و أما قصص ذي الكفل (عليه السلام)
فقال تعالى : وَ إِسْماعِيلَ وَ إِدْرِيسَ وَ ذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ
الصَّابِرِينَ وَ أَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِين .
قصص الأنبياء
بالإسناد إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إن ذا الكفل كان رجلا من حضرموت و اسمه عويديا بن أديم .
و لما كبر اليسع (عليه السلام) قال إني استخلفت رجلا يعمل على الناس في حياتي
فانظر
[323]
كيف يعمل فجمع الناس فقال لهم من يتقبل مني
ثلاثا أستخلفه بعدي أن يصوم النهار و يقوم الليل و لا يغضب فقام رجل تزدريه الأعين
فقال أنا و كان نبيا و كان يقضي أول النهار .
فقال إبليس لأتباعه من له فقال واحد
منهم يقال له الأبيض أنا فقال إبليس فاذهب إليه لعلك تغضبه .
فلما انتصف النهار جاء
الأبيض إلى ذي الكفل و قد أخذ مضجعه فصاح و قال إني مظلوم فقال قل له تعال فقال لا
انصرف قال فأعطاه خاتمه فقال اذهب و أتني بصاحبك فذهب حتى إذا كان من الغد جاء إلى
تلك الساعة التي أخذ هو مضجعه فصاح إني مظلوم و إن خصمي لم يلتفت إلى خاتمك فقال
له الحاجب ويحك دعه ينم فإنه لم ينم البارحة و لا أمس قال لا أدعه ينام و أنا
مظلوم فدخل الحاجب و أعلمه فكتب إليه كتابا و ختمه و دفعه إليه فذهب
حتى إذا كان
من الغد حين أخذ مضجعه جاء فصاح فقال ما التفت إلى شيء من أمرك و لم يزل يصيح حتى
قام و أخذ بيده في يوم شديد الحر لو وضعت فيه بضعة لحم على الشمس لنضجت .
فلما رأى
الأبيض ذلك انتزع يده من يده و يئس منه أن يغضب .
فأنزل الله تعالى قصته على نبيه
ليصبر على الأذى كما يصبر الأنبياء (عليهم السلام) على البلاء .
و عن عبد العظيم الحسني قال كتبت
إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) عن ذي الكفل ما اسمه و هل كان من المرسلين .
فكتب (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث الله
تعالى جل ذكره مائة ألف نبي و أربعة و عشرين ألف نبي المرسلون منهم ثلاثمائة و
ثلاثة عشر رجلا و أن ذا الكفل منهم (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان بعدسليمان (عليه السلام) و كان يقضي بين الناس كما
كان يقضي داود (عليه السلام) و لم يغضب إلا لله عز و جل و كان اسمه عويديا .
و قال الشيخ
الطبرسي و أما ذو الكفل فاختلف فيه .
فقيل إنه كان رجلا صالحا و لم يكن نبيا و لكنه
تكفل لنبي صوم النهار و قيام
[324]
الليل و أن لا يغضب و
يعمل بالحق فوفى بذلك فشكر الله ذلك له و كان نبيا و سمي ذا الكفل بمعنى أنه ذو
الضعف فله ثواب غيره ممن هو في زمانه لشرف عمله .
و قال الثعلبي في كتاب العرائس و
قال بعضهم ذو الكفل بشر بن أيوب الصابر (عليه السلام) بعثه الله بعد أبيه رسولا إلى الروم
فآمنوا ثم إن الله تعالى أمرهم بالجهاد فأبوا و قالوا يا بشر إنا نحب الحياة و
نكره الموت و مع ذلك نكره أن نعصي الله و رسوله فإن سألت الله أن يطيل أعمارنا و
لا يميتنا إلا إذا شئنا لنعبده و نجاهد أعداءه فقال لهم بشر لقد سألتموني عظيما.
ثم قام و صلى و دعا و قال إلهي أمرتني أن أجاهد أعداءك و أنت تعلم أني لا أملك إلا
نفسي و أن قومي سألوني ما أنت أعلم به مني فلا تأخذني بجريرة غيري فأوحى الله
تعالى إليه أني قد سمعت مقالة قومك و أني قد أعطيتهم ما سألوني فلا يموتون إلا إذا
شاءوا فكن كفيلا لهم مني فبلغهم بشر رسالة الله فسمي ذا الكفل .
ثم إنهم توالدوا و
كثروا و نموا حتى ضاقت بهم بلادهم و تنغصت عليهم معيشتهم و تأذوا بكثرتهم فسألوا
بشرا أن يدعو الله تعالى أن يردهم إلى آجالهم فأوحى الله تعالى إلى بشر أ ما علم
قومك أن اختياري لهم خير من اختيارهم لأنفسهم ثم ردهم إلى أعمارهم فماتوا بآجالهم.
قال فلذلك كثرت الروم حتى يقال إن الدنيا خمسة أسداسها الروم و سموا روما لأنهم
نسبوا إلى جدهم روم بن عيص بن إبراهيم .
و كان بشر بن أيوب مقيما بالشام حتى مات و
كان عمره خمسا و تسعين سنة .
و قال السيد بن طاوس في سعد السعود قيل إنه تكفل الله
جل جلاله أن لا يبغضه قومه فسمي ذا الكفل .
و قيل : تكفل لنبي من الأنبياء أن لا يغضب
فاجتهد إبليس أن يغضبه بكل طريق فلم يقدر فسمي ذا الكفل لوفائه لنبي زمانه أن لا
يغضب .
[325]