‹ صفحه 221 ›
ثمان سنين ودخل في التاسعة ، وحينئذ يطلع نابه ويكمل قواه ، ثم يقال له
بعد ذلك : بازل عام وبازل عامين ، وفسخته : أما مشدد من قولهم : تفسخ
الربع تحت الحمل : ضعف وعجز ، والربع هي الإبل التي حبست عن الماء
ثلاثة أيام أو أربعة وثلاثة ليال ووردت في الرابع ، أو مجرد - كفرح - أي
فسد .
ثم إن ثقة الإسلام روى في باب درجات الإيمان ما يقرب مضمون
الخبرين ( 1 ) ، وفي تلك الأخبار فوائد جليلة لا بأس بالإشارة إلى بعضها :
منها : إن القسمة المذكورة لا توجب الظلم ، لأن المطلوب من كل
العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول ( في الدنيا ) . ) ( 2 )
،
وإن القيام على تلك الدرجة والعكوف عليها ليس محتوما عليه بل هو قابل
للترقي إلى ما هو فوقه حتى يبلغ ما يمكن له من الكمال ، فإن الناس بعد
تفاوتهم بهذه المراتب متشاركون في أصل القوة التكليفية والقدرة على الترقي ،
وإلا لما صح قوله عليه السلام : ( فارفعه إليك برفق ) ، نعم تكليف الأدنى حين
كونه أدنى بما كلف به إلا على تكليف بما لا يطاق ، وفي بعضها : ( ولا تحملوا
( على ) صاحب السهم سهمين . ) ( 3 )
ومنها : إن الرجل بعد تحصيل أصل الإيمان لو قصر في كماله لقصوره
في القوة العلمية أو في القوة العلمية واقتناعه بما عنده لا يعد مقصرا ولا يؤاخذ
عليه وانعظمت حسرته وطالت ندامته يوم يقول المتقون : ( الحمد لله الذي
صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ) ( 4 ) ،
( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين ) ( 5 ) .
00000000000000000
( 1 ) الكافي 2 : 42 .
( 2 ) الكافي 1 : 11 .
( 3 ) الكافي 2 : 42 .
( 4 ) الزمرد : 74 .
( 5 ) العنكبوت : 6 .
‹ صفحه 222 ›
ومنها : إن بناء وصول الكمال وحصول المقامات الشريفة والمراتب
الجليلة على التدرج والتعلم والطلب منه تعالى ، فعلى السالك المجاهد أن
يتضرع إلى الله في المسألة بأن يكمله ويوفقه للترقي إلى الدرجات العالية
والمراقي السامية .
ومنها : إن لأرباب الكمال وأهل الصحة والسلامة ، المسيون على
عرش التحقق ، السائرين في فلك التدقيق ، أن يرحموا الناقصين ، التائهين في
بيداء الجهالة ، بانقاذهم وإعانتهم على الخروج منها بالرفق واللطف تدريجيا ،
كما هو سيرة الأنبياء والعلماء العاملين بمراسم الإرشاد وكيفية التعليم ، فلو قصر
فيه أو في كيفيته فكسره ، فإن كان بإخراجه من الدين أو عن مقامه الذي
كان متمكنا فيه فجبره إرشاده ورده ، وإن كان بكسر قلبه فعليه أن يرضيه .
وروى الشيخ الشهيد محمد بن أحمد بن علي بن الفتال النيسابوري في
روضة الواعظين مرسلا قال : ( قال أبو عبد الله عليه السلام : الإيمان عشر درجات :
فالمقداد في الثامنة ، وأبو ذر في التاسعة ، وسلمان في العاشرة . ) ( 1 )
وروى الكشي رحمه الله عن طاهر بن عيسى الوراق ، رفعه إلى محمد بن
سفيان ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير
قال : ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
يا سلمان ! لو عرض علمك على مقداد لكفر ، يا مقداد ! لو عرض علمك على
سلمان لكفر . ) ( 2 )
وروى المفيد رحمه الله في الإختصاص عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن
أبيه ، عن سعد ( بن عبد الله ) ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن أسلم
الجبلي ، عن البطائني ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( قال
رسول الله ( لسلمان ) : يا سلمان ! لو عرض علمك على مقداد لكفر ، يا مقداد !
لو عرض صبرك على سلمان لكفر . ) ( 3 )
000000000000000000
( 1 ) روضة الواعظين 2 : 280 .
( 2 ) إختيار معرفة الرجال : 11 .
( 3 ) الإختصاص : 11 .
‹ صفحه 223 ›
أقول : الظاهر بقرينة الراوي والمروي عنه والإمام
عليه السلام اتحاد
المتن ، فيتعين التحريف في آخر أحدهما ، ولعله في الثاني أولى ، وإن أمكن
التوجيه بما يأتي في باب سيرة سلمان بعد النبي صلى الله عليه وآله وما صبت عليه
وعلى أقرانه من المصائب : إنه عرض في قلب كلهم شئ إلا مقداد ، فإن
قلبه كان كزبر الحديد ( 1 ) ، فكان أصبر منهم ، وذلك لا ينافي أفضلية سلمان
منهم ، كما مضى ويأتي إن شاء الله .
وعنه رحمه الله فيه عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن إدريس ،
عن عمران بن موسى ، ( عن موسى ) بن جعفر البغدادي ، عن عمرو بن سعيد
المدائني ، عن عيسى بن حمزة قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الحديث الذي
جاء في الأربعة ، قال : وما هو ؟ قلت : الأربعة التي اشتاقت إليهم الجنة ،
قال : نعم ، منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار ، قلت : فأيهم أفضل ؟ قال :
سلمان ، ثم أطرق ، ثم قال : علم سلمان علما لو علمه أبو ذر كفر . ) ( 2 )
وروى رحمه الله عن محمد بن مسعود ، قال : حدثني محمد بن يزداد
الرازي ، عن محمد بن علي الحداد ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه
عليهما السلام قال : ( ذكرت التقية يوما عند علي عليه السلام فقال : لو علم أبو ذر
ما في قلب سلمان لقتله ، وقد آخا رسول الله بينهما ، فما ظنك بسائر الخلق ) ( 3 )
،
ورواه في البصائر والكافي ( 4 ) بأبسط من ذلك وقد تقدم في الباب الثاني .
ثم إن المقصود من تلك الأخبار واضح بعد ما عرفت إن للإيمان
- ونعني به هنا التصديق التام الخالص بالله وبرسوله والأئمة الأطهار عليهم
صلوات الله الملك الجبار - ولمعرفتهم مراتب ودرجات ، ولكل مرتبة ودرجة
أحكام وحدود مختصة بها ما دام صاحبها فيها ولم يترق إلى ما فوقها ، فإذا أخذ
بالحظ الوافر والنصيب المتكاثر انقلب أحكامه وتكاليفه ، كما انشرح صدره
0000000000000000000
( 1 ) الإختصاص : 11 .
( 2 ) الإختصاص : 12 .
( 3 ) إختيار معرفة الرجال : 17 ، وفيه : ( إن علم أبو ذر ( إن لو علم خ ل ) ) .
( 4 ) بصائر الدرجات : 45 . الكافي 1 : 401 .
‹ صفحه 224 ›
الذي كان ضيقا بنور معرفة الله وأوليائه ، والعلم بحقائق الأشياء كما هي ،
فيرى حينئذ أن ما كان عليه قبل ذلك كفر وضلال ، لإحاطته بقصور المقام
ونقصانه بالنسبة إلى ما هو عليه من المرتبة والكمال ، كما أنه وهو في تلك
الحالة لو كشف له ما لم يصل إليه يراه كفرا ، لعجزه عن دركه ومخالفته لما بنى
عليه أمره ، ولذا نهى عليه السلام في الأخبار السابقة عن أن يقول صاحب الواحد
لصاحب الاثنين : لست على شئ ، وهكذا ، وكذا عن إسقاط من هو دونه ،
ومن هنا كانوا عليهم السلام يمسكون عن أشياء كان علمها مختصة بذوي الهمم
العالية والقلوب الصافية لو سئل عنها من انهمك في الجهل والغرور ، وذلك
واضح بعد التتبع التام في تراجم الرواة وأصحاب الأئمة الهداة .
وفي الكشي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن مسندا قال : ( قال العبد
الصالح : يا يونس ! إرفق بهم فإن كلامك يدق عليهم ، قال : قلت : إنهم
يقولون لي زنديق ، قال : قال عليه السلام لي : وما يضرك أن يكون في يدك لؤلؤة
فيقول الناس هي حصاة ، وما ( كان ) ينفعك أن يكون في يدك حصاة
فيقول الناس لؤلؤة . ) ( 1 )
وفيه : إنه شكى إلى الرضا عليه السلام ما يلقي من أصحابه من الوقيعة ،
فقال الرضا عليه السلام : ( دارهم فإن عقولهم لا تبلغ ) ( 2 )
ولما رأى أبو ذر شيئا من عجائب سلمان مر إلى أمير المؤمنين مسرعا
وقد ضاق صدره مما رأى ، وسلمان يقفو أثره ، حتى انتهى إلى أمير المؤمنين
عليه السلام فنظر عليه السلام إلى سلمان فقال ( له ) : ( يا أبا عبد الله ! إرفق
بصاحبك . ) ( 3 )
ويعجبني كلام الحافظ البرسي في المشارق حيث قال بعد كلام له
في تفسير بعض الآيات : ( ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ) ( 4 ) : أي إيمانه
000000000000000000
( 1 ) إختيار معرفة الرجال : 488 .
( 2 ) إختيار معرفة الرجال : 488 ، الضمير في ( أنه ) راجع إلى يونس بن عبد الرحمن
، والوقيعة :
اغتياب الناس .
( 3 ) الإختصاص : 12 ، وفيه ( إرفق بأخيك ) .
( 4 ) الحج : 11 .
‹ صفحه 225 ›
غير متمكن في القلب ، لأن الحرف هو الطرف وذاك بغير برهان ولا يقين ،
فإن أصابه خير ، يعني إن سمع ما يلائم عقله الضعيف اطمأن به وركن إليه ،
وإن أصابه فتنة ، وهو سماع ما لم يحط به خبرا ، فهناك لا يوسعك عذرا بل
يبيح منك محرما ويتهمك كفرا ، وإليه الإشارة بقوله عليه السلام : ( لو علم أبو ذر
ما في قلب سلمان لقتله ) ، - وفي رواية لكفره - ، لأن صدر أبي ذر ليس بوعاء
لما في صدر سلمان من أسرار الإيمان وحقائق ولي الرحمن ، ولذلك قال النبي
صلى الله عليه وآله : ( أعرفكم بالله سلمان ) - ثم قال : - وذلك لأن
مراتب الإيمان عشرة ، فصاحب الأولى لا يطلع على الثانية ، وكذا كل مقام
منها لا ينال ما فوقه ، ولا يزدري من تحته ، لأن من فوق درجته أعلى منه ،
وغاية الغايات منها معرفة علي بالإجماع ، وإنما قال : ( لقتله ) ، لأن أبا ذر
كان ناقلا للأثر الظاهر وسلمان ( كان ) عارفا ب ( السر ) الباطن ، ووعاء
الظاهر لا يطيق حمل الباطن ، ( قد علم كل أناس مشربهم ) ( 1 ) . ) ( 2 )
ويؤيده ما في كنز الكراجكي : ( إن سلمان قال مخاطبا لأمير المؤمنين
عليه السلام : بأبي أنت وأمي يا قتيل كوفان ، والله لولا أن يقول الناس :
واشوقاه رحم الله قاتل سلمان ، لقلت فيك مقالا تشمئز منه النفوس - الخبر ) ( 3 )
فظهر أن أبا ذر لو اطلع على ما في قلب سلمان لقتله ، لزعمه أن تلك
المرتبة من المعرفة كفر وارتداد ، وكذا بالعكس صاعدا ونازلا .
واحتمل ذو الفيض القدسي ، مولانا المجلسي ( 4 ) في شرح الكافي
000000000000000000
( 1 ) اقتباس من الكريمة البقرة : 60 .
( 2 ) مشارق أنوار اليقين : 193 .
( 3 ) كنز الفوائد : 264 .
( 4 ) غواص بحار الأنوار ومستخرج لآلي من الآثار ، فتح العلوم والأسرار ، كشاف
الأستار من
الأخبار ، ملاذ المحدثين في كل الأعصار ، العلامة الفهامة مولى محمد باقر بن
المولى محمد تقي المجلسي ،
ولادته سنة ألف وسبعة وثلاثين ، ومن الغريب إنه وافق تاريخ ولادته عدد ( جامع كتاب
بحار الأنوار ) - كما نبه عليه نفسه - ، وتوفي في 27 شهر رمضان سنة 1111 ، وكان
عمره ذاك 73
سنة ، ودفن بإصفهان من جامعة العتيق ، له مصنفات ثمينة كبحار الأنوار ، مرآة
العقول في شرح الكافي ، ملاذ الأخبار في شرح التهذيب .
‹ صفحه 226 ›
والبصائر أن يكون المقصود إنه لو اطلع على ما في قلب سلمان : ( كان يفشيه
ويظهره للناس فيصير سببا لقتل سلمان ) ( 1 ) ، وفيه : أنه لا يتأتى في غيره من
الأخبار من أنه لو اطلع لكفر ، أو أن سلمان لو عرض عليه علم مقداد لكفر ،
مع أن السبب في قتله الناس موجود فيه ، وإن كان هو أقرب إلى سلمان منهم
علما ومقاما ، غير أنه ما لم يصل إليه كان كغيره .
ومن عجيب ما اطلعنا عليه من شرح هذا الحديث كلام السيد
المرتضى ( 2 ) رحمه الله في بعض فوائده حيث سئل عن هذا الخبر فقال : ( الجواب
- وبالله التوفيق - : إن هذا الخبر إذا كان من أخبار الآحاد التي لا توجب
علما ( ولا عملا ) ولا تثلج صدرا ، وكان له ظاهر ينافي المقطوع والمعلوم ،
تأولنا ظاهره على ما يطابق الحق ويوافقه إن كان ( ذلك ) مستسهلا ، وإلا
فالواجب اطراحه وإبطاله ، وإذا كان من المعلوم الذي لا يحيل سلامة سريرة
كل واحد من سلمان وأبو ذر ، ونقاء صدر كل واحد منهما لصاحبه ، وإنهما
ما كانا من المدغلين في الدين ولا المنافقين ، فلا يجوز مع هذا المعلوم ( أن )
يعتقد أن الرسول يشهد بأن كل واحد منهما لو اطلع على ما في قلب صاحبه
لقتله على سبيل الاستحلال لدمه ، ومن أجود ما قيل في تأويله : إن الهاء في
قلبه وعلم موافقة باطنه لظاهره وشدة إخلاصه له ، اشتد ضنه ( 3 ) به ومحبته له
وتمسكه بمودته ونصرته ، فقتله ذلك ( الضن ) أو الود بمعنى إنه كاد يقتله ،
0000000000000000000
( 1 ) بحار الأنوار 22 : 343 .
( 2 ) مفخر من مفاخر الإمامية وبطل من أبطال العلم والدين وإمام من أئمة الفقه
والحديث ، علم
الهدى ذو المجدين أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن
الإمام
الكاظم عليه السلام ، أوحد أهل زمانه علما وعملا ، انتهت إليه الرياسة في المجد
والشرف والعلم
والأدب والفضل والكرم ، له تصانيف كالشافي والانتصار والذريعة وتنزيه الأنبياء ،
ولد في رجب
سنة 355 وتوفي في ربيع الأول سنة 436 ، سنة يومئذ ثمانون سنة وثمانية أشهر ، صلى
عليه ابنه
ودفن أولا في داره ثم نقل إلى جوار جده الحسين عليه السلام ودفن مشهده المقدس مع
أخيه وأبيه .
( 3 ) ضن : بخل .
‹ صفحه 227 ›
كما يقولون : فلان يهوى غيره وتشتد محبته له حتى إنه ( قد ) قتله حبه أو أتلف
نفسه أو ما جرى مجرى هذا من الألفاظ ، وتكون فائدة هذا الخبر حسن الثناء
على الرجلين وأنه آخى بينهما ، وباطنهما كظاهرهما وسرهما في النقاء والصفاء
كعلانيتهما ، انتهى كلامه رفع الله مقامه ) ( 1 ) ، كذا عنه في البحار ، قال بعد
نقله : ( وفيه ما لا يخفى . ) ( 2 )
قلت : أما أولا : فنمنع كونه من الأخبار الآحاد ، كيف وقد دلت
على هذا المضمون سبع أحاديث كما عرفت ، ولو انضم إليها ما يقرب هذا
المضمون كأخبار درجات الإيمان التي رواها في الكافي والخصال بطرق عديدة
وغيرها ، لدخل في المتواترة معنى جدا ، مع أن الظاهر أنه يريد من الآحاد غير
ما اصطلحه أصحاب الدراية كما استظهره بعض المحققين ، فلا يشمل مثل هذا
الخبر مما ورد مسندا برجال موثوق بها في الكتب المعتبرة المعولة عليها .
وأما ثانيا : فلأن هذا التفاوت بينهما بعد حصول الجامع بينهما لهما ،
وهو الإيمان بالله ورسوله وخلفائه بأدنى ما يتمايز به عن المخالف ، وإنما هذا
الاختلاف في خصوصيات الأفراد المختلفة بالشدة والضعف والنقصان ت
والكمال والإيمان ، لا أن الداني فاقد للإيمان داخل في زمرة المنافقين ،
والسبب في التكفير أو القتل لا يلزم أن يكون شيئا ينافي الإيمان بحسب
الواقع ، بل معدما عرفت أن له مراتب كان السبب عنده لهما هو المنافاة
والتخالف بين المقامين وعدم تحمل القاصر الداني وعدم إدراك عقله ما
تحمله العالي منه بدرجة وما فوقها ، أو لإدراك العالي قصوره ومباينته ، وفي
كلام السجاد عليه السلام ما يشير إلى ذلك ، حيث قال عليه السلام :
إني لأكتم من علمي جواهره
كيلا يراه ذووا جهل فيفتتنا
000000000000000000
( 1 ) غرر الفوائد : 419 .
( 2 ) بحار الأنوار 22 : 344 .
‹ صفحه 228 ›
وقد تقدم في هذا أبو حسن
إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا
يا رب جوهر علم لو أبوح به ( 1 )
لقيل لي : أنت ممن تعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي
يرون أقبح ما يأتونه حسنا
وفي الأخبار المستفيضة : ( إن أمرنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا
نبي مرسل ، أو ملك مقرب ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان . ) ( 2 ) ، وغير
المتحمل لا يلزم أن يكون غير مؤمن ، بل من لم يمتحن قلبه أعم منه ، ومن
المعلوم أن من لم بتحمل أمرهم ينسب المتحمل إلى الزندقة أو الكفر ، كما لا
يخفى .
وأما ثالثا : فلأن هذا التوجيه لا ربط له بصدر الحديث من ذكر
التقية وتفريع ذلك على تشديد الأمر فيها بالإشارة ، مع ما بينهما من المؤاخاة
والمصاحبة ، وقوله عليه السلام أخيرا : ( فما ظنك بسائر الخلق ) ، فافهم .
وأما رابعا : فلأن هذا التأويل يأباه صريحا قول علي عليه السلام
لأبي ذر كما يأتي : ( لو حدثك ( سلمان ) بما يعلم ، لقلت : رحم الله قاتل
سلمان . ) ( 3 ) ، وكذا قول النبي صلى الله عليه وآله : ( لو عرض علمك على مقداد
لكفر - الخبر . ) ( 4 )
0000000000000000000
( 1 ) باح إليه بالسر : أظهره .
( 2 ) بصائر الدرجات : 46 ، بحار الأنوار 2 : 471 ، أحببت في هذا المقام نقل ما
قيل في بيان هذه
الأخبار : إن نسبة الأمر إليهم عليهم السلام يتصور على وجهين : مطلق شؤونهم أو
مقام الذي خصهم
الله تعالى به دون ساير خلقه ، لكن الأقرب في النظر بل المتعين عند البصير هو
الثاني ، والمراد بالمؤمن
الممتحن هو الذي لا يزيغ قلبه بسبب تهاجم أسباب الشك والارتياب ، والحاصل من
الأخبار إن
الاحتمال المقصود في كلماتهم يتقوم بثلاثة أمور : معرفة أمورهم وفضلهم ، قبولها
والتسليم لها ، صونها
عن غير أهلها ، ولما كان بعض الملائكة والنبيين بحسب مراتبهم قاصرين عن معرفة بعض
خصائص
الأئمة وغرائب فضائلهم قال عليه السلام : ( لا يحتمله إلا ملك مقرب - الخ ) ، فإن
عدم احتمالهم
إنما هو من حيث قصورهم عن المعرفة ببعض ما خص الله تعالى به محمدا وآله المعصومين
لا من حيث
عدم التسليم ، فإنه كفر بالله العظيم ، بل لهم أسرار وعلوم لا يحتمله ملك مقرب ولا
نبي مرسل ، وفي
رواية : ( سمعت الصادق عليه السلام يقول : إن من حديثنا ما لا يحتمله ملك مقرب ولا
نبي مرسل
ولا عبد مؤمن ، قلت : فمن يحتمله ؟ قال عليه السلام : نحن نحتمله . )
( 3 ) إختيار معرفة الرجال : 5 .
( 4 ) مر عن الإختصاص : 11 .
‹ صفحه 229 ›
ومن جميع ذلك ظهر ما في كلام الفاضل الطبرسي في شرح الكافي
حيث قال : ( المراد بما في قلب سلمان العلوم والأسرار ، ومنشأ القتل هو
الحسد والعناد ، وفيه مبالغة على التقية من الإخوان فضلا عن أهل الظلم
والعدوان ) ( 1 ) ، وجه الضعف ما عرفت من عدم تماميته فيما دل على العكس
وإن السبب عدم التحمل لا التمني .
ثم إنه رحمه الله قال : ( قان قلت : هل فيه لؤم لأبي ذر ؟ قلت : لا ، لأن
المقصود في مواضع استعمال ( لو ) ، هو أن عدم الجزاء مترتب على عدم الشرط وأما
ثبوته فقد يكون محالا لابتنائه على ثبوت الشرط ، وثبوت الشرط قد يكون محالا
عادة أو عقلا ، كعلم أحدنا بجميع ما في قلب الآخر وثبوت حقيقة الملكية للمتكلم
في قوله : لو كنت ملكا لم أعص ، ومن هذا القبيل قوله تعالى : ( لئن أشركت
ليحبطن عملك ) ( 2 ) ، على أنه يمكن أن يكون المقصود من التعليق هو التعريض
بوجوب التقية وكتمان الأسرار على من يخاف منه الضرر ، كما في قولك :
والله لو شتمني الأمير ما شتمك ولو شتمك لما أمكنك ضربه ، فليتأمل - انتهى . ) ( 3
)
ولعل وجه التأمل هو عدم الحاجة إلى معرفة جميع ما في قلب سلمان ،
مع أنه ممكن أيضا ، بل ما هو سبب لتكفيره وقتله ، ولعله مرتبة من المعرفة
والاعتقاد ، يتبين بسهولة إن أذن في كشفه ، وأما حكاية التعريض فينافيه
خروج أبي ذر مذعورا من عند سلمان لما رأى نزرا من عجائبه وقول
أمير المؤمنين عليه السلام لسلمان : ( إرفق بصاحبك . )
000000000000000000
( 1 ) شرح الكافي لملا صالح المازندراني 7 :
4 .
( 2 ) الزمر : 65 .
( 3 ) شرح الكافي لملا صالح المازندراني 7 : 4 .
‹ صفحه 230 ›
وفي شرح ابن أبي الحديد : ( عن أبي عمر قال : وكان سلمان خيرا
فاضلا حبرا عالما زاهدا متقشفا ) ( 1 ) ، وفيه عن كعب الأحبار قال : ( سلمان
حشي علما وحكمة ) ( 2 ) .
وروى الكشي رحمه الله في ترجمة يونس بن عبد الرحمن عن جعفر بن
معروف ، قال : حدثني سهل بن بحر ، قال : سمعت الفضل بن شاذان يقول :
( ما نشأ في الإسلام رجل ( 3 ) من سائر الناس كان أفقه من سلمان الفارسي ،
ولا نشأ رجل بعده أفقه من يونس بن عبد الرحمن ) ( 4 )
وفيه : ( وجدت بخط محمد بن شاذان بن نعيم في كتابه ، سمعت
أبا محمد القماص الحسن بن علوية الثقة يقول : ( سمعت ) الفضل بن شاذان
يقول : حج يونس بن عبد الرحمن أربعا وخمسين حجة ، واعتمر أربعا وخمسين
عمرة ، وألف ألف جلد ردا على المخالفين ، ويقال : انتهى علم الأئمة عليهم السلام
إلى أربعة نفر : أولهم : سلمان ( الفارسي ) ، والثاني : جابر ، والثالث :
السيد ، والرابع : يونس بن عبد الرحمن ) ( 5 )
أقول : أما سلمان وجابر ، وهو ابن يزيد الجعفي ، ويونس فحالهم
ومقامهم في الفضل والكمال معلوم لا يحتاج إلى البيان ، وأما السيد فلم يظهر
لي المراد منه ممن هو قابل لاندراجه في سلك هؤلاء الأجلة ، والذي عهدناه
من الأصحاب والرواة في تلك الطبقة : إن مرادهم من السيد هو أبو هاشم
إسماعيل بن محمد بن مزيد الحميري الخارجي ثم الكيساني ثم الإمامي ، الشاعر
المعروف ، كما ترى أن الكشي ترجمه بقوله : ( السيد بن محمد ) ( 6 ) ، وذكر
أخبارا عبر فيها بالسيد ، فراجع ، وكذا في أمالي ابن الشيخ وبشارة المصطفى ( 7 )
0000000000000000000
( 1 ) شرح النهج 18 : 35 .
( 2 ) شرح النهج 18 : 35 .
( 3 ) في الأصل : ما نشأ الله رجلا .
( 4 ) إختيار معرفة الرجال : 484 .
( 5 ) إختيار معرفة الرجال : 485 .
( 6 ) إختيار معرفة الرجال : 9 - 485 .
( 7 ) بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : 278 .
‹ صفحه 231 ›
وغيرهما مما روي فيه ما ورد في حقه ، غير أنه لم يكن له هذا المقام
الشريف ، بل كان في عصره جماعة لولاهم لاندرست آثار النبوة كزرارة
وبريد وأبي بصير ومحمد بن مسلم وغيرهم ، ممن لا يرتضي أحد عد السيد في
عدادهم ، فكيف يعد مع من انتهت علوم الأئمة إليهم ، والله العالم بمراد
الفضل .
نعم ، لم يعهد من أحد من أصحاب الأئمة إنه انتشر فضائل علي
وأهل بيته عليهم السلام كما انتشره السيد بما قال فيهم من الشعر ، فعن الأغاني أنه
قال : ( قال المدائني : إن السيد الحميري وقف بالكناسة ( 1 ) وقال : من جاء
بفضيلة لعلي بن أبي طالب عليه السلام لم أقل فيها شعرا فله فرسي هذا وما علي ،
فجعلوا يحدثونه وينشد ( هم ) فيه ، حتى روى رجل عن أبي الرعل المرادي أنه
قدم أمير المؤمنين عليه السلام فتطهر للصلاة فنزع خفه فانسابت ( 2 ) فيه أفعى فلما
دعى ليلبسه انقضت غراب فحلقت ( 3 ) ثم ألقاها ، فخرجت الأفعى منه ، قال :
فأعطاه السيد ما وعده وأنشأ يقول :
ألا يا قوم للعجب العجاب
لخف أبي الحسين وللحباب
عدو من عدات الجن عبد
بعيد في المراده من صواب
كريه اللون أسود ذو بصيص
حديد الناب أزرق ذو لعاب
أتى خفا له فانساب فيه
لينهش رجله منها بناب
00000000000000000
( 1 ) الكناسة أو الكناس : محلة مشهورة
بالكوفة .
( 2 ) الخف : ما يلبس بالرجل ، انسابت الحية : جرت وتدافعت في مشيها .
( 3 ) انقضت الغراب : صوتت ، تحليق الطائر : ارتفاعه في الطيران .
( 4 ) الحباب - بالضم - : الحية ، المراده : العتو والعصيان ، البصيص : البريق
واللمعان .
‹ صفحه 232 ›
فقض من السماء له عقاب
من العقبان أو شبه العقاب
فطار به فحلق ثم أهوى
به للأرض من دون السحاب
فصك بخفه فانساب منه
وولى هاربا حذر الحصاب ( 1 )
ودافع عن أبي حسن علي
نقيع سمامه بعد انسباب ( 2 )
وعن الراغب في محاضراته قال : ( قال السيد الحميري : رأيت
رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام كأنه في حديقة نجد فيها نخل طوال بجنبها
أرض كأنها كافورة ليس فيها أشجار ، فقال لي : أتدري لمن هذه النخيل ؟
قلت : لا ، قال : لامرئ القيس ، فاقلعها في هذه ، ففعلت ، فلما أصبحت أتيت
ابن سيرين فقصصت رؤياي فقال : أتقول الشعر ؟ قلت : لا ، قال : أما إنك
ستقول مثل شعر امرئ القيس إلا أنك تقول في قوم طهرة ، فلما انصرفت
إلا وأنا أقول الشعر .
وفي معالم العلماء : ( قال بعضهم : جمعت من شعره ألفين ومأتي
قصيدة وزعمت أنه لم يذهب علي منه شئ ، فبينا أنا ذات يوم أنشد شعرا
فقلت : لمن هذا ؟ قالوا : للسيد ( الحميري ) ، فقلت في نفسي : ما أراني في
شئ بعد الذي جمعته ، وذكر أبو المعتز في طبقات الشعراء : أنه رأى في بغداد
رجل حمال مثقل فسئل عن حمله ؟ فقال : ميمات السيد ( الحميري ) ، وقال
بشار ( 3 ) : لولا أن هذا الرجل شغل عنا بمدح بني هاشم لأتعبنا ، وقيل له : لم
00000000000000000
( 1 ) نهش : تناوله بفمه ليعضه ، حذر الحصاب
: أي أن يرمي بالحصباء وهي الحصى .
( 2 ) الأغاني 7 : 257 ، مناقب آل أبي طالب 1 : 452 ، بحار الأنوار 41 : 244 .
( 3 ) في الأصل : قال أبو عبيد : ما أثبتناه من المصدر والأغاني .
‹ صفحه 233 ›
لا تقول شعرا فيه غريب ؟ فقال : أقول ما يفهمه الصغير والكبير ولا يحتاج إلى
التفسير ، ثم أنشأ ( يقول ) :
أيا رب إني لم أرد بالذي به
مدحت عليا غير وجهك فارحم ( 1 )
وقال أبو عبد الله رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب السروي
المازندراني في معالم العلماء : ( قال الغزالي ( 2 ) : أول كتاب صنف في الإسلام
كتاب ابن جريج في الآثار وحروف التفاسير عن مجاهد وعطا بمكة ، ثم
كتاب محمد بن راشد الصنعاني باليمن ، ثم كتاب الموطأ بالمدينة لمالك بن
أنس ، ثم جامع سفيان الثوري ، بل الصحيح أن أول من صنف فيه
أمير المؤمنين عليه السلام جمع كتاب الله تعالى ، ثم سلمان الفارسي رحمه الله ، ثم
أبو ذر الغفاري رحمه الله ، ثم الأصبغ بن نباتة ، ثم عبيد الله بن أبي رافع ، ثم
الصحيفة الكاملة عن إمام زين العابدين عليه السلام - انتهى ) ( 3 ) .
والظاهر أن المراد بها صنفه أمير المؤمنين عليه السلام هو الكتاب المصون
المحفوظ عند أهل بيت العصمة ، المذخور لقيام الحق الجديد ، والعالم الذي
علمه لا يبيد ، لا الموجود في أيدي الناس ، فإنه مع كونه من جمع ابن عفان ( 4 )
- كما يظهر من الأخبار - ومما فيه من التشويش والاضطراب في كيفية الجمع
000000000000000000
( 1 ) معالم العلماء : 147 ، راجع الأغاني 7
: 236 .
( 2 ) أبو حامد محمد بن أحمد الطوسي الغزالي ، الملقب بحجة الإسلام ، ولد بطوس سنة
خمسين
وأربعمأة ، قرأ طرفا من الفقه ببلده ثم قدم نيشابور ولازم إمام الحرمين وقرأ
الحكمة والفلسفة ثم
أقام على التدريس مدة إلى أن ترك كل ذلك وقصد بيت الله الحرام بحج وتوجه إلى الشام
وجاور
بيت المقدس ثم عاد إليها واعتكف في زاويته بالجامع الأموي المعروفة اليوم بالغزالية
وتوفي بطوس
سنة خمس وخمسمأة ، من مصنفاته : البسيط والوسيط وإحياء علوم الدين ، أسماء الحسنى
.
( 3 ) معالم العلماء : 2
( 4 ) حيث تعرض المصنف قدس سره لهذا الكلام يجدر بنا أن نتكلم في هذا المقام في
موضوع
كيفية جمع كلام الملك العلام : إن موضوع جمع القرآن من الموضوعات التي يتذرع بها
القائلون
بالتحريف إلى إثبات إن في القرآن تحريفا وتغييرا وإن كيفية جمعه مستلزمة في العادة
لوقوع هذا
التحريف والتغيير فيه ، إن مصدر هذه الشبهة هو زعمهم بأن جمع القرآن كان بأمر من
أبي بكر بعد قتل كثيرين من القراء ، فخيف ضياع القرآن فتصدى بعض لجمعه ، والعادة
قاضية بفوات شئ منه
على المتصدي لذلك إذا كان غير معصوم ولا أقل من احتمال وقوع التحريف .
إن هذه الشبهة مبنية على صحة الروايات الواردة في كيفية جمع القرآن ، إن هذه
الأخبار مع
أنها أخبار آحاد لا تفيد علما ، مخدوشة من جهات شتى نشير إلى بعضها :
أولا : إنها متناقضة في أنفسها نشير إلى جملة منها في ضمن أسئلة : متى جمع القرآن
في
المصحف ؟ إن ظاهر بعضها إنه كان في زمن عثمان وصريح بعض الآخر إنه كان في زمن عمر
وظاهر آخرها إنه كان في زمان أبي بكر ، من أي مصدر جمع عثمان المصحف ومن عينه
لكتابتها ؟
من الذي طلب من أبي بكر جمع القرآن ومن تصدى لجمعه في زمان أبي بكر ؟
ثانيا : إن هذه الروايات معارضة بما دل على أن القرآن كان قد جمع وكتب على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله .
ثالثا : تعارض أحاديث الجمع مع الكتاب ، فإن كثيرا من آيات الكتاب الكريمة دالة
على
أن سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها من بعض وأن السور كانت منتشرة بين
الناس ،
حتى المشركين وأهل الكتاب ، فإن النبي صلى الله عليه وآله قد تحدث الكفار
والمشركين على
الإتيان بمثل القرآن وبعشر سور مثله مفتريات وبسورة من مثله ، ومعنى هذا : إن سور
القرآن كانت
في متناول أيديهم ، وقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير من آياته الكريمة وفي
قول النبي
صلى الله عليه وآله : ( إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ) ، لأنه من
الواضح أنه لا يصح
إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور ، بل ولا على ما كتب في الأكتاف إلا على نحو
المجاز والمجاز
لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة .
رابعا : مخالفة أحاديث الجمع مع حكم العقل ، لأن عظمة القرآن في نفسه واهتمام
النبي
صلى الله عليه وآله بحفظه وقراءته واهتمام المسلمين بما يهتم به النبي صلى الله
عليه وآله وما
يستوجبه ذلك من الثواب ، كل ذلك ينافي جمع القرآن على النحو المذكور في تلك
الروايات ، وأيضا
حفظ بعض سور القرآن أو بعض السورة فقد كان منتشرا جدا ، وشذان يخلو من ذلك رجل أو
امرأة
من المسلمين ، حتى إن المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة من القرآن أو أكثر ، ومع
هذا الاهتمام كله كيف يمكن أن يقال : إن جمع القرآن قد تأخر إلى زمان خلافة أبي
بكر وإن أبا بكر احتاج في
جمع القرآن إلى شاهدين إنهما سمعا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله .
خامسا : مخالفة أحاديث الجمع للإجماع ، لأن المسلمين أطبقوا أن لا طريق لإثبات
القرآن
إلا التواتر ، فإنها تقول : إن إثبات آيات القرآن حين الجمع كان منحصرا بشهادة
شاهدين أو بشهادة
رجل واحد إذا كانت تعدل شهادتين ولست أدري كيف يجتمع القول بصحة هذه الروايات التي
تدل على ثبوت القرآن بالبينة ، مع القول بأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر .
صفوة القول : إن أسناد جمع القرآن إلى الخلفاء أمر موهوم مخالف للكتاب والسنة
والإجماع
والعقل ، نعم لا شك أن عثمان قد جمع القرآن في زمانه ، لا بمعنى إنه جمع الآيات
والسور في
مصحف ، بل بمعنى إنه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد وأحرق المصاحف الأخرى التي
تخالف
ذلك المصحف .
إن أردت التوسيع فراجع ( البيان في تفسير القرآن ) للعلامة الخوئي فإن فيها ما
يروي
الغليل ويشفي العليل .
‹ صفحه 234 ›
لا يصدق عليه التصنيف ، وحينئذ فالأولى ذكر كتاب الديات لأمير المؤمنين
عليه السلام المعروف في تلك الأزمان ، وفي بعض الأخبار : إنه كان معلقا على
سيفه ، وذكره مخالفونا أيضا ورواه البخاري في باب كتابة العلم ، وفي
المشكاة في باب حرم مدينه ، وفي باب الصيد والذبائح ، ورواه في الصواعق
عن مسلم ، فما ذكره الغزالي ناشي عن قلة تتبعه أو شدة تعصبه ، وكذا كان
الأولى ذكر مصحف فاطمة عليها السلام قبل كتاب سلمان ، إلا أن يقال : إنه
ككتاب الجفر وديوان أسامي الشيعة وأمثالهما لم يكتب لأن يتداول بين
الناس ، والمقصود ذكر ما كتب في الإسلام لأهله ، فافهم .
‹ صفحه 235 ›
ثم إنه لم يذكر كتاب سليم بن قيس الهلالي ( 1 ) قبل
الصحيفة الكاملة ،
مع أنه كتاب مشهور معروف نقل عنه أجلة المحدثين ، وعندنا منه نسخة ،
وروى الكشي بسنده عن أبان بن أبي عياش إنه : ( قرئ هذا الكتاب على
علي بن الحسين عليهما السلام فقال عليه السلام : صدق سليم رحمة الله عليه هذا حديث
نعرفه ) ( 2 ) ، وفي مفتحة أنه : ( عرضه عليه كله في ثلاثة أيام كل يوم إلى
الليل ، فقال عليه السلام : صدق سليم رحمه الله هذا حديثنا كله نعرفه ) ( 3 ) ،
وفي جملة
000000000000000000
( 1 ) أبو صادق سليم - بالتصغير - بن قيس
الهلالي العامري الكوفي ، صاحب أمير المؤمنين عليه السلام ،
كان من كبراء أصحابه ومصنفيهم ، كان هاربا من الحجاج لأنه طلبه ليقتله فلجأ إلى
أبان بن
أبي عياش ، فآواه ، فلما حضرته الوفاة قال لأبان : إن لك علي حقا وقد حضرتني
الوفاة يا ابن أخي
إنه كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله كيت وكيت ، وأعطاه كتابا وهو كتاب
سليم بن
قيس الهلالي المشهور ، رواه عنه أبان بن أبي عياش ولم يروه عنه غيره وقال أبان في
حديثه : وكان
قيس شيخا له نور يعلوه ، وأول كتاب ظهر للشيعة كتاب سليم بن قيس الهلالي - قاله
ابن النديم في
الفهرست - وقال النعماني في الغيبة بعد ما أخرج عنه أحاديث : ( وليس بين جميع
الشيعة ممن حمل
العلم ورواه عن الأئمة عليهم السلام خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من
أكبر كتب
الأصول التي رواها أهل العلم من حملة الحديث أهل البيت عليهم السلام وأقدمها - إلى
أن قال : -
وهو من الأصول التي ترجع الشيعة إليها ويعول عليها . ) ، بقي رحمه الله إلى زمان
الإمام السجاد
عليه السلام وتوفي سنة 90 .
( 2 ) إختيار معرفة الرجال : 104 .
( 3 ) سليم بن قيس : 66 .
‹ صفحه 236 ›
من الأخبار المروية في الكشي وأمالي الشيخ وبشارة المصطفى وغيرها : أنه
وجد في كتاب ميثم التمار كذا ، وهو أيضا مقدم على الصحيفة ، بل في
الإحتجاج : ( إن الحسن البصري كان يكتب ما يتكلم به أمير المؤمنين
عليه السلام ) ( 1 ) .
وأما كتاب سلمان وأبي ذر فليس لهما خبر ولا أثر ، إلا أن الشيخ
ذكر في الفهرس : ( إن سلمان ( الفارسي ) رحمه الله روى حديث الجاثليق
الرومي الذي بعثه ملك الروم بعد النبي صلى الله عليه وآله ، أخبرنا به ابن
أبي جيد ، عن ابن الولية ، ( عن الصفار ) ، عن الحميري ، عمن حدثه ، عن
إبراهيم بن الحكم الأسدي ، عن أبيه ، عن شريك بن عبد الله ، عن عبد الأعلى
التغلبي ، عن أبي وقاص ، عن سلمان الفارسي ( 2 ) ، وذكر أيضا : ( إن لأبي ذر
خطبة يشرح فيها الأمور بعد النبي صلى الله عليه وآله ، أخبرنا بها الحسن بن
عبيد الله ، عن الدوري ، عن الحسن بن علي البصري ، عن العباس بن بكار ،
عن أبي الأشهب ، عن أبي رجاء العطاردي ، قال : خطب أبو ذر رضي الله عنه وذكرها
بطولها ) ( 3 ) ، والظاهر أنهما أثبتا الخبرين وإلا فما رواه أكثر من أن تحصى ،
وحينئذ فمراده من كتاب سلمان وأبي ذر هو حديث الجاثليق والخطبة ،
ويشهد لذلك إنه ذكر في معالم العلماء في ترجمة سلمان : ( إنه روى خبر
الجاثليق ) ( 4 ) ، ولم يذكر غيره ، وفي ترجمة أبي ذر : ( إن له خطبة يشرح ( فيها
)
الأمور بعد النبي صلى الله عليه وآله ) ( 5 ) ، ولم يذكر له كتابا غيره ، ونحن
بعون الله
نذكر خبر الجاثليق في آخر الباب الحادي عشر .
تذنيب :
إعلم رفع الله غشاوة الجهالة والعمى عن بصرك وبصيرتك وأصلح
0000000000000000000
( 1 ) الإحتجاج 1 : 172 .
( 2 ) الفهرست : 80 .
( 3 ) الفهرست : 6 - 45 .
( 4 ) معالم العلماء : 57 .
( 5 ) معالم العلماء : 32 .
‹ صفحه 237 ›
سريرتك كعلانيتك : إن الذي دل عليه العقل ، وهو البرهان القاطع ،
والنقل ، وهو النور الساطع ، إن مناط الفضل وملاكه الذي عليه المدار في
التفضيل إنما هو بالغاية التي خلق لأجلها ، فإن شرف الشئ بغايته ، وهي في
خلق الثقلين معرفة الله تعالى ، بقوله تعالى : ( ما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون ) ( 1 ) : أي ليعرفون - كما ورد عنهم ( 2 ) - ، وقوله تعالى في الحديث
القدسي : ( كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعف فخلقت الخلق لكي
أعرف ) ( 3 ) ، وفي أصل زيد الزراد من الأصول الأربعمأة عنه عن أبي عبد الله
عليه السلام قال : ( قال أبو جعفر عليه السلام : يا بني ! اعرف منازل شيعة علي على
قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإن المعرفة هي الدراية للرواية ، وبالدرايات للروايات
يعلو المؤمن إلى أقصى درجة الإيمان ، إني نظرت في كتاب لعلي عليه السلام
فوجدت فيه : إن زنة كل امرئ وقدره معرفته ، إن الله عز وجل يحاسب العباد
على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا ) ( 4 ) ، وطريق الوصول إلى تلك
الغاية منحصر في العلم والعمل ، فالفضل فيهما ، وعبر عنهما بالتقوى في قوله
تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ( 5 ) .
وقال الصادق عليه السلام لعنوان البصري : ( ليس العلم بالتعلم ، إنما
هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه ، فإن أردت العلم
فاطلب أولا في نفسك حقيقة العبودية واطلب العلم باستعماله واستفهم الله
يفهمك ، فقال ( 6 ) : ( يا أبا عبد الله ! ) ما حقيقة العبودية ؟ قال : ثلاثة
أشياء :
أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله ملكا ، لأن العبيد لا يكون لهم ملك ،
يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به ، ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرا ،
000000000000000000
( 1 ) الذاريات : 56 .
( 2 ) علل الشرايع : 9 ، في الصادقي : ( خرج الحسين عليه السلام على أصحابه فقال :
أيها الناس !
إن الله جل ذكره ما خلق الخلق لا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه - الخ ) .
( 3 ) الكلمات المكنونة للفيض : 33 .
( 4 ) الأصول الستة عشر ، أصل زيد الزراد : 3 - 4 .
( 5 ) الحجرات : 13 .
( 6 ) في المصدر : ( قلت : يا شريف ، فقال : قل يا أبا عبد الله ، قلت : يا أبا
عبد الله - الخ ) .
‹ صفحه 238 ›
وجملة اشتغاله فيما أمره الله تعالى به ونهاه عنه ، فإذا لم ير العبد لنفسه فيما
خوله الله تعالى ملكا هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه ، وإذا
فوض العبد تدبير نفسه إلى مدبره هان عليه مصائب الدنيا ، وإذا اشتغل العبد
بما أمره الله تعالى ونهاه لا يتفرغ منهما إلى المراء والمباهات مع الناس ، فإذا
أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هان عليه الدنيا وإبليس والخلق ، ولا يطلب
الدنيا تكاثرا وتفاخرا ، ولا يطلب ما عند الناس عزا وعلوا ، ولا يدع أيامه
باطلا ، فهذا أول درجة التقى - ثم تلا عليه السلام : - ( تلك الدار الآخرة - الخ )
( 1 )
- والخبر طويل ) ( 2 ) ، وفي الحديث النبوي المتقدم : ( لا فضل لعربي على عجمي ،
ولا
لأحمر على أسود إلا بالتقوى ) ( 3 ) ، فالخالي عنهما كالأنعام بل أضل سبيلا ،
ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله كما في الخصال : ( لا خير في العيش إلا
لرجلين : عالم مطاع ، أو مستمع واع ) ( 4 ) .
ونريد بالعلم : عبادة القلب وعمله ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
( أفضل العبادة الفقه ) ( 5 ) ، وبالعمل : عبادة الجوارح وعملها ، غير أن التقوى
والعبادة إذا نسبت إلى الأعلى - وهي القلب - تسمى علما ، وإلى الأسفل
- وهي الجسد - تسمى عملا ، فكما أن قوام الجسد بالقلب كذلك قوام العمل
بالعلم ، كما قالوا : إن العلم روح العمل وإن العمل الخالي عن العلم وإن
كثر لا يزداد صاحبه إلا بعدا ونفورا ، ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء
منثورا ) ، ولذا كان الخلل فيه متداركة بالعلم ، كما قال عليه السلام : ( والله
لنوم على يقين أفضل من عبادة أهل الأرض ) ، وقال النبي صلى الله عليه وآله :
( من تعلم بابا من العلم ، عمل به أو لم يعمل ( به ) ، كان أفضل من أن
يصلي ألف ركعة تطوعا ) ( 7 ) ، ولا عكس ، كما قال عليه السلام : ( إياكم والجهال
من المتعبدين ) ( 8 ) ، وقال عليه السلام : ( قطع ظهري اثنان : عالم متهتك وجاهل
000000000000000000
( 1 ) القصص : 83 .
( 2 ) بحار الأنوار 1 : 6 - 225 .
( 3 ) الدر المنثور 6 : 98 .
( 4 ) الخصال 1 : 41 .
( 5 ) بحار الأنوار 1 : 167 .
( 6 ) الفرقان : 23 .
( 7 ) بحار الأنوار 1 : 18 .
( 8 ) بحار الأنوار 2 : 106 .
‹ صفحه 239 ›
متنسك ، هذا يصد الناس عن علمه بتهتكه ، وهذا يصد الناس عن نسكه
بجهله ) ( 1 )
فإذا اقترن العلم الكامل بالعمل فذلك هو الفضل الباذخ والشرف
الشامخ ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( أيها الناس ! اعلموا أن كمال الدين
طلب علم والعمل به ) ( 2 ) ، والمراد بالعلم الكامل ما به يخشى الله حامله ، لما
في الصحيفة الشريفة : ( لا علم إلا خشيتك ) ، وهو الاعتقاد الصحيح المقترن
بموالاة أولياء الله الذين لا سبيل إلى معرفته إلا بمعرفتهم ومعاداة أعدائهم ، فإن
المنفك عنها وبال له : ( يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ) ( 3 ) ، ( وجحدوا بها
واستيقنتها أنفسهم ) ( 4 ) .
ويتوقف استقراره بطي ثلاثة مراحل : بآية محكمة وفريضة قائمة
وسنة عادلة ( 5 ) ، وحينئذ يكون أولى الناس بالأنبياء كما قال عليه السلام :
( أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به ) ( 6 ) ، ويدخل في ورثتهم : ( إن
العلماء ورثة الأنبياء ، فإنهم لم يورثوا درهما ولا دينارا ، ولكن ورثوا العلم ) (
7 ) ،
ويصير مداده أفضل من دماء الشهداء وأرجح منها ميزانا ( 8 ) ، بل : ( من خرج
من بيته يلتمس بابا من العلم كتب الله له بكل قدم ثواب شهيد من شهداء
بدر ) ( 9 ) ، وكيف لا تكون كذلك فإنه حافظ للقلوب الضعيفة والعقول
الناقصة وأيتام آل محمد صلى الله عليه وآله من فتكات ( 10 ) شياطين الأوهام وهجوم
000000000000000000
( 1 ) بحار الأنوار 1 : 208 ، قائلا بعده : (
صد الجاهل عن نسكه أما لأن الناس لما يرون من جهله
لا يتبعونه على نسكه ، أو لأنه بجهله يبتدع في نسكه فيتبعه الناس في تلك البدعة
فيصد الناس عما
هو حقيقة تلك النسك ) .
( 2 ) بحار الأنوار 1 : 175 .
( 3 ) اقتباس من الكريمة ، النحل : 83 .
( 4 ) اقتباس من الكريمة ، النمل : 14 .
( 5 ) بحار الأنوار 1 : 211 ، وفيه : ( فريضة عادلة وسنة قائمة ) ، أقول : راجع
إلى ما قيل في حق
إلى المصدر .
( 6 ) بحار الأنوار 1 : 183 ، قائلا بعده : ( في بعض النسخ : أعملهم ، وهو أظهر )
.
( 7 ) بحار الأنوار 1 : 164 ، وفيه ( إن الأنبياء لم يورثوا . . . ) .
( 8 ) كما في الفقيه 4 : 399 .
( 9 ) بحار الأنوار 1 : 178 .
( 10 ) فتك بفلان : بطش به أو قتله على غفلته .
‹ صفحه 240 ›
أبالسة الأنام الذين هم أضر على العوام - كما قال العسكري عليه السلام - من
جيش يزيد على الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه ، قال عليه السلام : ( فإنهم
يسلبونهم الأرواح والأموال ، وهؤلاء علماء السوء الناصبون المتشبهون بأنهم
لنا موالون ولأعدائنا معادون ، يدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا ،
فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب - الخبر ) ( 1 ) ، فهم حفاظ القلوب
والجوانح ، وهؤلاء حفاظ الأبدان والجوارح ، والبعد بين المقامين أوسع مما
بين الخافقين ، قال عليه السلام : ( عليكم بالجهاد الأكبر ) ، وقال عليه السلام :
( كم من مجاهد في بيته أعلى وأفضل من المجاهد في المعركة ) .
فظهر بما ذكرنا إن مدار الفضل والفضيلة بالعلم والمعرفة
والتصديق لأولياء الله ، وإن الخالي منه كما قال الشاعر :
لو كان في علم من غير التقى شرفا
لكان أشرف كل الناس ( 2 ) إبليس
ولو أمعنت النظر في أحوال الأنبياء والمرسلين يظهر لك أن
اختلافهم بحسب المراتب إنما هو لاختلافهم في المعرفة والتصديق قوة وضعفا
باختلاف العلم الذي هو المناط في كل الخير ، فلا تغرنك الأعمال البدنية
والعبادات العادية ، والإعراض عن الدنيا وزهرتها ، والتنسك في طول الليالي
وظلمتها ، فإن ربيع بن خيثم - وهو من الزهاد الثمانية الذين عرفت أسمائهم -
كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، بلغ في الزهد والعبادة غاية لم يبلغها
0000000000000000
( 1 ) بحار الأنوار 2 : 88 .
( 2 ) خلق الله ( خ ل ) .
‹ صفحه 241 ›
أحد ، فقد روي : إنه لم يتكلم بشئ من أمور الدنيا
منذ عشرين سنة إلا أنه
قال يوما لبعض تلاميذه : هل لكم مسجد في قريتكم ؟ فقال : نعم ، فقال
له : أحي أبوك أم لا ؟ ثم إنه ندم وخاطب نفسه : يا ربيع ! قد سودت
صحيفتك ، ثم لم يتكلم بشئ من أمور الدنيا إلى أن قتل أبو عبد الله عليه السلام
فقال له رجل : قتل بن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلم يتكلم ، ثم جاءه ناع آخر
وأخبره بذلك ، فلم يقل شيئا ، فلما أخبره الثالث بكى وقال : ( اللهم فاطر
السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه
يختلفون ) ( 1 ) ، وكان قد حفر في داره حفرا فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل
فيه واضطجع ومكث فيه ما شاء الله ، ثم يقول : ( رب ارجعون لعلي أعمل صالحا
فيما تركت ) ( 2 ) ، يرددها ثم يرد على نفسه : يا ربيع ! قد رجعناك فاعمل ، وفي
مصباح الشريعة : ( إنه كان يضع قرطاسا بين يديه فيكتب ( كل ) ما يتكلم
به ، ثم يحاسب نفسه في عشيته ما له وما عليه ويقول : آه آه نجى
الصامتون ) ( 3 ) ، وفيه : ( قيل له : ما لك لا تنام بالليل ؟ قال : لأني أخاف
البيات ) ( 4 ) ، وعن القشيري : إنه لما مات الربيع بن خيثم قالت بنية لأبيها :
الأسطوانة التي في دار جارنا أين ذهبت ؟ فقال : إنه كان جارنا الصالح يقوم
أول الليل إلى آخره ، فتوهمت البنية إنه كانت سارية ، لأنها كانت لا تصعد
السطح إلا بالليل ، إلى غير ذلك مما ذكروه في حقه .
هذا مقامه في الزهد والعبادة ، فانظر إلى ضعف إيمانه ونقص عقله
بما رواه نصر بن مزاحم في كتاب صفين ، قال نصر : ( فأجاب عليا عليه السلام
( إلى السير ) جل الناس إلا أن أصحاب عبد الله بن مسعود أتوه وفيهم عبيدة
السلماني وأصحابه ، فقالوا ( له ) : إنا نخرج معكم ولا ننزل عسكركم ونعسكر
على حدة حتى ننظر في أمركم وأمر أهل الشام ، فمن رأيناه أراد ما لا يحل ( له )
000000000000000000
( 1 ) الزمر : 46 .
( 2 ) اقتباس من الكريمة ، المؤمنون : 100 - 99 .
( 3 ) مصباح الشريعة ، باب السابع والعشرون : 61 .
( 4 ) مصباح الشريعة ، باب الثمانون : 170 .
‹ صفحه 242 ›
أو بدا لنا منه بغي كنا عليه - إلى أن قال : - وأتاه آخرون من أصحاب
عبد الله بن مسعود فيهم الربيع بن خيثم وهم يومئذ أربعمأة رجل فقالوا :
يا أمير المؤمنين إنا ( قد ) شككنا في هذا القتال على معرفتنا بفضلك ولا غناء
بنا ولا بك ولا بالمسلمين عمن يقاتل العدو ، فولنا بعض ( هذه ) الثغور
نسكن ( 1 ) ، ثم نقاتل عن أهله ، فوجه علي عليه السلام الربيع بن خيثم على
ثغر الري ، فكان أول لواء عقده ( علي عليه السلام ) بالكوفة لواء ربيع بن
خيثم ) ( 2 ) ، وذكر قريب من ذلك صاحب روضة الصفا ، إلا أنه قال :
( فبعث بهم إلى قزوين وجعل الأمير عليهم الربيع بن خيثم ) .
والعجب أنه مع ما هو عليه من الزهد والعبادة لم يكن عارفا بحق
إمامه بما كان يعتقده أهل الشام في معاوية ، وكأنه لم يقرأ - وهو من القراء - :
( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ( 3 ) ، ويجتهد برأيه الفاسد
وعقله
الناقص في مقابل من فرض طاعته عليه ، وفي هذه الحكاية كفاية لما كنا
فيه ، وبعد ذلك كله نرجع إلى المقصود ونقول :
إنك بعد النظر في الأخبار السابقة خصوصا قوله صلى الله عليه وآله :
( أعرفكم بالله سلمان ) ، وما يأتي من علمه بالغيب والاسم الأعظم ، وإن
ملكا ينقر في أذنيه ويحدثه ، ، أو روح القدس يلقيه ويحدثه ، وأنه عالم بما كان
وما هو كائن ، وبالأنساب والبلايا وفصل الخطاب ، وأنه أدرك علم الأولين
وعلم الآخرين ، وأن علمه في علم النبي ووصيه كبحر يمده من بعده سبعة
أبحر ، وأنه باب حياة المؤمنين ، وأنه في الدرجة العاشرة المحيطة بجميع درجات
الإيمان ، لا ترتاب في أنه بلغ في العلم والمعرفة مبلغا لا يمكن أن يتصور فوقه
مقام إلا مقام الأنبياء والأوصياء الراشدين ، فلا يجوز تفضيل أحد عليه ، لما
عرفت من انحصار مناط التفضيل فيما هو مدركه على وجه الأتم والأكمل ،
مضافا إلى ما تقدم ويأتي من أنه أفضل الأربعة ، الذين هم أفضل أصحاب خاتم
00000000000000000
( 1 ) في المصدر : نكون به .
( 2 ) الصفين : 80 .
( 3 ) النساء : 59 .
‹ صفحه 243 ›
النبيين صلى الله عليه وآله إجماعا ، وأنه أفضل من جعفر بن أبي طالب ذي
الجناحين ، الذي روي فيه : ( أنه أشبه الناس خلقا وخلقا برسول الله صلى الله
عليه وآله ) ( 1 ) .
كل ذلك مع قطع النظر عن استظهار وصايته وأنه من أهل البيت ،
بالمعنى الذي ذكرنا ، وإن روحه مقرونة بروحهم ، وإلا فكونه أفضل من بعد
الأربعة عشر أوضح من نار على علم ، ولكن الخطب الفظيع والأمر الشنيع
من معشر سلكوا في بيداء الجهالة واتخذوا الأهواء أدلة واقتصروا في حفظ الآثار
والسنن بما تسير في الأفواه والألسن ، وهم بين جاهل غبي ومخاصم غوي :
فإن باحثتهم لم تلق منهم
سوى حرفين لم لم لا نسلم
وقد أشار إليهم وإلى أقرانهم الصادق عليه السلام - على ما رواه
ثقة الإسلام - في قوله عليه السلام : ( طلبة العلم ثلاثة ، فاعرفهم بأعيانهم
وصفاتهم : صنف يطلبه للجهل والمراء ، وصنف يطلبه للاستطالة والختل ،
وصنف يطلبه للفقه والعقل ، فصاحب الجهل والمراء : مؤذ ممار متعرض
للمقال في أندية الرجال بتذاكر العلم وصفة الحلم ، وقد تسربل بالخشوع
وتخلى ( 2 ) من الورع ، فدق الله من هذا ( 3 ) خيشومه وقطع منه حيزومه ( 4 ) ،
وصاحب
الاستطالة والختل : ذو خب وملق ، يستطيل على مثله من أشباهه ، ويتواضع
للأغنياء من دونه ، فهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاطم ( 5 ) ، فأعمى الله على هذا
خبره وقطع من آثار العلماء أثره ، وصاحب الفقه والعقل : ذو كآبة وحزن
000000000000000000
( 1 ) الإستيعاب 1 : 273 .
( 2 ) الأندية جمع النادي وهو مجتمع القوم ومجلسهم ، السربال : القميص وتسربل أي
لبس
السربال ، تخلا : خلا جدا .
( 3 ) قوله : فدق الله من هذا : أي بسبب كل واحدة من تلك الخصال ، ويحتمل أن تكون
الإشارة إلى الشخص فكلمة من تبعيضية ( البحار ) .
( 4 ) الحيزوم : ما استدار بالظهر والبطن ، أو ضلع الفؤاد ، أو ما اكتنف بالحلقوم
من
جانب الصدر ، الخيشوم : أقصى الأنف ، وهما كنايتان عن إذلاله .
( 5 ) الخب - بالكسر - : الخدعة ، حلوائهم كناية إن أطعمتهم اللذيذة ، الحطم :
الكسر .
‹ صفحه 244 ›
وسهر ( 1 ) ، قد تحنك في برنسه وقام الليل في حندسه ( 2 ) ، يعمل ويخشى وجلا
داعيا مشفقا ، مقبلا على شأنه ، عارفا بأهل زمانه مستوحشا من أوثق إخوانه ،
فشد الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه ) ( 3 )
00000000000000000
( 1 ) الأثر : ما يبقى في الأرض عند المشي
وقطع الأثر إما دعاء عليه بالزمانة أو بالموت
ولعله أظهر ، الكآبة - بالتحريك والمد وبالتسكين - : سوء الحال والإنكار من شدة
الهم
والحزن ، والمراد حزن الآخرة ( البحار ) .
( 2 ) البرنس : قلنسوة طويلة كان يلبسها النساك في صدر الإسلام ، الحندس - بالكسر
-
الظلمة ، تحنك في برنسه ، أي تعمد للعبادة وتوجه إليها وصار في ناحيتها وتجنب
الناس
وصار في ناحية منهم .
( 3 ) الكافي 1 : 49 .
‹ صفحه 245 ›
الباب السادس
في أنه كان يخبر عن الغيب
‹ صفحه 247 ›
روى المحدث المشرقي ، أبو عمر والكشي عن حمدويه ابن نصير ، قال :
حدثنا أبو الحسين بن نوح ، قال : حدثنا صفوان بن يحيى عن ابن بكير ، عن
زرارة قال : ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : أدرك سلمان العلم الأول
والعلم الآخر ، وهو بحر لا ينزح ، وهو منا أهل البيت ، بلغ من علمه أنه
مر برجل في رهط فقال له : يا عبد الله ! تب إلى الله عز وجل من الذي عملت
به في بطن بيتك البارحة ، قال : ثم مضى ، فقال له القوم : لقد رماك سلمان
بأمر فما دفعته عن نفسك ؟ قال : إنه أخبرني بأمر ما اطلع عليه إلا الله وأنا ،
وأخبر آخر بمثله وزاد في آخره : إن الرجل كان أبا بكر بن أبي قحافة ) ( 1 ) .
وروي عن جبرئيل بن أحمد ، قال : حدثني الحسن بن خرزاذ ، عن
إسماعيل بن مهران ، عن أبان ، عن جناح ( 2 ) ، قال : حدثني الحسن بن حماد ،
بلغ به ، قال : ( كان سلمان إذا رأى الجمل ( 3 ) الذي يقال له : عسكر ، يضربه ،
فيقال له : يا أبا عبد الله ! ما تريد من هذه البهيمة ؟ فيقول : ما هذه بهيمة
000000000000000000
( 1 ) إختيار معرفة الرجال : 12 والاختصاص :
11 ، الرهط : قوم الرجل وقبيلته .
( 2 ) في المصدر : عن أبان بن جناح ، أقول : في بعض نسخ المصدر كما في المتن .
( 3 ) أي قبل يوم الجمل في أيام حياة سلمان .
‹ صفحه 248 ›
ولكن هذا عسكر بن كنعان الجني ، يا أعرابي ! لا ينفق جملك ( 1 ) ههنا ولكن
إذهب به إلى الحوأب ، فإنك تعطى به ما تريد ) ( 2 ) .
الحوأب - ككوكب - موضع بديار ربيعة ، وهو من منازل ما بين مكة
والبصرة ، نزلت فيه الحميراء ( 3 ) لما خرجت إلى البصرة وقد قال النبي صلى الله
عليه وآله مشيرا إليها وضراتها : ( أيتكن تنبحها كلاب الحوأب ) ( 4 ) - كما في
بعض الأخبار - ، أو قال لها : ( فتنبح عليك كلاب الحوأب ) ( 5 ) - كما في
آخر - ، فلما سمعت النباح فيه أرادت الرجوع ، فشهد عندها سبعون رجلا
وفي رواية خمسون - : إن ذلك ليس بماء الحوأب ، فكانت أول شهادة شهد
000000000000000000
( 1 ) في المصدر : لا ينفق عليك ، وفي بعض
نسخ المصدر : لا تنفق ، لا تنعق جملك .
( 2 ) إختيار معرفة الرجال : 13 .
( 3 ) هي عايشة بنت أبي بكر وأمها أم رومان ابنة عامر بن عويمر بن عبد شمس ،
تزوجها النبي
صلى الله عليه وآله قبل الهجرة بسنتين بعد وفاة خديجة رضي الله عنها ، وهي بنت سبع
سنين وبنى
عليها بالمدينة وهي بنت تسع سنين وعشرة أشهر وكانت قبله تذكر لجبير بن مطعم وكان
نكاحه
إياها وبناؤه عليها في شوال ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله عنها وهي بنت
عشرين سنة
وبقيت إلى خلافة معاوية ، ولم تحمل عايشة من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنزل
فيها وفي حفصة
آيات تتضمن وعيدا غليظا ، كما في قوله تعالى : ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة
نوح وامرأة
لوط ) ، لا يخفى على الخبير ما فيها من التعريض بل التصريح بنفاق عايشة وحفصة
وكفرهما ، وهل
يحتمل التمثيل بامرأتي نوح ولوط في تلك السورة التي سبقت أكثرها في معاتبة زوجتي
الرسول
صلى الله عليه وآله وما صدر عنهما باتفاق المفسرين أن يكون لغيرهما ، قال الزمخشري
بعد ذكر معنى
الآية : ( وفي طي هذين التمثيلين تعريض بأمي المؤمنين المذكورتين في أول السورة ،
وما فرط منهما
من التظاهر على رسول الله صلى الله عليه وآله بما كرهه وتحذير لهما على أغلظ وجه
وأشده ، لما في
التمثيل من ذكر الكفر ، ونحوه في التغليظ قوله : ( ومن كفر فإن الله غني عن
العالمين ) - إلى آخر ما قال . ) .
( 4 ) في المصادر كذا : ( أيتكن صاحبة الجمل الأدبب التي تنبحها كلاب الحوأب ) ،
والأدبب
- بإدغام الباء وفكه - الجمل الكثير الشعر أو الذي كثر وبر وجهه ، معاني الأخبار :
305 ، مناقب آل
أبي طالب 1 : 122 ، المستدرك للحاكم 4 : 471 ، الحديث من أثبت الأقوال الصادرة عن
رسول الله
صلى الله عليه وآله ، وقلما يوجد معجم لغوي أو موسوعة حديثة أو كتاب تاريخ يتعرض
لوقعة الجمل
ولم يتعرض لذكر هذا الخبر العيني ، وقد ذكره ابن الأثير في النهاية نقلا عن الهروي
في مادة :
( دبب ) ومادة : ( حوب ) ، وليراجع هاتين المادتين من كتاب الصحاح والقاموس ولسان
العرب
وتاج العروس وغيرها .
( 5 ) الإحتجاج 1 : 198 .
‹ صفحه 249 ›
بها في الإسلام بالزور ، وعن أبي جعفر عليه السلام قال : ( اشتروا عسكرا بسبعمأة
درهم وكان شيطانا ) ( 1 ) .
وكانت وقعة الجمل ( 2 ) سميت بها ، لأن عايشة كانت عليه حينئذ
- كما أن صفورا كانت على زرافة حين قاتلت يوشع وصي موسى بن
عمران - ، في يوم الجمعة أو الخميس ، عاشر أو خامس جمادى الآخرة ، في
سنة ست وثلاثين ، بالخزيبية - كجهينية - موضع بقرب البصرة ، وكان
أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام اثنى عشر ألفا ( 3 ) أو عشرين ألفا ، وكان على
ميمنته : الأشتر ( 4 ) وسعيد بن قيس ، وعلى ميسرته : عمار وشريح بن هاني ،
وعلى القلب : محمد بن أبي بكر ( 5 ) وعدي بن حاتم ، وعلى الجناح : زياد بن
000000000000000000
( 1 ) إختيار معرفة الرجال : 13 .
( 2 ) راجع إلى تفصيله إلى البحار 32 : 619 - 447 ومناقب آل أبي طالب 3 : 162 -
147 .
( 3 ) كما في كتاب سليم ( منه ) .
( 4 ) هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث ، كان من أمراء أمير المؤمنين عليه السلام
وكان فارسا
شجاعا من أكابر الشيعة وعظمائها وشديد التحقق بولاء علي عليه السلام ، شديد الشوكة
على من
خالف أمره - يعني معاوية - ولقد بر قسمه في صفين وأبلى بلاء لم يبله غيره ، قال
أبي الحديد : لله أم
قامت عن الأشتر لو أن إنسانا يقسم إن الله تعالى ما خلق في العرب ولا في العجم
إشجع منه
إلا أستاذه علي بن أبي طالب عليه السلام لما خشيت عليه الإثم ، وقال أيضا : قد روى
المحدثون حديثا
يدل على فضيلة عظيمة للأشتر وهي شهادة قاطعة من النبي بأنه مؤمن - ثم روى حديث موت
أبي ذر
في الربذة - ، قال علي عليه السلام : في حقه ( كان الأشتر لي كما كنت لرسول الله
صلى الله عليه
وآله ، وقال عليه السلام : وليت فيكم مثله اثنان بل ليت فيكم مثله واحد يرى في
عدوي مثل
رأيه . كانت شهادته رضي الله عنه في سنة تسع وثلاثين حين توجه إلى مصر واليا عليها
، ولله
در القائل وقد سئل عن الأشتر : ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام وهزم موته أهل
العراق ،
في بعض الأخبار إن المالك يخرج مع القائم عليه السلام ويكون بين يديه أنصارا
وحكاما .
( 5 ) أمه أسماء بنت عميس ، ولد بالبيداء في حجة الوداع ، قال أبي الحديد : نشوئه
في حجر
أمير المؤمنين وإنه لم يكن يعرف أبا غير علي ، حتى قال عليه السلام : محمد ابني من
صلب أبي بكر ،
يكنى أبا القاسم ، من ولده قاسم بن محمد فقيه أهل الحجاز ومن ولد قاسم أم فروة
التي زوجها الباقر
عليه السلام ، كان من حواري أمير المؤمنين وخواصه ، قتله معاوية بن خديج بمصر سنة
37 وكان واليا
عليها ثم وضعه في جوف حمار ميت وأحرقه ، لما بلغ عليه السلام قتله حزن لذلك حزنا
شديدا حتى
ظهر ذلك عليه فقيل له عليه السلام : قد جزعت عليه جزعا شديدا ؟ فقال : وما يمنعني
إنه كان لي
ربيبا وكان لبني أخا وكنت له والدا ، أعده ولدا ) .
‹ صفحه 250 ›
كعب وحجر بن عدي ( 1 ) ، وعلى الكمين : عمرو بن الحمق ( 2 ) وجندب بن زهير ،
وعلى الرجالة : أبو قتادة الأنصاري ، وأعطى رايته محمد بن الحنفية ، وكان
من العشرين : ثمانون بدريون ، وممن بايع تحت الشجرة مائتان وخمسون ،
ومن الصحابة ألف وخمسمأة ، وكان أتباع الحميراء - على ما في كتاب سليم - ( 3 )
أزيد من مأة وعشرين ألفا ، أو ثلاثون ألفا - كما في غيره - ، وكان على
ميمنته : هلال بن وكيع ، واقتتلوا بعد الظهر إلى المساء ، فما رأى فتح كان
أسرع منه ، فقتل من أصحاب علي عليه السلام ألف راجل وسبعون فارسا ، ومن
الناكثين : ستة عشر ألفا وسبعمأة وتسعون رجلا ، وقيل : قتل عشرون ألفا .
وكانت الحميراء في هودج ضربت عليه صفائح من الحديد وألبسته
درعا ، وكان على جمل أعطاها إياه ( يعلى بن منبه ) ، وقد اشتراه بمأة دينار
أو بثمانين أو بما مر ، وهو الذي جهز جيشهم بستمأة بعير وستمأة ألف درهم ،
وعن العياشي ، عن أبي بصير قال : ( يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب - إلى أن
قال : - والباب السادس لعسكر بن هوصر ( 4 ) ، فافهم ، وقد عرفت إنه كان من
000000000000000000
( 1 ) من سادات الصحابة ، وفد على النبي صلى
الله عليه وآله هو وأخوه هاني بن عدي ثم صحب
أمير المؤمنين عليه السلام وكان من وجوه أصحابه وذوي الرأي والإشارة والتدبير شهد
معه الجمل
الصفين ، أخذه الدعي بن الدعي زياد بن أبيه مع أربعة عشر رجلا من الشيعة وأرسلهم
مكبلين
بالحديد إلى معاوية بالشام فعرض عليه البراءة من الإمام عليه السلام فلم يفعلوا
فأمر لعنه الله بقتل
ثمانية منهم وترك ستة فكان حجر بن عدي ممن قتل في ذلك اليوم ، دفن هو وأصحابه بمرج
عذراء
راجع ابن الأثير حوادث سنة 51 .
( 2 ) عمرو بن الحمق - ككتف - ابن الكاهن الخزاعي ، هاجر إلى النبي صلى الله عليه
وآله بعد
الحديبية وصحبه وحفظ عنه أحاديث ، ثم صار بعد ذلك من شيعة علي عليه السلام وشهد
معه
مشاهده كلها وكان من أصحاب حجر بن عدي ، خرج هاربا إلى المدائن ثم أتى الموصل فأتى
جبلا
فكمن فيه ، بلغ خبره حتى حملوا عليه فأخذه أسيرا ، قتله عامل الموصل عبد الرحمن بن
عثمان - ابن
أخت معاوية - وبعث برأسه إلى معاوية فكان رأسه أول رأس حمل في الإسلام ، روي في
الإختصاص عن علي عليه السلام أنه قال لعمرو بن الحمق : ( ليت إن في شيعتي مائة
مثلك ) .
( 3 ) سليم بن قيس : 210
( 4 ) تفسير العياشي 2 : 243 ، والآية في الحجر : 44 ، وفيه : ( بن هوسر ) ، نقله
في البحار قائلا
بعده : ( يحتمل أن يكون عسكر كناية عن عايشة وساير أهل الجمل ذ كان اسم جمل عايشة
عسكرا وروي إنه كان شيطانا ) .