الفصل الثامن في لقاء موسى (عليه السلام) للخضر و سائر أحوال الخضر (عليه السلام)
تفسير علي بن إبراهيم لما أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قريشا بخبر أصحاب الكهف
قالوا أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى أن يتبعه و ما قصته
[290]
فأنزل الله تعالى وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً .
قال و كان سبب ذلك أنه لما كلم الله موسى تكليما فأنزل عليه الألواح و فيها من كل شيء
موعظة و رجع موسى إلى بني إسرائيل فصعد المنبر فأخبرهم أن الله قد أنزل عليكم
التوراة و قال في نفسه ما خلق الله خلقا أعلم مني فأوحى الله إلى جبرئيل أدرك موسى
فقد هلك و أعلمه عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجل أعلم منك فصر إليه و تعلم من
علمه فنزل جبرئيل (عليه السلام) على موسى (عليه السلام) و أخبره في ذل موسى في نفسه و أعلم أنه أخطأ و دخله
الرعب و قال لوصيه يوشع إن الله قد أمرني أن أتبع رجلا عند ملتقى البحرين و أتعلم
منه فتزود يوشع حوتا مملوحا و خرجا .
فلما خرجا و بلغا ذلك المكان وجدا رجلا مستلقيا
على قفاه فلم يعرفاه فأخرج وصي موسى الحوت و غسله بالماء و وضعه على الصخرة و مضيا
و نسيا الحوت .
و كان ذلك الماء ماء الحيوان فحيي الحوت و دخل في الماء فمضى (عليه السلام) و
يوشع معه حتى عييا فقال لوصيه آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً فذكر وصيه السمكة فقال لموسى (عليه السلام) فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ على الصخرة فقال
موسى ذلك الرجل الذي نصبه رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده فرجعا عَلى آثارِهِما
قَصَصاً إلى عند الرجل و هو في الصلاة فقعد موسى (عليه السلام) حتى فرغ من الصلاة فسلم عليهما
.
و حدثني محمد بن علي بن بلال عن يونس قال : اختلف يونس و هشام في العالم
الذي أتاه موسى (عليه السلام) أيهما كان أعلم و هل يجوز أن يكون حجة في وقته و هو حجة الله على
خلقه فقال قاسم الصيقل فكتبوا إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسألونه عن ذلك فكتب في
الجواب أتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزائر البحر إما جالسا و إما متكئا
فسلم عليه موسى فأنكر السلام إذ كان بأرض ليس فيها سلام فقال من أنت قال أنا موسى
بن عمران الذي كلمه الله تكليما قال جئت لتعلمني مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قال إني
وكلت بأمر لا تطيقه ثم حدثه العالم بما يصيب آل محمد (عليه السلام) من البلاء حتى اشتد بكاؤهما
ثم حدثه عن فضل آل محمد حتى جعل موسى
[291]
يقول يا ليتني
كنت من آل محمد حتى ذكر فلانا و فلانا و مبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما يلقى منهم و من
تكذيبهم إياه و ذكر له تأويل هذه الآية وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ
أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ حين أخذ الميثاق عليهم
فقال موسى (عليه السلام) هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً فقال الخضر إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما
لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً فقال موسى (عليه السلام) سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ
لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً قالَ ا لخضر (عليه السلام) فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ
شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً .
يقول فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ أفعله و لا تنكره علي حتى أخبرك
أنا بخبره قال نعم فمروا ثلاثتهم حتى انتهوا إلى ساحل البحر و قد سنحت سفينة و هي
تريد أن تعبر فقال أرباب السفينة نحمل هؤلاء الثلاثة نفر فإنهم قوم صالحون فحملوهم
فلما جنحت السفينة في البحر قام الخضر (عليه السلام) إلى جانب السفينة فكسرها و حشاها بالخرق و
الطين فغضب موسى غضبا شديدا و قال للخضر أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ
جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً فقال له الخضر (عليه السلام) أَ لَمْ أَقُلْ لك إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ له موسى (عليه السلام) لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَ لا
تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً فخرجوا من السفينة .
فنظر الخضر (عليه السلام) إلى غلام يلعب
بين الصبيان حسن الوجه كأنه قطعة قمر في أذنيه درتان فتأمله الخضر (عليه السلام) ثم أخذه و
قتله فوثب موسى على الخضر (عليه السلام) و جلد به الأرض فقال أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً
بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً فقال الخضر (عليه السلام) أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ
إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قال موسى (عليه السلام) إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ
بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً فَانْطَلَقا
حَتَّى إِذا أَتَيا بالعشي قرية تسمى الناصرة و إليها تنسب النصارى و لم يضيفوا
أحدا قط و لم يطعموا قريبا فاستطعموهم فلم يطعموهم و لم يضيفوهم فنظر الخضر (عليه السلام) إلى
حائط قد زال ليتهدم فوضع الخضر (عليه السلام) يده عليه و قال قم بإذن الله فقام فقال موسى (عليه السلام) لم
ينبغ أن تقيم الجدار حتى يطعمونا و يروونا و هو قوله لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ
عَلَيْهِ أَجْراً فقال الخضر (عليه السلام) هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ
بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ
التي فعلت بها ما فعلت صالحة فإنها كانت لقوم يعملون في البحر فأردت أن أعيبها
[292]
و كان وراء السفينة ملك يأخذ كل سفينة غصبا كذا نزلت
و إذا كانت السفينة معيوبة لم يأخذ منها شيئا .
وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ
أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ و طبع كافرا كذا نزلت فنظرت إلى جبينه و عليه مكتوب طبع
كافرا فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ
يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً فأبدل الله والديه
بنتا ولد منها سبعون نبيا من أنبياء بني إسرائيل .
وَ أَمَّا الْجِدارُ الذي أقمته
فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما
وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما إلى قوله
ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً .
أقول : لا أَبْرَحُ أي لا أزال
أمشي حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ بحر فارس و بحر الروم .
و قيل : هو
إفريقية .
و قيل : بحران موسى و الخضر (عليه السلام) فإن موسى كان بحر العلم الظاهر و الخضر بحر
العلم الباطن .
و روي أن موسى خطب الناس بعد هلاك القبط و دخوله مصر خطبة طويلة
فأعجب بها فقيل له هل تعلم أحدا أعلم منك فقال لا فأوحى الله إليه بل عندنا الخضر
و هو بمجمع البحرين .
و كان الخضر (عليه السلام) في أيام أفريدون و كان على مقدمة ذي القرنين
الأكبر و بقي إلى أيام موسى .
و قيل : إن موسى (عليه السلام) سأل ربه أي عبادك أعلم قال الذي يبغي
علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدل على هدى أو ترده عن ردى قال إن كان في
عبادك أعلم مني فأدللني عليه قال أعلم منك الخضر قال أين أطلبه قال على الساحل عند
الصخرة قال كيف لي به قال تأخذ حوتا في مكتلك فحيث فقدته فهناك قال لفتاه إذا فقدت
الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما
يعني نسي موسى أن يطلبه و يتعرف حاله و يوشع أن يذكر له ما رأى من حياته و وقوعه
في البحر .
[293]
روي أن موسى (عليه السلام) رقد فاضطرب الحوت المشوي و وثب
في البحر معجزة لموسى أو للخضر (عليه السلام) .
و قيل : توضأ يوشع من عين الحياة فانتضح الماء
عليه فعاش و وثب في الماء فاتخذ الحوت طريقه في البحر مسلكا فلما جاوزا مجمع
البحرين قال لفتاه ائتنا ما نتغذى به الحديث .
و لا ينافي نبوة موسى (عليه السلام) و كونه صاحب
شريعة أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطا في أبواب الدين فإن الرسول ينبغي أن يكون
أعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من أصول الدين و فروعه لا مطلقا هكذا في التفاسير.
و الأولى في الجواب أن يقال إن الخضر (عليه السلام) كان من الأنبياء فزيادة نبي على نبي في طرف
من العلم و ذلك النبي الآخر يزيد عليه فيما لا يتناهى من العلوم و الكمال لا قدح
فيه على أن الله سبحانه إذا أراد أن يبتلي بعض الأنبياء في مثل هذه الأمور كما
سيأتي في حديث الطير و علمه الزائد عليهما لا إشكال فيه كما ستعرفه إن شاء الله
تعالى .
علل الشرائع عن الصادق (عليه السلام) : أنه قال إن الخضر (عليه السلام) كان نبيا مرسلا بعثه الله
تعالى إلى قومه
فدعاهم إلى توحيده و الإقرار بأنبيائه و رسله و كتبه و كانت آيته أنه كان لا يجلس
على خشبة يابسة و لا أرض بيضاء إلا أزهرت خضرا و إنما سمي الخضر لذلك و كان اسمه
تاليا بن ملكان بن عامر بن أرفخشد بن سام بن نوح (عليه السلام) ثم ساق الحديث إلى قوله وَ كانَ
تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً قال و لم يكن ذلك الكنز بذهب و
لا فضة و لكن كان لوحا من ذهب فيه مكتوب عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجب لمن
أيقن بالقدر كيف يحزن عجب لمن أيقن أن البعث حق كيف يظلم عجب لمن يرى الدنيا و
تصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها و كان بينهما و بين هذا الأب الصالح
سبعون أبا فحفظهما الله بصلاحه .
[294]
قال الصدوق بعد تمام الحديث إن موسى (عليه السلام) مع
كمال عقله و محله من الله تعالى لم يستدرك باستدلاله و استنباطه معنى أفعال الخضر (عليه السلام) حتى اشتبه عليه وجه الأمر فيه و سخطه جميع ما كان يشاهده حتى أخبر بتأويله و لو
لم يخبر بتأويله لما أدركه و لو بقي في الفكر عمره فإذا لم يجز لأنبياء الله و
رسله (صلى الله عليه وآله وسلم) القياس و الاستنباط و الاستخراج كان من دونهم من الأمم أولى بأن لا يجوز
لهم ذلك انتهى .
و قوله و لم يكن ذلك الكنز بذهب و لا فضة يعني أن المقصود منه هو
العلم و وصوله إلى أهله و إن كان ذهبا فهو كنزان كنز علم و كنز ذهب علل الشرائع
سمعت أبا جعفر محمد بن عبد الله بن طيفور الدامغاني الواعظ بفرغانة يقول في خرق
الخضر (عليه السلام) السفينة و قتل الغلام و إقام الجدار إن تلك إشارات من الله تعالى لموسى (عليه السلام) و تعريضات إلى ما يريده من تذكيره لمنن سابقة لله عز و جل نبهه عليها و على
مقدارها من الفضل ذكره بخرق السفينة و أنه حفظه في الماء حين ألقته أمه في التابوت
و ألقت التابوت في اليم هو الذي يحفظهم في السفينة .
و أما قتل الغلام فإنه كان قد
قتل رجلا في الله عز و جل و كانت تلك زلة عظيمة عند من لم يعلم أن موسى (عليه السلام) نبي
فذكره بذلك منة عليه حين دفع عنه كيد من أراد قتله به .
و أما إقامة الجدار من غير
أجر فإن الله عز و جل ذكره بذلك فضله فيما أتاه في ابنتي شعيب حين سقى لهما و هو
جائع و لم يبتغ على ذلك أجرا مع حاجته إلى الطعام فنبهه الله على ذلك ليكون شاكرا
مسرورا .
فأما قول الخضر (عليه السلام) هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ فإن ذلك كان من جهة موسى (عليه السلام) حيث قال إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي فموسى (عليه السلام) هو
الذي حكم بالمفارقة لما قال فَلا تُصاحِبْنِي .
و إن موسى (عليه السلام) اختار سبعين رجلا من قومه
لميقات ربه فلم يصبروا بعد سماع كلام الله عز و جل حتى تجاوزوا الحد بقولهم لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا و لو
اختارهم الله لعصمهم و لما اختار من يعلم منه تجاوز الحد .
[295]
فإذا لم يصلح موسى (عليه السلام) للاختيار مع فضله و محله
فكيف تصلح الأمة لاختيار الإمام بآرائها و كيف يصلحون لاستنباط الأحكام و
استخراجها بعقولهم الناقصة و آرائهم المتفاوتة و هممهم المتباينة و إرادتهم
المختلفة تعالى الله عن الرضا باختيارهم علوا كبيرا .
و أفعال أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم) مثلها
مثل أفاعيل الخضر (عليه السلام) و هي حكمة و صواب و إن جهل الناس وجه الحكمة و الصواب فيها .
و
فيه عن عباية الأسدي قال كان عبد الله بن عباس جالسا على شفير زمزم يحدث الناس
فلما فرغ من حديثه أتاه رجل فسلم عليه ثم قال يا عبد الله إني رجل من أهل الشام
فقال أعوان كل ظالم إلا من عصم الله منكم سل عما بدا لك فقال يا عبد الله بن عباس
إني جئتك أسألك عمن قتله علي بن أبي طالب (عليه السلام) من أهل لا إله إلا الله لم يكفروا
بصلاة و لا بحج و لا بصوم شهر رمضان و لا بزكاة فقال له عبد الله ثكلتك أمك سل عما
يعنيك و دع عما لا يعنيك فقال ما جئتك أضرب إليك من حمص للحج و لا للعمرة و لكن
أتيتك تشرح لي أمر علي بن أبي طالب (عليه السلام) و فعاله فقال ويلك إن علم العالم لا تحتمله و
لا تقر به القلوب الصدئة أخبرك أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان مثله في هذه الأمة كمثل
موسى و العالم (عليه السلام) و ذلك أن الله تبارك و تعالى قال في كتابه يا مُوسى إِنِّي
اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَ
كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ .
فكان موسى يرى أن جميع الأشياء قد
أثبتت له كما ترون أنتم أن علماءكم قد أثبتوا جميع الأشياء .
فلما انتهى موسى (عليه السلام) إلى
ساحل البحر فلقي العالم فاستنطق موسى ليصل علمه و لم يحسده ثم إنكم جحدتم علي بن
أبي طالب (عليه السلام) و أنكرتم فضله ف قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ
تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً فعلم العالم أن موسى لا يطيق بصحبته و لا
يصبر على علمه ف قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَ كَيْفَ تَصْبِرُ
عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً فقال له موسى سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ
صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً فعلم العالم أن موسى لا يصبر على علمه قالَ
فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ
ذِكْراً .
[296]
قال فركبا في السفينة فخرقها العالم و كان
خرقها لله عز و جل و سخط موسى ذلك .
كذلك كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم يقتل إلا من كان
قتله لله عز و جل رضا و لأهل الجهالة من الناس سخطا .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن موسى بن عمران (عليه السلام) حين أراد أن يفارق الخضر (عليه السلام) قال له أوصني فكان مما أوصاه أن قال له إياك و اللجاجة أو أن تمشي في غير حاجة أو
أن تضحك من غير تعجب و اذكر خطيئتك و إياك و خطايا الناس.
و عن أبي جعفر (عليه السلام) : في
قول الله عز و جل وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال و الله ما كان من ذهب و لا
فضة و ما كان إلا لوحا في كلمات أربع إني أنا الله لا إله إلا أنا و محمد رسولي
عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح قلبه و عجبت لمن أيقن بالحساب كيف يضحك سنه و عجبت
لمن أيقن بالقدر كيف يستبطئ الله في رزقه و عجبت لمن يرى النشأة الأولى كيف ينكر
النشأة الآخرة .
الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لما أقام العالم الجدار أوحى الله تعالى إلى
موسى أني مجازي الأبناء بسعي الآباء إن خيرا فخيرا و إن شرا فشرا و لا تزنوا فتزني
نساؤكم و من وطيء فراش امرأة مسلم وطيء فراشه كما تدين تدان .
تفسير علي بن إبراهيم عنه (عليه السلام) : لما أسري برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماء وجد في
طريقه ريحا مثل المسك الأذفر فسأل جبرئيل عنها فقال إنها تخرج من بيت عذب فيه قوم
في عبادة الله حتى ماتوا ثم قال له إن الخضر (عليه السلام) كان من أبناء الملوك فآمن بالله و
تخلى في بيت أبيه يعبد الله و لم يكن لأبيه ولد غيره فأشاروا إلى أبيه أن يزوجه
لعل الله أن يرزقه ولدا فيكون الملك فيه و في عقبه فخطب له امرأة بكرا و أدخلها
عليه فلم يلتفت الخضر إليها فلما كان اليوم الثاني قال لها الخضر تتمكنين على أمري
فقالت نعم قال
لها إن سألك أبي أ هل كان مني إليك ما كان من الرجال إلى النساء فقولي نعم قالت
أفعل
[297]
فسألها الملك عن ذلك فقالت نعم و أشار عليه
الناس أن يأمر النساء أن يفتشنها فأمر و كانت على حالتها فقالوا أيها الملك زوجت
الغر من الغرة يعني الغافل من الغافلة زوجه امرأة ثيبا فزوجه فلما دخلت عليه سألها
الخضر أن تكتم عليه فقالت نعم فلما أن سألها الملك قالت أيها الملك إن ابنك امرأة
فهل تلد المرأة من المرأة فغضب عليه فأمر بردم الباب عليه فردم فلما كان اليوم
الثالث حركته رقة الآباء فأمر بفتح الباب ففتح فلم يجدوه فيه فأعطاه الله من القوة
أن يتصور كيف شاء ثم كان على مقدمة ذي القرنين و شرب من الماء الذي من شرب منه بقي
إلى الصيحة قال فخرج من مدينة أبيه رجلان في تجارة في البحر حتى وقعا إلى جزيرة من
جزائر البحر فوجدوا فيه الخضر قائما يصلي فلما انفتل دعاهما فسألهما عن خبرهما
فأخبراه فقال لهما هل تكتمان علي أمري إن أرددتكما في يومكما إلى منازلكما فقالا
نعم فنوى أحدهما أن يكتم أمره و نوى الآخر إن رده إلى منزله أخبر أباه بخبره فدعا
الخضر سحابة فقال احملي هذين إلى منازلهما فحملتهما السحابة حتى وضعتهما من يومهما
فكتم أحدهما أمره و ذهب الآخر إلى الملك فأخبره بخبره فقال له الملك من يشهد لك
بذلك قال فلان التاجر فدل على صاحبه فبعث الملك إليه فأنكره و أنكر معرفة صاحبه
فقال له الأول أيها الملك ابعث معي خيلا إلى هذه الجزيرة و احبس هذا حتى آتيك
بابنك فبعث معه خيلا فلم يجده فأطلق عن الرجل الذي كتم عليه ثم إن القوم عملوا
بالمعاصي فأهلكهم الله و جعل مدينتهم عاليها سافلها و ابتدرت الجارية التي كتمت
عليه أمره و الرجل الذي كتم عليه كل واحد منهما ناحية من المدينة فلما أصبحا
التقيا فأخبر كل واحد منهما صاحبه بخبره فقالا ما نجونا إلا بذلك فآمنا برب الخضر
و حسن إيمانهما و تزوج بها الرجل و وقعا إلى مملكة ملك آخر و توصلت المرأة إلى بيت
الملك و كانت تزين بنت الملك فبينا هي تمشطها يوما إذ سقط من يدها المشط فقالت لا
حول و لا قوة إلا بالله فقالت لها بنت الملك ما هذه الكلمة فقالت لها إن لي إلها
يجري الأمور كلها بحوله و قوته فقالت أ لك إله غير أبي فقالت نعم و إلهك و إله
أبيك فدخلت بنت الملك إلى أبيها فأخبرت أباها بما سمعت من هذه المرأة
[298]
فدعاها الملك فسألها عن خبرها فأخبرته فقال لها من
دلك على دينك قالت زوجي و ولدي فدعاهم الملك و أمرهم بالرجوع عن التوحيد فأبوا
عليه فدعا بمرجل من ماء فسخنه و ألقاهم فيه و أدخلهم بيتا و هدم عليهم البيت فقال
جبرئيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذه الرائحة التي تشمها من ذلك البيت .
الأمالي عن عبد الله بن سليمان قال : قرأت في بعض كتب الله عز و جل أن ذا
القرنين كان عبدا صالحا جعله الله عز و جل حجة على عباده و لم يجعله نبيا فمكن
الله له في الأرض و آتاه من كل شيء سببا فوضعت له عين الحياة و قيل له من شرب
منها شربة لم يمت حتى يسمع الصيحة و أنه خرج في طلبها حتى انتهى إلى موضع فيه
ثلاثمائة و ستون عينا فكان الخضر (عليه السلام) على مقدمته و كان من أحب الناس إليه فأعطاه
حوتا مالحا و أعطى كل واحد من أصحابه حوتا مالحا و قال لهم ليغسل كل رجل منكم حوتة
عند كل عين فانطلقوا و انطلق الخضر (عليه السلام) إلى عين من تلك العيون فلما غمس الحوت في
الماء حيي فانساب في الماء فلما رأى الخضر (عليه السلام) ذلك علم أنه قد ظفر بماء الحياة فرمى
بثيابه و سقط في الماء فجعل يرتمس فيه و يشرب منه فرجع كل واحد منهم إلى ذي
القرنين و معه حوتة و رجع الخضر و ليس معه الحوت فسأله عن قصته فأخبره فقال له أ
شربت من ذلك الماء قال نعم قال أنت صاحبها و أنت الذي خلقت لهذه العين فأبشر بطول
البقاء في هذه الدنيا مع الغيبة عن الأبصار إلى النفخ في الصور .
كتاب الخصال المظفر العلوي عن ابن العياشي عن أبيه عن جعفر بن أحمد عن ابن
فضال عن الرضا (عليه السلام) قال : إن الخضر (عليه السلام) شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في
الصور و أنه ليأتينا فيسلم علينا فنسمع صوته و لا نرى شخصه و أنه ليحضر حيث ذكر
فمن ذكره منكم فليسلم عليه و أنه ليحضر المواسم فيقضي جميع المناسك و يقف بعرفة
فيؤمن على دعاء المؤمنين و سيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته و يصل به وحدته.
أقول : في قوله (عليه السلام) و أنه ليحضر حيث ذكر دلالة على حضوره في الأمكنة
[299]
التي يذكرونها فما تعارف في هذه الأعصار بين الناس من
قولهم طحين للخضر (عليه السلام) في حجرة مقفلة و إذا صار الصباح رأوا على ذلك الطحين آثار يد
الخضر غير خال من الدليل بل هذا دليله لأنهم في ذلك الوقت يذكرونه في الدعاء و
الصلاة .
و عن الرضا (عليه السلام) قال : لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء الخضر فوقف على باب البيت و فيه
علي و فاطمة و الحسن والحسين (عليه السلام) و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سجي بثوب فقال السلام عليكم يا
أهل البيت كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ و إنما توفون أجوركم يوم القيامة إن في
الله خلفا من كل هالك و عزاء من كل مصيبة و دركا من كل فائت فتوكلوا عليه و ثقوا به و استغفروا الله لي
و لكم فقالأمير المؤمنين (عليه السلام) هذا أخي الخضر جاء يعزيكم بنبيكم .
الكافي بإسناده إلى
سيف التمار قال : كنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من الشيعة في الحجر قال علينا عين
فالتفتنا يمنة و يسرة فلم نر أحدا فقلنا ليس علينا عين فقال و رب الكعبة و رب
البيت ثلاث مرات لو كنت بين موسى و الخضر (عليه السلام) لأخبرتهما أني أعلم منهما و لأنبأتهما
بما ليس في أيديهما لأن موسى و الخضر أعطيا علم ما كان و لم يعطيا علم ما يكون و
ما هو كائن حتى تقوم الساعة و قد ورثناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
إكمال الدين كان اسم الخضر خضرويه بن قابيل بن آدم و يقال خضرون أيضا
و يقال خلعبا و إنما سمي الخضر لأنه جلس على أرض بيضاء فاهتزت خضراء و الصحيح أن
اسمه إلياس بن ملكان بن عامر بن أرفخشد بن سام بن نوح (عليه السلام) .
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : مسجد السهلة مناخ الراكب قيل و من الراكب قال الخضر
(عليه السلام) .
و عنه (عليه السلام) : في قول
موسى (عليه السلام) لفتاه آتِنا غَداءَنا و قوله رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ
خَيْرٍ فَقِيرٌ قال إنما عنى الطعام فقال أبو عبد الله (عليه السلام) إن موسى لذو جوعات .
أقول : و الجوعة الثالثة كما جاء في الحديث هو قوله لَاتَّخَذْتَ
عَلَيْهِ أَجْراً.
تفسير العياشي عن
يزيد عن أحدهما (عليهما السلام) قال : قلت له ما منزلتكم في الماضين أو بمن تشبهون منهم قال الخضر
و ذو القرنين كانا عالمين و لم يكونا بنبيين .
[300]
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) كان في كتف الغلام الذي
قتله العالم أي الخضر (عليه السلام) مكتوبا كافرا .
و قال (عليه السلام) : إن الله
ليحفظ ولد المؤمن إلى ألف سنة و إن الغلامين كان بينهما و بين أبويهما سبعمائة سنة .
رياض الجنان بإسناده إلى عبد الملك بن سليمان قال وجد في ذخيرة أحد
حواري المسيح (عليه السلام) رق فيه مكتوب بالقلم السرياني منقول من التوراة أن موسى (عليه السلام) لما رجع
من الخضر (عليه السلام) إلى قومه سأله أخوه هارون (عليه السلام) عما شاهده من عجائب البحر قال بينا أنا و
الخضر على شاطئ البحر إذ سقط بين أيدينا طائر أخذ في منقاره قطرة و رمى بها نحو
المشرق و أخذ ثانية و رماها في المغرب و أخذ ثالثة و رمى بها نحو السماء و رابعة
رماها إلى الأرض ثم أخذ خامسة و عاد ألقاها في البحر فبهتنا لذلك .
فسألت الخضر (عليه السلام) عن ذلك فلم يجب فإذا نحن بصياد يصطاد فنظر إلينا و قال ما لي أراكما في فكر و تعجب
من الطائر قلنا هو ذلك قال أنا رجل صياد قد علمت و أنتما نبيان ما تعلمان قلنا ما
نعلم إلا ما علمنا الله قال هذا طائر في البحر يسمى مسلم لأنه إذا صاح يقول في
صياحه مسلم فأشار برمي الماء من منقاره إلى السماء و الأرض و المشرق و المغرب إلى
أنه يبعث نبي بعدكما يملأ أمته المشرق و المغرب و يصعد إلى السماء و يدفن في الأرض
و أما رميه الماء في البحر يقول إن علم العالم عند علمه مثل هذه القطرة و ورث علمه
وصيه و ابن عمه .
فسكن ما كنا فيه من المشاجرة و استقل كل واحد منا علمه بعد أن كنا
معجبين بأنفسنا .
ثم غاب الصياد عنا فعلمنا أنه بعثه الله تعالى إلينا ليعرفنا حيث
ادعينا الكمال .
مهج الدعوات : روي أن الخضر و إلياس يجتمعان في كل موسم و يفترقان عن هذا
الدعاء و هو بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله ما شاء الله كل نعمة فمن الله
ما شاء الله الخير كله بيد الله عز و جل لا يصرف السوء إلا الله .
[301]
الفصل التاسع في مناجاة موسى و ما جرى بينه و
بين إبليس و في وفاة موسى و هارون و موضع قبرهما و ما يتبع ذلك من النوادر.
تفسير علي بن
إبراهيم عن ابن محبوب عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول من زرع حنطة
في أرض فلم يترك أرضه و زرعه و خرج زرعه كثير الشعير فيظلم عمله في ملك رقبة الأرض
أو بظلم لمزارعه و أكرته لأن الله يقول فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا
حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ كَثِيراً يعني لحوم الإبل و شحوم البقر و الغنم .
الأمالي بإسناده إلى عبد العظيم الحسني عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام) قال : لما
كلم الله موسى بن عمران قال موسى يا إلهي ما جزاء من شهد أني رسولك و نبيك و أنك
كلمتني قال يا موسى تأتيه ملائكتي فتبشره بجنتي قال موسى إلهي فما جزاء من قام بين
يديك يصلي قال يا موسى أباهي به ملائكتي راكعا و ساجدا و قائما و قاعدا و من باهيت
به ملائكتي لم أعذبه قال موسى إلهي ما جزاء من أطعم مسكينا ابتغاء وجهك قال يا
موسى آمر مناديا ينادى يوم القيامة على رءوس الخلائق أن فلان ابن فلان من عتقاء
الله من النار قال موسى إلهي فما جزاء من وصل رحمه قال يا موسى أنسئ أجله و أهون
عليه سكرات الموت و يناديه خزنة الجنة هلم إلينا من أي أبوابها شئت قال موسى إلهي
فما جزاء من كف أذاه عن الناس و بذل معروفه لهم قال يا موسى تناديه النار يوم
القيامة لا سبيل لي عليك قال إلهي فما جزاء من ذكرك بلسانه و قلبه قال يا موسى
أظله يوم القيامة بظل عرشي و أجعله في كنفي قال إلهي فما جزاء من تلا حكمتك سرا و
جهرا قال يا موسى يمر على الصراط كالبرق قال إلهي فما جزاء من صبر على أذى الناس و
شتمهم فيك قال أعينه على أهوال يوم القيامة قال إلهي فما جزاء من دمعت عيناه من
خشيتك قال يا موسى أقي وجهه من حر النار و أؤمنه يوم الفزع الأكبر قال يا إلهي فما
جزاء من ترك الخيانة حياء منك قال يا موسى له الأمان يوم القيامة
[302]
قال يا إلهي فما جزاء من أحب أهل طاعتك قال يا موسى
أحرمه على ناري قال يا إلهي فما جزاء من قتل مؤمنا متعمدا قال لا أنظر إليه و لا
أقيل عثرته قال إلهي فما جزاء من دعا نفسا كافرا إلى الإسلام قال يا موسى آذن له
في الشفاعة يوم القيامة لمن يريد قال إلهي فما جزاء من صلى الصلاة بوقتها قال
أعطيه سؤلي و أبيحه جنتي قال إلهي فما جزاء من أتم الوضوء من خشيتك قال أبعثه يوم
القيامة و له نور بين عينيه يتلألأ قال إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان لك محتسبا
قال يا موسى أقيمه يوم القيامة مقاما لا يخاف فيه قال إلهي فما جزاء من صام شهر
رمضان يريد به الناس قال يا موسى ثوابه كثواب من لم يصمه .
الأمالي عن محمد بن سنان عن المفضل قال : سمعت مولاي الصادق (عليه السلام) يقول كان فيما
ناجى الله عز و جل به موسى بن عمران أنه قال له يا ابن عمران كذب من زعم أنه يحبني
فإذا جنه الليل
نام عني أ ليس كل محب يحب خلوة حبيبه ها أنا يا ابن عمران مطلع على أحبائي إذا
جنهم الليل حولت أبصارهم من قلوبهم و مثلت عقوبتي بين أعينهم يخاطبوني عن المشاهدة
و يكلموني عن الحضور يا ابن عمران هب لي من قلبك الخشوع و من بدنك الخضوع و من
عينيك الدموع في ظلم الليالي ادعني فإنك تجدني قريبا مجيبا .
الكافي محمد بن
يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن سدير قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إن بني إسرائيل أتوا موسى فسألوه أن يسأل الله عز و جل أن يمطر السماء
عليهم إذا أرادوا أو يحبسها إذا أرادوا فسأل الله عز و جل ذلك لهم فقال الله عز و
جل فليحرثوا أفعل ذلك لهم يا موسى فأخبرهم موسى فحرثوا و لم يتركوا شيئا إلا و
زرعوه ثم استنزلوا المطر عليهم على إرادتهم و حبسوه على إرادتهم فصارت زروعهم
كأنها الجبال و الآجام فحصدوا و داسوا و ذروا فلم يجدوا شيئا فضجوا إلى موسى (عليه السلام) و
قالوا إنما سألناك أن تسأل الله أن يمطر السماء علينا إذا أردنا فأجابنا ثم صيرها
ضررا فقال يا رب إن بني إسرائيل ضجوا مما صنعت بهم فقال و مم ذاك يا موسى قال
سألوني أن أسألك أن تمطر السماء إذا أرادوا فأجبتهم ثم صيرتها عليهم ضررا فقال يا
موسى أنا كنت المقدر لبني إسرائيل فلم يرضوا بتقديري فأجبتهم إلى إرادتهم فكان ما
رأيت .
عيون الأخبار بإسناده إلى الرضا (عليه السلام) قال : لما بعث الله عز و جل موسى بن
[303]
عمران (عليه السلام) و اصطفاه و فلق له البحر و أعطاه التوراة رأى
مكانه من ربه عز و جل فقال يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي قال يا
موسى أ ما علمت أن محمدا عندي أفضل من جميع ملائكتي و جميع خلقي قال موسى يا رب
فإن كان محمد أكرم عندك من جميع خلقك فهل من آل الأنبياء أكرم من آلي قال الله جل
جلاله يا موسى أ ما علمت أن فضل آل محمد على جميع النبيين كفضل محمد على جميع
المرسلين فقال موسى يا رب فإن كان آل محمد كذلك فهل في أمم الأنبياء أفضل عندك من
أمتي ظللت عليهم الغمام و أنزلت عليهم المن و السلوى و فلقت لهم البحر فقال الله
جل جلاله يا موسى أ ما علمت أن فضل أمة محمد على جميع الأمم كفضله على جميع خلقي
فقال موسى يا رب ليتني كنت أراهم فأوحى الله تعالى إليه يا موسى إنك لن تراهم فليس
هذا أوان ظهورهم و لكن سوف تراهم في جنات عدن و الفردوس بحضرة محمد في نعيمها
يتقلبون أ فتحب أن أسمعك كلامهم قال نعم إلهي قال الله جل جلاله قم بين يدي و اشدد
مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ففعل ذلك موسى (عليه السلام) فنادى ربنا عز و جل
يا أمة محمد فأجابوه و هم في أصلاب آبائهم و أرحام أمهاتهم لبيك اللهم لبيك لا
شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك قال فجعل الله عز و جل تلك
الإجابة شعارا للحج ثم نادى ربنا عز و جل يا أمه محمد إن قضائي عليكم إن رحمتي
سبقت غضبي و عفوي قبل عقابي فقد استجبت لكم قبل أن تدعوني و أعطيتكم من قبل أن
تسألوني من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده
و رسوله صادق في أقواله محق في أفعاله و أن علي بن أبي طالب أخوه و وصيه من بعده و
يلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمد و أن أولياءه المصطفين المطهرين الميامين بعجائب
آيات الله و دلائل حجج الله من بعدهما أولياؤه أدخلته جنتي و إن كانت ذنوبه مثل
زبد البحر قال فلما بعث الله عز و جل نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يا محمد و ما كنت بجانب
الطور إذ نادينا أمتك بهذه الكرامة
[304]
ثم قال الله عز و
جل لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قل الحمد لله رب العالمين على ما اختصني من هذه الفضيلة و قال لأمته
قولوا أنتم الحمد لله رب العالمين على ما اختصنا من هذه الفضائل .
الكافي بإسناده إلى أبي جعفر (عليه السلام) قال : مكتوب في التوراة التي لم تغير أن موسى (عليه السلام) سأل ربه فقال يا رب أ قريب أنت مني فأناجيك أم بعيد فأناديك فأوحى الله عز و جل
إليه يا موسى أنا جليس من ذكرني فقال موسى فمن في سترك يوم لا ستر إلا سترك قال
الذين يذكرونني فأذكرهم و يتحابون في فأحبهم فأولئك الذين إذا أردت أن أصيب أهل
الأرض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم .
أقول : ينبغي على الصوفية أذكارهم و وجدهم و نهيقهم و زعيقهم و رقصهم و
صنعتهم و زعمهم أن هذا كله من أفضل العبادات و الطاعات .
الكافي عن ابن عباس
قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله عز و جل ناجى موسى بن عمران بمائة ألف كلمة و أربعة و
عشرين ألف كلمة في ثلاثة أيام و لياليهن ما طعم فيها موسى و لا شرب فيها فلما
انصرف إلى بني إسرائيل و سمع كلام الآدميين مقتهم لما كان وقع من مسامعه من حلاوة
كلام الله عز و جل .
و عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : إن الله تبارك و تعالى قال لموسى احفظ وصيتي لك
بأربعة أشياء أولهن ما دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشغل بعيوب غيرك و الثانية ما
دمت لا ترى كنوزي قد نفدت فلا تغتم بسبب رزقك و الثالثة ما دمت لا ترى زوال ملكي
فلا ترج أحدا غيري و الرابعة ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تأمن مكره.
و عنه (عليه السلام) : ليس في
القرآن يا أيها الذين آمنوا إلا و هي في التوراة يا أيها الناس و في خبر آخر يا
أيها المساكين .
و عنهم (عليهم السلام) : قال إبليس يا موسى لا تخل بامرأة فإنه لا يخلو رجل بامرأة لا تحل
له إلا و كنت صاحبه دون أصحابي و إياك أن تعاهد الله عهدا فإنه ما
[305]
عاهد الله أحد إلا و كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول
بينه و بين الوفاء به و إذا هممت بصدقة فأمضها فإذا هم العبد بصدقة كنت صاحبه دون
أصحابي حتى أحول بينه و بينها .
قصص الراوندي
بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال : كان في زمن موسى (صلى الله عليه وآله وسلم) ملك جبار قضى حاجة مؤمن بشفاعة
عبد صالح فتوفي في يوم واحد الملك الجبار و العبد الصالح فقام على الملك الناس و
أغلقوا أبواب السوق لموته ثلاثة أيام و بقي العبد الصالح في بيته فتناولت دواب
الأرض عن وجهه فرآه موسى بعد ثلاث فقال يا رب هو عدوك و هذا وليك فأوحى الله إليه
يا موسى إن وليي سأل هذا الجبار حاجة فقضاها له فكافأته عن المؤمن و سلطت دواب
الأرض على محاسن وجه المؤمن لسؤاله ذلك الجبار .
و عنه قال : إن الله تعالى أوحى إلى موسى يا موسى اشكرني حق شكري فقال يا رب
كيف أشكرك حق شكرك و ليس من شكر أشكرك به إلا و أنعمت به علي فقال يا موسى شكرتني
حق شكري حين علمت أن ذلك مني .
و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : أوحى الله تعالى إلى موسى أحبني و حببني إلى خلقي قال موسى يا رب إنك لتعلم
أنه ليس أحب إلي منك فكيف لي بقلوب العباد فأوحى الله إليه فذكرهم نعمتي و آلائي
فإنهم لا يذكرون مني إلا خير فقال موسى يا رب رضيت بما قضيت تميت الكبير و تبقي
الأولاد الصغار فأوحى الله إليه أ ما ترضى بي وكيلا و كفيلا فقال بلى يا رب نعم
الوكيل و نعم الكفيل .
و عن أبي جعفر قال :
إن موسى سأل ربه أن يعلمه زوال الشمس فوكل الله بها ملكا فقال يا موسى قد زالت
الشمس فقال موسى متى فقال إذا قام رجل فشق قميصه فأوحى الله عز و جل إليه يا
موسى قل له لا تشقق قميصك و لكن اشرح لي قلبك .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) : قال إن الله أوحى إلى موسى (عليه السلام) أن بعض أصحابك ينم عليك فاحذره فقال يا رب لا أعرفه
فأخبرني به حتى أعرفه فقال
[306]
يا موسى عبت عليه النميمة
و تكلفني أن أكون نماما قال يا رب و كيف أصنع قال الله تعالى فرق أصحابك عشرة عشرة
ثم تقرع بينهم فإن السهم يقع على العشرة التي هو فيهم ثم تفرقهم و تقرع بينهم فإن
السهم يقع عليه قال فلما رأى الرجل أن السهام تقرع قام فقال يا رسول الله أنا
صاحبك لا و الله لا أعود أبدا .
و روي : أن موسى بن
عمران رأى رجلا تحت ظل العرش فقال يا رب من هذا الذي أدنيته حتى جعلته تحت ظل
العرش فقال الله تبارك و تعالى يا موسى هذا لم يعق والديه و لا يحسد الناس على ما
آتاهم الله من فضله و قال موسى يا رب ما لمن عاد مريضا قال أوكل به ملكا يعوده في
قبره إلى محشره قال يا رب ما لمن غسل ميتا قال أخرجه من ذنوبه كما خرج من بطن أمه
قال يا رب ما لمن شيع جنازة قال أوكل به ملائكة معهم رايات يشيعونه من محشره إلى
مقامه قال فما لمن عزى الثكلى قال أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي و قال يا موسى
أكرم السائل إذا أتاك بشيء ببذل يسير أو برد جميل فإنه قد يأتيك من ليس بجني و لا
إنسي ملك من ملائكة الرحمن ليبلوك فيما خولتك فكيف أنت صانع .
و عنه (عليه السلام) : قال مر موسى بن عمران برجل رافع يده إلى السماء يدعو فانطلق موسى
في حاجته فغاب عنه سبعة أيام ثم رحل إليه و هو رافع يديه يدعو و يتضرع و يسأل
حاجته فأوحى الله إليه يا موسى لو دعاني حتى يسقط لسانه ما استجبت له حتى يأتيني
من الباب الذي أمرته ب.
أقول : هذا يكشف لك عن أمور كثيرة منها بطلان عبادة المخالفين و ذلك
أنهم و إن صاموا و صلوا و حجوا و زكوا و أتوا من العبادات و الطاعات و زادوا على
غيرهم إلا أنهم أتوا إلى الله تعالى من غير الأبواب التي أمر بالدخول منها فإنه
سبحانه و تعالى قال وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها .
و قد صح عن المسلمين
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
أنا مدينة العلم و علي بابها .
و قوله : أهل بيتي
كسفينة نوح من ركب فيها نجا و من تخلف عنها غرق .
[307]
و قد جعلوا المذاهب الأربعة وسائط و أبوابا بينهم و بين ربهم و أخذوا
الأحكام عنهم و هم أخذوها عن القياسات و الاستنباطات و الآراء و الاجتهاد الذي نهى
الله سبحانه عن أخذ الأحكام عنها و طعن عليهن من دخل في الدين منها .
و كذلك عبادات
الصوفية و أصولهم الفاسدة فإنهم أخذوها عن مشايخهم و أخذها مشايخهم عن أسلافهم و
كلما تنتهي إلى الصوفية من أهل الخلاف فمن زعم أنه من الشيعة و هو من الصوفية فهو
عندنا من المبتدعين و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة سبيلها إلى النار .
قصص الأنبياء للراوندي من علماء الإمامية عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لما مضى
موسى (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الجبل تبعه رجل من أفضل أصحابه فأجلسه في أسفل الجبل و صعدموسى (عليه السلام) الجبل فناجى ربه ثم نزل فإذا بصاحبه قد أكل السبع وجهه و قطعه فأوحى الله تعالى
إليه أن كان له عندي ذنب فأردت أن يلقاني و لا ذنب له .
و فيه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : أوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام) أن من عبادي من يتقرب إلى الجنة فأحكمه في الجنة
قال و ما تلك الجنة قال يمشي في حاجة مؤمن .
أقول : قوله يمشي إشارة إلى أن هذا الثواب مرتب على سعيه في حاجة
المؤمن و إن لم تقض على يده و قد وقع التصريح به في موارد أخرى .
و في حديث صحيح عنه (عليه السلام) قال : من طاف بالبيت طوافا كتب الله له ستة آلاف حسنة و محا عنه ستة آلاف سيئة و
رفع له ستة آلاف درجة ثم قال و قضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف و طواف حتى عد عشرا .
بقي الكلام في أن المؤمن الذي يترتب هذا الثواب على قضاء حاجته هل
يكتفى بكونه من جملة الشيعة و واحد منهم و إن كان فاسقا في جوارحه أم لا بد من هذه
الأعمال إلى الاعتقاد .
أقول الظاهر هو الثاني لأن الفاسق لا يبالغ في حرمته إلى
هذا الحال نعم يكفي في هذا المعنى أن يكون مستور الظاهر غير متجاهر بالذنوب و
المعاصي و إلا فالمقصود من عصمه الله و لا حول و لا قوة إلا بالله.
[308]
و قد بقي شيء آخر و هو أن جماعة من صلحاء الشيعة
حالهم مستوري الذنوب و التجاهر بالمعاصي لكنهم إما من جنود السلطان أو من نواكر
العمال و الحكام و أن لهم خدمة معهم أو نحو ذلك فمثل هذه لا يقال له تجاهر
بالمعاصي حتى ترديهم شهادتهم و لا يسعى لهم في حوائجهم و يحكم عليهم بلوازم الفسوق
و المعاصي و هذا لا يخلو من كلام و الحكم بفسقهم في هذا المقام في غاية الأشكال و
إن مال إليه بعض العلماء من أصحابنا .
بل الأظهر عندي أن هذا ليس على إطلاقه من باب
التجاهر بالمعاصي بل هنا تفصيل بسطنا الكلام فيه في المجلد السابع من شرح التهذيب .
القصص قال الصادق (عليه السلام) : أوحى الله إلى موسى بن عمران (عليه السلام) قل للملإ من بني
إسرائيل إياكم و قتل النفس الحرام بغير حق فإن من قتل منكم نفسا في الدنيا قتلته
مثل قتله صاحبه .
الكافي عن أبي عبد
الله (عليه السلام) : أن اسم الله الأعظم ثلاثة و سبعون حرفا أعطي موسى منها أربعة أحرف .
تفسير علي بن إبراهيم مات موسى و هارون (عليه السلام) في التيه .
فروي أن الذي حفر
قبر موسى ملك الموت في صورة آدمي .
و لذلك لا يعرف بنو إسرائيل موضع قبر موسى .
و عن حنان بن سدير
قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل شق ثوبه على أبيه أو أخيه أو على قريب له فقال لا
بأس بشق الثوب قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون (عليه السلام) و في ليلة إحدى و عشرين من
شهر رمضان قبض موسى (عليه السلام) .
و في الكافي عن
عمارة قال : قلت للصادق (عليه السلام) أخبرني بوفاة موسى بن عمران فقال لما أتاه أجله أتاه ملك
الموت فقال السلام عليك يا كليم الله فقال و عليك السلام من أنت فقال أنا ملك
الموت جئت لأقبض روحك فقال له موسى من أين تقبض روحي قال من فمك قال له موسى كيف و
قد تكلمت مع ربي جل جلاله قال فمن يديك قال كيف و قد حملت بها التوراة قال فمن
[309]
رجليك قال كيف و قد وطئت بها طور سيناء قال فمن عينيك
قال كيف و لم تزل إلى ربي ممدودة قال فمن أذنيك قال كيف و قد سمعت بها كلام الله
عز و جل قال فأوحى الله تعالى إلى ملك الموت لا تقبض روحه حتى يكون هو الذي يريد
ذلك و خرج ملك الموت فمكث ما شاء الله يمكث بعد ذلك و دعا يوشع بن نون فأوصى إليه و
أمره بكتمان أمره و بأن يوصي بعده إلى من يقوم بالأمر و غاب موسى عن قومه فمر في
غيبته برجل و هو يحفر قبرا فقال أ لا أعينك على حفر هذا القبر فقال له الرجل بلى
فأعانه على حفر القبر و سوى اللحد ثم اضطجع فيه موسى بن عمران لينظر كيف هو فكشف
له عن الغطاء فرأى مكانه من الجنة فقال يا رب اقبضني إليك فقبض ملك الموت روحه في
مكانه و دفنه في القبر و سوى عليه التراب و كان الذي يحفر القبر ملك في صورة آدمي
و كان ذلك في التيه فصاح صائح من السماء مات موسى كليم الله فأي نفس لا تموت ثم إن
يوشع بن نون قام بالأمر من بعد موسى صابرا على الضراء و البلاء من الطواغيت حتى
مضى منهم طواغيت فقوي بعدهم أمره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى بصفراء بنت
شعيب امرأة موسى في مائة ألف رجل فقاتلوا يوشع بن نون فغلبهم و قتل منهم مقتلة
عظيمة و هزم الباقين بإذن الله و أسر صفراء بنت شعيب و قال لها قد عفوت عنك في
الدنيا إلى أن نلقى كليم الله موسى بن عمران فأشكو ما لقيت منك و من قومك فقالت
صفراء وا ويلاه و الله لو أبيحت لي الجنة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله و قد
هتكت حجابه و خرجت على وصيه بعده .
القصص عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال موسى (صلى الله عليه وآله وسلم) لهارون (عليه السلام) امض بنا إلى جبل طور
سيناء ثم خرجا فإذا بيت على بابه شجرة عليها ثوبان فقال موسى لهارون اطرح ثيابك و
ادخل البيت و البس هاتين الحلتين و نم على السرير ففعل هارون فلما أن نام على
السرير قبضه الله تعالى إليه و ارتفع البيت و الشجرة
[310]
و رجع موسى إلى بني إسرائيل فأعلمهم أن الله قبض هارون و رفعه إليه فقالوا كذبت
أنت قتلته فشكا موسى (عليه السلام) ذلك إلى ربه فأمر الله تعالى الملائكة فأنزلته على سرير بين
السماء و الأرض حتى رأته بنو إسرائيل فعلموا أنه مات .
الكافي عن محمد بن سنان قال : كنت عند الرضا (عليه السلام) فقال لي يا محمد إنه كان في زمن بني إسرائيل
أربعة نفر من المؤمنين فأتى واحد منهم الثلاثة و هم في منزل واحد في مناظرة بينهم
فقرع الباب و خرج إليه الغلام فقال أين مولاك فقال ليس هو في البيت فرجع الرجل و
دخل الغلام إلى مولاه فقال له من كان الذي قرع الباب قال فلان فقلت له ليس في
المنزل فسكت و لم يلم غلامه و لا اغتم أحد منهم لرجوعه عن الباب و أقبلوا في
حديثهم فلما كان من الغد بكر إليهم الرجل فأصابهم و قد خرجوا يريدون ضيعة بعضهم
فسلم عليهم و قال أنا معكم فقالوا نعم و لم يتعذروا إليه و كان الرجل محتاجا ضعيف
الحال فلما كانوا في بعض الطريق إذا غمامة قد أظلتهم فظنوا أنه مطر فبادروا فلما
استوت الغمامة على رءوسهم إذا مناد ينادي من جوف الغمامة أيتها النار خذيهم و أنا
جبرئيل رسول الله فإذا نار في جوف الغمامة قد اختطفت الثلاثة نفر و بقي الآخر
مرعوبا يعجب مما نزل بالقوم و لا يدري ما السبب فرجع إلى المدينة فلقي يوشع بن نون
و أخبره الخبر و ما رأى و ما سمع فقال يوشع بن نون أ ما علمت أن الله سخط عليهم
بعد أن كان راضيا و ذلك بفعلهم بك قال و ما فعلهم بي فحدثه يوشع فقال الرجل فأنا
أجعلهم في حل و أعفو عنهم قال لو كان هذا قبل لنفعهم و أما الساعة فلا و عسى أن
ينفعهم بعد .
[311]