‹ صفحه 71 ›
وأولادكم فتنة ) ( 1 ) - هذا كلامه ، قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني : ومن فوائد
الرهبان أنهم لا يدخرون قوت الغد ولا يكنزون فضة ولا ذهبا ، قال : ورأيت
شخصا قال لراهب : أنظر إلى هذا الدرهم ( 2 ) ، هو من ضرب أي الملوك ؟ فلم
يرض وقال : النظر إلى الدنيا منهي عنه عندنا ، قال : ورأيت الرهبان مرة
وهم يسحبون شخصا ( 3 ) ويخرجونه من الكنيسة ويقولون ( له ) : أتلفت
علينا الرهبان ، فسألت عن ذلك فقالوا : رأوا على عاتقه نصفا مربوط ، فقلت
لهم : ربط الدرهم مذموم ؟ ! فقالوا : نعم ، عندنا وعند نبيكم صلى الله عليه وآله -
هذا كلامه .
( وعند ذلك جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه ، فما رأيت رجلا ( لا )
يصلي الخمس ( أرى أنه ) أفضل منه ، أي لا أظن أحدا ( من ) غير المسلمين
أفضل منه ولا أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ، ولا أدأب ليلا ونهارا
منه ، فأحببته حبا شديدا لم أحب ( 4 ) شيئا قبله ، فأقمت معه زمانا حتى حضرته
الوفاة ، فقلت : يا فلان ! إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحب ( 4 ) شيئا
قبلك وقد حضرك من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصني ؟ قال : أي بني ! والله
ما أعلم أحدا على ما كنت عليه ، ولقد هلك الناس وبدلوا وغيروا ( 5 ) أكثر
ما كانوا عليه ، إلا رجلا بالموصل وهو فلان ، وهو على ما كنت عليه ، فلما
مات وغيب : أي دفن ، لحقت بصاحب الموصل فأخبرته خبري وما أمرني به
صاحبي ، فقال : أقم عندي ، فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبه ، فأقمت مع
خير رجل ، ( فوالله ما لبثت أن نزل به الموت ، فلما احتضر ، ( أي حضرته
الملائكة لقبض روحه ) قلت له : يا فلان ! إن فلانا أوصى بي إليك وأمرني
باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ( تعالى ) ما ترى ، فإلى من توصي بي وبم
0000000000000000000
( 1 ) الأنفال : 28 .
( 2 ) في المصدر : هذا الدينار .
( 3 ) سحبه : جره على وجه الأرض .
( 4 ) في المصدر في الموضعين : أحبه .
( 5 ) في المصدر : تركوا .
‹ صفحه 72 ›
تأمرني ؟ قال : يا بني ! والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنت عليه إلا رجلا
بنصيبين وهو فلان ، فالحق به ، فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين ،
فأخبرته خبري وما أمرني به صاحبي ، فقال : أقم عندي ، فأقمت عنده ،
فوجدته على أمر صاحبيه ، فأقمت مع خير رجل ، فوالله ما لبثت إن نزل
به الموت ، فلما احتضر : أي حضرته الملائكة لقبض روحه قلت له : يا فلان !
( إن ) فلانا أوصى بي إلى فلان ثم إن فلانا أوصى بي إليك ، فإلى من توصي
بي وإلى من تأمرني ؟ قال : يا بني ! والله ما أعلم بقي أحد على أمرنا آمرك
أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم ، فإنه على مثل ما نحن عليه ، فإن
أحببت فأته ، فلما مات وغيب : أي دفن ، لحقت بصاحب عمورية وأخبرته
خبري فقال : أقم عندي ، فأقمت عند خير رجل على هدى أصحابه وأمرهم ،
فاكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة ، ثم نزل به ( من ) أمر الله ( تعالى ) ،
فلما احتضر قلت له : يا فلان ! إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ، ثم
أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي وبم
تأمرني ؟ قال : أي بني ! والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس
آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظل : أي أقبل وقرب ، زمان نبي مبعوث بدين
إبراهيم يخرج بأرض العرب ، مهاجرته ( 2 ) إلى أرض بين حرتين بينهما نخل ، به
علامات : يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، فإن
استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل ، ثم مات وغيب ، أقول : وهذا السياق
يدل على أن الذين اجتمع بهم من النصارى على دين عيسى أربعة ، وفي
كلام السهيلي : إنهم ثلاثون ، وفي النور : إنهم أربعة عشر ( 3 ) ، وإن هذا أظهر ،
والله
أعلم ) .
( قال سلمان : ثم مر بي نفر من تجار كلب ، فقلت ( لهم ) : احملوني
إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه ، فقالوا : نعم ، فأعطيتموها :
00000000000000000
( 1 ) في المصدر : ما لبث .
( 2 ) في المصدر : مهاجرة .
( 3 ) في المصدر : بضعة عشر .
‹ صفحه 73 ›
أي فأعطيتهم إياها ، وحملوني معهم حتى إذا بلغوا بي وادي القرى ، وهو محل
من أعمال المدينة ( النبوية ) ، ظلموني فباعوني من رجل يهودي فمكثت
عنده ، فرأيت النخل فرجوت أن تكون البلدة التي وصف لي صاحبي ولم يحق
عندي : أي لم أتحقق ذلك ، فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بي
قريظة من المدينة ، فابتاعني منه فحملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها
فعرفتها : أي تحققتها ، بصفة صاحبي ، فأقمت بها وبعث رسول الله صلى الله عليه
وآله وأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ، ثم
هاجر ( رسول الله ) إلى المدينة ، فوالله إني لفي ( رأس ) عذق : أي نخل ،
لسيدي أعمل ( له ) فيه بعض العمل وسيدي جالس تحتي ، إذ أقبل ابن عم
له حتى وقف عليه ، فقال : يا فلان ! قاتل الله بني قيلة : أي وهما الأوس
والخزرج ، لأن قيلة أمهما ، فقد جاء : ( إن الله ( تعالى ) أمدني بأشد العرب
ألسنا وأذرعا ، يا بني قيلة : الأوس والخزرج ) . والله إنهم الآن ( ل ) لمجتمعون
بقبا - بالمد والقصر ، وربما قيل : بتاء التأنيث والقصر - على رجل قدم من
مكة اليوم يزعمون أنه نبي ، فلما سمعتها أخذتني العرواء : وهي الحمي
النافض : أي الرعدة ، والبرحاء : الحمى الصالب ، حتى ظننت أني ساقط
على سيدي ، فنزلت عن النخلة ، فجعلت أقول لابن عمه ذلك : ما تقول ؟
فغضب سيدي ولكمني لكمة شديدة ، ثم قال : ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك ،
فقلت : لا شئ ( و ) إنما أردت أن أتثبته فيما قال وقد كان عندي شئ جمعته ،
أي وهو محتمل لأن يكون تمرا ولأن يكون رطبا ، فلما أمسيت أخذته ، ثم
ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو بقباء فدخلت عليه ، فقلت ( له ) :
إنه قد بلغني ( 1 ) أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا
شئ كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم فقربته إليه ، فقال
( رسول الله صلى الله عليه وآله ) لأصحابه : كلوا ، وأمسك ( هو ) يده فلم يأكل ،
000000000000000
( 1 ) في المصدر : إني قد بلغني
‹ صفحه 74 ›
فقلت في نفسي : هذه واحدة ، أي ومن ثم لما أخذ الحسن بن علي عليهما السلام
- وهو طفل - تمرة من تمر الصدقة ووضعها في فيه ، قال له النبي صلى الله عليه وآله
:
( كخ كخ ( 1 ) ، أما تعرف أنا لا نأكل ( من ) الصدقة - رواه مسلم ) ، وروى
( أيضا ) إنه صلى الله عليه وآله قال : ( إني لأنقلب إلى أهلي
فأجد التمرة ساقطة على فراشي ثم أرفعها لآكلها ، ثم أخشى أن تكون
صدقة فألقيها ) ، ووجد صلى الله عليه وآله تمرة فقال : ( لولا ( أخشى ) أن تكون
من الصدقة لأكلتها ) ، وقال : ( إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ( 2 ) ،
إنما هي أوساخ الناس ) ، وفي رواية : ( إن هذه الصدقات ، إنما هي أوساخ
الناس ، وأنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ) ، والراجح من مذهبنا حرمة
الصدقتين عليه صلى الله عليه وآله وحرمة صدقة الفرض دون النفل على آله ، وقال
الثوري : لا تحل الصدقة لآل محمد لا فرضها ولا نفلها ولا لمواليهم ، لأن موالي ( 3
)
القوم منهم ، بذلك جاء الحديث . قال سلمان : ثم انصرفت عنه فجمعت شئ ا
هو أيضا محتمل ( 4 ) لأن يكون تمرا ولأن يكون رطبا ، وتحول رسول الله صلى الله
عليه وآله إلى المدينة ، ثم جئته فقلت ( له ) : إني رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه
هدية أكرمتك بها ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وأمر أصحابه ، فأكلوا معه ،
فقلت في نفسي : هاتان ثنتان ، أي ومن ثم روى مسلم : كان إذا أتي بطعام
سأل عنه ، فإن قيل : هدية ، أكل منه ، وإن قيل : صدقة لم يأكل منها . )
( قال سلمان : ثم جئت رسول الله ( وهو ) ببقيع الغرقد ، وقد تبع
جنازة رجل من أصحابه ، أي وهو كلثوم بن الهدم الذي نزل عليه رسول الله
صلى الله عليه وآله بقبا لما قدم المدينة ، قيل : ( و ) هو أول من دفن ( به ) ،
وقيل :
أول من دفن به أسعد بن زرارة ، وقيل : أول من دفن ( به ) عثمان بن مظعون
00000000000000000
( 1 ) كخ كخ - بفتح الكاف فيهما وكسرها - :
صوت يقال عند زجر الصبي عن تناول شئ وعند
التقذر من شئ .
( 2 ) في المصدر : لا تنبغي لآل محمد .
( 3 ) في المصدر : مولى القوم .
( 4 ) في المصدر : يحتمل .
‹ صفحه 75 ›
رضي الله عنه ، وجمع بأن أول من دفن به من المهاجرين عثمان ، أي
وقد مات في ذي الحجة من السنة الثانية من الهجرة ، وأول من دفن به من
الأنصار كلثوم أو أسعد ، أي وفي الوفيات لابن زبر : مات كلثوم ، ثم من
بعده أبو أمامة أسعد بن زرارة في شوال في السنة الأولى من الهجرة ودفن
بالبقيع - هذا كلامه ، ولم يذكر الوقت الذي مات فيه كلثوم ، وفي النور عن
الطبري : إنه مات بعد قدومه صلى الله عليه وآله المدينة بأيام قليلة ، وأول من مات
من الأنصار البراء بن معرور ( 1 ) مات قبل قدومه صلى الله عليه وآله المدينة
مهاجرا
بشهر ، ولما حضره الموت أوصى أن يدفن ويستقبل به القبلة ( 2 ) ، ففعلوا به
ذلك ، ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة صلى على قبره هو وأصحابه
وكبر أربعا ، ولم أقف على محل دفنه ، وقولهم : إن أول من دفن بالبقيع
كلثوم ، يدل على أن البراء لم يدفن بالبقيع ، إلا أن يراد الأولية بعد قدومه
صلى الله عليه وآله ( إلى ) المدينة ، والظاهر أن هذه أول صلاة صليت على القبر ،
قال سلمان : وكان ( عليه الصلاة والسلام ) عليه شملتان وهو جالس في
أصحابه ، فسلمت عليه ، ثم ابتدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف
لي ؟ فألقى النبي الرداء عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فأكببت عليه
أقبله وأبكي ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : تحول ، فتحولت بين يديه
فقصصت عليه حديثي ، قال ابن عباس رضي الله عنه : فأعجب رسول
الله صلى الله عليه وآله أن يسمع ذلك أصحابه ، أي وفي شواهد النبوة : لما جاء
سلمان إلى النبي صلى الله عليه وآله لم يفهم النبي كلامه فطلب ترجمانا ، فأتي
بتاجر من اليهود كان يعرف الفارسية والعربية ، فمدح سلمان النبي ( صلى الله
عليه وآله ) وذم اليهود بالفارسية ، فغضب اليهودي وحرف الترجمة ، فقال للنبي
صلى الله عليه وآله : إن سلمان شتمك ( 3 ) ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : هذا
الفارسي
جاء ليؤذينا ، فنزل جبرئيل وترجم ( عن ) كلام سلمان ، فقال النبي صلى الله
00000000000000000
( 1 ) البراء بالمد والتخفيف ( منه قدس سره )
.
( 2 ) في المصدر : الكعبة .
( 3 ) في المصدر : يشتمك .
‹ صفحه 76 ›
عليه وآله ذلك ، أي الذي ترجمه ( له ) جبرئيل لليهودي فقال اليهودي : يا
محمد ! إن كنت تعرف الفارسية فما حاجتك إلي ؟ فقال صلى الله عليه وآله : ما
كنت أعلمها ( من ) قبل ، والآن علمني جبرئيل ، أو كما قال ؟ فقال
اليهودي : يا محمد ! قد كنت قبل هذا أتهمك والآن تحقق عندي أنك
رسول الله ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله و ( أشهد ) أنك رسول الله ، ثم قال
النبي صلى الله عليه وآله لجبرئيل : علم سلمان العربية ، فقال ( له ) : قل له
ليغمض عينيه وفتح فاه ، ففعل سلمان ، فتفل جبرئيل في فيه ، فشرع سلمان
يتكلم بالعربي الفصيح ) .
( وهذا السياق يدل على أن ذلك كان عند مجيئه في المرة الثالثة ،
وحينئذ يكل مجيئه أولا وثانيا وقوله ما تقدم بالعربية ، إلا أن يقال : ( ذاك
لقلته ) سهل عليه أن يعبر عنه بالعربية ، بخلاف حكاية حاله لكثرة ذلك ( 1 )
لم يحسن أن يعبر عنه بالعربية ، قال : و ( قد ) اختلفت الروايات عن سلمان
في الشئ الذي جاء به إلى النبي صلى الله عليه وآله أولا وثانيا ، فالرواية الأولى
المتقدمة ظاهرها يقتضي أنه تمر ، أي وفيه : ( من ) أين إن ظاهرها ذلك ؟ بل هي
محتملة ، وقد جاء التصريح بكونه تمرا في الأولى والثانية ، ففي بعض
الروايات : ( فسئلت سيدي أن يهب لي يوما ففعل ، فعملت ( في ) ذلك اليوم
على صاع أو صاعين من تمر وجئت به ( إلى ) النبي صلى الله عليه وآله ، فلما رأيته
لا يأكل الصدقة سألت سيدي أن يهب لي يوما آخر فعملت فيه ( على ) ذلك ،
أي على صاع أو صاعين من تمر ، ثم جئت به إلى النبي صلى الله عليه وآله فقبله
وأكل منه ) ، أي والذي في كلام السهيلي قال سلمان : كنت عبدا لامرأة
فسألت سيدتي أن تهب لي يوما - الحديث ، وقد يقال : لا مخالفة لأنه يجوز أن
يكون عني بسيدته زوجة سيده ، لأنه يقال لها : سيدة - في المتعارف بين
الناس - ، أو إن المرأة هي التي اشترته ، ويؤيده ما يأتي ، وزوج ( تلك ) المرأة
يقال له - في المتعارف بين الناس - : سيد ، قال : وقيل : إن الذي جاء به أولا
00000000000000000
( 1 ) في المصدر : لكثرته .
‹ صفحه 77 ›
وثانيا رطب ، وفي رواية : احتطبت حطبا فبعته واشتريت بذلك طعاما ،
والطعام خبز ولحم ، وفي رواية : جئت بمائدة عليها بط ( 1 ) ، وفي رواية : عليها
رطب ، وجمع بأنه أولا قدم الخبز واللحم الذي هو البط والتمر ، ثم قدم
الرطب ، فلم يتحد المقدم ، وفي مسند الإمام أحمد : إن المرات ثلاث ، وإن
المقدم فيه متحد - انتهى ، أقول : تقديم الرطب في المرة الثانية يخالفه ما تقدم
أنه في المرة الثانية كان تمرا ، والله أعلم ) .
( ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وآله بدر
وأحد ، فكان أول مشاهده الخندق - كما سيأتي - ، وكان بعد ذلك يقال له :
سلمان الخير ، وكان معدودا من أخصائه ( صلى الله عليه وآله ) ، قال سلمان : ثم
قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : كاتب يا سلمان ، فكاتبت صاحبي على
ثلاثمائة نخلة ، أي ودية - على وزن فعلية - : وهي النخلة الصغيرة التي يقال
لها : الفسيلة ، أحييها له بالتفقير - بالفاء ثم القاف - : أي الحفر ، ( أي ) ومن
ثم قيل للبئر : الفقير ، أي احفر لها واغرسها بتلك الحفرة وتصير حية بتلك
الحفرة ، أي وأتعهدها إلى أن تثمر ، والودية والفسيلة : هي النخلة الصغيرة
التي جرت العادة بأن تنقل من المحل الذي نبتت فيه ( 1 ) إلى محل آخر ،
لكن في كلام بعضهم : إذا خرجت النخلة من النواة قيل لها : غريسة ، ثم
يقال له ودية ، ثم فسيلة ، ثم إشاءه ، فإذا فاتت اليد فهي جبارة ، ويقال
للنخلة الطويلة : عوانة - بلغة عمان - ، وفي الحديث : ( إن قامت الساعة وبيد
أحدكم فسيلة فاستطاع ( أن يغرسها ) قبل أن تقوم فليغرسها ) ، وعلى أربعين
أوقية ، أي من ذهب - كما سيأتي - ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أعينوا
أخاكم ، فأعانوني بالنخيل ( 3 ) ، الرجل بستين ، والرجل بعشرين ودية ، و
الرجل بخمسة عشر ، والرجل يعين بقدر ما عنده ، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة
ودية ، قال : وفي رواية : إنه كوتب على أن يغرس لهم خمسمائة فسيلة ، أي
000000000000000000
( 1 ) بط ، طير مائي قصير العنق والرجلين
يقال له بالفارسية مرغابي .
( 2 ) في المصدر : تنبت فيه .
( 3 ) في المصدر : النخل .
‹ صفحه 78 ›
يحفر لها ويغرسها ، أي ويتعهدها إلى أن تثمر ، وعلى أربعين أوقية ) .
( وقال سلمان : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : إذهب يا سلمان
ففقر ، أي - بالفاء - ، وفي رواية : فنقر ، أي - بالنون - : ( أي ) إحفر لها ،
فإذا فرغت
فأتني ( أكن ) أنا أضعها بيدي ، ففقرت ، وفي رواية : فنقرتها ، وأعانني
أصحابي ، حتى إذا فرغت جئته ( صلى الله عليه وآله ) فأخبرته ، فخرج معي إليها ،
فجعلنا نقرب إليه الودي ، فيضعه رسول الله صلى الله عليه وآله ( بيده ) ، ما مات
منها ودية واحدة ، فأديت النخل وبقي علي المال ، فأتى رسول الله صلى الله عليه
وآله بمثل بيضة الدجاجة ، أي وفي رواية : مثل بيضة الحمامة ، من ذهب من
بعض المعادن ، ولعل هذه البيضة كانت مترددة بين بيضة الدجاجة و ( بين
بيضة ) الحمامة ، أي أكبر من بيضة الحمامة وأصغر من بيضة الدجاجة ،
فاختلف فيها التشبيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما فعل الفارسي
المكاتب ؟
فدعيت له فقال : خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان ، أي لا تكون بعضا مما
عليك ، وحينئذ ( قد ) يتوقف في جواب سلمان بقوله : قلت : وأين تقع هذه
يا رسول الله مما علي ، لأن الشئ يؤدى ( 1 ) بعضه وإن قل ذلك البعض ، إلا
أن يقال : العادة قاضية بأن ذلك البعض لا يقبل إلا إذا كان له وقع بالنسبة
لكله ، وقد أشار ( صلى الله عليه وآله ) للرد على سلمان بأن هذا الذي قلت فيه :
( إنه ) لا يحسن أن يكون بعضا مما عليك ، يوفي به الله عنك جميع ما عليك ،
حيث قال : خذها فإن الله سيؤدي بها عنك ، فأخذتها فوزنت لهم منها ، والذي
نفس سلمان بيده أربعين أوقية ، فأوفيتهم حقهم ، أي وبقي عندي مثل ما
أعطيتهم ، قال : وهذا ، أي وسؤال سلمان وجوابه صلى الله عليه وآله وسلم
كالصريح في أن الأواقي التي كاتب عليها كانت ذهبا لا فضة ، وقد جاء ، أي
ومما يدل على ذلك في بعض الروايات : إن سلمان لما قال للنبي صلى الله عليه
وآله : وأين تقع هذه مما علي ؟ فقبلها صلى الله عليه وآله على لسانه ، ثم قال :
خذها فأوفهم منها ، وأيضا ، أي ومما يدل على ذلك أيضا : إن ( من ) المعلوم
00000000000000000
( 1 ) في المصدر : يؤديه .
‹ صفحه 79 ›
أن قدر بيضة الدجاجة من الذهب يعدل أكثر من أربعين أوقية من الفضة
- انتهى ، أي فلا يحسن قول سلمان : وأين تقع هذه مما علي ؟ وقد صرح
بذلك ، أي بكونها ذهبا البلاذري والقاضي عياض في الشفاء ، فقالا : على
أربعين أوقية من ذهب ، وإلى الفضة أشار صاحب الهمزية بقوله :
ووفى قدر بيضة من نضار ( 1 )
دين سلمان حين حان الوفاء
كان يدعى قنا فأعتق لما
أينعت من نخيلة الإقناء
أفلا تعذرون سلمان لما
أن عرته من ذكره العرواء
أي ووفى قدر بيضة من بيض الدجاج أو الحمام من ذهب ، دين
سلمان ، وهو أربعون أوقية من ذهب حتى قرب حلول الدين ، وتقدم أنه
وفى دينه منها وبقي عنده منها قدر ما أعطاهم ، وسبب هذا الدين ( الذي )
على سلمان أنه كان يدعى قنا ، أي أرق بالباطل - كما تقدم - فكوتب على
ذلك وعلى أن يغرس تلك النخيل ويتعهد ( ها ) إلى أن تثمر ، وأعتق بأداء
هذا الدين حين أينعت العراجين ( 2 ) من نخيلة التي غرسها ، أي غرست له ،
أفلا ترون لسلمان عذرا يمنعكم من إيذائه حين أن غشيته قوة الحمى من أجل
سماع ذكره صلى الله عليه وآله ) .
( قال سلمان : وشهدت مع رسول الله الخندق ثم لم يفتني معه
مشهد ، وعن بريدة : إن رسول الله صلى الله عليه وآله اشترى سلمان ، أي كان
سببا لشرائه ، أي مكاتبته من قوم اليهود بكذا وكذا درهما على أن يغرس لهم
000000000000000000
( 1 ) النضار : الذهب والفضة ، وقد غلب على
الذهب .
( 2 ) العرجون ، ج عراجين : أصل الغذق الذي يعوج ويبقى على النخل يابسا بعد أن
تقطع عنه
الشماريخ .
‹ صفحه 80 ›
كذا وكذا من النخل ، يعمل فيها سلمان حتى تدرك ، فغرس رسول الله
صلى الله عليه وآله النخل كله إلا نخلة غرسها عمر ( فأطعم النخل كله إلا تلك
النخلة التي غرسها عمر ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من غرسها ؟ قالوا
:
عمر ، فقلعها وغرسها رسول الله صلى الله عليه وآله ( بيده ) فأطعمت من تمامها ( 1
) ،
وذكر البخاري : أن سلمان ( رضي الله عنه ) غرس بيده ودية واحدة وغرس
رسول الله صلى الله عليه وآله سائرها ، فعاشت كلها إلا التي غرسها سلمان ، قال :
ويجوز أن يكون كل ( واحد ) من سلمان وعمر غرس بيده النخلة ، أحدهما
قبل الآخر - ( انتهى ) ، أقول : وهذا الحائط الذي غرس فيه ( رسول الله صلى الله
عليه وآله ) لسلمان ، من حوائط بني النضير ، وكان يقال له : الميثب ، وقد آل
إليه ( صلى الله عليه وآله ) - كما سيأتي . ولا يخفى أن قول صاحب الهمزية : كان
يدعى قنا ، يفيد أنه لم يرق حقيقة ، وقد تقدم ذلك ، وفيه : إنه لو لم يرق
حقيقة لما أقره صلى الله عليه وآله وسلم على الرق ، وأمره بالمكاتبة وأدى عنه ،
وكونه
فعل ذلك تطييبا لخاطر ساداته بعيد ( جدا ) ، فليتأمل ، فإن قيل : إذا رق
حقيقة كيف جاز له صلى الله عليه وآله أن يأمر أصحابه أن يأكلوا مما جاء به
صدقة ويأكل هو وهم مما جاء به هدية ، والرقيق لا يملك وإن ملكه سيده
- على الأصح عندنا معاشر الشافعية ، بل وعند باقي الأئمة - ؟ قلنا : يجوز أن
يكون الرقيق ( كان ) في صدر الإسلام يملك ما ملكه ( له ) سيده ثم نسخ
ذلك ، على أن بعض أصحابنا ذهب إلى صحته ، وفي كلام السهيلي : ( وذكر
أبو عبيد : ) إن حديث سلمان حجة على من قال : إن العبد لا يملك - هذا
كلامه ، أو أنه صلى الله عليه وآله لم يعلم رقه حينئذ لأن الأصل في الناس
الحرية ، ولعدم تحقق رق سلمان وعدم مجئ مكاتبته على قواعد أئمتنا لم
يستدلوا على مشروعية الكتابة بقصة سلمان ، وفي كلام السهيلي : إن في خبر
سلمان من الفقه : قبول الهدية ، وترك سؤال المهدي ( إليه ) وكذلك الصدقة ،
وفي الحديث : من قدم إليه ( الطعام ) فليأكل ولا يسأل - والله أعلم ) ( 2 )
00000000000000000
( 1 ) في المصدر : من عامها .
( 2 ) السيرة الحلبية : الطبعة الحديثة 1 : 313 - 303 ، الطبعة القديمة 1 : 192 -
186
‹ صفحه 81 ›
أقول : إعلم يا أخي ، حفظ الله تعالى عليك دينك ، وكمل بصيرتك
ويقينك ، إن ما رواه في هذا الكتاب هو بعينه ما نقلناه عن الراوندي - كما
يظهر من اتحاد سند الحديثين في القصص والمنتقى - ، وإنما زاد فيه مالا يشتبه
على الألمعي البصير .
قوله في القصص : كنت صبيا لا أعلم من أمر الناس إلا ما أرى من
المجوسية ، لا ينافي ما قدمناه من طهارة ذيله عن لوث الشرك ونجاسة الكفر ،
وأما ما في السيرة : واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار ، فهو مما
انفرد به ، ولا ضير فيه بعد إخبار الصادقين عليهم السلام بخلافه ، كما قيل :
إذا شئت أن تختر لنفسك مذهبا
ينجيك يوم الحشر عن لهب النار
فدع عنك قول الشافعي ومالك ( 2 )
وأحمد ( 3 ) والمروي عن كعب الأحبار
ووال أناسا قولهم وحديثهم
روى جدنا عن جبرئيل عن الباري
وذكر في هذا الخبر : الشام والموصل ونصيبين وعمورية ، بدل البلاد
المذكورة :
فالشام : بلاد واسعة وناحية معروفة ، طولها من الفرات إلى العريش
نحو عشرين يوما ، وعرضها من جبل الطي إلى بحر الروم ، سميت بذلك
لتشام ( 4 ) بني كنعان بن حام إليها ، أو لأن سام بن نوح أول من نزلها ، فجعلت
000000000000000000
( 1 ) أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي
المطلبي ، أحد الأئمة الأربعة المضلة ، ولد يوم وفاة أبي
حنيفة سنة 150 ، وتوفي بمصر آخر رجب سنة 204 ، له أشعار في مدح آل البيت عليهم
السلام .
( 2 ) أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني ، أحد الأئمة
الأربعة في
الفقه ، قيل ولد سنة 93 ، توفي سنة 179 .
( 3 ) أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني إمام المحدثين وأحد الأئمة الأربعة ومن
أصحاب الشافعي ،
له كتا المسند ، ولد سنة 164 ، وتوفي ببغداد في شهر ربيع الآخر سنة 241 .
( 4 ) الشامة : الخال ، يقال : صاروا شاما في البلاد : أي تفرقوا في البلاد تفرق
الشامات في الجسد .
‹ صفحه 82 ›
السين شينا - كذا عن صاحب المراصد - ، وعنه : إن اسمها الأول : سورى أو
سورية ، وعن ابن الكلبي : إن كنعان هو الشام وهي : الأرض المقدسة التي
أمر الله تعالى بني إسرائيل بالدخول فيها في قوله تعالى : ( ادخلوا الأرض
المقدسة التي كتب الله لكم ) ( 2 ) - على ما رواه العياشي ( 2 ) والراوندي في
القصص - ( 3 ) ، والمباركة التي أشار إليها في قوله تعالى : ( ونجيناه ولوطا إلى
الأرض التي باركنا فيها ) ( 5 ) - على ما ذكره المفسرون ( 6 ) - ، وفي قوله :
( وبين القرى التي باركنا ) ( 7 ) - على ما ذكره بعضهم ( 8 ) - ، وفي قوله تعالى :
( إلى
المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) ( 9 ) .
فإن بيت المقدس قصبة فلسطين ، التي هي إحدى كور الشام ، وهي
خمسة كور :
الأولى : فلسطين ، ومن أعمالها : الرملة ، ذكر أن فيها قبور سبعين نبيا
من بني إسرائيل ، هلكوا بالجوع حين أخرجوا من بيت المقدس .
الثانية : الأردن ، وقصبته طبرية ، ومنه قطع الله لأهل خليله لما دعاه
000000000000000000
( 1 ) المائدة : 21 .
( 2 ) محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السمرقندي أبو النضر ، المعروف بالعياشي ، من
عيون هذه
الطائفة ورئيسها وكبيرها ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، واسع الرواية ونقادها ونقاد
الرجال ، قال
الرجالي الأقدم النجاشي : ( ثقة ، صدوق ، عين من عيون هذه الطائفة وكان يروي عن
الضعفاء
كثيرا وكان في أول أمره عامي المذهب وسمع حديث العامة فأكثر منه ، ثم تبصر ، وعاد
إلينا
وكان حديث السن ) يروى عنه أعيان المحدثين كالكشي - صاحب الرجال - وهو من
تلامذته ، وهو مم عاش في أواخر القرن الثالث الهجري .
( 3 ) تفسير العياشي 1 : 306 ، القصص : 156 .
( 4 ) الأنبياء : 71 .
( 5 ) الأنبياء : 81 .
( 6 ) تفسير القمي 2 : 4 - 73
( 7 ) السبأ : 18 .
( 8 ) تفسير الكشاف : 3 : 577 .
( 9 ) تفسير القمي 2 : 4 ، والآية في الإسراء : 1 .
‹ صفحه 83 ›
أن يرزقهم من الثمرات قطعة ، وأقبلت حتى طافت بالبيت سبعا ثم أقرها الله في
موضعها فسميت الطائف ( 1 ) ، وفيه قرية ناصرة ، مسكن الروح عيسى عليه السلام
ومنها اشتق اسم النصارى - كما في علل الشرايع ، وعن العياشي - ( 2 ) ، وعن
الأخير : ( إنها هي القرية التي استطعم موسى وخضر أهلها ، فأبوا ، ووجدا
فيها جدارا يريد أن ينقض ( 2 ) ) ، وكان تحته كنز ليتيمين وهو لوح من ذهب ، فيه
مكتوب : ( أنا الله لا إله إلا أنا ومحمد نبيي ، عجبت لمن أيقن بالموت كيف
يفرح ، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ، وعجبت لمن اختبر الدنيا كيف
يطمئن إليها ، وعجبت لمن أيقن الحساب كيف يذنب ! ) ( 3 ) ، فأقامه الخضر
عليه السلام ، وفي قرب طبرية قبر لقمان وقريب منها بحيرة تسمى باسمها ، وفي
غيبة النعماني ( 4 ) عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول :
( ( كانت ) عصا موسى قضيب آس ( 5 ) من غرس الجنة أتاه بها جبرئيل
( عليه السلام ) لما توجه تلقاء مدين ، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية ، ولن
يبليا ولن يتغيرا حتى يخرجهما القائم عليه السلام إذا قام ) . ( 6 )
الثالثة : الغوطة ، وقصبتها دمشق مقر خلافة بني أمية لعنهم الله ، وفي
تأريخ خراب 83 : قتل أهله كله الأمير تيمور السلطان ، بينه وبين البيت المقدس
0000000000000000000
( 1 ) راجع البحار 12 : 109 .
( 2 ) علل الشرايع 1 : 81 ، تفسير العياشي 2 : 333 .
( 3 ) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 42 ، وفيه : ( وجد لوح تحت حائط مدينة من
المدائن فيه
مكتوب - الخ ) .
( 4 ) أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني ، كان من كبار محدثي
الإمامية في أوائل
القرن الرابع ويعرف بابن أبي زينب ، كان مؤلفا جيد النظر ، حين الاستنباط ، وافر
السهم في
معرفة الرجال وأحاديثهم ، قرأ على الكليني وأخذ عنه معظم علمه وصار كاتبا له وحاز
عنده
المزية العظمى والمحل الرفيع الأسمى ، هو أحد الأعلام الذين سافروا في طلب العلم
والأخذ عن
المشايخ فتى وكهلا وعكفوا على سماعه ليلا ونهارا ، قدم بغداد ، وخرج إلى الشام
ومات بها ،
والظاهر أنه توفي بعد سنة 342 . له تآليف قيمة كالغيبة والفرائض والتفسير .
( 5 ) القضيب : الغصن المقطوع ، أس : جنس نباتات ورقها دائم الخضرة ، يقال له
بالفارسية :
( درخت مورد ) .
( 6 ) غيبة النعماني ، 238 .
‹ صفحه 84 ›
قريب من أربعة وأربعين فرسخا .
والرابعة : حمص وحماة وحلب .
والخامسة : قنسرين وعده بعضهم من الرابعة وجعل الخامسة
أنطاكية والعواصم ، وفي الإكمال عن ابن أبي منصور قال : ( سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن اسم السفياني فقال : وما تصنع باسمه ؟ إذا ملك كور
الشام الخمس : دمشق وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين ، فتوقعوا عند
ذلك الفرج - الخير ) ( 1 ) ، وعن كتاب سرور أهل الإيمان في حديث السفياني
عنه عليه السلام : ( فإذا ظهر على الأكوار الخمس ، يعني كور الشام ، فانفروا إلى
صاحبكم ) . ( 2 )
وقد جعل الله الشام مهبط أنبيائه ومعبد أوصيائه ، وفيها من قبورهم
وآثارهم ما لا يحصى كثرة ، وقد خرج منها في الإسلام من العلماء الذين هم
مصابيح الأنام ، ما لم يخرج من غيره ، وفي مشكاة المصابيح عن شريح بن
عبيد قال : ( ذكر أهل الشام عند علي عليه السلام فقيل : ألعنهم يا أمير المؤمنين
عليه السلام ؟ قال : لا ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : الأبدال (
3 )
تكون بالشام وهم أربعون رجلا ، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا ،
يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ، ويصرف عن أهل الشام بهم
العذاب ) . ( 4 )
ومما يتغرب ، أن جبل عامل قرى معدودة من أعمال الشام ، وقد
ذكر في أمل الآمل : ( إن عدد علماء جبل عامل يقارب خمس عدد العلماء
المتأخرين ، مع أن بلادهم بالنسبة إلى باقي البلدان أقل من عشر العشر ) . ( 5 )
قلت : بل أقل من نسبة الواحد إلى الألف ، ونقل فيه أيضا : ( إنه اجتمع في
جنازة في قرية من قرى جبل عامل سبعون مجتهدا في عصر الشهيد الثاني ( 6 ) ) ( 7 ) .
000000000000000000
( 1 ) إكمال الدين 2 : 2 - 651 .
( 2 ) بحار الأنوار 52 : 272 .
( 3 ) أبدال الأرض جمع البدل أو البديل وهو الكريم الشريف .
( 4 ) مشكاة المصابيح باب ذكر اليمن والشام : 704 ، وفيه : ( الأبدال يكونون ) .
( 5 ) أمل الآمل 1 : 15 .
( 6 ) زين الدين بن علي بن أحمد علي بن أحمد بن محمد بن جمال الدين بن تقي الدين
بن صالح بن مشرف
العاملي الجبعي ، قال المحدث القمي في حقه : ( أفضل المتأخرين وأكمل المتبحرين ،
نادرة الخلف
وبقية السلف ، شيخ الأمة وفتاها ، ومبدأ الفضائل ومنتهاها ، قدوة الشيعة ونور
الشريعة ، الجامع في
معارج الفضل والكمال والسعادة بين مراتب العلم والعمل والجلالة والكرامة والشهادة
) ، ولد في
13 شوال سنة 911 ، واستشهد يوم الجمعة في شهر رجب سنة 965 ، راجع إلى كيفية شهادته
إلى
أمل الآمل 1 : 85 ، له آثار ثمينة كشرح اللمعة ومسالك الأفهام ومنية المريد .
( 7 ) أمل الآمل 1 : 15 .
‹ صفحه 85 ›
وقد أجاد في وصف الشام لسان الشعراء ، الحكيم الخاقاني في تحفة
العراقيين ، حيث قال :
( جسمي است زمين بهفت اندام
نافش عربست وپشت او شام
به زين خلفى نزاد ماناك
از پشت فلك مشيمه خاك
آن حرف كه انتهاى شام است
خود أول مصر از وتمام است
از دفتر شام در اقاليم
مصراست سقط چه حرف ترخيم
بر مصر نقط نهى مضر است
زير نقطى هزار سر است
شام است سفر كه ملائك
بيعتكه صادقان سالك
هم مكتب علم انبياء اوست
هم مشرب جان اصفياء اوست ) ( 2 )
وفي القصص عن الصادق عليه السلام قال : ( كان أبو جعفر عليه السلام
يقول : نعم الأرض الشام وبئس أهلها اليوم ) . ( 3 )
‹ صفحه 86 ›
و ( موصل ) : مدينة حصينة من بلاد الجزيرة ، أي الواقعة بين الفرات
والدجلة ، من آخر بلاد الروم إلى ملتقاهما بقرب بصرة ، وهو في جنوب غربي
الدجلة في شمال غربي بغداد واها سور رفيع ، في داخله قبر جرجيس النبي ،
المبعوث إلى أهله ( 1 ) ، وفي خارجه قبر هبة الله شيث بن آدم ، تشرفت بزيارتهما
في سنة 1281 ، وفي مقابل موصل في شرقي الدجلة مدينة نينوى ، ( 2 ) كانت
قديما من أعظم المدن ، قيل : كان طولها ثلاثة أيام ويوجد من آثارهما الآن
ما يدل عليه ، وأرسل الله تعالى إلى أهلها يونس بن متي عليه السلام ، وفيها قبره
وله قبة عالية وبناء مشيد ، تشرفت بزيارته في السنة المذكورة ، وأما القبر
الذي في قرب مسجد الكوفة فما عثرت لصحته على مأخذ يعتمد عليه - والله
العالم ، وعن الصادق عليه السلام قال : ( ستة عشر صنفا ( من أمة جدي )
لا يحبوننا ، ولا يحببوننا إلى الناس - إلى أن قال : - وأهل مدينة تدعى الموصل ،
هم شر من على وجه الأرض ) ( 3 ) ، وفي بعض الأخبار : ( إن السامري من أهل
هذا البلد ) ( 4 ) .
و ( نصيبين ) : أيضا من بلاد الجزيرة بينها وبين موصل ثلاثة أيام ،
كانت من أمهات المدن ، ذكر أنه كان لها ولقراها أربعين ألف بستان ، وفي
شمالها جبل يمتد إلى موصل ، معروف بين الناس أنه الجودي الذي استقرت
0000000000000000000000
( 1 ) المشيمة : عشاء ولد الإنسان ، يخرج معه
عند الولادة .
( 2 ) تحفة العراقيين : 8 - 177 .
( 3 ) قصص الأنبياء : 186 7 عنه بحار الأنوار 60 : 210 .
( 1 ) وقيل : قبره بالرملة ، وقيل : قبره بالسوس ( منه قدس سره ) .
( 2 ) وهي غير نينوى التي هي في بابل العراق ، من أعمالها قرية كربلاء ( منه قدس
سره ) .
( 3 ) الخصال 2 : 506 ، الخبر بالنسبة إلى بعض هؤلاء الأفراد ، فيحمل على الغلب لا
العموم ،
وبالنسبة على البلاد ، فيحمل على بيان حال ساكنيها في تلك الأزمان لا إلى يوم القيامة
( ذيل
المصدر ) .
( 4 ) إثبات الوصية : 48 .
‹ صفحه 87 ›
عليه سفينته عليه السلام ، وفي تفسير علي بن إبراهيم ( 1 ) : ( إنه جبل بالموصل )
( 2 ) ،
وهما متحد ، وعن العياشي في رواية : ( أنه الغري ) ، قيل : ومن خاصيتها
أنها لا تقبل العدل البتة ، بل سوق الظلم بها قائم ولو كان واليها كسرى ،
والآن هي خراب تعد من صغار القرى - كما شاهدناها .
و ( عمورية ) : مدينة كبيرة في بلاد الروم تسمى الآن بروساء أو
پروساء ، وربما يكتب بالصاد ، وهي أحسن بلاد الروم في النزاهة والصفا ،
في سفح جبل على ساحل شرقي بحر المرمرة ، وفي مقابلها في غربي البحر
قسطنطينة ، وبينهما قريب من ثلاثين فرسخا كانت قديما مقر سلطنة
آل عثمان قبل فتح قسطنطنية ، وفيها قبور ستة من سلاطينهم ، ويوجد فيها
قسم من المعز لا يوجد في غيرها ، وهي التي فتحها المعتصم بالله إبراهيم بن
هارون الرشيد العباسي لما بلغه وفي يده كأس ، إن امرأة شريفة علي الأسر
عند علج ( 3 ) من علوج الروم ، في مدينة عمورية ، وأنه لطمها على وجهها يوما
فصاحت : وا معتصماه ، فقل العلج : ما يجئ إليك المعتصم إلا على أبلق ،
فلما سمع ذلك اعتم غما شديدا وختم الكأس وناوله لساقيه وقال : والله
لا أشربنه إلا بعد فك الشريفة من الأسر وقتل العلج ، فلما أصبح وكان يوم
برد عظيم وثلج ، فلم يقدر أحد على إخراج يده ولا إمساك قوسه ، فنادى
بالرحيل إلى غزوة عمورية وأمر عسكره أن لا يخرج أحد منهم إلا على فرس
أبلق ، فخرجوا في سبعين ألف أبلق فأناخ عليها وما زال يحاصرها حتى فتحها
عنوة ، فلما دخلها كان يقول : لبيك لبيك ، وطلب العلج صاحب الأسيرة
الشريفة وضرب عنقه وفك قيود الشريفة وقال للساقي : ائتيني الكاس التي
أودعتها ، فأتاه بها وفك ختمه وشربه وقال : الآن طاب الشراب ، واحتوى
00000000000000000
( 1 ) علي بن إبراهيم بن هاشم أبو الحسن
القمي ، من أجلة رواة الإمامية ومن أعظم مشايخهم ،
أطبقت التراجم على جلالته ووثاقته ، قال النجاشي : ( ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح
المذهب ، سمع فأكثر وصنف كتبا وأضر في وسط عمره ) .
( 2 ) تفسير القمي 1 : 328 .
( 3 ) العلج ، ج علوح : الرجل الصخم القوي من كفار العجم ، وبعضهم يطلقه على
الكافر عموما .
‹ صفحه 88 ›
على ما فيها من الأموال ، وقتل ثلاثين ألف أو أزيد ، ولما أراد الخروج حذره
المنجمون فلم يصغ إلى قولهم ، ولما فتحها مدحه أبو تمام حبيب بن أوس
الطائي العاملي الشيعي ، الشاعر المعروف ، واعترض على المنجمين في قصيدة
أولها :
السيف أصدق أنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفايح لا سود الصحايف في
متونهن جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعة
بين الخمسين لا في سبعة الشهب
أين الرواية أم أين النجوم وما
صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
تخرصا وأحاديثا ملفقة
ليست بنبع إذا عدت ولا عزب
وخوفوا الناس من دهياء مظلمة
إذا بدى الكوكب الغربي ذو الذنب
منها :
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به
نطم من الشعر أو نثر من الخطب
يا يوم وقعت عمورية انصرفت
منك المنى حفلا معسولة الخطب
‹ صفحه 89 ›
منها :
بكر فما افترعتها كف حادثة ( 1 )
ولا ترقت إليها همة النوب
من عهد إسكندر أو قبل ذلك قد
شابت نواصي الليالي وهي لم تشب
حتى إذا محض الله السنين لها
محض النحية كانت زبدة الحقب
أتتهم الكربة السوداء سادرة
منها وكان اسمها فراجة الكرب
جرى لها الفال برحا يوم أنقرة ( 2 )
إذ غودرت وحشد الساحات والرحب
منها :
غدا يصرف بالأموال جزيتها
فغرة البحر ذو التيار والحدب
هيهات زعزعت الأرض الوقور به
عن غزو محتسب ، لا غزو مكتسب
لم ينفق الذهب المربى بكثرته
على الحصا وبه فقر إلى الذهب
0000000000000000000
( 1 ) افترع البكر : أزال بكارتها .
( 2 ) قريبة من عمورية ( منه ) .
‹ صفحه 90 ›
إن الأسود أسود الغاب همتها
يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
تسعون ألفا كأساد الشرى نضجت
أعمارهم قبل نضج التين والعنب
خليفة الله ! جاز الله سعيك عن
جرثومة الدين والإسلام والحسب
فبين أيامك اللاتي نصرت بها
وبين أيام بدر ، أقرب النسب
آخرها :
اتقب بني الأصفر الممراض كاسمهم
صفر الوجوه وجلت أوجه الغرب
والروم والرومية : ناحية معروفة حدها الشرقي نهر الفرات ، والشمالي
بحر الأسود ، والغربي بحر المرمرة ، والجنوبي بحر الشام ، والروم وهي غير الروم
التي هي قاعدة بلاد رومية الكبرى في غربي من قسطنطنية من أعظم المدن
المعروفة المعمورة في الدنيا ، وفيها الكنيسة العظيمة التي هي إحدى العجائب
السبعة في الدنيا ، ومن أراد الاطلاع على أزيد من ذلك فليرجع إلى الكتب
المعمولة فيها .
قوله : مهاجرته بين حرتين ،
الحرة - بالفتح والتشديد - : أرض ذات أحجار نخرة سود ، وروى
الشيخ في حديث عن الصادق عليه السلام قال : ( حرم رسول الله صلى الله عليه وآله من
المدينة من الصيد ما بين لابتيها ، قلت : وما لابتاها ؟ قال : ما أحاطت به
‹ صفحه 91 ›
الحرار ) ( 1 ) ، وفيه عنه عليه السلام : ( يحرم من الصيد صيد المدينة ، ما ( صيد
) بين
الحرتين ) ( 2 ) ، وفي القاموس : والحرة بين المدينة والعقيق وقبلى المدينة .
قوله : ببقيع الغرقد ،
في القاموس : ( الغرقد : شجر عظام ، أو هي العوسج ( 3 ) إذا عظم ،
وأحدها الغرقدة ، وبها سموا بقيع الغرقد مقبرة المدينة لأنه كان منبتها ) ،
قلت : وهو في شرقي المدينة وكان في آخره حش الكوكب ، مقبرة اليهود ، دفن
فيه عثمان بن عفان سرا بعد ثلاثة أيام من قتله ، ولما استولى معاوية ألحقه
بالبقيع ، وفي بتر المذاب : ( إن حش اسم لبستان كوكب ، وهو رجل من
الأنصار ، فاشتراه عثمان وألحقه بالبقيع فكان أول من دفن فيه ) .
قوله : يتبع جنازة رجل من أصحابه ، وهو كلثوم بن هدم ،
روى الطبرسي ( 4 ) في أعلام الورى ، والراوندي في القصص في حديث
طويل قال : ( فلما وافى - أي رسول الله صلى الله عليه وآله - ذا الحليفة سأل عن
طريق بني عمرو بن عوف ، فدلوه فدفعه الآل ( 5 ) ، فنظر رجل من اليهود وهو على
أطم ( 6 ) ( له ) إلى ركبان ثلاثة يمرون على طريق بني عمرو بن عوف ، فصاح : يا
معشر المسلمة ! هذا صاحبكم قد وافى ، فوقعت الصيحة في المدينة ، فخرج
000000000000000000
( 1 ) التهذيب 6 : 13 ، وفيه ( فقال : وما
لابتيها ؟ قلت : ما أحاطت به الحرتان ) .
( 2 ) التهذيب 6 : 13 .
( 3 ) العوسج - الواحدة عوسجة - جنس شجيرات من فصيلة الباذنجانيات ، أغصانه شائكة
وأزهاره مختلفة الألوان .
( 4 ) هو الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، فخر العلماء الأعلام
وأمين الملة
والإسلام ، قدوة المفسرين وعمدة الفضلاء المتبحرين ، كان من زعماء الدين وأجلاء
هذه الطائفة
وثقاتهم ، ما يدلنا على فضله الكثير وعلمه الغزير وتقدمه الظاهر في التفسير كتابه
( مجمع البيان )
وغيره من مؤلفاته وآثاره الخالدة ، صرح بعض بشهادته ولم يذكر في التراجم كيفيتها
واحتمل
المصنف إنها كانت بالسم ، وكان ذلك بسبزوار ليلة النحر سنة 548 وحمل نعشه إلى مشهد
الرضا
عليه السلام ودفن في مغتسله وقبره الآن مزار معروف .
( 5 ) الآل : الذي تراه في أول النهار وآخره ، كأنه يرفع الشخوص وليس هو السراب .
( 6 ) الأطم : مثل الأجم يخفف ويثقل ، حصن لأهل المدينة ( منه ) .
‹ صفحه 92 ›
الرجال والنساء والصبيان مستبشرين ( لقدومه ) يتعادون ( 1 ) ، فوافى رسول الله
صلى الله عليه وآله وقصد مسجد قباء ونزل ، واجتمع إليه بنو عمرو بن عوف
وسروا واستبشروا واجتمعوا حوله ونزل على كلثوم بن الهدم ، شيخ من بني
عمرو صالح مكفوف البصر - الخبر ) ( 2 ) .
وعن ابن شهرآشوب في المناقب في حديث له : ( فنزل النبي صلى الله
عليه وآله على كلثوم بن هدم ، وكان يخرج فيجلس للناس في بيت سعد بن
خيثمة ، وكان قيام علي عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله ثلاث ليال ، ثم
لحق
برسول الله ، فنزل صلى الله عليه وآله معه على كلثوم ) ( 3 ) وفي المنتقى في حوادث
السنة الأولى من الهجرة : ( وفيها مات كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بن
الحرث ، وكان شريفا كبير السن أسلم قبل قدومه صلى الله عليه وآله ، فلما هاجر
نزل عليه ، ونزل عليه جماعة منهم : أبو عبيد والمقداد وخباب في آخرين ،
وتوفي بعد مهاجرة رسول الله صلى الله عليه وآله بيسير ) ( 4 ) .
ومن الغريب ما نقل عن المناقب عن تاريخ الطبري : ( أن
أمير المؤمنين عليه السلام نزل بقباء على أم كلثوم بنت هدم وقت الهجرة ليلتين
أو ثلاثا ، فرآها تخرج كل ليلة نصف الليل إلى طارق وتأخذ منه شيئا ، فسألها
عن ذلك فقالت : هذا سهل بن حنيف قد عرف أني امرأة لا أحد لي ، فإذا
غدا أمسى على أوثان قومه فكسرها ثم جائني بها وقال : احتطبي بهذا ، فكان
أمير المؤمنين عليه السلام يحترمه بعد ذلك ) ( 5 ) ، ويحتمل بعيدا أن تكون أم
كلثوم
أختا لكلثوم بن الهدم .
وأما الخبر الذي نقله عن شواهد النبوة ، فأثار الوضع عليه لائحة ، على
ما نراه تبعا للصادقين الذين أمرنا بالكون معهم ، من أن النبي صلى الله عليه وآله
000000000000000000
( 1 ) تعادى القوم : تسابقوا في العدو والركض
.
( 2 ) إعلام الورى : 64 ، وقصص الأنبياء : 337 ، عنهما البحار 19 : 104 .
( 3 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 185 .
( 4 ) بحار الأنوار 19 : 132 .
( 5 ) مناقب آل أبي طالب 2 : 146 ، البحار عنه 19 : 80 ، وفيه 6 ( فإذا أمسى غدا )
.
‹ صفحه 93 ›
كان عالما بكل لغة ، وفي كثير من الأخبار : ( إنه كان يتكلم باثنين أو بثلاث
وسبعين لسانا ) ( 1 ) ، وإن الله تعالى لا يرسل رسولا إلى قوم وهو لا يعرف لسانهم
ولا يفهم لغتهم ( 2 ) ، وروي في تفسير قوله تعالى : ( إني حفيظ عليم ) : ( أي بكل
لسان ) ( 3 ) ، وفي تفسير علي بن إبراهيم : قال الصادق عليه السلام : ( وأعطي
سليمان بن داود مع علمه معرفة المنطق بكل لسان ومعرفة اللغات
ومنطق الطير والبهائم والسباع ، فكان إذا شاهد الحروب تكلم بالفارسية ، وإذا
قعد لعماله وجنوده وأهل مملكته تكلم بالرومية ، وإذا خلا بنسائه تكلم
بالسريانية والنبطية ، وإذا قام في محرابه لمناجاة ربه تكلم بالعربية ، وإذا
جلس للوفود والخصماء تكلم بالعبرانية ) . ( 4 )
أرأيت أنه بعث على قوم مخصوصين ، أو عجز من أرسله على إقداره
عليه ، أو كان أمر لا يحتاج الابلاغ إليه ، أليس في صحاحهم أنه صلى الله عليه وآله
تكلم مع الذئب والجمل حين اشتكيا إليه الجوع وكثرة العمل ؟ أهما تكلما
بالعربية فقد علما غير لغتهما ففضلهما أكثر ، أو تكلم صلى الله عليه وآله بلغتهما
، فليس
معرفة لغة الوحوش والسباع أصعب وأولى من معرفة الفارسية ، مع أنه في
المورد مطروح بما نقلنا سابقا من إكمال الدين عن موسى بن جعفر عليهما السلام
من : ( إن الله تعالى علمه العربية قبل مهاجرته من فارس ) ، مع أنه كيف
يقبل في العادة أن يكون سلمان في جزيرة العرب سنين متطاولة ويخدم الموالي
منهم ولا يتعلم لغتهم ، وبذكاء أهل فارس وجودة ذهنهم وسرعة انتقالهم
تضرب الأمثال .
قوله : وهذا السياق يدل - اه ،
فيه : إنه لا دلالة فيه على ما نقله : ( إنه كان في المرة الثالثة أو
الثانية ) ، فيحتمل أن يكون في المرة الأولى ، فراجع .
000000000000000000
( 1 ) الإختصاص : 263 .
( 2 ) راجع البحار 26 : 190 .
( 3 ) تفسير العياشي 2 : 181 ، والآية في يوسف : 55 .
( 4 ) تفسير علي بن إبراهيم 2 : 129
‹ صفحه 94 ›
قوله : واختلف الروايات
قلت : قد مر في رواية الصدوق أنه كان رطبا في المرتين ، ويؤيده ما
في أعلام الورى ، قال : ( وكان سلمان الفارسي عبدا لبعض اليهود وقد كان
خرج من بلاده من فارس ، يطلب الدين الحنيف الذي كان أهل الكتب
يخبرونه به ، فوقع إلى راهب من رهبان النصارى بالشام ، فسأله من ذلك
وصحبه ، فقال : أطلبه بمكة ( فثم ) مخرجه وأطلبه بيثرب فثم مهاجرته ( 1 ) ،
فقصد يثرب فأخذه بعض الأعراب فسبوه واشتراه رجل من اليهود ، فكان
يعمل في نخله ، وكان ( في ) ذلك اليوم على النخلة يصرمها ( 2 ) ، فدخل على
صاحبه رجل من اليهود فقال : يا ( أبا ) فلان ؟ أشعرت أن هؤلاء المسلمة قد
قدم عليهم نبيهم ؟ فقال سلمان : جعلت فداك ما الذي تقول ؟ فقال له
صاحبه : ما لك وللسؤال عن هذا ؟ أقبل على عملك ، قال : فنزل وأخذ طبقا
وصير عليه من ذلك الرطب وحمله ( 3 ) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال له
رسول الله : ما هذا ؟ قال : ( هذه ) صدقة تمورنا ، بلغنا أنكم قوم غرباء قدمتم
هذه البلاد فأحببت أن تأكلوا من صدقتنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :
سموا وكلوا ، فقال سلمان في نفسه وعقد بإصبعه : هذه واحدة - يقولها
بالفارسية - ، ثم أتاه بطبق آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ما هذا ؟
فقال له سلمان : رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أهديتها إليك ، فقال
صلى الله عليه وآله : سموا وكلوا ، وأكل عليه وآله السلام ، وعقد سلما بيده اثنين
وقال هذه اثنان - يقولها بالفارسية - ، ثم دار خلفه فألقى رسول الله صلى الله عليه
وآله عن كتفه الإزار ، فنظر سلمان إلى خاتم النبوة والشامة ، فأقبل ( سلمان )
يقبلها ، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : من أنت ؟ قال : أنا رجل من أهل
فارس قد خرجت من بلادي منذ كذا وكذا ، وحدثه بحديثه ( 4 ) وله ( حديث
00000000000000000000
( 1 ) في المصدر : مهاجره .
( 2 ) صرم الشئ : قطعه .
( 3 ) في المصدر : حمل .
( 4 ) في المصدر : بحديث .
‹ صفحه 95 ›
طويل فيه ) طول ، فأسلم وبشره رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال له : أبشر
واصبر فإن الله سيجعل لك فرجا من هذا اليهودي ) ( 1 ) .
ويأتي من الخرائج : ( إنه كان تمرا في المرة الأولى والثانية ) ، لكنه
مرسل لا يعارض الخبر الصحيح المؤيد بما عرفت ، وفي المنتقى : ( وفي بعض
طرقها - أي قصة سلمان - : إن سلمان كان يرعى الغنم لسيدته ، قال :
فأخبرت أنه قدم المدينة رجل يزعم أنه نبي فهبط سلمان إلى المدينة ، فنظر إلى
النبي صلى الله عليه وآله ودار حوله ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله عرف ما
يريد
سلمان ، فأرسل ثوبه حتى خرج خاتم النبوة ، فلما رآه أتاه وكلمه ، ثم انطلق
فاشترى بدينار بنصفه شاة فشواها ، وبنصفه خبزا ، ثم أتى به إلى النبي صلى الله
عليه وآله فقال : ما هذا ؟ قال سلمان : هذه صدقة ، قال : لا حاجة لي بها ،
فأخرجها فليأكلها المسلمون ، ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما ، فأتى
به النبي صلى الله عليه وآله فقال : ما هذا ؟ قال : هذه هدية ، قال صلى الله عليه
وآله :
فاقعد فكل ، فأكلا جميعا منها وأسلم سلمان ، وروي أيضا أنه كان
خلالا ) .
قوله : وأول مشاهده الخندق - اه ،
قال في آخر الباب : ( قيل : وشهد بدرا وأحدا قبل أن يعتق ، أي
وهو مكاتب ، فيكون أول مشاهده الخندق بعد عتقه ) ( 2 ) ، قلت : ونقل ابن
أبي الحديد وغيره عن الإستيعاب أنه قال : ( وأول مشاهده الخندق ، وقد
روي أنه شهد بدرا وأحدا ولم يفته بعد ذلك مشهد ) ( 3 ) ، وسيأتي أنه أسلم
في السنة الأولى من الهجرة ، وصريح السيرة والقصص : ( إن سبب الفوت
هو شغل الرق ) ( 4 ) ، فيشكل بأن ظاهر حديث الإكمال والخرائج وصريح
تاريخ كزيده : أنه عتق عقيب إسلامه من غير فصل ، وعلى ما ذكر كان بين
000000000000000000
( 1 ) إعلام الورى : 6 - 65 .
( 2 ) السيرة الحلبية 1 : 192 .
( 3 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 : 224 .
( 4 ) السيرة الحلبية 1 : 190 .
‹ صفحه 96 ›
إسلامه وعتقه خمس سنين ، فإن غزوة الخندق كانت في
شوال السنة الخامسة
من الهجرة ، وهذا في غاية البعد ، ولكن يؤيد الأول أنه ما عثرت في أخبار
المغازي على وقعة وذكر له في غزوتين من أنه قد حصر من أقام مع رسول الله
صلى الله عليه وآله في غزوة أحد ولم يعد سلمان منهم ، ولم يكن سلام الله عليه ممن
يفر
عن الزحف ويعبد الله على حرف ، تهم قال سليم في أول كتابه : ( إنه سألت
عن جماعة من أهل بدر وعد منهم سلمان ) ( 1 ) ، ويمكن صرف كلامه على وجه
التغليب ، والله العالم .
قوله : في القصص والسيرة : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : كاتب يا
سلمان ، فكاتبت صاحبي - اه ،
هذا صريح في أن عتقه رضي الله عنه كان بالمكاتبة ، ويؤيده ما يأتي من
الخرائج والكافي لكنه معارض بما قدمنا من أن رسول الله صلى الله عليه وآله اشتراه
من مالكه ، وصرح به السيد الشهيد ( 2 ) في مجالس المؤمنين ( 3 ) ، وليس أداء مال
الكتابة بل بعضه إلا كأداء دين أحد وإيفائه عنه فلا يكون رسول الله معتقه
ولا هو من مواليه ، فما حكاه المولى محمد صالح عن القرطبي من : ( أن سلمان
يعد من موالي رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه أعانه بما كوتب عليه ، فكان سبب
000000000000000000
( 1 ) سليم بن قيس : 65 ، لا يخفى إن هذا
الكلام من كلام أبان بن عياش - راوي كتاب السليم -
وليس في كلامه صراحة على أن يكون سلمان من أهل بدر ، فراجع .
( 2 ) نور الله بن شريف الدين الحسيني المرعشي الشوشتري ، القاضي الفاضل الكامل
العلامة
والمحدث المتكلم العالم الفهامة السيد السعيد الجليل والسيف المسلول على أهل
الالحاد والتضليل
جعل الله له في الجنة خير مستقر وأحسن مقيل ، له كتب في نصرة المذهب ورد المخالفين
ككتاب
مجالس المؤمنين وإحقاق الحق في النقض على إبطال الباطل الذي كتبه فضل بن روز بهان
الإصفهاني في الرد على نهج الحق لآية الله العلامة ، والصوارم المهرقة في جواب
الصواعق المحرقة لابن
حجر الهيثمي ، وكتاب مصائب النواصب في رد نواقض الروافض لميرزا مخدوم الشريفي ،
كان
رحمه الله معاصر للشيخ البهائي وقتل بالهند بسبب تأليف إحقاق الحق وقصته مشهورة
فمات رحمه الله
شهيدا وكان ذلك في أكبر آباد من بلاد الهند ومرقده هناك يزار ويتبرك به وكان عمره
قريبا من
سبعين .
( 3 ) مجالس المؤمنين 1 : 205 .
‹ صفحه 97 ›
عتقه ) ( 1 ) في غاية الوهن ، لأنه يلزم أن يكون سلمان مولى لجمع كثير كسعد بن
عبادة ( 2 ) وغيره ممن أعانه على مال الكتابة - على ما في أخبارهم - ، فإنه صلى
الله
عليه وآله ما أدى إلا أوقية الذهب .
مع أنه صرح ابن أبي الحديد بأنه معدود من مواليه قال : ( وقد روى
أنه ( قد ) تداوله ( أرباب كثيرة ) بضعة عشر ربا عن واحد إلى آخر حتى
أفضى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ) ( 3 ) ، ونقل هو وغيره عن استيعاب
أبي عمرو يوسف بن عبد البر : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله اشتراه من أربابه
وهم قوم يهود ( بدراهم و ) على أن يغرس لهم من النخيل كذا وكذا ) ( 4 ) ، وفي
تاريخ كزيده : ( إن سلمان صار في يد يهودي اسمه عثمان بن أشهل ، ولما
هاجر الرسول صلى الله عليه وآله ( إلى المدينة ) اشتراه منه في السنة الأولى منها
،
وكتب لتحريره عهدا بخط أمير المؤمنين عليه السلام ، نسخته : بسم الله ( الرحمن
الرحيم ) هذا ما أفدى محمد بن عبد الله لسلمان الفارسي من عثمان بن
الأشهل اليهودي ثم القرظي القرشي ، على ثلاثمأة نخلة وأربعين أوقية
( من ال ) ذهب ، تفدية محمد بن عبد الله لثمن سلمان الفارسي ، وولائه لمحمد بن
عبد الله وأهل بيته ولا سبيل لأحد على سلمان ، شهد على ذلك أبو بكر بن
أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وحذيفة بن ( سعيد ) اليماني
وأبو درداء وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وبلال مولى أبي بكر
وعبد الرحمن ، وكتب علي بن أبي طالب في جمادى الأولى ( من ) هجرة محمد
صلى الله عليه وآله ) ( 5 ) ، والحمل الذي ذكره في السيرة في رواية بريدة محتمل ،
إن
0000000000000000000
( 1 ) شرح الكافي 7 : 6 .
( 2 ) رئيس الخزرج وكان صاحب راية الأنصار يوم بدر ، لما قبض النبي صلى الله عليه
وآله اجتمعت
الأنصار إليه وكان مريضا فجاؤوا به إلى السقيفة وأرادوا تأميره ، ولما تم الأمر
لأبي بكر امتنع عن
مبايعته ، قتله خالد بن الوليد قيل : إن أمير الشام كمن له ورماه ليلا وهو خارج
إلى الصحراء
بسهمين فقتله ، وقالوا : قتله الجن لأنه بال قائما في الصحراء ليلا واشتهر بقتيل
الجن ، ولقد أجاد
بعض المتأخرين في ذلك :
يقولون : سعد شكت الجن قبله * ألا ربما صححت دينك بالغدر
وما ذنب سعد إنه بال قائما * ولكن سعدا لم يبايع أبا بكر - الخ .
( 3 ) شرح النهج 18 : 34 .
( 4 ) شرح النهج 18 : 34 .
( 5 ) تاريخ كزيده : 30 - 229 .
‹ صفحه 98 ›
انحصر أخبار العتق في لفظ الشراء .
وأما سببيته لكون ولائه له صلى الله عليه وآله وعده من مواليه ، فهو بمعزل
عنه مع خروجه عن ظاهر الخبر ، والجمع بين الأخبار فرع للتكافؤ المفقود في
المقام ، وفي المهج في حديث حواري الجنة وتحفها مسندا عن فاطمة عليها السلام :
( فقلت للثالثة : ما اسمك ؟ قالت : سلمى ، قلت : ولم سميت سلمى ؟
قالت : ( خلقت ) أنا لسلمان الفارسي مولى أبيك رسول الله صلى الله عليه
وآله ) ( 1 ) ، وفي روضة الواعظين : ( قال ابن عباس : رأيت سلمان الفارسي
( رحمه الله ) في منامي فقلت له : أنت سلمان الفارسي ؟ فقال : نعم ، فقلت :
( له : يا سلمان ! ) ألست مولى النبي ؟ قال : بلى ) ( 2 ) ، وفي الإحتجاج في
كتاب أرسله سلمان إلى عمر من المدائن : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من
سلمان مولى النبي صلى الله عليه وآله - الخ ) ( 3 ) ، وفي فضائل شاذان بن جبرئيل
القمي ( 4 ) في حديث وفاته وسلامه على أهل القبور ، إلى أن قال : ( السلام
عليكم يا منتظرين النفحة الأولى ، سألتكم بالله العظيم والنبي الكريم إلا
أجابني منكم مجيب ، فأنا سلمان الفارسي مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ) ( 5 )
،
وفي رجال الشيخ أبي جعفر الطوسي وخلاصة العلامة ورجال ابن داود ( 6 )
رضي الله عنهم في ترجمته هكذا : ( سلمان الفارسي مولى رسول الله صلى الله
عليه وآله يكنى أبا عبد الله - إلى آخر ما ذكروا ) ( 7 ) ، وعده ابن شهرآشوب في
المناقب ( 8 ) من مواليه ، فتأمل .
0000000000000000000
( 1 ) مهج الدعوات : 7 .
( 2 ) روضة الواعظين 2 : 281 .
( 3 ) الإحتجاج 1 : 130 ، : ( مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ) .
( 4 ) أبو الفضل سديد الدين شاذان بن جبرئيل بن إسماعيل بن أبي طالب القمي نزيل
مهبط
وحي الله ودار هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله ثقة فقيه عالم جليل القدر صاحب
رسالة إزاحة
العلة في معرفة القبلة التي نقلها المجلسي بتمامه في البحار ، عن الشهيد في الذكر
ى : إنه من أجلاء
فقهاءنا ، عاصر رحمه الله ابن إدريس وتوفي في حدود سنة 660 .
( 5 ) الفضائل : 86 .
( 6 ) تقي الدين حسن بن علي بن داود الحلي من تلامذة أحمد بن طاووس والمحقق ،
المتوفى أوائل
القرن الثامن ، له تصنيفات كثيرة منها رجاله ، قال الشهيد الثاني عنه : ( سلك فيه
مسلكا لم يسبقه
أحد من الأصحاب ) ، لا يخفى أن المعتمدين على رجاله على ثلاث : قسم غال كوالد
البهائي قال في
حقه : ( كتاب ابن داود قد تكفل بأكثر المهم في ذلك ) ، قسم لا يعتمدون به كمولى
عبد الله
الشوشتري قال رحمه الله في شرح التهذيب : ( كتاب ابن داود مما لم أجده صالحا
للاعتماد لما ظفرنا
عليه من الخلل الكثيرة - الخ ) ، وساير العلماء يعتمدون به كاعتمادهم بغيره .
( 7 ) رجال الطوسي : 43 ، الخلاصة : 84 .
( 8 ) مناقب آل أبي طالب 1 : 171 .
‹ صفحه 99 ›
ومما يستنكر في المقام ما رواه في المنتقى عن سلمان ، قال بعد ذكر
الهدية والصدقة والخاتم : ( فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ،
قال صلى الله عليه وآله : من أنت ؟ قلت : مملوك ، قال : لمن أنت ؟ قلت : لامرأة
من الأنصار وجعلتني في حائط لها ، قال صلى الله عليه وآله : يا أبا بكر قال :
لبيك ، قال : اشتره ، فاشتراني فأعتقني ) .
قلت : وشواهد الكذب قائمة عليه عند الفريقين .
قوله فيهما أيضا : على ثلاثمأة نخلة - الخ ،
قد اختلفت الأخبار في عدد النخيل ، ففي رواية الإكمال : أنها
أربعمأة - كما تقدم - وقال الزمخشري في الفائق - على ما حكى عنه - :
( سلمان كاتب أهله على ثلاثمأة وستين عذقا وأربعين أوقية خلاص ، فأعانه
سعد بن عبادة ستين عذقا ، هو النخلة ، وكانوا كاتبوه على أن يغرسها لهم
فسلانا ، فما أخطأت منها ودية ، الخلاص : ما أخلصته النار من الذهب
والفضة ، ومنه الزبد : خلاص اللبن - انتهى ) .
وقال الشيخ الجليل قطب الدين الراوندي في الباب الأول من
الخرائج والجرائح : ( روى أنه لما وافى رسول الله المدينة مهاجرا ( أ ) نزل بقبا
وقال : لا أدخل المدينة حتى يلحق بي علي ، وكان سلمان كثير السؤال عن
رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان قد اشتراه بعض اليهود وكان يخدم نخلا
لصاحبه ، فلما وافى صلى الله عليه وآله قبا وكان سلمان قد عرف بعض أحواله