الفصل العاشر في قصة بلعم بن باعوراء و أحوال إسماعيل الذي سماه الله صادق الوعد و أنه غير إسماعيل بن إبراهيم و قصة إلياس و إليا و اليسع و قصص ذي الكفل (عليه السلام)
تفسير علي بن
إبراهيم عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) : أنه أعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم و كان يدعو
به فيستجاب له فمال إلى فرعون فلما مر فرعون في طلب موسى (عليه السلام) و أصحابه قال فرعون
لبلعم ادع الله على موسى و أصحابه ليحبسه علينا فركب حمارته ليمر في طلبموسى (عليه السلام) فامتنعت عليه حمارته فأقبل يضربها فأنطقها الله عز و جل فقالت ويل لك على ما
تضربني أ تريد أن أجيء معك لتدعو على نبي الله و قوم مؤمنين فلم يزل يضربها حتى
قتلها و انسلخ الاسم الأعظم من لسانه و هو قوله فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ
الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ
أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ
تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ و هو مثل ضربه الله فقال
الرضا (عليه السلام) فلا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة حمارة بلعم و كلب أصحاب الكهف و
الذئب و كان سبب الذئب أنه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين و هو
يعذبهم و كان للشرطي ابن يحبه فجاء ذئب فأكل ابنه فحزن الشرطي فأدخل الله ذلك
الذئب الجنة لما أحزن الشرطي .
[312]
أقول قال ابن عباس دخل الذئب الجنة بأكله
لابن الشرطي فلو أكل الشرطي لرفعه الله تعالى إلى عليين و الشرطي من أعوان الظلمة
من الشرطة و هي العلامة لأنهم يعلمون أنفسهم بعلامات يعرفون بها .
و قال صاحب
الكامل لما مات موسى و هارون (عليه السلام) في التيه أوحى الله تعالى إلى يوشع بن نون يأمره
المسير إلى أريحا و فتحها .
و قال آخرون إن موسى عاش حتى خرج من التيه و سار إلى
مدينة الجبارين و على مقدمته يوشع بن نون و كالب بن يوحنا و هو صهره على أخته مريم
بنت عمران .
فلما بلغوها اجتمع الجبارون إلى بلعم بن باعوراء و هو من ولد لوط (عليه السلام) فقالوا له إن موسى (عليه السلام) جاء ليقتلنا و يخرجنا من ديارنا فادع الله عليهم و كان بلعم
يعرف اسم الله الأعظم فقال لهم كيف أدعو على نبي الله و المؤمنين و معهم الملائكة
فراجعوه في ذلك و هو يمتنع عليهم .
فأتوا امرأته و أهدوا لها هدية و طلبوا إليها أن
تحسن لزوجها أن يدعو على بني إسرائيل فقالت له في ذلك فامتنع فلم تزل به حتى قال
أستخير ربي فاستخار الله تعالى فنهاه في المنام فأخبرها بذلك فقالت راجع ربك فعاد
الاستخارة فلم يرد جواب فقالت لو أراد ربك لنهاك و لم تزل تخدعه حتى أجابهم .
فركب
حمارا له متوجها إلى جبل يشرف على بني إسرائيل ليقف عليه و يدعو عليهم فما مشى
عليه إلا قليلا حتى ربض الحمار فضربه حتى قام فركبه فسار قليلا فربض ففعل ذلك ثلاث
مرات .
فلما اشتد ضربه في الثالثة فأنطقها الله ويحك يا بلعم أين تذهب أ ما ترى
الملائكة تردني فلم يرجع فأطلق الله الحمار حينئذ فسار حتى أشرف على بني إسرائيل
فكان كلما أراد أن يدعو عليهم ينصرف لسانه إلى الدعاء لهم و إذا أراد أن يدعو
لقومه انقلب دعاؤه عليهم .
فقالوا له في ذلك فقال هذا شيء غلب الله عليه و اندلع
لسانه فوقع على صدره فقال الآن خسرت الدنيا و الآخرة .
و لم يبق إلا المكر و الحيلة
و أمرهم أن يزينوا النساء و يعطوهن السلع للبيع و يرسلوهن .
[313]
إلى العسكر و لا تمنع امرأة نفسها ممن يريدها
و قال إن زنى منهم رجل واحد كفيتموهم .
ففعلوا ذلك و دخل النساء عسكر بني إسرائيل
فأخذ زمري بن شلوم و هو رأس سبط شمعون بن يعقوب امرأة و أتى بها إلى موسى (عليه السلام) فقال
له أظنك تقول إن هذا حرام فو الله لا نطيعك ثم أدخلها خيمة فوقع عليها فأنزل الله
عليهم الطاعون .
و كان صحاح بن عيراد بن هارون صاحب عمه موسى غائبا فلما جاء رأى
الطاعون قد استقر في بني إسرائيل و كان ذا قوة و بطش فقصد زمري فرآه مضاجع المرأة
فطعنها بحربة بيده فانتظمها و رفع الطاعون .
و قد هلك في تلك الساعة عشرون ألفا و
قيل سبعون ألفا ثم إن موسى (عليه السلام) قدم يوشع (عليه السلام) إلى أريحا في بني إسرائيل فدخلها و قتل
بها الجبارين و بقيت منهم بقية و قد قاربت الشمس المغرب فخشي أن يدركهم الليل
فعجزوا فدعا الله أن يحبس عليهم الشمس ففعل و حبسها حتى استأصلهم و دخلهاموسى (عليه السلام) فأقام بها ما شاء الله أن يقيم و قبضه الله تعالى إليه لا يعلم بغيره أحد من
الخلق .
و أما من زعم أن موسى (عليه السلام) كان توفي قبل ذلك فقال إن الله تعالى أمر يوشع
بالمسير إلى مدينة الجبارين فسار ببني إسرائيل ففارقه رجل منهم يقال له بلعم بن
باعوراء و كان يعرف الاسم الأعظم و ساق من حديثه نحو ما تقدم .
فلما ظفر يوشع
بالجبارين أدركه الماء ليلة السبت فدعا الله تعالى فرد الشمس عليه و زاد في الشمس
ساعة فهزم الجبارين و دخل مدينتهم و جمع غنائمهم ليأخذها للقربان فلم تأت النار
الحديث .
تفسير علي بن إبراهيم أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ
دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ
أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ فإنه وقع الطاعون بالشام في بعض الكور فخرج منه خلق كثير
كما حكى الله تعالى هربا من الطاعون فصاروا إلى مفازة فماتوا في ليلة واحدة كلهم
فبقوا حتى كانت
[314]
عظامهم يمر بها المار فينحيها برجله
عن الطريق ثم أحياهم الله و ردهم إلى منازلهم فبقوا دهرا طويلا ثم ماتوا و تدافنوا
.
القصص بالإسناد إلى الصدوق عن عبد الأعلى : أنه قال للصادق (عليه السلام) حديث يرويه
الناس فقال ما هو قال يرون أن الله تعالى أوحى إلى حزقيل النبي أن أخبر فلان الملك
أني متوفيك يوم كذا فأتى حزقيل الملك فأخبره بذلك قال فدعا الله تعالى على قومه و
هو على سريره حتى سقط ما بين الحائط و السرير و قال أخرني حتى يشيب طفلي و أقضي
أمري فأوحى الله إلى ذلك النبي أن ائت فلانا و قل إني أنسئ في عمره خمس عشرة سنة
فقال النبي يا رب و عزتك إنك تعلم أني لم أكذب كذبة قط فأوحى الله إليه أنما أنت
عبد مأمور فأبلغه .
و عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) في قوله تعالى أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ
مُوتُوا ... الآية قال : هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام من بني إسرائيل و كانوا سبعين
ألفا و كان الطاعون يقع فيهم في كل أوان فكانوا إذا أحسوا به خرج من المدينة
الأغنياء و بقي فيها الفقراء لضعفهم فكان الموت يكثر في الذين أقاموا و يقل في
الذين خرجوا فيقول الذين خرجوا لو كنا أقمنا لكثر فينا الموت فيقول الذين أقاموا
لو كنا خرجنا لقل فينا الموت فاجتمع رأيهم جميعا على أنه إذا وقع الطاعون خرجوا
كلهم من المدينة فلما أحسوا بالطاعون خرجوا جميعا و تنحوا عن الطاعون حذر الموت
فساروا في البلاد ثم إنهم مروا بمدينة خربة أفنى أهلها الطاعون فلما أحطوا رحالهم
قال لهم الله موتوا جميعا فماتوا و صاروا رميما فمر بهم نبي من الأنبياء يقال له
حزقيل فرآهم و بكى و قال يا رب لو شئت أحييتهم الساعة فأحياهم الله .
كتاب المحاسن عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لما خرج ملك القبط يريد هدم بيت المقدس
اجتمع الناس إلى حزقيل النبي فشكوا ذلك إليه فقال لعلي أناجي ربي الليلة فلما جنه
الليل ناجى ربه فأوحى الله إليه أني قد كفيتهم و كانوا قد مضوا
[315]
فأوحى الله إلى ملك الهواء أن أمسك عليهم أنفاسهم فماتوا كلهم و أصبح النبي و
أخبر قومه فخرجوا فوجدوهم قد ماتوا و دخل حزقيل النبي العجب فقال في نفسه ما فضل
سليمان النبي علي و قد أعطيت مثل هذا قال فخرجت قرحة على كبده و أذنه فخشع لله و
تذلل و قعد على الرماد فأوحى الله إليه أن خذ لبن التين فحكه على صدرك من خارج
ففعل فسكن عنه ذلك .
و روي عن الشيخ
أحمد بن فهد في المهذب و غيره بأسانيدهم إلى المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال :
يوم النيروز هو الذي أحيا الله فيه القوم الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ
هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ و
ذلك أن نبيا من الأنبياء سأل ربه أن يحيي القوم الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ
دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فأماتهم الله فأوحى الله إليه أن صب
عليهم الماء في مضاجعهم فصب عليهم الماء في ذلك اليوم فعاشوا ثلاثون ألفا فصار صب
الماء في يوم النيروز سنة ماضية لا يعرف سببها إلا الراسخون .
أقول : لا يتوهم من هذه الأخبار عدم جواز الفرار من الطاعون و ذلك أن
الآجال إذا تقاربت لا ينفع الفرار و عدمه .
و قد وردت الأخبار متظافرة في الأمر
بالفرار منه و لم يعارضها إلا ما .
روي من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف .
و لما سئل الصادق (عليه السلام) عن معناه قال : إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في جماعة كانوا في الثغور
بإزاء العدو و كانوا إذا فروا من الطاعون زحف العدو على أرض المسلمين و استولى
عليها .
يعني أن هذا الكلام متوجه إلى جماعة مخصوصين يلزم من فرارهم من
الطاعون الفساد و الانفتال في الدين و استلال على المسلمين .
و قد حققنا الكلام و
أوردنا الأخبار في هذا الباب في رسالتنا الموسومة بمسكن الشجون في حكم الفرار من
الطاعون .
و أما إسماعيل الذي سماه الله صادق الوعد فقال فيه وَ اذْكُرْ فِي
الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا .
[316]
معاني الأخبار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن إسماعيل الذي قال الله عز و جل في
كتابه وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ
كانَ رَسُولًا نَبِيًّا لم يكن إسماعيل بن إبراهيم بل كان نبيا من الأنبياء بعثه
الله عز و جل إلى قومه فأخذوه و سلخوا فروة رأسه و وجهه فأتاه ملك فقال إن الله جل
جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت فقال لي أسوة بما يصنع بالحسين.
و في قصص الأنبياء
عن الصادق (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن أفضل الصدقة صدقة اللسان تحقن بها الدماء و تدفع
بها الكريهة و تجر المنفعة إلى أخيك المسلم ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) إن عابد بني إسرائيل الذي كان
أعبدهم كان يسعى في حوائج الناس عند الملك و إنه لقي إسماعيل بن حزقيل فقال لا
تبرح حتى أرجع إليك يا إسماعيل فأبقي عند الملك فبقي إسماعيل إلى الحول هناك فأنبت
الله لإسماعيل عشبا فكان يأكل منه و أجرى له عينين و أظله بغمام فخرج الملك بعد
ذلك إلى التنزه و معه العابد فرأى إسماعيل فقال إنك لهاهنا يا إسماعيل فقال له قلت
لا تبرح فلم أبرح فسمي صادق الوعد قال و كان جبار مع الملك كذب هذا العبد و قال
بربرت بهذه البرية فلم تقول إني هاهنا فقال له إسماعيل إن كنت كاذبا فنزع الله
صالح ما أعطاك قال فتناثرت أسنان الجبار فقال الجبار إني كذبت على هذا العبد
الصالح فاطلب أن يدعو الله أن يرد أسناني فإني شيخ كبير فطلب إليه الملك فقال إني
أفعل قال الساعة قال لا قال و أخره إلى السحر ثم دعا ثم قال إن أفضل ما دعوتم الله
بالأسحار قال الله تعالى وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ و في حديث آخر أنه (عليه السلام) قال لمن وعده لو لم يجئني لكان منه المحشر فأنزل الله وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ
إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ .
كامل الزيارة بإسناده إلى بريد العجلي قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يا ابن
رسول الله أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول وَ اذْكُرْ فِي
الْكِتابِ
[317]
إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ أكان إسماعيل بن إبراهيم فإن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم فقال (عليه السلام) إن
إسماعيل مات قبل إبراهيم و إن إبراهيم كان حجة الله على خلقه فإلى من أرسل إسماعيل
إذا قلت فمن كان قال إسماعيل بن حزقيل النبي بعثه الله إلى قومه فكذبوه و قتلوه و
سلخوا فروة رأسه و جلدة وجهه فغضب الله عليهم فوجه سطاطائيل ملك العذاب فقال له يا
إسماعيل أنا ملك العذاب وجهني رب العزة إليك لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت فقال
له إسماعيل لا حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل فأوحى الله إليه ما حاجتك يا إسماعيل
فقال إسماعيل يا رب إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية و لمحمد بالنبوة و لأوصيائه
بالولاية و أخبرت خلقك بما يفعل بالحسين بن علي من بعد نبيها و إنك وعدت الحسين أن
تكره إلى الدنيا حتى ينتقم ممن فعل ذلك به فحاجتي إليك يا رب أن تكرني إلى الدنيا
حتى أنتقم ممن فعل بي كما تكرالحسين (عليه السلام) فوعد إسماعيل بن حزقيل ذلك فهو يكر مع
الحسين بن علي (عليه السلام) .
و أما قصة إلياس و إليا و اليسع (عليه السلام) .
الكافي عن المفضل
بن عمر قال : أتينا باب أبي عبد الله (عليه السلام) و نحن نريد الإذن فسمعناه يتكلم بكلام ليس
بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية ثم بكى فبكينا لبكائه ثم خرج إلينا الغلام فأذن
لنا فدخلنا عليه فقلت أصلحك الله سمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية ثم بكيت فبكينا
فقال نعم ذكرت إلياس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان من عباد بني إسرائيل فقلت كما كان يقول في
سجوده ثم اندفع فيه بالسريانية فما رأينا و الله قسيسا و لا جاثليقا أفصح لهجة منه
ثم فسره لنا بالعربية فقال كان يقول في سجوده أ تراك معذبي بنارك و قد أظمأت لك
هواجري أ تراك معذبي و قد عفرت لك في التراب وجهي أ تراك معذبي و قد اجتنبت لك
المعاصي أ تراك معذبي و قد أسهرت لك ليلي فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير
معذبك
[318]
قال فقال إن قلت لا أعذبك ثم عذبتني ما ذا أ
لست عبدك و أنت ربي فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك فإني إذا وعدت
وعدا وفيت به .
قصص الأنبياء عن ابن عباس قال : إن يوشع بن نون بوأ بني إسرائيل الشام بعد
موسى (عليه السلام) و قسمها بينهم فسار منهم سبط ببعلبك بأرضها و هو السبط الذي منه إلياس
النبي (عليه السلام) فبعثه الله إليهم و عليهم يومئذ ملك فتنهم بعبادة صنم يقال له بعل و ذلك
قوله وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا
تَتَّقُونَ أَ تَدْعُونَ بَعْلًا وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ فكذبوه و كان
للملك زوجة فاجرة يستخلفها إذا غاب فتقضي بين الناس و كان لها كاتب حكيم قد خلص من
يدها ثلاثمائة مؤمن كانت تريد قتلهم و لم يعلم على وجه الأرض أنثى أزنى منها و قد
تزوجت سبعة ملوك من بني إسرائيل حتى ولدت تسعين ولدا سوى ولد ولدها و كان لزوجها
جار صالح من بني إسرائيل و كان له بستان يعيش به إلى جانب قصر الملك يكرمه فسافر
مرة فاغتنمت امرأته فقتلت العبد الصالح و أخذت بستانه غصبا من أهله و كان ذلك سبب
سخط الله عليهم فلما قدم زوجها أخبرته الخبر فقال لها ما أصبت فبعث الله إلياس
النبي يدعوهم إلى عبادة الله فكذبوه و طردوه و دعاهم إلى الله فلم يزدهم إلا
طغيانا فآلى الله على نفسه أن يهلك الملك و الزانية إن لم يتوبوا إليه و أخبرهما
بذلك فاشتد غيضهم عليه و هموا لتعذيبه فهرب منهم و لحق بالجبل فبقي سبع سنين يأكل
من نبات الأرض فأمرض الله ابنا للملك و كان أعز ولده فاستشفعوا إلى عبدة الأصنام
ليشفعوا له فلم ينفع فبعثوا الناس إلى الجبل الذي فيه إلياس فكانوا يقولون اهبط
إلينا و اشفع لنا فنزل إلياس من الجبل و قال إن الله أرسلني إليكم و إلى من وراءكم
فاسمعوا رسالة
[319]
ربكم يقول ارجعوا إلى الملك فقولوا إني
أنا الله لا إله إلا أنا إله بني إسرائيل أضرهم و أنفعهم و تطلب الشفاء لابنك من
غيري فلما صاروا إلى الملك و قصوا عليه القصة امتلأ غيظا فقال لهم ما الذي منعكم
أن تقتلوه فإنه عدوي قالوا قذف في قلوبنا الرعب فندب خمسين من قومه و أوصاهم
بالاحتيال له و إطماعه في أنهم آمنوا به ليغتر بهم فيمكنهم من نفسه فانطلقوا إلى
الجبل الذي فيه إلياس فنادوا يا نبي الله ابرز لنا فإنا آمنا بك فطمع في إيمانهم
فقال اللهم إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لي بالنزول إليهم و إن كانوا كاذبين
فارمهم بنار تحرقهم فما استتم كلامه حتى رموا بالنار فاحترقوا فبلغ الملك خبرهم
فاشتد غيظه و انتدب كاتب امرأته المؤمن و بعث معه جماعة إلى الجبل و قال له قد آن
أن نتوب فقل له يرجع إلينا و يأمرنا و ينهانا بما يرضي ربنا و أمر قومه فاعتزلوا
الأصنام فانطلق الكاتب و من معه إلى الجبل ثم ناداه فعرف الناس صوته فأوحى الله
إليه أن ابرز إلى أخيك الصالح و صافحه فقال المؤمن بعثني إليك هذا الطاغي و قص عليه
ما قالوا ثم قال و إني لخائف إن رجعت إليه و لست معي أن يقتلني فأوحى الله عز و جل
إلى إلياس أن كل شيء جاءك منهم خداع ليظفروا بك و أني أشغله عن هذا المؤمن بأن
أميت ابنه فلما قدموا عليه أخذ الموت ابنه و رجع إلياس سالما إلى مكانه فلما ذهب
الجزع عن الملك سأل الكاتب عن الذي جاء به فقال ليس لي علم به ثم إن إلياس نزل و
استخفى عند أم يونس بن متى ستة أشهر و يونس مولود ثم عاد إلى مكانه فلم يلبث إلا
يسيرا حتى مات ابنها حين فطمته فعظم مصابها فخرجت في طلب إلياس و رقت الجبال حتى
وجدت إلياس فقالت إن فجعت بموت ابني و ألهمني الله تعالى الاستشفاع بك إليه ليحيي
لي ابني فإني تركته بحاله و لم أدفنه و أخفيت مكانه فقال لها و متى مات ابنك قالت
اليوم سبعة أيام فانطلق إلياس و سار سبعة أيام أخرى حتى انتهى إلى منزلها فدعا
الله سبحانه حتى أحيا الله بقدرته يونس (عليه السلام) فلما عاش انصرف إلياس .
[320]
و لما صار أربعين سنة أرسله الله إلى قومه
كما قال وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ثم أوحى الله تعالى
إلى إلياس بعد سبع سنين من يوم أحيا الله يونس سلني أعطك فقال تميتني فتلحقني
بآبائي فإني قد مللت بني إسرائيل و أبغضتهم فيك فقال الله تعالى ما هذا اليوم الذي
أعري الأرض منك و أهلها و إنما قوامها بك و لكن سلني أعطك فقال إلياس فأعطني ثأري
من الذين أبغضوني فيك فلا تمطر عليهم سبع سنين قطرة إلا بشفاعتي فاشتد على بني
إسرائيل الجوع و ألح عليهم البلاء و أسرع الموت فيهم و علموا أن ذلك من دعوة إلياس
ففزعوا إليه و قالوا نحن طوع يدك فهبط إلياس معهم و معه تلميذ له اليسع و جاء
النبي الملك فقال قتلت بني إسرائيل بالقحط فقال قتلهم الذي أغواهم فقال ادع ربك
ليسقيهم فلما جن الليل عاد إلياس و دعا الله فقال لليسع انظر في أكناف السماء ما ذا
ترى فرأى سحابة فقال أبشروا بالسقاء فليحرروا أنفسهم و أموالهم من الغرق فأمطر
الله عليهم السماء و أنبت لهم الأرض فقام إلياس بين أظهرهم و هم صالحون ثم أدركهم
الطغيان و البطر فجحدوا حقه و تمردوا فسلط الله عليهم عدوا قصدهم و لم يشعروا به
حتى رهقهم فقتل الملك و زوجته و ألقاهما في بستان الذي قتلته زوجة الملك ثم وصى
إلياس إلى اليسع و أنبت الله لإلياس الريش و ألبسه النور و رفعه إلى السماء و قذف
بكسائه من الجو على اليسع فنبأه الله على بني إسرائيل و أوحى الله إليه و أيده
فكان بنو إسرائيل يعظمونه (صلى الله عليه وآله وسلم) و يهتدون بهداه .
و قال الشيخ الطبرسي اختلف في إلياس فقيل هو إدريس (عليه السلام) و قيل هو من
أنبياء بني إسرائيل من ولد هارون بن عمران ابن عم اليسع و هو إلياس بن يسع بن
فنحاس بن العيزار بن هارون بن عمران .
[321]
عن ابن عباس و
محمد بن إسحاق و غيرهما قالوا إنه بعث بعد حزقيل لما عظمت الأحداث في بني إسرائيل.
و كان يوشع لما فتح الشام بوأها بني إسرائيل و قسمها بينهم فأحل سبطا منهم ببعلبك
و هم سبط إلياس بعث فيهم نبيا إليهم فأجابه الملك ثم إن امرأته حملته على الخلاف
لإلياس و طلبته لتقتله فهرب إلى الجبال و البراري و استخلف اليسع على بني إسرائيل
و رفعه الله ما بين أظهرهم و قطع عنه لذة الطعام و الشراب و كساه الريش فصار إنسيا
ملكيا أرضيا سماويا و سلط الله على الملك و قومه عدوا لهم فقتلهم و بعث الله اليسع
رسولا إلى بني إسرائيل فآمنوا به .
و قيل : إن إلياس صاحب البراري و الخضر صاحب الجزائر
و يجتمعان في كل يوم عرفة بعرفات و ذكر وهب أنه ذو الكفل و قيل هو الخضر (عليه السلام) .
الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليكم بالكرفس فإنه طعام
إلياس و اليسع و يوشع بن نون (عليه السلام) .
و فيه عن أبي جعفر
الثاني (عليه السلام) قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) بينا أبي (عليه السلام) يطوف بي الكعبة إذا رجل متعجر فقطع
عليه أسبوعه حتى أدخله دارا جنب الصفا فأرسل إلي فكنا ثلاثة فقال مرحبا يا ابن
رسول الله ثم قال إن شئت أخبرني و إن شئت أخبرتك قال أشاء قال إياك أن تنطق لسانك
عن مسألتي بأمر تضمر لي غيره قال إنما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه
فإن الله عز و جل أبى أن يكون له علم فيه اختلاف قال هذه مسألتي و قد فسرت طرفا
منها أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف من يعلمه قال أما جملة العلم فعند
الله سبحانه و أما ما لا بد منه فعند الأوصياء قال ففتح الرجل عجرته و استوى جالسا
و تهلل وجهه و قال هذه أردت زعمت أن علم ما لا اختلاف فيه عند الأوصياء فكيف
يعلمونه قال كما كان رسول الله يعلم إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله يرى لأنه
كان نبيا و هم محدثون و أنه كان يسمع الوحي و هم لا يسمعون فقال صدقت يا ابن رسول
الله أخبرني عن هذا العلم
[322]
ما له لا يظهر كما كان يظهر
مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فضحك أبي (عليه السلام) و قال أبى الله أن يطلع على علمه إلا ممتحنا
للإيمان به كما قضى على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصبر على أذى قومه و لا يجابههم إلا بأمره
فكم من اكتتام قد اكتتم به حتى قيل له فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ
الْجاهِلِينَ و ايم الله لو صدع قبل ذلك لكان آمنا و لكنه إنما نظر في الطاعة و
خاف الخلاف فلذلك كذب فوددت أن عينك تكون مع مهدي هذه الأمة و الملائكة بسيوف آل
داود بين السماء و الأرض يعذب أرواح الكفرة من الأموات و يلحق بهم أرواح أشباههم
من الأحياء ثم أخرج سيفا ثم قال ها إن هذا منها فقال أبي إي و الذي اصطفى محمدا
على البشر قال فرد الرجل اعتجاره و قال أنا إلياس ما سألتك عن أمرك و لي منه جهالة
غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك .
المناقب لابن شهرآشوب المازندراني روي عن أنس : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سمع صوتا من قلة
جبل اللهم اجعلني من الأمة المرحومة المغفورة فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا بشيخ أشيب
قامته ثلاثمائة ذراع فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عانقه ثم قال إني آكل في كل سنة مرة و
هذا أوانه فإذا هو بمائدة نزلت من السماء فأكلا و كان إلياس (عليه السلام) .