الفصل الثالث في قصة أصحاب السبت
قال الله تعالى وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ
فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلْناها نَكالًا
لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ .
تفسير علي بن
إبراهيم وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ فإنها
قرية كانت لبني إسرائيل على البحر و كان الماء يجري في المد و الجزر فيدخل أنهارهم
و زروعهم و يخرج السمك من البحر حتى يبلغ آخر زروعهم .
و قد كان الله حرم عليهم
الصيد يوم السبت فكانوا ينصبون الشباك في الأنهار ليلة السبت و يصطادون يوم الأحد
و كان السمك يخرج يوم السبت و يوم الأحد فنهاهم علماؤهم عن ذلك فمسخوا قردة و
خنازير .
[356]
و كان العلة في تحريم الصيد عليهم يوم السبت
أن عيد جميع المسلمين و غيرهم كان يوم الجمعة فخالف اليهود و قالوا عيدنا السبت
فحرم الله عليهم الصيد يوم السبت .
و عن أبي جعفر (عليه السلام) : قال أوحى الله إلى طائفة منهم أنما نهيتم عن أكلها يوم
السبت و لم تنهوا عن صيدها فاصطادوا يوم السبت و كلوها فيما سوى ذلك من الأيام
فقالت طائفة منهم الآن تصطادونها فعتت و انحازت طائفة أخرى منهم ذات اليمين فقالوا
ننهاكم عن عقوبة أن تتعرضوا بخلاف أمره و اعتزلت طائفة منهم ذات اليسار فتنكبت فلم
تعظهم فقالت للطائفة التي وعظتهم لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ
أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فقالت الطائفة التي وعظتهم مَعْذِرَةً إِلى
رَبِّكُمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فقالت الطائفة التي وعظتهم لا و الله لا نجامعكم و لا
نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها قبل أن ينزل بكم البلاء
فيعمنا معكم قال فخرجوا منهم من المدينة و نزلوا قريبا منها فباتوا تحت السماء
فلما أصبح أولياء الله المطيعون غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية فأتوا باب
المدينة فإذا هو مصمت فدقوه فلم يجابوا و لم يسمعوا منها حس أحد بل سمعوا أصواتا
كالعواء لا تشبه أصوات الناس فوضعوا سلما على سور المدينة ثم أصعدوا رجلا منهم
فأشرف على المدينة فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون و لها أذناب فكسروا الباب
فعرفت القردة أنسابها
من الإنس و لم تعرف الإنس أنسابها من القردة فقال القوم للقردة أ لم ننهكم.
و قال علي (عليه السلام) : و الله
الذي فلق الحبة و برأ النسمة إني لأعرف أنسابها من الأمة لا ينكرون و لا يغيرون بل
تركوا ما أمروا به فتفرقوا .
و قال علي بن طاوس وجدت في حديث أنهم كانوا ثلاث فرق فرقة باشرت
المنكر و فرقة أنكرت عليهم و فرقة داهنت أهل المعاصي فلم ينكروا و لم تباشر
المعصية فنجى الله الذين أنكروا و جعل الفرقة المداهنة ذرا و مسخ الفرقة المباشرة
للمنكر قردة .
ثم قال و لعل مسخ المداهنة ذرا لتصغيرهم عظمة الله و توهينهم بحرمة
الله فصغرهم الله .
مناقب ابن شهرآشوب المازندراني عن هارون بن عبد رفعه إلى أحدهم قال : جاء
قوم إلىأمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة و قالوا يا أمير المؤمنين إن هذه الجراري
[357]
تباع في أسواقنا فتبسمأمير المؤمنين (عليه السلام) ضاحكا ثم قال
قوموا لأريكم عجبا و لا تقولوا في وصيكم إلا خيرا فقاموا معه فأتوا شاطئ الفرات
فتفل فيه تفلة و تكلم بكلمات فإذا بجرية رافعة رأسها فاتحة فاها فقال لها أمير
المؤمنين (عليه السلام) من أنت الويل لك و لقومك فقالت نحن من أهل القرية التي كانت حاضرة
البحر فعرض الله علينا ولايتك فقعدنا عنها فمسخنا الله فبعضنا في البحر و بعضنا في
البر فأما الذين في البحر فنحن الجراري و أما الذين في البر فالضب و اليربوع ثم
قالت و الذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة لنحيض كما تحيض نساؤكم .
و قال علي بن الحسين (عليه السلام) في قوله تعالى وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ
اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ كانوا يسكنون على شاطئ بحر فنهاهم الله و
أنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت فتوصلوا إلى حيلة يحلوا بها ما حرم الله
عليهم فأخذوا أخاديد و عملوا طرقا تؤدي إلى حياض يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك
الطرق و لا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على
أمان الله لها فدخلت في أخاديد و حصلت في الحياض و الغدران فلما كانت عشية اليوم
همت بالرجوع منها إلى الحج لتأمن صائدها فلما همت بالرجوع فلم تقدر و بقيت ليلها
في مكان يتهيأ أخذها بلا اصطياد لاسترسالها فيه و عجزها عن الامتناع و كانوا يأخذونها
يوم الأحد و يقولون ما اصطدنا يوم السبت حتى كثر من ذلك مالهم و تنعموا بالنساء
فكانوا في المدينة نيفا و ثمانين ألفا فعل هذا منهم سبعون ألفا و أنكر عليهم
الباقون و ذلك أن طائفة منهم وعظوهم فأبوا فاعتزلوهم إلى قرية أخرى فمسخ الله
الذين اعتدوا قردة فجاءوا إليهم يعرفوا هؤلاء الناظرون معارفهم يقول المطلع لبعضهم
أنت فلان فتدمع عيناه و يومي برأسه أن نعم فما زالوا كذلك ثلاثة أيام ثم بعث الله
عليهم مطرا و ريحا فجرفهم إلى البحر و ما بقي مسخ بعد ثلاثة أيام و أما الذين ترون
من هذه المصورات بصورها فإنما هي أشباهها لا هي بأعيانها و لا من نسلها ثم قال (عليه السلام) إن الله مسخ هؤلاء لاصطياد السمك فكيف ترى عند الله عز
[358]
و جل حال من قتل أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هتك حرمته إن الله تعالى لم يمسخهم في
الدنيا فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ ثم قال (عليه السلام) أما إن
هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح فعالهم سألوا ربهم بجاه محمد
و آله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم كذلك الناهون لو سألوا الله عز و جل أن
يعصمهم بجاه محمد و آله الطيبين لعصمهم و لكن الله عز و جل لم يلهمهم ذلك و لم
يوفقهم له فجرت معلومات الله فيهم على ما كان سطر في اللوح المحفوظ .
الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قال : الخنازير
على لسان داود و القردة على لسان عيسى.
أقول : المشهور في الحديث و التفاسير هو العكس .
و قال البيضاوي قيل أهل
أبلة لما اعتدوا في السبت لعنهم الله على لسان داود فمسخهم قردة و خنازير .
و أصحاب
المائدة لما كفروا دعا عيسى عليهم و لعنهم فأصبحوا خنازير و كانوا خمسة آلاف رجل
أقول الأبلة بضم الهمزة و الباء المشددة موضع بالبصرة و هي إحدى الجنات الأربعة .
[359]