باب في قصة قوم سبأ و أهل الثرثار و قصة أصحاب الرس و حنظلة و قصة شعيا و حبقوق
المحاسن بإسناده
إلى عمرو بن شمر قال : سمعت أبا عبد الله يقول لألحسن أصابعي من المأدم حتى أخاف أن
يرى خادمي أن ذلك من جشع و ليس كذلك إن قوما ما أفرغت عليهم النعمة و هم أهل
الثرثار فعمدوا إلى مخ الحنطة فجعلوه خبزا ينجون به صبيانهم حتى اجتمع من ذلك جبل
قال فمر رجل صالح على امرأة و هي تفعل ذلك بصبي لها فقال ويحكم اتقوا الله لا يغير
ما بكم من نعمة فقالت كأنك تخوفنا بالجوع ما دام ثرثارنا يجري فإنا لا نخاف الجوع
قال فأسف الله عز و جل و ضعف لهم الثرثار و حبس عنهم قطر السماء و نبت الأرض قال
فاحتاجوا إلى ما في أيديهم فأكلوه فاحتاجوا إلى ذلك الجبل قال كان ليقسم بينهم
بالميزان .
الكافي عن سدير قال سأل رجل أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل فَقالُوا
رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فقال : هؤلاء قوم كانت
لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض و أنهار جارية و أموال ظاهرة فكفروا بأنعم الله
و غيروا ما بأنفسهم فأرسل الله عليهم العرم فغرق قراهم و خرب ديارهم و أبدلهم مكان
جناتهم جنتين ذواتي أكل خمط و أثل و شيء من سدر قليل جزاء بكفرهم .
أقول : هؤلاء هم أهل سبأ الذين قص الله سبحانه قصتهم في القرآن و كان
يجري إلى اليمن ثم أمر سليمان جنوده أن يجروا لهم خليجا من البحر العذب ففعلوا ذلك
[387]
و عقدوا له عقدة عظيمة من الصخر و الكلس حتى يفيض على
بلادهم و جعلوا للخليج مجاري و كانوا إذا أرادوا أن يرسلوا الماء أرسلوه بقدر ما
يحتاجون إليه و كانت جنات مسيرة عشرة أيام فمن يمر لا تقع عليه الشمس من التفاف
أغصانها و كان من كثرة النعم أن المرأة كانت تمشي و المكتل على رأسها فيمتلئ
بالفواكه من غير أن يمس يدها شيئا و لم يكن في قريتهم بعوضة و لا ذباب و لا برغوث
و لا عقرب و لا حية و كانت قراهم ثلاث عشرة قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله
فلم يقبلوا دعاء الأنبياء إلى الله فأرسل الله عليهم سيل العرم و ذلك أن الماء كان
يأتي أرض سبأ من أودية اليمن و كان هناك جبلان يجتمع ماء المطر و السيول بينهما
فسدوا ما بين الجبلين فإذا احتاجوا إلى الماء نقبوا السد بقدر فيسقون زروعهم و بساتينهم .
فلما كذبوا الرسل بعث جرذا نقب ذلك الردم و فاض الماء عليهم فأغرقهم .
و قيل إن ذلك السد ضربته لهم بلقيس ثم بدل الله جناتهم بجنات فيها أم غيلان و أثل و
هو نوع من الطرفاء و شيء من السدر .
و روى الكلبي عن أبي صالح قال ألقت طريفة
الكاهنة إلى أبي عامر الذي يقال له ابن ماء السماء و كانت قد رأت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب و أنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنات .
فباع ابن عامر أمواله و سار هو و
قومه إلى مكة فأقاموا بها و ما حولها فأصابهم الحمى و كانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى فدعوا طريفة و شكوا إليها الذي أصابهم فقالت لهم قد أصابني الذي تشكون و هو مفرق مفرق بيننا فقالوا فما ذا تأمرين قالت من كان منهم ذا هم بعيد و جمل شديد و زاد جديد فليلحق بقصر عمان المشيد فكانت أزد عمان و من كان منكم ذا جلد و قسر و
صبر على أزمات الدهر فعليه بالأراك من بطن مر فكانت خزاعة و من منكم يريد الراسيات
في الوحل المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل فكانت الأوس و الخزرج و من كان
يريد الخمر و الخمير و الملك و التأمير و ملابس التاج و الحرير فليلحق ببصرى و عوير و هما من أرض الشام و كان الذي سكنوها آل جفنة بن غسان و من كان منكم يريد
الثياب الرقاق و الخيل العتاق و كنوز الأرزاق و الدم المراق فليلحق بأرض العراق و كان الذين سكنوها آل جذيمة الأبرش و من كان بالحيرة آل محرق .
[388]