الفصل السادس في نزول التوراة و سؤال الرؤية و عبادة العجل و ما يتعلق بها
قال الله تعالى : وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ
اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ ثُمَّ عَفَوْنا
عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى
الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ
يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا
إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ
بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
علل الشرائع و عيون الأخبار سأل الشامي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الثور ما باله
غاض طرفه لا يرفع رأسه إلى السماء قال : حياء من الله عز و جل لما عبد قوم موسى
العجل نكس رأسه .
و عن أنس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أكرموا البقر فإنه سيد البهائم ما رفعت
طرفها إلى السماء حياء من الله عز و جل منذ عبد العجل .
تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ
قال اختبرناهم مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ بالعجل الذي عبدوه .
و
كان سبب ذلك أن موسى (عليه السلام) لما وعده الله تعالى أن ينزل عليه التوراة و الألواح إلى
ثلاثين يوما أخبر بني إسرائيل بذلك و ذهب إلى ميقات ربه و خلف هارون على قومه.
[268]
فلما جاءت الثلاثون يوما و لم يرجع موسى إليهم عصوا و
أرادوا أن يقتلوا هارون قالوا إن موسى كذبنا و هرب منا .
فجاء إبليس في صورة رجل
فقال لهم إن موسى قد هرب منكم و لا يرجع أبدا فاجمعوا إلي حليكم حتى أتخذ إلها
تعبدونه .
و كان السامري على مقدمة موسى يوم أغرق الله فرعون و أصحابه فنظر إلى
جبرئيل (عليه السلام) و كان على حيوان في صورة رمكة كانت كلما وضعت حافرها على موضع من الأرض
يتحرك ذلك الموضع فنظر إليه السامري و كان من خيار أصحاب موسى فأخذ التراب من حافر
رمكة جبرئيل و كان يتحرك فصره في صرة و كان عنده يفتخر به على بني إسرائيل .
فلما
جاءهم إبليس و اتخذوا العجل قال للسامري هات التراب الذي معك فجاء به السامري
فألقاه إبليس في جوف العجل فلما وقع التراب في جوفه تحرك و خار و نبت عليه الوبر و
الشعر فسجد له بنو إسرائيل و كان عدد الذين سجدوا سبعين ألفا من بني إسرائيل .
فقال
لهم هارون إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي
وَ أَطِيعُوا أَمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ
إِلَيْنا مُوسى فهموا بهارون حتى هرب من بينهم و بقي في ذلك حتى تم ميقات موسى
أربعين ليلة .
فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة أنزل الله عليه الألواح فيها التوراة
و ما يحتاجون إليه من الأحكام و السير و القصص .
ثم أوحى الله إلى موسى (عليه السلام) فَإِنَّا
قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ و عبدوا العجل
و له خوار فقال موسى (عليه السلام) يا رب العجل من السامري فالخوار ممن قال مني يا موسى إني
لما رأيتهم قد ولوا عني إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة .
فَرَجَعَ مُوسى إِلى
قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً
حَسَناً أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ
غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ثم رمى الألواح و أخذ بلحية أخيه
هارون و رأسه يجره إليه فقال له ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا
تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي
وَ لا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ
وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي فقال له بنو إسرائيل
[269]
ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَ
لكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ يعني من حليهم فَقَذَفْناها
قال التراب الذي جاء السامري طرحناه في جوفة ثم أخرج السامري العجل و له خوار فقال
له موسى فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ
فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها يعني من تحت حافر رمكة
جبرئيل (عليه السلام) في البحر فَنَبَذْتُها أي أمسكتها وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أي زينت .
فأخرج موسى العجل فأحرقه بالنار و ألقاه في البحر ثم قال موسى للسامري
فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ يعني ما دمت حيا و
عقبك هذه العلامة فيكم قائمة حتى يعرفوا أنكم سامرية فلا يغتروا بكم الناس فهم إلى
الساعة بمصر و الشام معروفين لا مساس لهم .
ثم هم موسى بقتل السامري فأوحى الله
إليه لا تقتله يا موسى فإنه سخي فقال له موسى انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ
عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً
إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ .
أقول قوله أَوْزاراً
مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ أحمالا في حلي القبط التي استعاروها منهم حين هموا بالخروج
من مصر باسم العرس .
و قيل : استعاروه لعيد كان لهم ثم لم يردوه عند الخروج مخافة أن
يعلموا به .
و قوله لا مِساسَ قال الطبرسي اختلف في معناه فقيل إنه أمر الناس بأمر
الله أن لا يخالطوه و لا يجالسوه و لا يؤاكلوه تضييقا عليه و المعنى لك أن تقول لا
أمس و لا أمس ما دمت حيا .
و قال ابن عباس لك و لولدك و المساس فعل من المماسة و معنى
لا مِساسَ لا يمس بعضنا بعضا السامري يهيم في البرية مع الوحش و السباع لا يمس
أحدا و لا يمسه أحد عاقبه الله تعالى بذلك و كان إذا لقي أحدا يقول لا مساس أي لا
تمسني و لا تقربني و صار ذلك عقوبة له و لولده حتى إن بقاياهم اليوم يقولون ذلك و
إن مس واحد من غيرهم حم كلاهما في الوقت .
و قيل : إن السامري خاف و هرب فجعل يهيم في
البرية لا يجد أحدا من الناس يمسه حتى صار لبعده من الناس كالقائل لا مساس .
[270]
علي بن إبراهيم بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ما بعث الله رسولا إلا و
في وقته شيطانان يؤذيانه و يفتنانه و يضلان الناس بعده فأما الخمسة أولو العزم من
الرسل نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و أما صاحبا نوح (عليه السلام) ففبطقوس و حزام و
أما صاحبا إبراهيم فمكيل و زدام و أما صاحبا موسى فالسامري و مرعقيبا و أما صاحبا
عيسى فمولس و مريسان و أما صاحبا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فحبتر و زريق .
أقول : الحبتر الثعلب و المراد به.. .
لأنه يشبه بالمكر و الخديعة و
التعبير عنه بزريق لكونه أزرق و قيل أنه يشبه بطائر اسمه زريق في سوء أخلاقه أو
لكون الزرقة مما تبغضه العرب و تتشأم منه .
كما قيل في قوله تعالى وَ نَحْشُرُ
الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً .
و عن أبي بصير قال :
سأل طاوس اليماني الباقر (عليه السلام) عن طير طار مرة لم يطر قبلها و لا بعدها ذكره الله في
القرآن ما هو فقال طور سيناء أطاره الله عز و جل على بني إسرائيل حين أظلهم فيه
أنواع العذاب حتى قبلوا التوراة و ذلك قوله عز و جل وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ
فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ .
و روي : أنه لما أنزل الله سبحانه التوراة قال رب أرني أنظر إليك فأوحى الله
إليه لا تقدر على ذلك و لكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فرفع الله
الحجاب و نظر إلى الجبل فساخ الجبل في البحر فهو يهوي حتى الساعة و نزلت الملائكة
و فتحت أبواب السماء فأوحى الله إلى الملائكة أدركوا موسى لا يهرب فنزلت الملائكة
و أحاطت بموسى و قالوا اثبت يا ابن عمران فقد سألت الله عظيما فلما نظر موسى إلى
الجبل قد ساخ و الملائكة قد نزلت وقع على وجهه فمات من خشية الله و هول ما رأى فرد الله عليه روحه فرفع رأسه و
أفاق و قال سبحانك تبت إليك و أنا أول من صدق إنك لا ترى فقال الله يا موسى إني
اصطفيتك على الناس برسالتي و كلامي الحديث .
[271]
و عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من الجبال التي تطايرت يوم موسى (عليه السلام) سبعة أجبل فلحقت بالحجاز و
اليمن منها بالمدينة أحد و ورقان و بمكة ثور و ثبير و حي باليمن سبر و حضور .
عيون الأخبار في
خبر ابن الجهم أنه : سأل المأمون الرضا (عليه السلام) عن معنى قوله عز و جل وَ لَمَّا جاءَ مُوسى
لِمِيقاتِنا و كلمه ربه قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي ... الآية كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا
يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال .
فقال الرضا (عليه السلام) إن كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) علم أن الله تعالى عز أن يرى بالأبصار لكنه لما كلمه الله عز و جل و قربه نجيا رجع
إلى قومه فأخبرهم أن الله عز و جل كلمه و قربه و ناجاه فقالوا لن نؤمن لك حتى نسمع
كلامهم كما سمعت و كان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفا ثم اختار
منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه فخرج بهم إلى طور سيناء
فأقامهم في سفح الجبل و صعد موسى إلى الطور و سأل الله أن يكلمهم و يسمعهم كلامه
فكلمه الله و سمعوا كلامه من فوق و أسفل و يمين و شمال و وراء و أمام لأن الله عز
و جل أحدثه في الشجرة و جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ بأن الذي سمعناه كلام الله حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فلما
قالوا هذا القول العظيم بعث الله عز و جل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا فقال
موسى يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم و قالوا إنك ذهبت بهم فقتلتهم
لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله عز و جل إياك فأحياهم الله و بعثهم
معه فقالوا إنك لو سألت الله أن يراك تنظر إليه لأجابك و كنت تخبرنا كيف هو فنعرفه
حق معرفته فقال موسى (عليه السلام) يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار و إنما يعرف بآياته فقالوا
لن نؤمن لك حتى تسأله فقال موسى يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل و أنت أعلم
بصلاحهم فأوحى الله إليه يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال
موسى رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى
الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ و هو يهوي فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا
تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ بآية من آياته جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى
صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ
[272]
إِلَيْكَ يقول رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ
منهم بأنك لا ترى .
و عن أبي جعفر (عليه السلام) : قال كان في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) أن أخرجوني إلى الظهر
فإذا تصوبت أقدامكم و استقبلتكم ريح فادفنوني و هو أول طور سيناء.
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) : الغري قطعة من الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليما .
و قال المرتضى نور الله ضريحه : إن قيل ما الوجه في قوله تعالى وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ ... الآية .
و ليس ظاهر الآية يدل على أن هارون أحدث ما أوجب
إيقاع ذلك الفعل به و بعد فما الاعتذار لموسى (عليه السلام) من ذلك الفعل و هو فعل السخفاء و
المتسرعين و ليس من عادة الحكماء المتماسكين .
قلنا :ليس فيما حكاه الله تعالى من
فعل موسى بأخيه ما يقتضي صدور معصية و لا قبيح من واحد منهما و ذلك أن موسى (عليه السلام) أقبل
و هو غضبان على قومه لما أحدثوا بعده مستعظما لفعلهم مفكرا فيما كان منهم فأخذ
برأس أخيه و جره إليه كما يفعل الإنسان بنفسه مثل ذلك عند الغضب و شدة الفكر .
أ ما
ترى أن المفكر الغضبان قد يعض على شفتيه و يقبض على لحيته فأجرى موسى (عليه السلام) أخاه هارون
مجرى نفسه لأنه كان أخاه و شريكه و من يمسه من الخير و الشر ما يمسه فصنع به ما
يصنع الرجل بنفسه في أحوال الفكر و الغضب و بهذه الأمور تختلف أحكامها بالعادات
فيكون ما هو إكرام في بعضها استخفافا في غيرها و بالعكس .
و أما قوله لا تَأْخُذْ
بِلِحْيَتِي فلا يمنع أن يكون هارون خاف من أن يتوهم بنو إسرائيل بسوء ظنهم أنه
منكر عليهم معاتب ثم ابتدأ بشرح قصته فقال في موضع إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ
.... الآية و في موضع آخر ابْنَ أُمَّ إِنَّ
[273]
الْقَوْمَ
اسْتَضْعَفُونِي و يمكن أن يكون قوله لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ليس على سبيل الأنفة
بل معنى كلامه لا تغضب و لا يشتد جزعك و أسفك انتهى .
و ذكر الصدوق أن ذلك كان
بينهما على جهة المصلحة لتخويف الأمة و ليعلموا شدة إنكار موسى عليهم على أنه لو
كان ذلك مما لا ينبغي من واحد منهما فهو من باب ترك الأولى كما قيل لما ورد من
الأدلة القاطعة على عصمتهم .
و روي أن موسى (عليه السلام) لما رجع إلى قومه و قد عبدوا العجل
قال لهم موسى يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ
الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى الله بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فقالوا كيف
نقتل أنفسنا فقال لهم موسى اغدوا كل واحد منكم إلى بيت المقدس و معه سكين أو حديدة
أو سيف فإذا صعدت أنا منبر بني إسرائيل فكونوا أنتم متلثمين لا يعرف أحد صاحبه
فاقتلوا بعضكم بعضا فاجتمعوا سبعين ألف رجل ممن كانوا عبدوا العجل إلى بيت المقدس
فلما صلى بهم موسى (عليه السلام) و صعد المنبر أقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل جبرئيل فقال لهم
يا موسى ارفعوا القتل فقد تاب عليكم فقتل عشرة آلاف فأنزل الله ذلِكُمْ خَيْرٌ
لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
بصائر الدرجات بإسناده إلى سدير قال : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فمر بنا رجل من
أهل اليمن فسأله أبو جعفر (عليه السلام) عن اليمن فأقبل يحدث فقال له أبو جعفر (عليه السلام) هل تعرف دار
كذا و كذا قال نعم و رأيتها فقال له أبو جعفر (عليه السلام) هل تعرف صخرة عندها في موضع كذا و
كذا قال نعم و رأيتها فقال الرجل ما رأيت رجلا أعرف بالبلاد منك فلما قام الرجل
قال لي أبو جعفر (عليه السلام) يا أبا الفضل تلك الصخرة التي غضب موسى فألقى الألواح عندها فما
ذهب من التوراة التقمته الصخرة فلما بعث الله رسولا أدته إليه و هي عندنا .
و عنه (عليه السلام) : إن الله لم يعط الأنبياء شيئا إلا و قد أعطاه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) و عندنا
الصحف التي قال الله عز و جل صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى و هي الألواح .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن في الجفر إن الله تبارك و تعالى لما أنزل
[274]
الله الألواح على موسى (عليه السلام) أنزلها عليه و فيها تبيان كل
شيء إلى أن تقوم الساعة فلما انقضت أيام موسى (عليه السلام) أوحى الله إليه أن استودع الألواح
و هي زبرجدة من الجنة فأتى موسى الجبل فانشق الجبل فجعل فيه الألواح ملفوفة فانطبق
الجبل عليها فلم تزل حتى بعث الله نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل ركب من اليمن يريدون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما انتهوا إلى الجبل انفرج الجبل و خرجت الألواح ملفوفه كما وضعها موسى (عليه السلام) فأخذها
القوم و دفعوها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
و عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : أن يوشع بن نون كان وصي موسى (عليه السلام) و كانت ألواح موسى من زمرد أخضر فلما غضب موسى
ألقى الألواح من يده فمنها ما تكسر و منها ما بقي و منها ما ارتفع فلما ذهب عن
موسى الغضب قال يوشع أ عندك تبيان ما في الألواح قال نعم فلم يزل يتوارثها رهط بعد
رهط حتى وصلت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و دفعها إلى .
العياشي عن الباقر (عليه السلام) في قوله وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً
قال : كان في العلم و التقدير ثلاثين ليلة ثم بدا لله فزاد عشرا فَتَمَّ مِيقاتُ
رَبِّهِ الأول و الآخر أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.
و عن أبي جعفر (عليه السلام) : في
قول الله عز و جل وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قال لما
ناجى موسى (عليه السلام) ربه أوحى إليه أن يا موسى قد فتنت قومك فقال بما ذا يا رب قال
بالسامري صاغ لهم من حليهم عجلا فخار قال يا رب و من أخاره قال أنا فقال عندها
موسى إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِي مَنْ
تَشاءُ فلما انتهى موسى إلى قومه و رآهم يعبدون العجل ألقى الألواح من يده فتكسرت
فقال أبو جعفر (عليه السلام) كان ينبغي أن يكون هذا عند إخبار الله إياه قال فعمد موسى فبرد
العجل بالمبرد من أنفه إلى طرف ذنبه ثم أحرقه بالنار فذره في اليم يعني الماء قال
فكان أحدهم ليقع في الماء و ما به إليه من حاجة فيعرض لذلك الرماد فيشربه و هو قول
الله عز و جل وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ .
[275]
و عنه (عليه السلام) : قال لما سأل موسى ربه تبارك و تعالى
و قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى
الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي قال فلما صعد موسى (عليه السلام) على
الجبل فتحت أبواب السماء و أقبلت الملائكة أفواجا في أيديهم العمد في رأسها النور
يمرون به فوجا بعد فوج يقولون يا ابن عمران فقد سألت عظيما فلم يزل موسى واقفا حتى
تجلى ربنا جل جلاله فجعل الجبل دكا و خر موسى صعقا فلما أن رد الله عليه روحه قال
سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ .
قال ابن أبي عمير و حدثني عدة من أصحابنا : أن النار أحاطت به حتى لا يهرب
لهول ما رأى .
و عن أبي بصير قال :
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إن موسى بن عمران لما سأل ربه النظر إليه وعده أن يقعد
في موضع ثم أمر الملائكة أن تمر عليه موكبا موكبا بالبرق و الرعد و الريح و
الصواعق فكلما مر به موكب من المواكب ارتعدت فرائصه فيرفع رأسه فيقولون قد سألت
عظيما.
و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إن ما ناجى موسى أن قال يا رب هذا السامري صنع العجل فالخوار من صنعه قال
فأوحى الله إليه يا موسى إن تلك فتنتي فلا تفضحني عنها .
أقول : الفتنة ورد لها في القرآن الكريم و الأخبار عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام معان كثيرة و من أشهرها الابتلاء و الاختبار و ليس هنا بمعنى الضلال لقوله تعالى وَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ .
و أما قوله تعالى فلا تفضحني فذلك أن بني إسرائيل من فرط
الجهل على قلوبهم لم يتعرفوا معاني الألفاظ و لا مواقع مواردها و إيصال ذلك إلى
أفهامهم مما يتعذر على موسى (عليه السلام) فإنه لم يقدر على إيصال الواضحات إلى أفهامهم فكيف هذا و أمثاله .
مهج الدعوات من
كتاب عبد الله بن عباس بن حماد الأنصاري عن أبي عبد الله (عليه السلام) و ذكر عنده حزيران فقال :
هو الشهر الذي دعا فيه موسى على بني إسرائيل فمات في يوم و ليلة من بني إسرائيل
ثلاثمائة ألف من الناس.
تفسير الإمام الحسن
العسكري (عليه السلام) قال الله عز و جل وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى
[276]
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ
ظالِمُونَ قال : كان موسى (عليه السلام) يقول لبني إسرائيل إذا فرج الله عنكم و أهلك أعداءكم
أتاكم بكتاب من عند ربكم يشتمل على أوامره و نواهيه و مواعظه و أمثاله فلما فرج
الله عنهم أمره الله عز و جل أن يأتي للميعاد و يصوم ثلاثين يوما عند أصل الجبل
فظن موسى (عليه السلام) أنه بعد ذلك يعطيه الكتاب فصام ثلاثين يوما فلما كان في آخر اليوم
استاك قبل الفطر فأوحى الله إليه يا موسى أ ما علمت أن خلوق فم الصائم أطيب عندي
من ريح المسك صم عشرا أخر و لا تستك عند الإفطار ففعل ذلك موسى (عليه السلام) و كان وعده الله
أن يأتيه الكتاب بعد أربعين ليلة فأعطاه الله إياه فجاء السامري فشبه على مستضعفي
بني إسرائيل فقال وعدكم موسى أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة و هذه عشرون يوما و
عشرون ليلة تمت أربعون أخطأ موسى ربه و قد أتاكم ربكم أراد أن يريكم أنه قادر على
أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه و إن لم يبعث موسى لحاجة منه إليه فأظهر لهم العجل الذي
كان عمله فقالوا كيف يكون العجل إلهنا قال إنما هذا العجل يكلمكم منه ربكم كما كلم
موسى من الشجرة فلما سمعوا منه كلاما قالوا له إنه في العجل كما في الشجرة فضلوا
بذلك و أضلوا فلما رجع موسى إلى قومه قال يا أيها العجل أ كان فيك ربك كما يزعم
هؤلاء فنطق العجل و قال عز ربنا أن يكون العجل حاويا له أو شيء من الشجرة و
الأمكنة عليه مشتملا لا و الله يا موسى و لكن السامري نصب عجلا مؤخره إلى الحائط و
حفر في الجانب الآخر في الأرض و أجلس فيه بعض مردته فهو الذي وضع فاه على دبره و
تكلم بما تكلم لما قال هذا إلهكم و إله موسى يا موسى بن عمران ما خذل هؤلاء لعبادي
و اتخاذي إلها إلا لتهاونهم بالصلاة على محمد و آله الطيبين و جحودهم بموالاتهم و
نبوة النبي و وصية الوصي حتى إذا هم يتخذوني إلها قال الله عز و جل فإذا كان الله
تعالى إنما خذل عبادة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد و وصيه علي فما تخافون من
الخذلان الأكبر و معاندتكم لمحمد و علي و قد شاهدتموهما و تبينتم آياتهما و
دلائلهما .
و فيه أيضا قال الله عز و جل ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي : عفونا عن أوائلكم عبادة العجل لعلكم أيها الكائنون في
عصر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من بني إسرائيل تشكرون تلك النعمة على أسلافكم و عليكم بعدهم
[277]
قال (عليه السلام) و إنما عفا الله عز و جل عنهم لأنهم دعوا الله
بمحمد و آله الطيبين و جددوا على أنفسهم الولاية لمحمد و علي و آلهما الطاهرين
فعند ذلك رحمهم الله و عفا عنهم ثم ساق الحديث إلى قوله و أمر الله موسى (عليه السلام) أن يقتل
من لم يعبده من عبده فتبرأ أكثرهم و قالوا لم نعبد فقال الله عز و جل لموسى أبرد
هذا العجل بالحديد بردا ثم ذره في البحر فمن شرب منه ماء اسودت شفتاه و أنفه و بان
ذنبه ففعل و بان العابدون فأمر الله الاثني عشر ألفا أن يخرجوا على الباقين شاهري
السيوف يقتلونهم و نادى مناد ألا لعن الله أحدا اتقاهم بيد أو رجل و لعن الله من
تأمل المقتول لعله ينسبه حميما قريبا فيتعداه إلى الأجنبي فاستسلم المقتولون فقال
القاتلون نحن أعظم مصيبة منهم نقتل بأيدينا آباءنا و أمهاتنا و إخواننا و أقرباءنا
و نحن لم نعبد فقد ساوى بيننا و بينهم في المصيبة فأوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام) أني
إنما امتحنتهم كذلك لأنهم ما اعتزلوهم لما عبدوا العجل و لم يهجروهم و لم يعادوهم
على ذلك قل لهم من دعا الله بمحمد و آله الطيبين أن يسهل عليهم قتل المستحقين
للقتل بذنوبهم ففعل فقالوها فسهل عليهم و لم يجدوا لقتلهم لهم ألما فلما استمر
القتل فيهم ستمائة ألف إلا اثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل وفق الله بعضهم
فقال لبعض و القتل لم يفض بعد إليهم فقال أ و ليس الله قد جعل التوسل بمحمد و آله
الطيبين أمرا لا يخيب معه طلبه و لا يرد به مسألة و هكذا توسلت به الأنبياء و
الرسل فما لنا لا نتوسل قال فاجتمعوا و ضجوا قالوا يا ربنا نجنا بجاه محمد الأكرم
و بجاه علي الأفضل الأعظم و بجاه فاطمة ذات الفضل و العصمة و بجاه الحسن و الحسين
سبطي سيد المرسلين و سيدي شباب أهل الجنة أجمعين و بجاه الذرية الطيبة الطاهرة من
آل طه و يس لما غفرت لنا ذنوبنا و غفرت لنا هفوتنا و أزلت هذا القتل عنا فذلك حين
نودي موسى (عليه السلام) من السماء أن كف القتل فقد سألني بعضهم مسألة و أقسم علي قسما لو أقسم
به هؤلاء العابدون العجل و سألني بعضهم العصمة حتى لا يعبدوه لوفقتهم و عصمتهم و
لو أقسم علي بها إبليس لهديته و لو أقسم بها نمرود أو فرعون لنجيتهم فرفع الله
عنهم القتل فجعلوا يقولون يا حسرتنا أين كنا عن هذا الدعاء بمحمد و آله الطيبين
حتى يقينا الله شر الفتنة .
و عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم سمي الفرقان فرقانا قال : لأنه متفرق الآيات و السور أنزل
[278]
في غير الألواح و غير الصحف و التوراة و الإنجيل و
الزبور نزلت كلها جملة في الألواح و الورق .
البصائر عن السمان
قال : قال لي أبو جعفر (عليه السلام) ما تقول الشيعة في علي و موسى و عيسى (عليه السلام) قال قلت جعلت فداك و
من أي الحالات تسألني قال أسألك عن العلم فأما الفضل فهم سواء قلت جعلت فداك فما
عسى أقول فيهم قال هو و الله أعلم منهما ثم قال يا عبد الله أ ليس تقولون لعلي ما للرسول من
العلم قال قلت بلى قال فخاصمهم فيه إن الله تبارك و تعالى قال لموسى وَ كَتَبْنا
لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فأعلمناه أنه لم يبين له الأمر كله و قال
تبارك و تعالى لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَ نَزَّلْنا
عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ .
و روي أنه لما أتاهم موسى و قد عبدوا العجل و أرادوا التوبة فقيل لهم
فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فجلسوا في الأقنية مختبئين و أصلت القوم عليهم خناجرهم
فكان الرجل يقتل ابنه و أباه و أخاه و قريبه و صديقه و جاره فلم يمكنه المضي لأمر
الله سبحانه فأرسل الله عليهم ضبابة و سحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا .
و قيل : لهم
من حل حبوته أو مد طرفه إلى قاتله أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردود توبته
فكانوا يقتلونهم إلى المساء فلما كثر فيهم القتل و بلغ عدة القتلى سبعين ألفا دعا
موسى و هارون و بكيا و جزعا و تضرعا و قالا يا رب هلكت بنو إسرائيل البقية فكشف
الله السحابة و أمرهم أن يرفعوا السلاح و يكفوا عن القتل فلما انكشفت السحابة عن
القتلى اشتد ذلك على موسى (عليه السلام) فأوحى الله ما يرضيك أن أدخل القاتل و المقتول الجنة
فكان من قتل منهم شهيدا و من بقي مكفرا عنه ذنبه .
ثم إن موسى (عليه السلام) هم بقتل السامري
فأوحى الله تعالى إليه لا تقتله فإنه سخي فلعنه موسى (عليه السلام) و قال فَاذْهَبْ فَإِنَّ
لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً لعذابك في
القيامة لَنْ تُخْلَفَهُ .
و أمر موسى (عليه السلام) بني إسرائيل أن لا تخالطوه و لا تقربوه
فصار السامري وحشيا لا يألف و لا يؤلف و لا يدنو من الناس و لا يمس أحدا منهم فمن
مسه قرض ذلك الموضع بالمقراض فكان كذلك حتى هلك .
[279]