيا ثم قال إن كانوا يعذبون في النار غدوا و عشيا ففيما بين ذلك هم
من السعداء و لكن هذا في نار البرزخ قبل يوم القيامة أ لم تسمع قوله عز و جل وَ
يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ و هذا أمر
للملائكة بإدخالهم في أشد العذاب و هو عذاب جهنم.
أقول : هذه النار هي نار البرزخ التي يعذب فيها أرواح الكفار في الدنيا و هي برهوت واد في
حضرموت من بلاد اليمن كما إن جنة الدنيا وادي السلام و محلها ظهر الكوفة بين النجف
و كربلاء و فيها أرواح المؤمنين في أجساد مثالية يتنعمون بها حتى يوافوا جنة الخلد
و أولئك يوافون نار جهنم .
تفسير الإمام الحسن
العسكري (عليه السلام) عن آبائه عن الصادق (عليه السلام) : قال كان حزقيل مؤمن آل فرعون يدعو قوم فرعون إلى
توحيد الله و نبوة موسى و تفضيل محمد
[259]
(صلى الله عليه وآله وسلم) على جميع رسل
الله و خلقه و تفضيل علي بن أبي طالب و الخيار من الأئمة عليهم السلام و على سائر
أوصياء النبيين و إلى البراءة من ربوبية فرعون فوشى به واشون إلى فرعون و قالوا إن
حزقيل يدعو إلى مخالفتك و يعين أعداءك على مضادتك فقال لهم فرعون إنه ابن عمي و
خليفتي على ملكي و ولي عهدي إن فعل ما قلتم فقد استحق العذاب على كفره نعمتي و إن
كنتم كاذبين فقد استحققتم أشد العذاب لإيثاركم الدخول في مساءته فجاء بحزقيل و جاء
بهم فكاشفوه و قالوا أنت تجحد ربوبية فرعون و تكفر نعماءه فقال حزقيل أيها الملك
هل جربت علي كذبا قط قال لا قال فسلهم من ربهم فقالوا فرعون قال و من خالقكم قالوا
فرعون قال و من رازقكم الكافي لمعاشكم و الدافع عنكم مكارهكم قالوا فرعون هذا قال
حزقيل أيها الملك فاشهد و من حضرك أن ربهم ربي و خالقهم هو خالقي و رازقهم هو
رازقي لا رب لي و لا خالق و لا رازق غير ربهم و خالقهم و رازقهم و أشهدك و من حضرك
أن كل رب و خالق سوى ربهم فأنا بريء منه و من ربوبيته و كافر بإلهيته يقول حزقيل
هذا و هو يعني أن ربهم هو الله ربي و لم يقل إن الذي قالوا ربهم هو ربي و خفي هذا
المعنى على فرعون و من حضره و توهموا أنه يقول فرعون ربي و خالقي و رازقي فقال لهم
فرعون يا طلاب الفساد في ملكي و مريدي الفتنة بيني و بين ابن عمي و هو عضدي أنتم
المستحقون لعذابي لإرادتكم فساد أمري و إهلاك ابن عمي ثم أمر بالأوتاد فجعل في ساق
كل واحد منهم وتد و في صدره وتد و أمر أصحاب أمشاط الحديد فشقوا بها لحومهم من
أبدانهم فذلك ما قال الله تعالى فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا به لما
وشوا به إلى فرعون ليهلكوه وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ و هم الذين
وشوا بحزقيل إليه لما أوتد فيهم الأوتاد و مشط عن أبدانهم لحومهم بالأمشاط .
و عن ابن عباس قال : خط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أربع خطط في الأرض و قال أ تدرون ما هذا
قلنا الله و رسوله أعلم فقال أفضل نساء الجنة أربع خديجة
[260]
بنت خويلد و فاطمة بنت محمد و مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون .
تفسير علي بن إبراهيم قدس الله ضريحه وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ
آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ قال كتم إيمانه ستمائة سنة و كان مجذوما مكنعا
و هو الذي قد وقعت أصابعه و كان يشير إلى قومه بيديه المكنوعتين و يقول يا قَوْمِ
اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ .
و قوله فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما
مَكَرُوا يعني مؤمن آل فرعون .
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) و لقد قطعوه إربا إربا و لكن
وقاه الله أن يفتنوه في دينه و قال الثعلبي قالت الرواة كان حزقيل من أصحاب فرعون
نجارا و هو الذي نجر التابوت لأم موسى حين قذفته في البحر .
و قيل : إنه كان خازنا
لفرعون مائة سنة و كان مؤمنا مخلصا يكتم إيمانه إلى أن ظهر موسى (عليه السلام) على السحرة
فأظهر حزقيل يومئذ إيمانه فأخذ و قتل مع السحرة صلبا .
و أما امرأة حزقيل فإنها
كانت ماشطة بنات فرعون و كانت مؤمنة .
و روي عن ابن عباس : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة فقلت
لجبرئيل ما هذه الرائحة فقال هذه ماشطة آل فرعون و أولادها كانت تمشطها فوقعت
المشطة من يدها فقالت بسم الله فقالت بنت فرعون أبي قالت لا بل ربي و ربك و رب
أبيك فأخبرت فرعون فدعا بها و بولدها و قال من ربك قالت إن ربي و ربك الله فأمر
بتنور من نحاس فأحمي فدعا بها و بولدها فقالت إن لي إليك حاجة و هي أن تجمع عظامي
و عظام ولدي فتدفنها فقال ذلك لك لما لك من حق فأمر بأولادها فألقوا واحدا واحدا
بالتنور حتى كان آخر ولدها و كان صبيا مرضعا فقال اصبري يا أماه إنك على الحق
فألقيت في التنور مع ولدها و أما امرأة فرعون آسية فكانت من بني إسرائيل و كانت
مؤمنة خالصة و كانت تعبد الله سرا إلى أن قتل فرعون امرأة حزقيل فعاينت حينئذ
الملائكة يعرجون بروحها فزادت يقينا و إخلاصا فبينا هي كذلك إذ دخل عليها فرعون
يخبرها بما صنع فقالت الويل لك
[261]
يا فرعون ما أجرأك على
الله جل و علا فقال لها لعلك اعتراك الجنون الذي اعترى صاحبتك فقالت ما اعتراني
جنون بل آمنت بالله ربي و ربك و رب العالمين فدعا فرعون أمها فقال لها إن ابنتك
أخبريها فأقسم لتذوقن الموت أو لتكفرن بإله موسى فخلت بها أمها فسألتها موافقته في
ما أراد فأبت و قالت أما أن أكفر بالله فلا فأمر بها فرعون حتى مدت بين أربعة
أوتاد ثم لا زالت تعذب حتى ماتت .
و عن ابن عباس قال أخذ فرعون امرأته آسية حين تبين له إسلامها يعذبها لتدخل في دينه فمر بها موسى و هو يعذبها فشكت
إليه بإصبعها فدعا الله موسى أن يخفف عنها فلم تجد للعذاب ألما و إنها ماتت من
عذاب فرعون فقالت و هي في العذاب رب ابن لي عندك بيتا في الجنة و أوحى الله إليها
أن ارفعي رأسك فرفعت فرأت البيت في الجنة بني لها من در فضحكت .
فقال فرعون انظروا
إلى الجنان التي بها تضحك و هي في العذاب .
و قيل : إنها كانت تعذب بالشمس و إذا
انصرفوا عنها أظلتها الملائكة و جعلت ترى بيتها في الجنة .
عن سلمان في تفسير علي
بن إبراهيم وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ
وَ السَّلْوى ... الآية .
فإن بني إسرائيل لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة
فقالوا يا موسى أهلكتنا و قتلتنا و أخرجتنا من العمارة إلى مفازة لا ظل و لا شجر و
لا ماء و كانت تجيء بالنهار غمامة فتظلهم من الشمس و ينزل عليهم بالليل المن فيقع
على النبات و الشجر و الحجر فيأكلونه و بالعشي يجيء طائر مشوي فيقع على موائدهم
فإذا أكلوا و شبعوا طار و مر .
و كان مع موسى حجر يضعه في وسط العسكر ثم يضربه
بعصاه فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا فيذهب الماء إلى سبط في رحله و كانوا اثنا عشر
سبطا .
فلما طال عليهم الأمد قالوا يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ
فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ
قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها و الفوم هو الحنطة
[262]
فقال لهم موسى أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ
أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ ف
قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها
حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ ... فنصف الآية
في سورة البقرة و تمامها و جوابها لموسى في سورة المائدة .
أقول هذا التبعيض في
الآية الواحدة الظاهر أن منشأه ما وقع في مصحف عثمان الذي سموه إمام المصاحف و لم
يكن له ربط بترتيب القرآن فكانت الآية الواحدة مقطعة في السورتين .
و روي أنهم لما
لم يوافقوا موسى (عليه السلام) على قتال الجبارين أراد موسى أن يفارقهم ففزعوا و قالوا إن خرج
موسى من بيننا نزل علينا العذاب فسألوه أن يقيم معهم و يسأل الله أن يتوب عليهم
فأوحى الله إليه أني قد تبت عليهم على أن يدخلوا مصر و حرمتها عليهم أربعين سنة
يتيهون في الأرض عقوبة لقولهم فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا فدخلوا كلهم
في التوبة و التيه إلا قارون .
فكانوا يقومون في أول الليل و يأخذون في قراءة
التوراة فإذا أصبحوا على باب مصر دارت بهم الأرض فردتهم إلى مكانهم و كان بينهم و
بين مصر أربع فراسخ فبقوا على ذلك أربعين سنة .
فمات هارون و موسى في التيه و دخلها
أبناؤهم و أبناء أبنائهم .
و روىالثعلبي عن محمد بن قيس قال : جاء يهودي إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال
يا أبا الحسن ما صبرتم بعد نبيكم إلا خمسا و عشرين سنة حتى قتل بعضكم بعضا قال بلى
و لكن ما جف أقدامكم من البحر حتى قلتم يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة و في
حديث آخر أنه (عليه السلام) قال له إنا لم نختلف في نبينا و لكنا اختلفنا عنه .
و عن ابن عباس قال : قال بنو إسرائيل لموسى (عليه السلام) حين جاز بهم البحر خبرنا يا
موسى بأي قوة و بأي عدة تبلغ الأرض المقدسة و معك الذرية و النساء و الزمنى فقال
موسى (عليه السلام) ما أعلم قوما ورثهم الله من عرض الدنيا ما ورثكم و سيجعل الله لكم مخرجا
قالوا فادعه يطعمنا و يسقينا و يظلنا فأوحى الله تعالى إلى موسى قد أمرت السماء أن
تمطر عليهم المن و السلوى و أمرت الريح أن تشوي لهم السلوى
[263]
و أمرت الحجارة أن تنفجر و أمرت الغمام أن تظلهم و سخرت ثيابهم أن تنبت بقدر
ما ينبتون فلما قال موسى ذلك سكنوا فسار بهم إلى الأرض المقدسة و هي فلسطين و إنما
قدسها لأن يعقوب (صلى الله عليه وآله وسلم) و لد بها و كان مسكن أبيه إسحاق و يوسف (صلى الله عليه وآله وسلم) و نقلوا كلهم بعد
الموت إلى أرض فلسطين .
العياشي عن داود الرقي قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول
نعم الأرض الشام و بئس القوم أهلها و بئس البلاد مصر أما إنها سخط من سخط الله
عليه و لم يكن دخول بني إسرائيل إلا من سخطه و معصيته منهم لله لأن الله تعالى قال
ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ يعني الشام فأبوا أن يدخلوها فتاهوا في الأرض
أربعين سنة في مصر و فيافيها ثم دخلوها بعد أربعين سنة و ما كان خروجهم من مصر و
دخولهم الشام إلا من بعد توبتهم و رضا الله عنهم و قال إني لأكره أن آكل من شيء
يطبخ في فخارها و ما أحب أن أغسل رأسي من طينها مخافة أن يورثني ترابها الذل و
يذهب بغيرتي .
و روىالشيخ في التهذيب قال الصادق (عليه السلام) : نومة الغداة مشومة تطرد الرزق و تصفر
اللون و تغبره و تقبحه و هو نوم كل مشوم إن الله تعالى يقسم الأرزاق ما بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس و إياكم و تلك النومة و كان المن و السلوى ينزل على بني
إسرائيل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه و كان
إذا انتبه فلا يرى نصيبه احتاج إلى السؤال و الطلب .
و عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في قوله : وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ
وَ السَّلْوى المن الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه و السلوى السماني أطيب
طير لحما يسترسل لهم فيصطادونه و في قوله تعالى ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ و هو
أريحا من بلاد الشام و ادخلوا باب القرية سجدا لله تعظيما لمثال محمد و علي مثل
الله تعالى على الباب مثال محمد و علي و أمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك المثال و أن
يجددوا على أنفسهم بيعتهما و ذكر موالاتهما و ليذكروا العهد و الميثاق المأخوذ
عليهم وَ قُولُوا حِطَّةٌ أي قولوا إن سجودنا لله تعظيما لمثال محمد و علي و
اعتقادنا لولايتهما حطة لذنوبنا و محوا لسيئاتنا فَبَدَّلَ الَّذِينَ
[264]
ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ أي لم
يسجدوا كما أمروا و قالوا كما أمروا و لكن دخلوها من منقلبها بأستاههم و قالوا
اهتطانا سمقانا أي حنطة حمراء ينقونها أحب إلينا من هذا الفعل و هذا القول
فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا بدلوا ما قيل لهم و لم ينقادوا لولاية محمد
و علي و آلهما الطيبين رِجْزاً مِنَ السَّماءِ و الرجز الذي أصابهم أنه مات منهم
بالطاعون في بعض يوم مائة و عشرون ألف كلهم من علم الله أنهم لا يؤمنون و لا
يتوبون و في قوله وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ طلب منهم السقي لما لحقهم
العطش في التيه و ضجوا بالبكاء إلى موسى (عليه السلام) و قالوا أهلكنا بالعطش فقال موسى إلهي
بحق محمد سيد الأنبياء و بحق علي سيد الأوصياء و بحق فاطمة سيدة النساء و بحق
الحسن سيد الأولياء و بحق الحسين أفضل الشهداء و بحق عترتهم و خلفائهم سادة
الأزكياء لما سقيت عبادك هؤلاء فأوحى الله تعالى يا موسى اضْرِبْ بِعَصاكَ
الْحَجَرَ فضربه فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قد علم كل قبيلة
من بني أب من أولاد يعقوب مشربهم فلا يزاحم الآخرين في مشربهم وَ إِذْ قُلْتُمْ يا
مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ يعني المن و السلوى و لا بد لنا من خلط
معه فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ... الآية فقال
اهْبِطُوا مِصْراً من الأمصار من هذه التيه فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ في المصر
... الحديث .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) : إن القائم (عليه السلام) إذا قام بمكة و أراد أن يتوجه إلى الكعبة
نادى مناديه ألا لا يحمل أحد منكم طعاما و لا شرابا و يحمل حجر موسى بن عمران و هو
وقر بعير فلا ينزل منزلا إلا انبعث عين منه فمن كان جائعا شبع و من كان ظامئا روي
فهو زادهم حتى ينزل النجف من ظهر الكوفة .
و قال الثعلبي إن الله عز و جل وعد موسى (عليه السلام) أن يورثه و قومه الأرض
المقدسة و هي الشام و كان يسكنها الجبارون و هم العمالقة من ولد عملاق بن لاوي بن
سام بن نوح (عليه السلام) .
فأمر الله موسى (عليه السلام) و قومه بالمسير إلى أرض الشام و قال يا موسى إني
قد كتبتها لكم دارا و قرارا فجاهد فيها من العدو فإني ناصركم عليهم و خذ من قومك
اثني عشر نقيبا من كل سبط نقيبا ليكون كفيلا على قومه بالوفاء منهم على ما أمروا
به .
فاختار موسى النقباء من كل سبط نقيبا و أمره عليهم فسار موسى ببني إسرائيل
[265]
فبعث هؤلاء النقباء يتجسسون له الأخبار و يعلمون
أحوالهم .
فلقيهم رجل من الجبارين يقال له عوج بن عناق و كان طوله ثلاثة و عشرين
ألف ذراع بذراع الملك و كان عوج يحتجر بالسحاب و يتناول الحوت من قرار البحر
فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله .
و روي أنه أتى نوحا أيام الطوفان فقال له
احملني معك في سفينتك فقال له اذهب يا عدو الله فإني لم أومر بك و طبق الماء ما
على الأرض من جبل و ما جاوز ركبتي عوج و عاش عوج ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله
تعالى على يدي موسى .
و كان لموسى (عليه السلام) عسكر فرسخ في فرسخ فجاء عوج حتى نظر إليهم ثم
أتى الجبل و نقر منه صخرة على قدر العسكر ثم حملها ليطبقها عليهم فبعث الله تعالى
إليه الهدهد و معه المس يعني حتى نقرا الصخرة فانبثقت فوقعت في عنق عوج فطوقته
فصرعته .
فأقبل موسى (عليه السلام) و طوله عشرة أذرع و طول عصاه عشرة أذرع و نزا في السماء عشرة
أذرع فما أصاب إلا كعبه و هو مصروع بالأرض فقتله .
فأقبل جماعة و معهم الخناجر
فجهدوا حتى حزوا رأسه فلما قتل وقع على نيل مصر فحيرهم سنة و أم عناق إحدى بنات
آدم من صلبه .
فلما لقيهم عوج و على رأسه حزمة حطب أخذ الاثني عشر و جعلهم في حجزته
و انطلق بهم إلى امرأته و قال انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون
قتالنا فطرحهم بين يديها و قال أ لا أطحنهم برجلي فقالت امرأته لا بل خل عنهم حتى
يخبروا قومهم بما رأوا ففعل ذلك .
و كان لا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفر بالخشب
و يدخل في شطر الرمان إذا نزع حبها خمسة أنفر أو أربعة .
فلما خرجوا قال بعضهم لبعض
يا قوم إنكم إن أخبرتم بني إسرائيل خبر القوم تنكروا و ارتدوا عن نبي الله و لكن
اكتموا شأنهم و أخبروا موسى و هارون فيرون فيه رأيهما فأخذ بعضهم على بعض الميثاق
ثم انصرفوا إلى موسى بعد أربعين يوما و جاءوا بحبة من عنبهم وقر رجل و أخبروه بما
رأوه .
[266]
ثم إنهم نكثوا العهد و جعل كل واحد منهم ينهى
سبطه و قريبه عن قتالهم و يخبرهم بما رأوا من أحوالهم إلا يوشع بن نون و كالب بن
يوحنا ختن موسى على أخته مريم .
فلما سمع القوم ذلك من الجواسيس رفعوا أصواتهم
بالبكاء و قالوا يا ليتنا متنا في أرض مصر و لا يدخلنا الله فتكون نساؤنا و
أموالنا غنيمة لهم و أرادوا الرجوع إلى مصر و قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين
فقال لهم موسى إن الذي أنجاكم و فلق البحر هو الذي يظهركم عليهم فلم يقبلوا و هموا
بالانصراف إلى مصر .
فخرق يوشع و كالب ثيابهما و قالا لهم ادخلوا على الجبارين
الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون لأن الله منجز ما وعد و إنا أريناهم و اختبرناهم
فكانت أجسامهم قوية و قلوبهم ضعيفة فلا تخشوهم و على الله توكلوا إن كنتم مؤمنين.
فأراد بنو إسرائيل أن يرموهم بالحجارة و عصوهما و قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ
نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا
هاهُنا قاعِدُونَ فغضب موسى و دعا عليهم فقال رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا
نَفْسِي وَ أَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ و كانت
عجلة عجلها موسى فظهر الغمام على قبة الزمر فأوحى الله تعالى إلى موسى إلى متى لا
يصدقون بالآيات لأهلكنهم أجمعين و لأجعلن لك شعبا أقوى و أكثر منهم فقال موسى إلهي
لو أنك قتلت هذا الشعب لقالت الأمم الذين سمعوا إنما قتل هذا الشعب من أجل أنه لم
يستطع أن يدخلهم الأرض المقدسة فقتلهم في البرية و أنت طويل صبرك و تغفر الذنوب
فاغفر لهم و لا توبقهم فقال الله عز و جل قد غفرت لهم بكلمتك و لكن بعد ما سميتهم
فاسقين و دعوت عليهم بي حلفت لأحرمن عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبدي يوشع و
كالب و لأتيهنهم في هذه البرية أربعين سنة مكان كل يوم من الأيام التي تجسسوا فيها
سنة و كانت أربعين يوما و لنلقين جيفهم في هذه القفار و أما بنوهم الذين لم يعملوا
الخير و الشر فإنهم يدخلون الأرض المقدسة .
فذلك قوله تعالى فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ
عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً في ستة فراسخ و كانوا ستمائة ألف مقاتل فكانوا
يسيرون جادين حتى إذا أمسوا و باتوا فإذا هم في الموضع الذي ارتحلوا منه و مات
النقباء العشرة الذين أفشوا الخبر بغتة و كل من دخل في التيه ممن جاوز العشرين سنة
مات في التيه غير يوشع و كالب و لم يدخل أريحا أحد ممن قال إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها
أَبَداً .
[267]
فلما هلكوا و انقضت الأربعون سنة و نشأت
النواشئ من ذراريهم و ساروا إلى حرب الجبارين و فتح الله لهم في ذكر النعم التي
أنعم الله على بني إسرائيل في التيه .
قال الله سبحانه يا بَنِي إِسْرائِيلَ
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ أي على أجدادكم و أسلافكم.