‹ صفحه 45 ›
قال : فسقطت على قدم ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه وآله أقبلها ، فقال ( لي ) :
يا
روزبه ! أدخل على هذه المرأة ( 2 ) وقل لها : يقول لك محمد بن عبد الله : تبيعينا
هذا الغلام ؟ فدخلت ( عليها ) وقلت لها : يا مولاتي ! إن محمد بن عبد الله يقول
لك تبيعينا هذا الغلام ؟ فقالت : قل له : لا أبيعكه ( 3 ) إلا بأربعمائة نخلة :
مأتي نخلة منها صفراء ومأتي نخلة منها حمراء ، قال : فجئت إلى النبي صلى الله عليه
وآله
فأخبرته ، فقال : ( و ) ما أهون ما سألت ، ثم قال : قم يا علي واجمع هذا
النوى كله فجمعه فأخذه فغرسه ، ثم قال : اسقه ، فسقاه أمير المؤمنين ، فما بلغ
آخره حتى خرج النخل ولحق بعضه بعضا ، فقال لي أدخل إليها وقل لها :
يقول لك محمد بن عبد الله : خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا ، قال : فدخلت
عليها وقلت ذلك لها ، فخرجت ونظرت إلى النخل فقالت : والله لا أبيعكه
إلا بأربعمائة نخلة كلها صفراء ، قال : فهبط جبرئيل عليه السلام ومسح
جناحه ( 4 ) على النخل فصار كله أصفر ، قال : ثم قال لي : قل لها : إن محمدا
يقول لك : خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا ، ( قال : ) فقلت لها ذلك
فقالت : والله لنخلة من هذه أحب إلي من محمد ومنك ، فقلت لها : والله
ليوم واحد مع محمد أحب إلي منك ومن كل شئ أنت فيه ، فأعتقني
رسول الله صلى الله عليه وآله وسماني سلمان ) ( 5 ) .
ورواه الراوندي ( 6 ) في قصص الأنبياء ( 7 ) بإسناده عن الصدوق مع
00000000000000000000
( 1 ) رجلي خ ل .
( 2 ) في المصدر : إلى هذه المرأة .
( 3 ) في المصدر : لا أبيعك .
( 4 ) في المصدر : فمسح جناحيه .
( 5 ) إكمال الدين 1 : 5 - 161 ، البحار 22 : 9 - 355 مع اختلاف يسير .
( 6 ) قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسن بن عيسى الراوندي ، الشيخ
الإمام الفاضل
المتبحر الفقيه المحدث الشاعر جامع الفضائل والمناقب ، قال التستري في المقابس :
14 ( الفقيه
المحدث الفاضل النحرير العلامة الكامل ، العزيز النظير ) له تآليف قيمة : الخرائج
والجرائح ، قصص
الأنبياء ، فقه القرآن ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ، توفي في الرابع عشر
من شوال سنة 573 و
قبره في الصحن الكبير من حضرة المعصومة عليها السلام بقم .
( 7 ) قصص الأنبياء : 302 .
‹ صفحه 46 ›
اختلاف يسير ، ورواه الشيخ الشهيد النيشابوري المعروف بابن الفارسي ( 1 ) في
روضة الواعظين ( 2 ) مثله ، ورواه الشيخ يوسف بن حاتم الشامي العاملي ( 3 )
- تلميذ المحقق - في كتاب در النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم ، وقال في
آخره : ( قال نصر بن المنتصر في ذلك :
من غرس النخل فجائت يانعا ( 4 )
مرضية ليومها من النوى
أقول : وهذه أصح الروايات الواردة ( 5 ) في مبدأ أمره وكيفية إسلامه
ويأتي ما يخالفها في غالب فقراتها .
قوله : لو أن غيرك سئلني ، لعله لما فيه من الكرامات الجلية
والألطاف الإلهية التي اختص بها من بينهم ، فالإخبار بها لغير أهله يدعوهم
أما إلى الحسد والبغضاء ، . والتكذيب والإيذاء ، وقد اعتذر رضي الله عنه في
بعض كلماته لستره بعض ماله من المقام وإخفائه ما منحه الله من عطاياه
الجسام بقوله : ( ولو أخبرتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة : إنه لمجنون ، وقالت
طائفة أخرى : اللهم اغفر لقاتل سلمان ) ( 6 )
و ( شيراز ) : قاعدة بلاد فارس ، بناها شيراز بن طهمورث بن
000000000000000000000
( 1 ) هو محمد بن الحسن بن علي بن أحمد بن
علي الفتال الواعظ النيشابوري ، الشيخ الأجل الثقة
السعيد الحائز على درجة الاجتهاد في سبيل إشاعة الحق وترويج المذهب ، قال ابن داود
في كتابه :
( محمد بن أحمد بن علي الفتال النيشابوري المعروف بابن الفارسي متكلم جليل القدر ،
فقيه ، عالم ،
زاهد ، قتله أبو المحاسن عبد الرزاق رئيس نيشابور الملقب بشهاب الإسلام ) ، استشهد
سنة 508 .
( 2 ) روضة الواعظين : 8 - 275 .
( 3 ) جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي العاملي ، كان فاضلا فقيها عابدا ، له كتب
منها كتاب
الأربعين ، يروي عن المحقق جعفر ابن سعيد وعن ابن طاووس ، قال العلامة المجلسي في
البحار :
( كتاب در النظيم كتاب شريف كريم مشتمل على أخبار كثيرة من طرقنا وطرق المخالفين
في المناقب وقد ينقل من كتاب مدينة العلم وغيره من الكتب المعتبرة وكان معاصرا
لسيد علي بن
طاووس ) .
( 4 ) ينع الثمر : أدرك وطاب وحان قطافه فهو يانع .
( 5 ) الرواية على ما نقل في المصدر المطبوع مرسل .
( 6 ) إختيار معرفة الرجال : 21 ، وفيه ( لقالت طائفة : مجنون ) .
‹ صفحه 47 ›
هوشنج بن سامك بن جيومرث بن يافث بن نوح عليه السلام ، وأحكم بناها
سلطان الدولة بن بويه .
و ( فارس ) : ناحية سميت باسم فارس بن الأسور بن سام بن نوح
عليه السلام ، وفي بعض التواريخ : إنها خمسة كور : الأولى : أرجان وتسمى
كورة سابور وهي أصغرهن ، الثانية : إصطخر وهي عظيمة ، روى أن سليمان
كان يتغدى ببعلبك ويتعشى بها ( 1 ) ، الثالثة : كورة سابور الثاني ، الرابعة :
شاذروان وقاعدتها شيراز ، الخامسة : كورة سوس ، وفي فارس مواضع
لا تنبت الفواكه لشدة بردها وينجمد الماء في أواخر الصيف ، وفيها مواضع
لا يسكنها الطير لشدة حرها .
و ( الصومعة ) : هي بيت نحو المنارة ، ينقطع فيها رهبان النصارى ،
و ( الرصف ) هو الصم يقال : رصفت الحجارة في البناء : أي ضممت بعضها
إلى بعض .
قوله : ما لك اليوم لم تسجد لمطلع الشمس ، ظاهره ينافي ما تقدم من
أنه ما كان مشركا قط ، وسيأتي وجهه .
قوله : أنت وصي عيسى ( 2 ) ، يظهر منه ومما نقلنا من المهج وغيره أنه
من أوصياء عيسى عليه السلام ، بل وآخرهم ، ويؤيده قول راهب الإسكندرية
حين وفاته : ( إن النبي صلى الله عليه وآله قد حانت ولادته ) ، فلو لم يكن وصيا
لكانت الأرض بين وفاته وولادته صلى الله عليه وآله خالية عن الحجة ، وهو
خلاف الضرورة والأخبار المتواترة ، وفي بعضها : إن لو كان كذلك لساخت
الأرض بأهلها ( 3 ) ، ولا يحتمل أن يكون غيره وصيا بعد هذا الراهب لما مر من
أنه لقي آخرهم ولم يلق بعده أحدا - كما يظهر من تلك الرواية وغيرها .
وربما يومئ إلى وصايته تغسيل علي عليه السلام له بعد وفاته رضي
000000000000000000
( 1 ) مجمع البيان 8 : 328 .
( 2 ) ذكرنا فيما سبق إن عبارة المصدر المطبوع كذا : ( أنت وصي عيسى ) ، وهذا لا
يدل على إنه من
أوصيائه .
( 3 ) البحار 23 : 29 .
‹ صفحه 48 ›
الله عنه وهو في المدائن ( 1 ) وأمير المؤمنين عليه السلام في المدينة ، ولم يعهد
تشرف
أحد بتلك المكرمة الخاصة غيره ، ولعله لما ورد من أن الوصي لا يغسله إلا
نبي أو وصي ، وعدم ظهور الدعوة وترويج الدين منه في تلك المدة لا ينافي
الوصاية ، لما روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : ( كان بين عيسى عليه السلام
وبين محمد صلى الله عليه وآله خمسمائة عام ، منها مأتان وخمسون عاما ليس فيها
نبي ولا عالم ظاهر ) ، فكان الرمان رمان الغيبة كما في تلك الأزمنة .
ولكن يعارض جميع ذلك ما يظهر من رواية الإكمال والمحاسن
والأمالي وكفاية الأثر وغيرها ( 3 ) من أن آخر أوصياء عيسى عليه السلام : آبي ، أو
برده ، أو بالط - كما في بعض الأخبار - ، وإنه الذي لقيه سلمان أخيرا ، ومر
في رواية البرقي والصدوق أنه قال له : ( إن الذي تطلب قد ظهر اليوم
بمكة ) ، فيرتفع المحذور الذي ذكرنا .
ويمكن التوفيق بين الروايات بأنه كان وصيا لا كسائر الأوصياء ، بل
كان متعلق وصايته أمرا خاصا هو حمل اللوح وتسليمه إلى النبي صلى الله عليه
وآله ويشهد له ما نقلناه عن الصدوق ، فيكون مقامه فيها كمقام أم سلمة ( 4 )
وفاطمة الكبرى ( 5 ) - بنت الحسين عليه السلام - وأبي طالب . ( 6 ) .
00000000000000000
( 1 ) هي مدينة كسرى ، وقيل : هي عدة مدن
متقاربة تقع على سبع فراسخ من بغداد وهي دار
مملكة الفرس ، وأول من نزلها انوشيروان ، ولها إيوان ولم تزل آثاره باقية حتى
يومنا هذا وبها قبرا
سلمان وحذيفة وهما مشيدان ويعرف المكان باسم ( سلمان باك ) .
( 2 ) البحار 23 : 33 .
( 3 ) إكمال الدين 2 : 664 ، المحاسن : 235 ، الأمالي : 242 ، كفاية الأثر : 149 ،
البحار 17 : 9
و 141 .
( 4 ) أم المؤمنين بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية
المخزومية ، وأمها عاتكة
بنت عبد المطلب ، زوج النبي واسمها هند ، من المهاجرات إلى الحبشة وإلى المدينة ،
نزلت آية التطهير
في بيتها ، وهي آخر من مات من نساء النبي ، وماتت في زمن يزيد سنة 63 .
( 5 ) أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله ، زوجها الحسن بن الحسن عليه السلام
وقبض وله خمس
وثلاثون سنة ولما مات ضربت زوجته فاطمة على قبره فسطاس وكانت تقوم الليل وتصوم
النهار
وكانت تشبه بالحور العين لجمالها ، توفيت بالمدينة سنة سبع عشرة ومائة وقد أسنت
( 6 ) شيخ البطحاء ورئيس مكة وشيخ قريش أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد
مناف ، عم الرسول وكافله وأبو الأئمة عليهم السلام ، اسمه الشريف عبد مناف وأمه
فاطمة بنت عمرو بن
عائذ وهي أم عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله ، أولد أبو طالب أربعة بنين
وأمهم جميعا فاطمة
بنت أسد وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي ، كان أبو طالب شيخا وسيما جسيما ، عليه بهاء
الملوك
ووقار الحكماء وكانت قريش تسميه ( الشيخ ) وكانوا يهابونه ويخافون سطوته وكانوا
يتجنبون أذية
رسول الله عليه السلام في أيامه ، فلما توفي سلام الله عليه اجترؤا عليه واضطر إلى
الهجرة من
وطنه ، توفي سلام الله عليه في 26 رجب في آخر السنة العاشرة من مبعث النبي صلى
الله عليه وآله
ورثاه أمير المؤمنين عليه السلام بأشعار .
‹ صفحه 49 ›
ففي البصائر مسندا عن عيسى بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده ، عن
عمر بن أبي سلمة ، عن أمه أم سلمة قال : ( قالت : أقعد رسول الله عليا
عليه السلام في بيتي ، ثم دعا بجلد شاة ، فكتب فيه حتى ملأ أكارعه ( 1 ) ، ثم دفعه
إلي وقال : من جاءك ( من ) بعدي بآية كذا وكذا فادفعيه إليه ، فأقامت أم
سلمة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وولي أبو بكر أمر الناس بعثتني
فقالت : اذهب وانظر ما صنع هذا الرجل ؟ ( قال : ) فجئت فجلست في
الناس حتى خطب أبو بكر ثم نزل فدخل بيته ، فجئت وأخبرتها ، فأقامت
حتى إذا ولى عمر بعثتني فصنع مثل ما صنع صاحبه ، فجئت وأخبرتها ، ثم
أقامت حتى ولى عثمان فبعثتني ، فصنع مثل ما صنع صاحباه فأخبرتها ، ثم
أقامت حتى ولى علي ، فأرسلتني فقالت : أنظر ماذا يصنع هذا الرجل ؟
فجئت فجلست في المسجد فلما خطب ( علي ) نزل فرآني في الناس فقال :
اذهب فاستأذن على أمك ، قال : فخرجت حتى جئتها فأخبرتها وقلت : قال
لي : استأذن ( لي ) على أمك ، وهو خلفي يريدك ، قالت : وأنا والله أريده ،
فاستأذن ( علي ) فدخل ، فقال ( لها ) : أعطيني الكتاب الذي دفع إليك
( رسول الله صلى الله عليه وآله ) بآية كذا وكذا ، كأني أنظر إلى أمي حتى قامت
إلى تابوت لها ، ( في جوفها تابوت ) صغير ، فاستخرجت من جوفه كتابا ،
فدفعته إلى علي عليه السلام ، ثم قالت لي ( أمي ) : ( يا ) بني ! ألزمه ، فلا
والله
ما رأيت بعد نبيك إماما غيره ) ( 2 )
000000000000000000000
( 1 ) كراع الأرض : ناحيتها ، أكارعها :
أطرافها القاصية .
( 2 ) بصائر الدرجات : 4 - 138 ، البحار 26 : 50 .
‹ صفحه 50 ›
وفيه أيضا بسنده عن معلى بن خنيس ، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال : ( إن الكتب كانت عند علي عليه السلام فلما سار إلى العراق استودع
( الكتب ) أم سلمة ، فلما مضى علي كانت عند الحسن ، فلما مضى الحسن
كانت عند الحسين ، فلما مضى الحسين كانت عند علي بن الحسين ، ثم
كانت عند أبي ) .
وفيه مسندا عن أبي الجارود قال : ( سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول : إن الحسين ( بن علي ) عليه السلام لما حضره الذي حضره ، دعا ابنته
الكبرى فاطمة ، فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة ( ووصية باطنة ) ،
وكان علي بن الحسين مبطونا ( 2 ) ( معهم ) لا يرون إلا لما به ، ( 3 ) فدفعت فاطمة
الكتاب إلى علي بن الحسين ، ثم صار ذلك ( الكتاب والله ) إلينا ، ( قال : )
قلت : فما في ذلك الكتاب ( جعلني الله فداك ) ؟ قال : فيه والله ( جميع )
ما يحتاج إليه ولد آدم ( منذ يوم خلق آدم ) إلى أن تفنى الدنيا ) ( 4 )
ورواه في البصائر الصغير بهذا السند ، قال : ( لما حضر من أمر
الحسين عليه السلام ما حضر ، دفع وصية ظاهرة في كتاب مدرج إلى ابنته ، فلما
إن كان ما كان دفعت ذلك إلى علي بن الحسين عليه السلام ، قال : قلت : فما
فيها يرحمك الله ؟ قال : ما يحتاج إليها ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن
تفنى ) ( 5 )
وأما ( أبو طالب ) : ففي الكافي مسندا عن درست بن أبي منصور ،
أنه سئل أبا الحسن الأول عليه السلام : ( أ ) كان رسول الله صلى الله عليه وآله
محجوبا بأبي طالب ؟ فقال : لا ولكنه ( كان ) مستودعا للوصايا فدفعها إليه
صلى الله عليه وآله ، قال : ( قلت : ) فدفع إليه الوصايا على أنه محجوج ( به ) ؟
000000000000000000
( 1 ) بصائر الدرجات : 128 ، البحار 26 : 50
( 2 ) بطن بطنا - بالضم - : أصيب بوجع في بطنه فهو مبطون .
( 3 ) الإمامة خ ل .
( 4 ) بصائر الدرجات : 183 ، البحار 26 : 50 .
( 5 ) لم يطبع بعد ، أقول : رواها في بصائر الدرجات الكبرى مع تغيير في الألفاظ :
188
‹ صفحه 51 ›
فقال : ( لا ) ، لو كان محجوبا به ما دفع إليه الوصية ، قال : فقلت : فما كان
حال أبي طالب ؟ قال : أقر بالنبي وبما جاء به ودفع إليه الوصايا ومات من
يومه ) ( 1 )
وفي البحار : ( أما أبو طالب ) إنه كان من أوصياء إبراهيم عليه السلام
وإسماعيل عليه السلام ، وكان حافظا لكتبهم ووصاياهم من تلك الجهة
لا من جهة بني إسرائيل وموسى عليه السلام وعيسى عليه السلام ، ولم يكونا
مبعوثين إليهم ، بل كانوا على ملة إبراهيم عليه السلام ، انتهى ) ( 2 )
وعلى هذا فيجوز أن يكون في زمان واحد أوصياء عديدة من نبي
واحد من جهات متعددة ، فيكون برده وآبي وبالط وسلمان كلهم أوصياء
في زمان واحد ( لكل وجهة هو موليها ) ( 3 ) ، وسلمان من بينهم كان وصيا في
حفظ اللوح فقط ، هذا .
والذي ذكره علي بن الحسين المسعودي ( 4 ) في كتاب إثبات الوصية
000000000000000000
( 1 ) الكافي 1 : 445 ، قال المحقق الرباني :
رواه الصدوق في إكمال الدين إلا أن فيه : ( كان
رسول الله محجوجا بأبي ) ، وكذا في آخر الخبر : ( فما كان حال أبي ) ، والظاهر أن
أحدهما تصحيف
الآخر لوحدة الخبر - كما احتمله المجلسي - ويؤيده تن آب وآبه - بإمالة الياء
والتاء - من ألقاب علماء
النصارى وكان آبي هذا اسمه بالط - كما مر - ، فصحف ( آبي بالط ) في نسخ الكافي ب
( أبي طالب ) ، ولو كان ذاك المستودع للوصايا هو أبو طالب لما أخر الأداء والدفع
إلى يوم وفاته ،
بل الظاهر أن الثاني عشر من أوصياء عيسى عليه السلام لما لم يكن له أن يوصي إلى
أحد ، استودع
الوصايا حين وفاته عند من يوصلها إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله ، فكان ( آبي
بالط ) آخر
المستودعين الذين تناهت إليهم الوصايا فقدم إلى النبي لأداء الوديعة فدفع الوصايا
إليه ، والدفع إنما
يقال : لإيصال الرجل ما ليس له إلى صاحبه ، فلو كان النبي محجوجا به لما كان يقدم
إليه لدفع
الوصايا ، بل كان على النبي صلى الله عليه وآله أن يقدم إليه لأخذ الوصايا - كما
هو سيرة
الأوصياء - ، والكعبة تزار ولا تزور ) ( البحار 17 : 140 )
( 2 ) البحار 17 : 142 .
( 3 ) اقتباس من الكريمة ، البقرة : 148 .
( 4 ) أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي ، ولكونه من ذرية عبد الله بن مسعود
الصحابي قيل له
المسعودي وهو جد الشيخ الطوسي لأمه ، ولد في بابل - كما نص عليه في مروج الذهب -
نشأ في
بغداد وأقام بها زمانا ورحل في طلب العلم إلى أقصى البلاد ، توفي في مصر في جمادى
الآخرة سنة
345 ، كان إماميا أثنى عشريا ، ومن الأجلاء الثقات وقد اعترف بذلك علماؤنا الأعلام
، قال في
منتهى المقال : ( هو من أجلة العلماء الإمامية ومن قدماء الفضلاء الاثني عشرية ولم
أقف إلى الآن
على من توقف في تشيع هذا الرجل ) ، له تصانيف رائقة : مروج الذهب ومعادن الجوهر ،
إثبات
الوصية لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، التنبيه والإشراف ، الإنتصار .
هامش ص 52
‹ صفحه 52 ›
- وهو أحسن كتاب صنف في ترتيب الأوصياء ومجمل أحوالهم من لدن آدم
إلى القائم عليه السلام ، وأجمعه في ترتيب أوصياء عيسى عليه السلام - روايتان :
أحديهما بهذا الترتيب : ( عيسى ثم شمعون ، ثم يحيى بن زكريا ، ثم منذر بن
شمعون ، ثم دانيال النبي ، ثم ابنه مكيخا ، ثم ابنه انشوا ، ثم ابنه رشيخا ، ثم
ابنه نسطورس ، ثم ابنه مرعيد ، ثم بحيرا ، ثم النبي صلى الله عليه وآله ) ( 1 ) ،
والأخرى بعد منذر بن شمعون : ( ابنه سلمة بن منذر ، ثم ابنه برزة ، ثم ابنه
آبي ، ثم ابنه دوس ، ثم ابنه أسيد ، ثم هوف ، ثم ابنه يحيى بن هوف ، ثم
وانا ، وهو خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله ( 2 ) ، والعدد على الروايتين اثني
عشر .
وفي كفاية الأثر والفقيه هكذا : ( عيسى ، ثم شمعون ، ثم يحيى ،
ثم منذر ، ثم سليمه ، ثم برده ، ثم النبي صلى الله عليه وآله ) ( 3 )
والساقط منهم في هذا الخبر ستة ، فآخر الأوصياء بناء على كونه
واحدا مشتبه بين سلمان وأبو طالب وآبي وبالط وبرده ويحيى بن هوف
وبحيرا ، وعلى ما ذكرنا فالأمر سهل ، مع إمكان اتحاد بعض هؤلاء .
ورأيت بعد ذلك كلاما للسيد الجليل السيد حسين بن الحسن
الكركي ( 4 ) سبط المحقق الثاني ( 5 ) يناسب ما ذكرنا ، قال في كتاب دفع
000000000000000000
( 1 ) إثبات الوصية : 75 - 70 .
( 2 ) إثبات الوصية : 75 - 70 .
( 3 ) الفقيه 4 : 176 ، كفاية : 149
( 4 ) السيد حسين بن الحسن الموسوي الجبعي كان عالما فاضلا فقيها جليلا مقدما
معاصر
للشهيد الثاني وكان الشهيد الثاني صهره ، سكن في قزوين ثم رحل إلى أردبيل إلى أن
مات ، قيل :
مات في قزوين سنة 1001 وحمل جثمانه الشريف إلى العتبات العاليات ، له كتب نفيسة في
الفقه
والكلام ورد بدع العامة .
( 5 ) علي بن عبد العالي الكركي العاملي نور الدين ، مروج المذهب والملة وشيخ
الأجلة ، محيي
مراسم المذهب الأنور ومروض رياض الدين الأزهر ، شيخ الطائفة في زمانه ، وعلامة
عصره وأوانه ،
العالم الرباني والفقيه الصمداني الملقب تارة بالشيخ العلائي وأخرى بالمحقق الثاني
، مصنفاته مشهور
كجامع المقاصد في شرح القواعد ، نقل عن صاحب الجواهر أنه قال : من عنده جامع
المقاصد
ووسائل الشيعة والجواهر لا يحتاج إلى كتاب آخر للخروج عن عهدة الفحص الواجب على
الفقيه في
آحاد المسائل الفرعية ، توفي في يوم الغدير سنة 940 في النجف الأشرف ، قال والد
الشيخ البهائي إنه
استشهد مسموما .
‹ صفحه 53 ›
المناواة عن التفضيل والمساواة ، - وهو كتاب حسن جدا رزقنا الله نسخة منه ،
كانت من ممتلكات المجلسي رحمة الله عليه - بعد كلام له في إيمان أبي
طالب وفضائله : ( إن قلت : قال الصدوق في كتاب إثبات الغيبة وكشف
الحيرة : إن الوصي كان سلمان ردا على من يظن أن الوصي أبو طالب بقوله :
سئل عن علي عليه السلام من كان الوصي ؟ فقال : آبي ، فتوهم أنه قال : أبي ،
قلت : هذا إن لم يثبت وصية لا ينفيها ، وهنا أدلة قد سبقت تدل عليها ، أقول :
وسلمان إذا كان وصيا لعيسى عليه السلام فهو لا يكون حينئذ إلا على أمته
- أعني بني إسرائيل - فلا يكون وصيا على العرب الذين هم أمة وأتباع لأبيه
إبراهيم اتفاقا ، فلا بد لهم من وصي وإلا لزم إخلاله تعالى باللطف والواجب
عليه وهو محال ، ولا وصي غير أبي طالب بالإجماع ، فلو لم يكن أبو طالب وصيا
لزم أن لا يكون لإبراهيم وصيا وهو باطل باتفاق منا - انتهى ) .
قوله : واترك المجوسية ، يمكن حمله على وجهين :
الأول : إنه كان في هذا الوقت صبيا غير مكلف - كما في رواية
الراوندي - ، فالمراد من الترك هو عدم أخذ المجوسية دينا إذا أراد التدين
بدين وبلغ زمانه ، وإذا لم يأخذ بها فهو تاركها ، ولا يلزم أن يكون تارك شئ
فاعله في وقت - كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام : ( إني تركت
ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون ) ، ( 2 ) بل يصح الأمر بالترك وإن
0000000000000000000
( 1 ) هو العلامة شيخ الإسلام المولى محمد
باقر بن المولى محمد تقي المجلسي ، وصفه العلامة الطباطبائي
في إجازته : ( خاتم المحدثين الجلة ، وناشر علوم الشريعة والملة ، العالم الرباني
، والنور الشعشعاني ،
خادم الأئمة الأطهار ، وغواص بحار الأنوار ، خالنا العلامة المولى محمد ، الباقر لعلوم
الدين ) ،
له آثار علمية ومآثر خالدة منها : بحار الأنوار ، مرآة العقول ، ملاذ الأخيار في
شرح تهذيب الأخبار ،
ولد في 1037 ، ومن الغريب إنه وافق تاريخ ولادته عدد ( جامع كتاب بحار الأنوار ) -
كما نقل
عن حاشية البحار - توفي قدس سره في 27 من شهر رمضان سنة 1111 ودفن بإصبهان .
( 2 ) يوسف : 37 .
‹ صفحه 54 ›
كان بالغا متدينا بغير المجوسية ، إذ المقصود منه كالنهي عن الفعل من
يجتنب عنه هو استمراره ودوامه - كما قال الله تعالى لنبيه الصادع بأمره قبل
أمره : ( فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهوائهم - الآية ) ( 1 ) .
الثاني : أن يكون مأمورا بترك المجوسية التي اتخذها دينا في
الظاهر ، تقية منهم وخوفا منهم ، وإظهار الإيمان الذي كان يبطنه ويخفيه - كما
يشير إليه حديث الاختصاص - ، أو الغرض ترك مؤازرتهم والكون في
زمرتهم ، ومن ذلك ظاهر وجه سجدته لمطلع الشمس قبل هذا اليوم ، مضافا
إلى ما تقدم من : ( إن القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقية ، وكان أبواه يظنان
أنه إنما يسجد ل ( مطلع ) الشمس كهيئتهم ) .
قوله : فجعلوا يدلون ، أي يرسلون ، والتدلي : إرسال مع تعلق كتدلي
الثمر ، والإشراف : هو الاطلاع من فوق .
و ( الأنطاكية ) : مدينة حصينة هي قاعدة بلاد القواصم ، وهي
الثغور من جهة الروم ، بنتها أنطاكية بنت الروم بن عيص ، بينها وبين حلب
ثلاثة أيام ، موصوفة بالنزاهة ، قريبة من بحر الشام ، واقعة بجنب نهر چيحان
- وهو غير جيحون الذي في بلخ - ، وتسميها الروم مدينة الله تعظيما لها ، وأم
المدن لأنها عندهم أول مدينة ظهر فيها دين النصرانية ، وكانت إحدى
كراسي الروم ، وهو كرسي ( بطرس ) وهو شمعون الصفا ، وفيها مسجد
حبيب النجار ، وقبره يزار ويتبرك به ، وهي القرية التي أرسل الله إلى
أصحابها اثنين ، وهو شمعون ويوحنا أو صادق وصدوق ، ( فكذبوهما فعززنا
بثالث ) ، هو يونس أو سلوم أو شمعون ، وجاء من أقصاها رجل اسمه حبيب ابن
إسرائيل النجار ، وكان منزله عند باب من أبوابها فقال : ( يا قوم اتبعوا
المرسلين ) ( 2 ) ( ، فوطؤوه بأرجلهم أو رجموه حتى مات .
و ( الإسكندرية ) : مدينة مشهورة بمصر في شمال غربي القاهرة ، على
0000000000000000
( 1 ) الشورى : 15 .
( 2 ) يس : 12 - 20 .
‹ صفحه 55 ›
ساحل البحر ، قيل : بناها إسكندر بن فيلقوس اليوناني ، وكان فيها المنارة التي
هي إحدى العجائب السبعة التي كانت في الدنيا من المرمر الأبيض ،
ارتفاعها مأة وعشرون ذراعا ، ترى في البحر في مسافة مأة ميل ، ولما فتحها
عمرو بن العاص في خلافة عمر بن الخطاب دخل عليه خاتم الفلاسفة ،
يحيى النحوي المصري الإسكندراني ، الأسقف في كنيسة الإسكندرية ، وكان
قد أبطل التثليث الذي كان يعتقده النصارى اليعقوبية ، فأكرمه عمرو ورأى
له موضعا وسمع كلامه في إبطال التثليث وانقضاء الدهر وغير ذلك ، مما
لم يكن العرب يأنسه ، فأعجبه ولازمه ولا يكاد يفارقه ، فقال له يحيى يوما : إنك
قد أحطت بحواصل الإسكندرية ، فأما مالك به انتفاع فلا أعارضك فيه
وأما ما لا نفع لكم به فنحن أولى به ، فقل عمرو : ما الذي تحتاج إليه ؟
قال : كتب الحكمة في الخزائن الملوكية ، قال : ومن جمعها ؟ قال :
إن مطولوماوس ، من ملوك الإسكندرية لما ملك حبب إليه العلم
والعلماء وفحص عن كتب العلم وأمر بجمعها وأفرد لها خزائن وولى
أمرها رجلا يقال له : زميره ، فاجتمع في مدة أربعة وخمسون كتاب ومأة
وعشرون كتابا ، فقال الملك لزميرة : أترى بقي في الأرض من كتب العلوم
ما لم يكن عندنا ؟ فقال : قد بقي في الدنيا شئ كثير في السند والهند والفارس
وجرجان والأوطن وبابل وموصل ، فعجب وقال له : دم على التحصيل فلم
يزل على ذلك حتى مات الملك وهذه الكتب محروسة إلى وقتنا هذا ،
فاستكثر عمرو ما ذكره يحيى وقال له : لا يمكنني أن آمر فيها بأمر إلا بعد أن
أكتب إلى عمر بن الخطاب ، وكتب إلى عمرو عرفه قول يحيى واستأذنه ما
الذي يصنع بها ؟ وأخبره إني فتحت مدينة لا أقدر أن أصفها غير أني أصبت
فيها ألف حمام وأربعين ألف يهودي يؤدون الجزية ، وأربعمائة ملهى للملوك
واثنى عشر ألف إنسان يبيعون البقل الأخضر ، فورد عليه كتاب عمر ، فيه :
وأما الكتب فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله غنى عنه ، وإن
كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليها فتقدم بإعدامها ، فشرع عمرو في
تفريقها على حمامات الإسكندرية وإحراقها في مواقدها ، وذكروا أنها
‹ صفحه 56 ›
استوقدت في مدة ستة أشهر ، ورأيت في بعض كتب النصارى : إن عدة ما
أحرقها المسلمون بأمر عمر في الإسكندرية سبعمائة ألف مجلد ، فأسمع
ما جرى وأعجب !
قوله : فلما أرادوا أن يأكلوا ، المقتول بهذا النحو هي ( الموقوذة ) ، التي
حرمها الله تعالى في القرآن ، ( 1 ) وفهم من امتناع سلمان من أكلها أنها
كانت محرمة في دين عيسى عليه السلام أيضا ، واعتذاره بأن الديرانيين
لا يأكلون اللحم كاعتذاره بذلك في امتناعه من شرب الخمر لمجرد الافحام
والتورية ، وإلا فالخمر مما حرمه الله تعالى منذ خلقت الدنيا ( 2 ) ، ولم يعهد أن
أكل اللحم مطلقا كان محرما في دين عيسى عليه السلام ، فمراده من اللحم
هو اللحم المخصوص ، ويفهم من بعض الأخبار ( 3 ) : إن عيسى كان مأمورا
بترويج شريعة موسى عليه السلام وإنفاذ ما أتى به من الأحكام ، وإنما خفف
عن أمته بعض ما حرم على بني إسرائيل ، قال الله تعالى حكاية عنه :
( ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) ( 4 ) ، وفي رواية الحلبي عن الصادق
عليه السلام : ( وأنزل على عيسى في الإنجيل مواعظ وأمثال ( وحدود ) ، ليس
فيها قصاص ولا أحكام حدود ولا قرض مواريث - الخبر ) ، رواه في
الإكمال ( 5 ) ، وعلى هذا فالموقوذة محرمة في دين موسى عليه السلام أيضا ، والله
العالم .
قوله : وهب وتصدق ، العطية المتبرعة بها إن اقترنت بالقربة أو زيد
عليها إرادة دفع الأسقام والبلية فهي صدقة ، وإن قصد بها التودد والمحبة فهي
هبة ، وإن حملت إلى المعطي له تعظيما فهي هدية .
0000000000000000000
( 1 ) المائدة : 3 ، ( حرمت عليكم الميتة
والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة
والموقوذة - الآية ) .
( 2 ) في الرضوي : ( ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر ) ، تفسير القمي 1 : 194 .
( 3 ) تفسير العياشي 1 : 175 .
( 4 ) آل عمران : 50 .
( 5 ) رواه العلامة المجلسي في البحار 14 : 251 عن قصص الأنبياء : 267 ، ولم نجده
في الإكمال .
‹ صفحه 57 ›
قوله : تظلهم غمامة ، في الاحتجاج في حديث اليهودي الشامي
واحتجاجه على أمير المؤمنين عليه السلام ، إلى أن قال : ( قال له اليهودي : فإن
موسى قد ظلل عليه الغمام ؟ قال له علي عليه السلام لقد كان كذلك ، وقد
فعل ذلك لموسى في التيه ، وأعطي محمد صلى الله عليه وآله أفضل من هذا ، إن
الغمامة كانت تظلله من يوم ولد إلى يوم قبض في حضره وأسفاره ، فهذا
أفضل مما أعطي موسى عليه السلام . ) ( 1 )
و ( الحشف ) : أردأ التمر ، وفي المثل : أحشفا وسوء كيلة . ( 2 )
قوله : إن كان فيهم نبيا فإنه لا يأكل الصدقة ،
ظاهره يومئ إلى أن النبي لا يأكل الصدقة ، فهو من علامات النبوة
لجميع الأنبياء ، ويحتمل قويا أن يكون من خواص نبينا صلى الله عليه وآله خاصة
وقد أخبر سلمان بذلك ، ويأتي في رواية الراوندي أن الراهب قال له :
( وإن فيه علامات لا تخفى : بين كتفيه خاتم النبوة ، يأكل الهدية ولا يأكل
الصدقة ) ، وقريب منها رواية عبد الملك .
ثم إن الصدقة تطلق :
على الزكاة الواجبة ، كقوله تعالى ( إنما الصدقات للفقراء ) ( 3 ) ، وقوله
تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة ) ( 4 ) ، بل قيل : كلما في القرآن من لفظ الصدقة
فالمراد منها الزكاة المفروضة .
وعلى الوقف ، كقوله صلى الله عليه وآله : ( إذا مات ابن آدم انقطع
عمله إلا من ثلاث : علم ينتفع به ، وولد صالح يستغفر له ، وصدقة جارية ) ( 5 ) ،
ولذا عرفه بها بعض الأصحاب ( 6 ) ، ومنه صدقات النبي وفاطمة وأمير المؤمنين
0000000000000000000
( 1 ) الإحتجاج 1 : 219 ، وفيه : ( تظله ) .
( 2 ) الكيلة : نوع الكيل ، والمعنى : تجمع حشفا وسوء كيل ، ويضرب لمن يجمع خصلتين
مكروهتين
أو يظلم من وجهين .
( 3 ) الآيات في التوبة : 60 ، 103 .
( 4 ) الآيات في التوبة : 60 ، 103 .
( 5 ) صحيح مسلم 5 : 73 وقريب منها في الوسائل 6 : 292 .
( 6 ) كتاب الدروس للشهيد الأول .
‹ صفحه 58 ›
صلوات الله عليهم أجمعين .
وعلى العطية المتقرب بها ، وهي في الأخبار أكثر من أن تحصى ومنها
الزكاة المندوبة وهي : عقدية ، وتذكر أحكامها في كتاب الوقوف
والصدقات ، وفعلية تذكر عقيب الزكاة .
وعلى الكفارة وأمثالها من العطية الواجبة ، وإطلاقها عليها في
الأخبار في غاية الندرة وإن شاع في كلمات الفقهاء ، ولعل منها قول علي بن
الحسين عليه السلام في رواية الأنصاري بعد سؤاله عن قوله تعالى : ( في أموالهم
حق معلوم ) ( 1 ) : ( الحق المعلوم الشئ تخرجه من مالك ليس من الزكاة
ولا من الصدقة المفروضتين ) ( 2 ) ، وحمل عليها قول العبد الصالح عليه السلام في
تقسيم الخمس : ( والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد
( عليهم السلام ) ، الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة ) ( 3 ) ، ولولا إعادة (
لا )
لكان احتمال العطف التفسيري موجها ومعها فهو بعيد جدا .
وفي أواخر أمالي الصدوق في خطبة طويلة عن أمير المؤمنين عليه السلام ،
منها ، ( وأعجب بلا صنع منا من طارق طرقنا بملفوفات زملها ( 4 ) في وعائها ،
ومعجونة بسطها في إنائها ، فقلت له : أصدقة ، أم نذر ، أم زكاة ؟ وكل
( ذلك ) يحرم علينا أهل بيت النبوة ، وعوضنا منه خمس ذوي القربى في
الكتاب والسنة ) ( 5 ) ، وفي نهج البلاغة : ( أصلة ، أم زكاة ، أم صدقة ؟ ) ( 6 )
ثم إنه لا إشكال في حرمة القسم الأول على بني هاشم ، بل لعله من
الضروريات ، كما لا إشكال في حلية القسم الثاني عليهم ، وعليه محمول ما
في الصادقي : ( لو حرمت علينا الصدقة لم يحل لنا أن نخرج إلى مكة ، لأن
000000000000000000
( 1 ) المعارج : 24
( 2 ) تفسير البرهان 4 : 385 .
( 3 ) وسائل الشيعة 4 : 359
( 4 ) الملفوفة : نوع من الحلوى ، زمل الشئ : حمله .
( 5 ) أمالي الصدوق 6497 ، وفيه ( ذي القرى ) .
( 6 ) نهج البلاغة ، خطبة 224 ( قصته مع أخيه عقيل ) .
‹ صفحه 59 ›
كل ماء بين مكة والمدية فهو صدقة ) ( 1 ) ، ومثله القسم الثالث ، على
المعروف بين الأصحاب ، بل ادعى عليه الاجماع غير واحد منا ، غير أن شيخنا
الأنصاري ( 2 ) قدس الله تربته الزكية استثنى منها الزكاة المندوبة ، نظرا إلى ما
ورد في
تعليل حرمة الزكاة على بني هاشم : بأنها أوساخ ( 3 ) ، ولا فرق بين الواجبة
والمندوبة في أصل المهية ، وحمل إطلاقات كلماتهم في حلية الصدقة المندوبة
عليهم على غيرها ، قال رحمة الله عليه : ( وأما حصر المحرمة في الزكاة المفروضة في
بعض الأخبار فالمراد منها المفروضة بحسب النوع وأصل التشريع ) ( 4 ) .
وفيه : عدم نهوض التعليل لإثبات الحرمة مطلقا ، لاحتمال كونها في
نوع منها أو في جميعها ولكن بالشدة والضعف كاختلافها بالوجوب
والاستحباب ، وغايتها احتمال ثبوت الكراهية ، وأما الإطلاقات فآبية عن
الحمل المذكور ، - كما لا يخفى على من راجعها - مع تصريح بعضهم
كالفاضل ( 5 ) في القواعد ( 6 ) وغيره عليها .
00000000000000000
( 1 ) وسائل الشيعة 4 : 188 .
( 2 ) قال المصنف رحمه الله في خاتمة المستدرك : 382 في حقه : ( خاتم الفقهاء
والمجتهدين وأكمل
الربانيين من العلماء الراسخين ، المتحلي من أنوار درر أفكاره مدلهمات غياهب الظلم
من ليالي
الجهالة ، المستضيئ من ضياء شموس أنظاره خفايا زوايا طرق الرشد والدلالة ،
المنتهية إليه رياسة
الإمامية في العلم والورع والتقى الشيخ مرتضى بن المرحوم السعيد المولى محمد أمين
الأنصاري ،
لانتهاء نسبه الشريف إلى جابر بن عبد الله الأنصاري ، - إلى أن قال : - وقد عكف
على كتبه
ومؤلفاته وتحقيقاته كل من نشأ بعده من العلماء الأعلام والفقهاء الكرام وصرفوا
هممهم وبذلوا
مجهودهم وحبسوا أفكارهم وأنظارهم فيها وعليها ، وهم بعد ذاك معترفون بالعجز عن
بلوغ مرامه
فضلا عن الوصول إلى مقامه - ثم قال : - تولد رحمه الله تعالى في سنة 1214 وتفي في
ليلة السبت
الثامنة عشر من شهر جمادى الثاني من سنة 1281 في النجف الأشرف - الخ ) .
( 3 ) كما في الوسائل 4 : 186 .
( 4 ) كتاب الطهارة : 468 .
( 5 ) جمال الدين أبو منصور الحسن بن سديد الدين يوسف ابن زين الدين علي بن مطهر
الحلي ، قال
بحر العلوم في فوائده : ( علامة العالم وفخر نوع بني آدم ، أعظم العلماء شأنا
وعلاهم برهانا ، سحاب
الفضل الهاطل ، وبحر العلم الذي ليس له ساحل ، جمع من العلوم ما تفرق في جميع
الناس وأحاط
من الفنون بما لا يحيط به القياس ، مروج المذهب والشريعة في المائة السابعة ،
ورئيس علماء الشيعة
من غير مدافعة ، صنف في كل علم كتبا ، وآتاه الله من كل شئ سببا ) ، قال المصنف
بعد أن بالغ في ثنائه : ( أما درجاته في العلوم ومؤلفاته فيها فقد ملأت الصحف وضاق
عنه الدفتر ، وكلما
أتعب نفسي فحالي كناقل التمر إلى هجر ، فالأولى تبعا لجمع من الأعلام الإعراض عن
هذا المقام . ) ،
له تأليفات ثمينة ربما تزيد على مائة مصنف وعد جملة منها هو نفسه في ( الخلاصة )
عند ترجمة
نفسه ، له في تشييد المذهب والذب عنه يوم مشهور وهو الذي ناظر فيه علماء السنة
فأفحمهم وأثبت
حقية المذهب فرغب فيه السلطان وأمراؤه ، ولد في شهر رمضان سنة 648 وتوفي في محرم
سنة 726
ونقل إلى النجف .
( 6 ) قواعد الأحكام 1 : 273
‹ صفحه 60 ›
نعم صرح غير واحد من الأصحاب باختصاص الحلية بغير النبي
صلى الله عليه وآله ، بل والأئمة عليهم السلام ، وعد بعضهم حرمتها عليه صلى الله
عليه
وآله في خصايصه ، واستدل لها في التذكرة ( 1 ) بحديث سلمان وما تقدم من
امتناعه رضي الله عنه من أكلها ، وأنت خبير بأن عدم الأكل أعم من حرمة
المأكول ، ولعله كان يكرهها كما استكره جملة من المأكولات ، مع أنه لو دل
عليها لعم التحريم جميع الهاشميين ، لما عرفت أنه لم يأكل مما جاء به سلمان
صدقة أمير المؤمنين عليه السلام وحمزة وعقيل ، ولتمام الكلام محل آخر .
وإنما الإشكال في القسم الرابع ، من اقتضاء الحصر المذكور جوازها ،
وبه يقيد ما دل على حصر المحرمة في مطلق الصدقة الواجبة ، ومن ظهور
حديث الخمس وخبر الأمالي والنهج في التحريم ، وهو الأقوى ، وربما يؤيدها
قول أم كلثوم في الكوفة - كما في منتخب الطريحي ( 2 ) - : ( إن الصدقة حرام
علينا أهل البيت ) ( 3 ) ، فإن حملها على الزكاة في غاية البعد ، وعلى المندوبة
خلاف الاجماع ، ولعلها كانت من المنذورة ، شكرا لقتل أبي عبد الله عليه السلام ،
0000000000000000000
( 1 ) تذكرة الفقهاء 1 : 233
( 2 ) الفقيه المحدث الشيخ فخر الدين بن محمد علي بن أحمد بن علي بن أحمد الطريحي
الأسدي ، ينتهي
نسب طائفة آل طريح إلى حبيب بن مظاهر الأسدي وسموا بجدهم طريح النجفي ، ولد في
النجف الأشرف سنة 979 ، قال في تنقيح المقال : ( كان أديبا فقيها محدثا عظيم الشأن
جليل القدر
رفيع المنزلة ، أورع أهل زمانه وأعبدهم وأتقاهم . ) ، له تأليفات قيمة كالاحتجاج ،
ومجمع
البحرين ، ولد في النجف الأشرف سنة 979 وتوفي في الرماحية سنة 1087 ونقل جثمانه
الشريف إلى النجف الأشرف ودفن بظهر الغري .
( 3 ) المنتخب 2 : 478 مع اختلاف يسير .
‹ صفحه 61 ›
( وما هي من الظالمين ببعيد ) ( 1 ) ، ففي فرحة الغري في حديث اختصرناه : إن
رجلا دخل على الحجاج فكلمه بكلام فأغلظ له الحجاج في الجواب ،
فقال : أيها الأمير ! ما لقريش منقبة يعتدون بها إلا ونحن نعتد بها ، ثم ذكر
مناقب ، منها قال : ( ونذرت منا امرأة حين أقبل الحسين عليه السلام إلى
العراق ، إن قتله الله أن تنحر عشرة جزور ، فلما قتل وفت بنذرها - الخبر ) ( 2 )
ولنعم ما قيل :
ويكبرون بأن قتلت وإنما
قتلوا بك التكبير والتهليلا
قوله : فإذا أنا بخاتم النبوة معجون - اه ،
في حديث مولد النبي الذي رواه الشيخ أبو الحسن البكري عن
آمنة ( 3 ) ، قالت فيه : ( ورأيت في يد الثالث حريرة مطوية ، وإذا بخاتم من نور
يشرق كالشمس ، ثم حمل ولدي فناوله صاحب الطست ، وصبب عليه الآخر
من الإبريق سبع مرات ، ثم ختم بذلك الخاتم بين كتفيه ، ثم لفه تحت
جناحيه وغيبه عني ، وكان ذلك رضوان خازن الجنان . ) ( 4 )
وعن المناقب : ( كان بين كتفيه خاتم النبوة ، كلما أبداه غطى
نوره ( 5 ) نور الشمس ، مكتوب عليه : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، توجه
حيث شئت فأنت منصور ، في حديث جابر بن سمرة : رأيت خاتمه مضروب
بين كتفيه مثل بيض الحمامة ، وسئل الخدري عنه قال : بضعة ناشزة ( 6 ) ،
0000000000000000000
( 1 ) اقتباس من الكريمة هود : 83 .
( 2 ) فرحة الغري : 14 .
( 3 ) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ابن كلاب بن مرة ، أمها برة بنت عبد الغري
بن
عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ست
سنين خرجت به
إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به ، ثم رجعت به أمه إلى مكة فلما
كانوا بالأبواء
توفيت ، فقبرها هناك .
( 4 ) البحار 15 : 327 .
( 5 ) في المصدر : علا نوره .
( 6 ) البضعة - بالفتح وقد يكسر - : القطعة من اللحم ، ناشزة : قطعة لحم مرتفعة
على الجسم .
‹ صفحه 62 ›
أبو زيد الأنصاري : شعر مجتمع على كتفيه ، السائب بن يزيد : مثل زر الحجلة ،
ولما شك في موت رسول الله صلى الله عليه وآله وضعت أسماء بنت عميس ( 1 )
يدها بين كتفيه فقالت : قد توفي رسول الله ، قد رفع الخاتم . ) ( 2 ) .
وفي الخرائج : ( ومعجزة ظهره ختم النبوة ، كان على كتفه مكتوبا :
لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) ( 3 ) ، وفي المجمع : ( روي أنه مثل التفاحة ،
وذكرت أمه إنه لما ولد غمسه الملك في ماء أتبعه ثلاث غمسات ، ثم أخرج
صرة من حرير أبيض ، فإذا فيها خاتم فضرب به على كتفه كالبيضة المكنونة
تضئ كالزهرة ، وقيل : كان المكتوب فيه : توجه حيث شئت فإنك منصور ) . ( 4 )
وفي مشكاة المصابيح تأليف محمد بن عبد الله الخطيب العمري في
الفصل الأول من باب أسماء النبي صلى الله عليه وآله قد مشط مقدم رأسه ولحيته - إلى
أن قال : - ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيض الحمامة يشبه جسده - رواه
مسلم - ، وعن عبد الله ( بن ) سرجس قال : رأيت النبي صلى الله عليه وآله وأكلت
معه خبزا ولحما ، أو قال ثريدا ، ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة ( بين
كتفيه ) عندنا غض ( 5 ) كتفه اليسرى جمعا ( 6 ) عليه خيلان ( 7 ) كأمثال الثاليل (
8 )
- رواه مسلم - ) . ( 9 )
0000000000000000000
( 1 ) هي أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه
وآله وأخت لبابة زوج عباس بن عبد المطلب ،
أعقبت من جعفر بن أبي طالب ثمانية بنين : محمد الأكبر : قتل مع عمه أمير المؤمنين
عليه السلام
بصفين عون ومحمد أصغر : قتلا مع ابن عمهما الحسين عليه السلام يوم الطف ، عبد الله
الأكبر ، فهو
أحد أجواد بني هاشم وزوج زينب بنت علي عليه السلام ، وليس لجعفر عقب إلا منه ،
فلما قتل
جعفر تزوجها أبو بكر فأولدت له محمدا حبيب علي عليه السلام ، وربيب حجره وواليه
على مصر ، قتله
معاوية ، ولما مات أبو بكر تزوجها أمير المؤمنين عليه السلام فأولدت له يحيى .
( 2 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 5 - 124 .
( 3 ) مخطوط .
( 4 ) مجمع البحرين 6 : 55 .
( 5 ) نغض الكتف : هو العظم الرقيق على طرفها ( منه قدس سره ) .
( 6 ) جمع - بضم الجيم - : القبضة من الشئ وجمع الكف : الكف حين تقبضها وهو أن
تجمع
الأصابع وتضمها .
( 7 ) خيلان - جمع الخال - : شامة في البدن أي بثرة سوداء ينبت حولها الشعر غالبا
.
( 8 ) الثؤلول جمع ثآليل : خراج يأتي صلب مستدير ، حلمة الثدي .
( 9 ) مشكاة المصابيح : 623 .
‹ صفحه 63 ›
وفي بعض أخبار شمائله صلى الله عليه وآله : ( بين منكبيه خاتم النبوة ، وهو
شامة سوداء تضرب إلى الصفرة حولها شعرات متواليات ) ( 1 ) ، وعن الحاكم في
المستدرك عن وهب بن منبه : ( إنه لم يبعث الله نبيا إلا وقد كانت له شامة
النبوة في يده اليمنى ، إلا نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، فإن شامة النبوة (
كانت )
بين كتفيه ) ( 2 ) ، وفي صحيح البخاري في حديث : ( فنظرت إلى خاتم بين
كتفيه ، ( قال إبراهيم ابن حمزة : ) مثل زر الحجلة ( 3 ) ) ، ( 4 ) وعن سيرة ابن
هشام إنه : ( كان كأثر المحجمة القابضة على اللحم ، مكتوب عليه : لا إله
إلا الله ، محمد رسول الله ) ( 5 ) ، وقال قطب الدين الإشكوري : إنهم اختلفوا في
صفته على عشرين قولا ، ولم يتعرض للأقوال .
والمراد بخاتم النبوة هو النقش الدال على نبوته والكتابة التي هي من
علامة رسالته ، ويمكن أن يراد به الزينة - كما هو أحد الوجهين في تفسير :
( خاتم النبيين ) ( 6 ) - ، وعلى كل حال فهو بالفتح ، فما في المجمع في معناه :
( أي شئ يدل على أنه لا نبي بعده ) ( 7 ) بعيد ، إلا أن يثبت اختصاصه به ،
وحديث الحاكم يضعفه ، إلا أن ما ذكره مما ارتكز في الأذهان ، ومن هنا
قيل : نبوت بر أو ختم ، . مهرش گواه ، والله العالم ، ولله در من قال :
000000000000000000
( 1 ) بحار الأنوار 15 : 270 .
( 2 ) السيرة الحلبية 1 : 98 .
( 3 ) الزر : التي تشد على ما يكون في حجال العرائس من الكلل والستور ( منه قدس سره
) .
( 4 ) صحيح البخاري كتاب بدئ الخلق ، الرقم 3313 .
( 5 ) السيرة لابن هشام 1 : 193 مع اختلاف ، المحجم : آلة الحجم وهي شئ كالكأس
يفرغ من
الهواء ويوضع على الجلد فيحدث تهيجا ويجذب الدم أو المادة بقوة .
( 6 ) الأحزاب : 40 .
( 7 ) مجمع البحرين 4 : 359 .
‹ صفحه 64 ›
داني ز چه راقمان ديوان قديم
گشتند كتف نگار آن در يتيم
رو داشت چه نامه رسالت بعلى
بر پشت زدند مهر او از تعظيم
ثم إن في ذيل الرواية مطالب تأتي الإشارة إليها والتنبيه عليها ،
فلنرجع إلى المقصود ونقول :
روى الشيخ الثقة الجليل قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي في
كتاب قصص الأنبياء مسندا عن الصدوق ، عن أبي محمد عبد الله بن حامد ،
عن محمد بن يعقوب ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن يونس ، عن ابن إسحاق ،
عن عاصم بن عمرو بن قتادة ، عن محمود بن أسد ، عن ابن عباس ، عن
سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : ( كنت رجلا من أهل إصفهان ، من
قرية يقال لها : جي ، وكان أبي دهقان أرضه ، وكان يحبني حبا شديدا ،
يحبسني في البيت كما تحبس الجارية ، وكنت صبيا لا أعلم من أمر الناس إلا
ما أرى من المجوسية ، حتى إن أبي بنى بنيانا وكان له ضيعة ، فقال : يا بني
شغلني من اطلاع الضيعة ما قد ترى ، فانطلق إليها ومرهم بكذا وكذا ،
ولا تحبس عني ، فخرجت أريد الضيعة فمررت بكنيسة النصارى فسمعت
أصواتهم ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : هؤلاء النصارى يصلون ، فدخلت أنظر ،
فأعجبني ما رأيت من حالهم فوالله ما زلت جالسا عندهم حتى غربت
الشمس وبعث أبي في طلبي في كل وجه ، حتى جئته حين أمسيت ولم أذهب إلى
ضيعته ، فقال أبي : أين كنت ؟ قلت : مررت بالنصارى فأعجبني صلاتهم
ودعائهم ، فقال أي بني ! إن دين آبائك خير من دينهم ، فقلت : ( لا والله )
ما هذا بخير من دينهم ، هؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه ويصلون به ، وإنما أنت
تعبد نارا أوقدتها بيدك ، إذا تركتها ماتت ، فجعل في رجلي حديدا وحبسني في
بيت عنده ، فبعثت إلى النصارى فقلت : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا :
بالشام ، قلت : إذا قدم عليكم من هناك أناس فأذنوني ، قالوا : نفعل ، فبعثوا
‹ صفحه 65 ›
بعد أن قدم تجار ، فبعثت : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فأذنوني به ،
قالوا نفعل ، ثم بعثوا إلي بذلك ، فطرحت الحديد من رجلي وانطلقت معهم ،
فلما قدمت الشام قلت : من أفضل أهل هذا الدين ؟ قالوا : الأسقف صاحب
الكنيسة ، فجئت وقلت : إني أحببت أن أكون معك وأتعلم منك ( الخير ) ،
قال : فكن معي ، وكنت معه وكان رجل سوء ، يأمرهم بالصدقة فإذا جمعوها
اكتنزها ولم يعط المساكين منها ولا بعضها ، فلم يلبث أن مات ، فلما جاؤوا
أن يدفنوه قلت : هذا رجل سوء ، ونبهتهم على كنزه ، فأخرجوا سبع قلال
مملوءة ذهبا ، فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة ، وجاؤا برجل ( آخر ) فجعلوه
مكانه ، فلا والله يا بن عباس ما رأيت قط رجلا أفضل منه وأزهد في الدنيا وأشد
اجتهادا منه ، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة وكنت أحبه ، فقلت : يا
فلان ! قد حضرك ما ترى من أمر الله فإلى من توصي بي ؟ قال : أي بني ! ما
أعلم إلا رجلا بالموصل فأته فإنك ستجده على مثل حالي ، فلما مات وغيب
لحقت بالموصل فأتيته ، فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهادة ، فقلت
له : إن فلانا أوصى بي إليك فقال يا بني ! كن معي ، فأقمت عنده حتى
حضرته الوفاة فقلت : إلى من توصي بي ؟ قال : الآن يا بني لا أعلم إلا رجلا
بنصيبين فالحق به ، فلما دفناه لحقت به ، فقلت ( له ) : إن فلانا أوصى بي إليك ،
قال : يا بني ! أقم ( معي ) ، فأقمت عنده فوجدته على مثل حالهم حتى حضرته الوفاة
فقلت : إلى من توصي بي ؟ قال : ما أعلم إلا رجلا بعمورية من أرض الروم ،
فأته فإنك ستجده على مثل ما كنا عليه ، فلما واريته خرجت إلى عمورية
فأقمت عنده فوجدته مثل حالهم ، واكتسبت غنيمة وبقرات إلى أن حضرته
الوفاة فقلت : إلى من توصي بي ؟ قال : لا أعلم أحدا على مثل ما كنا عليه
ولكن قد أظلك ( 1 ) زمان نبي يبعث في الحرم ، مهاجرة بين حرتين إلى أرض
ذات سبخة ذات نخل ، وإن فيه علامات لا تخفى : بين كتفيه خاتم النبوة ،
يأكل الهدية ، ولا يقبل الصدقة ، فإن استطعت أن تمضي إلى تلك البلاد
0000000000000000000
( 1 ) أظل الأمر فلانا : غشيه ودنا منه .
‹ صفحه 66 ›
فافعل .
قال : فلما واريناه أقمت حتى مر رجال من تجار العرب من كلب ،
فقلت لهم : تحملوني معكم حتى تقدموني أرض العرب وأعطيكم غنيمتي هذه
وبقراتي ، ( قالوا : نعم ) ، قال : وأعطيتهم إياها ( وحملوني ) حتى إذا جاؤوا بي
وادي
القرى ظلموني وباعوني عبدا من رجل يهودي ، فوالله لقد رأيت ( النخل )
وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي فيه صاحبي ، حتى قدم رجل من
بني قريظة من يهود وادي القرى ، فابتاعني من صاحبي الذي كنت عنده ،
فخرج حتى قدم بي المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها وعرفت نعتها ، فأقمت
مع صاحبي وبعث الله رسوله بمكة ، لا يذكر لي شئ من أمره مع ما أنا فيه من الرق ،
حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وآله قبا ، وأنا أعمل لصاحبي في نخل له ، فوالله
إني ( ل ) كذلك إذ قد جاء ابن عم له فقال : قاتل الله بني قيلة ( 1 ) ، والله
إنهم لفي
قبا مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي ( الله ) ، فوالله ما هو إلا قد
سمعتها ، فأخذتني الرعدة حتى ظننت لأسقطن على صاحبي ، ونزلت أقول :
ما هذا الخبر ؟ ما هو ؟ فرفع مولاي يده فلكمني ( 2 ) فقال لي : ما لك ولهذا ؟ أقبل
على عملك ، فلما أمسيت وكان عندي شئ من الطعام فحملته وذهبت به إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله ( بقبا ) ، فقلت : ( بلغني ) أنك رجل صالح وأن معك
أصحابا ، وكان عندي شئ من الصدقة فها هوذا ، فكل منه ، فأمسك رسول الله
صلى الله عليه وآله وقال لأصحابه : كلوا ، ولم يأكل ، فقلت في نفسي هذه
خصلة مما وصف لي صاحبي ، ثم رجعت وتحول رسول الله صلى الله عليه وآله إلى
المدينة ، فجمعت شيئا كان عندي ثم جئت ( - ه ) به فقلت : إني ( قد ) رأيتك لا تأكل
الصدقة ، وهذه هدية وكرامة ليست بالصدقة ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله
( وأكل أصحابه ، فقلت : هاتان خلتان ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وآله )
0000000000000000000
( 1 ) بني قيلة : يريد الأوس والخزرج قبيلتي
الأنصار ، وقيلة : اسم أم لهم قديمة وهي قيلة بنت
كاهل ( لسان العرب ) .
( 2 ) لكمه - كنصره - : ضربه بجمع كفه .
‹ صفحه 67 ›
وهو يتبع جنازة وعليه شملتان وهو في أصحابه ، فاستدبرت ( 1 ) لأنظر إلى الخاتم
في ظهره ، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وآله استدبرته ، عرف أني استثبت ( 2
)
شيئا قد وصف لي ، فرفع ردائه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما
وصف لي صاحبي ، فأكببت عليه أقبله وأبكي ، فقال : تحول يا سلمان
هنا ، فتحولت وجلست بين يديه وأحب ( 3 ) أن يسمع أصحابه حديثي عنه ،
فحدثته يا بن عباس كما حدثتك ، فلما فرغت قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
كاتب يا سلمان ، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له ، وأربعين
أوقية ، فأعانني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ( بالنخل ) ، ثلاثين ودية ( 4
)
وعشرين ودية ، كل رجل على قدر ما عنده ، فقال ( لي ) رسول الله صلى الله عليه وآله
:
إني أضعها بيدي ، فحفرت لها حيث توضع ، ثم جئت رسول الله فقلت : قد
فرغت منها ، فخرج معي حتى جاءها ، فكنا نحمل إليه الودي فيضعه بيده
فيسوي عليها ، فوالذي بعثه بالحق نبيا ما مات منها ودية واحدة ، وبقيت على
الدراهم ، فأتاه رجل من بعض المعادن ( 5 ) بمثل البيضة من الذهب ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله : أين الفارسي المكاتب المسلم ؟ فدعيت له فقال :
خذ هذه يا سلمان فأدها مما عليك ، فقلت : يا رسول الله ! أين تقع هذه مما
على ؟ فقال : إن الله عز وجل سيوفي بها عليك ، فوالذي نفس سلمان بيده
لو وزنت لهم منها أربعين أوقية فأديتها إليهم ، وعتق سلمان ، قال : وكان الرق
قد حبسني حتى فاتني مع رسول الله صلى الله عليه وآله بدر وأحد ، ثم عتقت
فشهدت الخندق ولم يفتني معه مشهد ) . ( 6 )
00000000000000000
( 1 ) استدرت به ( خ ل ) ، أقول : في المصدر
: فاستدبرته .
( 2 ) استثبت في الأمر والرأي : شاور فيه وفحص عنه .
( 3 ) أي أحب النبي أن يسمع أصحابه ما أحدث عنه : أي عن أحواله وما سمعت من
الرهبان
فيه ، ويمكن أن يقرأ أحب بصيغة المتكلم : أي كنت أحب أن يخبر أحوالي بعلم النبوة
فيسمع
الأصحاب عنه ، لكنه لم يفعل ، والأول أظهر ( البحار ) .
( 4 ) الودية : الصغيرة من النخل ، سمي به لأنه يخرج من النخل ثم يقطع منه فيغرس .
( 5 ) المغازي ( خ ل ) .
( 6 ) قصص الأنبياء 298 ، عنه البحار 22 : 6 - 362 .
‹ صفحه 68 ›
أقول : وروى هذا الخبر سعيد بن مسعود بن محمد بن مسعود الكازروني ، في
الباب الخامس من المنتقى ، عن شيخه جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن
الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي ، عن برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن
إسماعيل بن إبراهيم الدرجي ، عن أبي جعفر محمد بن نصر الصيدلاني ، عن
فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية ، عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن ربذة الضبي ،
عن أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ، عن أحمد بن عبد الله بن
عبد الرحيم ، عن عبد الملك بن هشام السدوسي ، عن زياد بن عبيد الله
البكائي ، عن محمد بن إسحاق بن يسار ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن
محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، قال : حدثني سلمان الفارسي حديثه من
فيه ، قال : ( كنت - الخ ) ، ورواه أيضا أبو محمد عبد الملك بن هشام النحوي
في كتاب سيرة النبي صلى الله عليه وآله ، في أول الجزء الخامس عن محمد بن
إسحاق مثله ( 1 ) .
ورواه مرسلا الشيخ علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي في كتاب
إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون ، المعروف بالسيرة الحلبية ، مع زيادات
وتنبيهات أدرجها فيه أحببت أن أنقله ، فإنه المسك ما كررته يتضوع ( 2 ) ،
وليعلم أن كتابه هذا تلخيص من سيرة الحافظ أبي الفتح بن سيد الناس
المسمى بعيون الأثر ، وسيرة الشمس الشامي ، ولفظة ( أي ) فيه إشارة إلى
الزيادة القليلة التي أخذها من الثاني على الأول ، وقد يعبر عنها بقوله في
أوله : ( أقول ) وفي آخره : ( والله أعلم ) ، وكلما فيه ( قال ) أو ( ذكر ) أو
نحوه فالمراد هو الأول ، وهو كتاب عجيب الوضع ، غريب الأسلوب ، حسن
الترتيب ، غير أن فيه من أكاذيب الأحاديث وموضوعات الأخبار ما تنشق
منه الجبال ، ونفطر الفلك الدوار ، قال في باب ما جاء من أسماء رسول الله
صلى الله عليه وآله عن أحبار اليهود ورهبان النصارى : ومنها ما حدث به سلمان
00000000000000000
( 1 ) سيرة النبي صلى الله عليه وآله 1 : 228
.
( 2 ) ضاع المسك : انتشرت رائحته .
‹ صفحه 69 ›
الفارسي رضي الله عنه تعالى ، قال : ( كنت رجلا فارسيا من أهل إصفهان ،
من قرية يقال لها : جي - بفتح الجيم وتشديد الياء - ، أي وفي لفظ : من قرية
من قرى الأهواز يقال لها : رامهرمز ، وفي لفظ : ولدت برامهرمز ومنها نشأت
وإن أبي لمن إصبهان ( 1 ) ، وكان أبي دهقان قرية ( 2 ) ، أي كبير أهل قرية ( 2 ) ،
وفي
لفظ : كنت من أبناء أساورة فارس وكنت أحب خلق الله ( تعالى ) إلى أبي ،
لم يزل حبه إياي حتى حبسني في بيت كما تحبس الجارية ، واجتهدت في
المجوسية حت كنت قطن النار - بفتح القاف وكسر الطاء المهملة ، ويروى
بفتحها - بمعنى قاطن : ( أي ) خادمها الذي يوقدها لا يتركها تخبأ : أي تطفي
ساعة ، وكانت لأبي ضيعة عظيمة فشغل في بنيان له يوما فقال لي : يا بني !
إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم ، فأذهب إليها ، وأمرني فيها ببعض ما يريد
ثم قال لي : ولا تحتبس عني إن احتبست عني كنا أهم ( إلي ) من ضيعتي
وشغلتني عن كل شئ من أمري ، فخرجت أريد ضيعت ( - ه ) التي بعثني
إليها ، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها وهم
يصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته ، فلما
سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ماذا يصنعون ؟ فلما رأيتهم أعجبتني
صلواتهم ورغبت في أمرهم وقلت : والله هذا خير من الذي نحن عليه ، فوالله
ما برحتهم ( : أي فارقتهم ) حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي فلم
آتها ، ثم قلت لهم : أين أهل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام ، فرجعت إلى أبي وقد
بعث في طلبي وشغلته عن عمله ( كله ) ، فلما جئته قال : أي بني ! أين
كنت ، ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قلت : يا أبت ، مررت بالناس
يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم
حتى غربت الشمس ، قال : أي بني ليس في هذا الدين ( 3 ) خير ، دينك ودين
آبائك خير منه ، فقلت له : كلا والله إنه لخير من ديننا ، قال : فخافني ، أي
00000000000000000
( 1 ) في المصدر : بها نشأت وأما أبي فمن
إصبهان .
( 2 ) في المصدر في الموضعين : قريته .
( 3 ) في المصدر : ليس في ذلك الدين .
‹ صفحه 70 ›
خاف من ( ي ) أن أهرب ، فجعل في رجلي قيدا ، ثم حبسني في بيته وبعثت
إلى النصارى فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم ، فقدم
عليهم تجار من النصارى ، فأخبروني ( بهم ) ، فقلت لهم : إذا قضوا
حوائجهم وأرادوا الرجعة أخبروني بهم ، فأخبروني بهم ، فألقيت الحديد من رجلي ثم
قدمت معهم إلى الشام ، فلما قدمتها قلت : من أجل ( أهل ) هذا الدين علما ؟
قالوا : الأسقف في الكنيسة ، والأسقف - بتخفيف الفاء وتشديدها - ( هو )
عالم النصارى ورئيسهم في الدين ، فجئته وقلت له : إني قد رغبت في هذا
الدين وأحببت أن أكون معك فأخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي
معك ، قال : أدخل ، فدخلت معه ، فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة
ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا إليه شيئا ( 1 ) منها ، اكتنزها لنفسه ولم يعطها
المساكين ( 2 ) ، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق ، فأبغضته بغضا شديدا لما
رأيته يصنع ، ثم مات ، فاجتمعت النصارى ليدفنوه ، فقلت لهم : إن هذا كان
رجل سوء ، يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها ، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه
ولم يعط المساكين منها شيئا ، فقالوا لي : وما أعلمك بذلك ؟ فقلت : أنا
أدلكم على كنزه ، فأريتهم موضعه فاستخرجوا سبع قلال مملؤة ذهبا وورقا ،
وفي رواية : وجدوا ثلاثة قماقم ( 3 ) ، فيها نحو ( من ) ( نصف ) أردب ( 4 ) فضة ،
فلما رأوها قالوا : والله لا ندفنه ( أبدا ) ، فصلبوه ورموه بالحجارة ، أي ولم
يصلوا
عليه صلواتهم ، مع أن هذا الراهب كان يصوم الدهر وكان تقيا من
الشهوات ، ومن ثم قال في الفتوحات المكية : أجمع أهل كل ملة على أن
الزهد في الدنيا مطلوب وقالوا : إن الفراغ من الدنيا أحب لكل عاقل خوفا
( على نفسه ) من الفتنة التي حذرنا ( الله تعالى ) منها بقوله : ( إنما أموالكم
000000000000000000
( 1 ) في المصدر : أشياء .
( 2 ) في المصدر : ولم يعطه المساكين .
( 3 ) القمقم : وعاء من نحاس ، والقلة : الكوز الصغير .
( 4 ) أردب : مكيال ضخم لأهل مصر ، يضم أربعة وعشرين صاعا .