‹ صفحه 307 ›


الباب السابع

في علمه سلام الله عليه بالاسم الأعظم الإلهي
وإنه كان محدثا عن ملك ينقر في أذنه .

‹ صفحه 309 ›

روى الكشي رحمه الله عن جبرئيل بن أحمد ، قال : حدثني الحسن بن
خرزاذ ، قال : حدثني إسماعيل بن مهران ، عن علي بن أبي حمزة ، عن
أبي بصير ، قال : ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : سلمان علم الاسم
الأعظم ) ( 1 ) .
وعن المفيد في الإختصاص ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ،
عن ابن أبي الخطاب ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال : ( سمعته يقول : إن سلمان علم الاسم الأعظم ) ( 2 ) .
أقول : الراوي ( 3 ) في الخبر الأول ( يحيى بن القاسم ) ، بقرينة رواية
قائده عنه ، وفي الثاني يحتمله لكون وهيب واقفيا ، وإن كان من الثقات ،
وليس في سنده من يتأمل فيه إلا أحمد بن محمد ، وهو من مشايخ الإجازة ،
وقد حقق في محله الاعتماد على رواياتهم ، بل استفيد توثيق ( أحمد ) من
قرائن ذكرت في محله ، فلا مناص عن الاعتماد عليه مع تأييده بالخبر الأول ،

0000000000000000000

( 1 ) إختيار معرفة الرجال : 13 .
( 2 ) الإختصاص : 11 .
( 3 ) عنى بالراوي ( أبي بصير ) لأنه مشترك بين أصحاب الصادقين والكاظم عليهم السلام .

‹ صفحه 310 ›


مع أنه بنفسه لا يخلو عن الاعتبار .
ثم إن علو مقام سلمان بعلمه بالاسم الأعظم ، لا يظهر لكل أحد إلا
بعد ذكر ما عند الأنبياء منه ، وإن كل أحد لا يطيق تحمله .
ففي البصائر بطرق عديدة عن الصادق عليه السلام : ( إن عيسى عليه السلام
أعطي حرفين ، وموسى أربعة أحرف ، وإبراهيم ثمانية أحرف ، ونوح خمسة
عشر حرفا ، وآدم خمسة وعشرين حرفا ، ومحمد صلى الله عليه وآله اثنين وسبعين
حرفا ، وحجب عنه حرفا ) ( 1 ) ، وفي بعضها : ( إن اسم الله تعالى على ثلاثة
وسبعين حرفا ، وإنما كان عند آصف منها حرف ( واحد ) ، فتكلم به فخسف
بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس ، ثم تناول السرير بيده ، ثم عادت
الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين ) ( 2 ) ، وفي بعضها : ( وأعطى عيسى
منها حرفين ، فكان يحيي بهما الموتى ، ويبرء الأكمه والأبرص ) ( 3 ) ، وفي بعضها :
( كان سليمان عنده اسم الله الأكبر ، الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعى به
أجاب ، ولو كان اليوم لاحتاج إلينا ) ( 4 ) ، وفي بعضها : إنهم ذكروا سليمان
عند الصادق عليه السلام وما أعطي من العلم وما أوتي من الملك ، فقال عليه السلام
لي : ( وما أعطي سليمان بن داود إنما كان عنده حرف واحد من الاسم
الأعظم - الخبر ) ( 5 ) .
فعلم أن تفاضلهم وقدرتهم على المعجزات بقدر ما عندهم من الاسم
الأعظم ، وفي بعضها عن عمر بن حنظلة ، قال : ( قلت لأبي جعفر عليه السلام :
إني أظن أن لي عندك منزلة ، قال : أجل ، ( قال : ) قلت : إن لي إليك
حاجة ، قال : وما هي ؟ ( قال : ) قلت : تعلمني الاسم الأعظم ؟ قال :
وتطيقه ؟ قلت : نعم ، قال : فادخل البيت ، ( قال : ) فدخلت ( 6 ) ، فوضع أبو جعفر

00000000000000000000

( 1 ) بصائر الدرجات : 9 - 228 .
( 2 ) المصدر السابق : 228 .
( 3 ) المصدر السابق : 228 .
( 4 ) المصدر السابق : 231 ، وفيه : ( إذا سأله أعطى وإذا دعا أجاب ) .
( 5 ) بصائر الدرجات : 232 .
( 6 ) في المصدر : فدخل .

‹ صفحه 311 ›


عليه السلام يده على الأرض فاظلم البيت ، فارتعدت ( 1 ) فرائص ( 2 ) عمر ، فقال :
ما تقول : أعلمك ؟ قال : فقلت : لا ( 3 ) ، فرفع يده فرجع البيت كما كان ) ( 4 ) .
ومن هذا الباب ما في الخرائج مسندا عن الصادق عليه السلام قال :
( أتى الحسين عليه السلام أناس فقالوا له : يا أبا عبد الله ! حدثنا بفضلكم الذي
جعله الله لكم ، فقال : إنكم لا تحملونه ولا تطيقونه ؟ فقالوا : بلى نحتمله ، قال :
إن كنتم صادقين فليتنح اثنان ، أحدث واحدا ، فإن احتمله حدثتكم ، فتنحى
اثنان وحدث واحدا ، فقام طائر العقل ، ومر على وجهه وذهب ، فكلمه
صاحباه فلم يرد عليهما شيئا فانصرفوا ( 5 ) . )
وبهذا الإسناد قال : ( أتى رجل الحسين عليه السلام فقال : حدثني
بفضلكم الذي جعل الله لكم ، فقال : إنك لن تطيق حمله ، فقال : بلى ، حدثني
يا بن رسول الله فإني أحتمله ، فحدثه الحسين عليه السلام بحديث ، فما فرغ الحسين
عليه السلام من حديثه حتى ابيض رأس الرجل ولحيته وأنسي الحديث ، فقال
الحسين عليه السلام : أدركته رحمة الله حيث أنسي الحديث ( 6 ) ) ، وفي هذا القدر
كفاية للمنصف البصير .
وروى الكشي عن جبرئيل بن أحمد ، قال : حدثني الحسن بن
خرزاذ ، قال : حدثني الحسن بن علي بن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن
زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( كان علي عليه السلام محدثا ، وكان سلمان
محدثا ) ( 7 ) .
وعنه ، عن حمدويه بن نصير ، قال : حدثنا محمد بن عيسى العبيدي ،

000000000000000000

( 1 ) في المصدر : فأرعدت .
( 2 ) الفريصة : اللحمة بين الجنب والكتف أو بين الثدي ترعد عنه الفزع ، يقال : ( ارتعدت
فريصته ) ، أي فزع فزعا شديدا .
( 3 ) في المصدر : فقال : لا ، قال .
( 4 ) بصائر الدرجات : 230 .
( 5 ) لم نجده في الخرائج المطبوع ، راجع إثبات الهداة 5 : 194 .
( 6 ) لم نجده في الخرائج المطبوع ، راجع إثبات الهداة 5 : 194 .
( 7 ) إختيار معرفة الرجال : 12 .

‹ صفحه 312 ›


عن يونس بن عبد الرحمن ومحمد بن سنان ، عن الحسين بن المختار ، عن
أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( كان والله علي محدثا ، وكان سلمان
محدثا ، قلت : اشرح لي ، قال : يبعث الله ملكا ينقر في أذنه بقول : كيت
وكيت ( 1 ) ) ( 2 ) .
وعنه ، عن نصر بن صباح البلخي أبي القاسم ، قال : حدثني
إسحاق بن محمد البصري ، قال : حدثني محمد بن عبد الله بن مهران ، عن
محمد بن سنان ، عن الحسن بن منصور ، قال : ( قلت للصادق عليه السلام : أكان
سلمان محدثا ؟ قال : نعم ، قلت : من يحدثه ؟ قال : ملك كريم ، قلت : فإذا
كان سلمان كذا ، فصاحبه أي شئ هو ؟ قال : أقبل على شأنك ) ( 3 ) .
وروى شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي في الجزء الرابع عشر
من أماليه عن أبي القاسم علي بن شبل ، عن ظفر بن حمدون بن أحمد بن شداد
البادراي ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري ، عن العباس بن معروف وأحمد بن
محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن
المختار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( كان علي محدثا ، وكان
سلمان محدثا ، قال : قلت : فما آية المحدث ؟ قال : يأتيه ملك فينكت في قلبه
كيت وكيت ) ( 4 ) ، ورواه الصفار في البصائر الكبير ( 5 ) عن أحمد بن محمد مثله .
وروى الصدوق في علل الشرايع بعد ما روى أن فاطمة عليها السلام
كانت محدثة : ( وقد روى أن سلمان الفارسي كان محدثا ، فسئل الصادق
عليه السلام عن ذلك وقيل له : من كان يحدثه ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وآله
وأمير المؤمنين عليه السلام ، وإنما صار محدثا دون غيره ( ممن كان يحدثانه ) ،

0000000000000000000

( 1 ) في القاموس : كيت وكيت ويكسر آخرهما : أي كذا وكذا ، والتاء فيهما هاء في الأصل .
( 2 ) المصدر السابق : 15 .
( 3 ) المصدر السابق : 19 .
( 4 ) أمالي الطوسي : 260 .
( 5 ) بصائر الدرجات : 342 .

‹ صفحه 313 ›


لأنهما كانا يحدثانه بما لا يحتمله غيره من مخزون علم الله ومكنونه ) ( 1 ) .
والظاهر أن من ( إنما ) إلى آخر الحديث من كلام الصدوق لا من
الخبر ، ولعله أشار بقوله : ( فسئل الصادق عليه السلام ) ، إلى ما رواه أبو عمرو
الكشي عن طاهر بن عيسى الوراق الكشي ، قال : حدثني أبو سعيد جعفر بن
أحمد بن أيوب التاجر السمرقندي ، قال : حدثني علي بن محمد بن شجاع ، عن
أبي العباس أحمد بن حماد المروزي ، عن الصادق عليه السلام أنه قال في الحديث
الذي روى فيه ، إن سلمان كان محدثا ، قال : ( إنه كان محدثا عن إمامه
لا عن ربه ( 2 ) ، لأنه لا يحدث عن الله ( عز وجل ) إلا الحجة ) ( 3 ) ، أو ما رواه
غيره ولم نعثر عليه .
وهذا الخبر بظاهره ينافي الأخبار السابقة ، ويمكن الدفع بعد عدم
معارضته سندا لما تقدم بأن كونه محدثا عن إمامه ، لا ينافي كونه محدثا عن ملك
ينقر في أذنه ، كما أنه لا تلازم بين كونه محدثا عن ربه وبين كونه محدثا عن
الملك حتى إذا انتفى الأول انتفى الثاني ، فإن الظاهر من التحديث عن الرب
هو التحديث عنه بلا واسطة ، ومعلوم أنه مختص ببعض الرسل ، ولو سلم
الشمول للتحديث عنه مع الواسطة فلعل المنفي نوع منه يخص الإمام والنبي
- كما لو كان في بيان الأحكام - فذكره عليه السلام هذا المعنى للمحدث في هذا
المقام من غير إشارة إلى ما ورد عنهم مما تقدم ، إما لقصور فهم السائل وضعف
عقله وعدم تحمله للمعنى الآخر ، أو لأن الغالب في حديثه كان على الوجه ،
بل لم يعهد تحديثه عن الملك وإن حدثه ونكت في قلبه .
والتحقيق : إن لفظ المحدث المذكور في الأخبار السابقة ، وفيما ورد في
أوصاف الإمام والفرق بينه وبين النبي والرسول ، والساقط في قوله تعالي :
( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى - الآية ) ( 4 ) وهو :

00000000000000000000

( 1 ) علل الشرايع 1 : 183 .
( 2 ) في المصدر : لا يجوز به - بمعنى لا يتجاوز عنه - ، أقول : في بعض نسخ المصدر كما في المتن .
( 3 ) إختيار معرفة الرجال : 15 .
( 4 ) الحج : 52 .

‹ صفحه 314 ›


( ولا محدث ) ، مبني للمفعول ، فإن المقصود من تلك الأخبار بيان نوع خاص
من العلم ، الحاصل بهجومه على القلب من غير اكتساب ، مع الاطلاع على
السبب الذي منه استفيد ذلك العلم - كسماع صوت الملك من غير مشاهدة ،
أو بنفثه في الروع من غير سماع ينكت في القلب ، أو يلهم إلهاما - لا بيان
أخبارهم وروايتهم ما سمعوا وأخبروا به ، ففي الرضوي : ( الأئمة علماء حلماء ،
صادقون ، مفهمون ، محدثون ) ( 1 ) ، وفي الصادقي بعد ما ذكر عنده : المحدث ، قال
عليه السلام : ( أنه يسمع الصوت ولا يرى ، فقلت : أصلحك الله كيف يعلم أنه
كلام الملك ؟ قال : أنه يعطى السكينة والوقار ( 2 ) حتى يعلم أنه ملك ) ( 3 ) ،
رواهما في البصائر .
وفيه بإسناده عن حمران ، قال : حدثنا الحكم بن عيينة ،
عن علي بن الحسين عليهما السلام ( أنه ) قال : ( إن علم علي عليه السلام في آية من
القرآن ، قال : وكتمنا الآية - إلى أن قال : - فدخلت على أبي جعفر عليه السلام
فقلت : إن الحكم بن عيينة حدثنا عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال :
( إن ) علم علي عليه السلام في آية ( من القرآن ) وكتمنا الآية ، قال : اقرأ يا
حمران ، فقرأت : ( وما أرسلنا - الآية ) ، قال : فقال أبو جعفر : ( وما أرسلنا من قبلك
من رسول ولا نبي ولا محدث ) ، قلت : وكان علي عليه السلام محدثا ؟ قال : نعم
- إلى أن قال : - فبعد ذلك أني أتيت أبا جعفر عليه السلام فقلت : أليس حدثتني
أن عليا كان محدثا ؟ قال : بلى ، قلت : من يحدثه ؟ قال : ملك يحدثه
- الخبر ) ( 4 ) .
وفي لفظ : ( فقلت : وأي شئ المحدث ؟ فقال : ينكت في قلبه
فيسمع طنينا كطنين الطست ، أو يقرع على قلبه فيسمع وقعا كوقع السلسلة

000000000000000000

( 1 ) بصائر الدرجات : 339 ، مع حذف : ( حلماء ) ، وفي البحار 26 : 66 معه .
( 2 ) السكينة : اطمينان القلب وعدم التزلزل والشك ، والوقار : الحالة التي بها يعلم أنه وحي ( البحا
26 : 68 ) .
( 3 ) بصائر الدرجات : 343 .
( 4 ) بصائر الدرجات : 343 .

‹ صفحه 315 ›


على الطست ( 1 ) ) .
وفيه عن بريد العجلي قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرسول
والنبي والمحدث قال : الذي يأتيه الملائكة وعاينهم وتبلغه عن الله
تبارك وتعالى ، والنبي : الذي يرى في منامه ( فما رأيي ) فهو كما رأى ،
والمحدث : الذي يسمع كلام الملائكة وينقر في أذنه ونكت في قلبه . ) ( 2 ) .
وفيه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الفرق بين الثلاثة ، وفي
آخره : ( والمحدث يسمع الصوت ولا يرى شيئا ) ( 3 ) ، وروى مثله عن الصادق
عليه السلام أيضا ( 4 ) .
وفيه عن أبي جعفر عليه السلام في الفرق بينهم أيضا ، إلى أن قال : ( وأما
المحدث فهو الذي يحدث فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه . ) ( 5 )
وفيه عن بريد عنهما عليهما السلام في قوله : ( وما أرسلنا - الآية ) ، إلى أن
قال : ( والمحدث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة - الخبر ) ( 6 ) .
وفيه عن زرارة ، عن الصادق عليه السلام في الفرق أيضا ، وفي آخره :
( والمحدث الذي يسمع الصوت ولا يرى مشاهدا ) ( 7 ) .
وفي لفظ : ( وأما المحدث فهو الذي يسمع كلام ( الملك ) ولا يرى
ولا يأتيه في المنام ) ( 8 ) .
وفيه عنه عليه السلام في حديث : ( فأما المحدث فهو الذي يسمع
ولا يعاين ولا يؤتى في المنام ) ( 9 ) .
وفيه عن سليم بن قيس إنه سمع عليا عليه السلام يقول : ( إني

000000000000000000

( 1 ) بصائر الدرجات : 344 .
( 2 ) بصائر الدرجات : 388 .
( 3 ) المصدر السابق : 9 - 388 .
( 4 ) المصدر السابق : 390 .
( 5 ) المصدر السابق : 1 - 390 .
( 6 ) المصدر السابق : 391 .
( 7 ) المصدر السابق : 391 .
( 8 ) المصدر السابق : 392 .
( 9 ) المصدر السابق : 393 .

‹ صفحه 316 ›


وأوصيائي من ولدي مهديون ، كلنا محدثون - إلى أن قال سليم : - سألت
محمد بن أبي بكر قلت : كان علي عليه السلام محدثا ؟ قال : نعم ، قلت : وهل
يحدث الملائكة إلا الأنبياء ؟ قال : أما تقرأ : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول
ولا نبي ولا محدث ) ( 1 ) ، قلت : فأمير المؤمنين محدث ؟ قال : نعم ، وفاطمة كانت
محدثة ولم تكن نبية ) ( 2 ) .
وفي تأويل الآيات عن محمد بن العباس - صاحب التفسير المعروف -
بإسناده عن ابن عيينة قال : ( قال لي علي بن الحسين عليهما السلام : يا حكم ! هل
تدري ما كانت الآية التي كان يعرف بها علي عليه السلام صاحب قتله ، ويعرف
بها الأمور العظام التي كان يحدث بها الناس ؟ قال : قلت : لا والله ، فقرأ
الآية - إلى أن قال : - وكل إمام منا ( أهل البيت ) محدث ) ( 3 ) .
وفي لفظ : ( ( إن ) علم علي عليه السلام كله في آية واحدة - إلى أن
قال : - هي قوله تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي محدث ) ( 4 ) .
وفيه عن بريد ، عن أبي جعفر عليه السلام في الفرق بين الثلاثة ، إلى أن
قال : ( والمحدث الذي يسمع كلام الملائكة وحديثهم ولا يرى شيئا بل ينقر
في أذنه وينكت في قلبه ) ( 5 ) .
إلى غير ذلك من الأخبار الصريحة في أن المحدث المذكور في لسانهم
مبني للمفعول ، وأن له معنى خاصا ومصطلحا مغايرا ولو بالكلية والجزئية
- كلفظ النبي والرسول - للمعنى اللغوي أو العرفي ، وكذا كانوا يسألونهم عن
الفرق بين الثلاثة ، واعتنى جماعة من حملة الأخبار لبيان الفارق مع
اختلاف الأخبار ، وصرحوا بأن المحدث مبني للمفعول .

0000000000000000000

( 1 ) ( ولا محدث ) ليس في القرآن وكان في مصحفهم عليهم السلام ، وعدم إنكار الراوي القراءة
يشهد بأنها كانت مشهورة ، وقتادة يقرئها كذلك ( بصائر : 389 ) .
( 2 ) بصائر الدرجات : 392 ، روى هذه الروايات في البحار 26 : 79 - 66 فراجع .
( 3 ) تأويل الآيات 1 : 346 .
( 4 ) بحار الأنوار 26 : 68 .
( 5 ) بحار الأنوار 26 : 82 ، كنز الفوائد : 177 .

‹ صفحه 317 ›


قال في الوافي : ( المحدث - بفتح الدال وتشديده - : هو الذي يحدثه
الملك في باطن قلبه ويلهمه معرفة الأشياء ويفهمه ، وربما يسمع صوت الملك
وإن لم ير شخصه ) ( 1 ) .
وقال في المجمع : ( وفي الحديث : إن أوصياء محمد ( عليه وعليهم السلام )
محدثون ( 2 ) : أي تحدثهم الملائكة وفيهم جبرئيل من غير معاينة ، ومثله قوله
صلى الله عليه وآله : إن في كل أمة محدثين من غير نبوة ) ( 3 ) .
وقال المولى محمد صالح في شرح أصول الكافي في بيان المحدث :
( قال بعضهم : هو الذي يلقى في قلبه شئ من الملأ الأعلى ، وقال بعضهم :
هو الذي يحدث في ضميره بأمور صحيحة وهو نوع من الغيب ، فتظهر على نحو
ما وقع له ، وهي كرامة من الله تعالى يكرم بها من يشاء من صالح عباده - إلى
أن قال : - وقال بعضهم : هو من صفاء القلب فيتجلى فيه من اللوح المحفوظ
عند المقابلة بينه وبين القلب ، وقال بعضهم : هو الذي يخلق الله تعالى في قلبه
الصافي الأمور الكائنة بواسطة الملك الموكل به ، وقد ينتهي الاستعداد إلى أن
يسمع الصوت ويرى الملك ) ( 4 ) .
وفي الصافي في تفسير الآية السابقة ، ( ولا محدث بفتح الدال ) ( 5 ) .
وقال بعض المفسرين بعد كلام طويل له في الفرق بين النبي
والرسول وذكر جملة من الأخبار : ( وأما بينهما وبين المحدث ، فقد يستفاد من
تلك الجملة أيضا عموميته وخصوصيتهما مطلقا ، فكل رسول أو نبي فقط
محدث ، ولا ينعكس ، فإن قيده الذي يتحقق به مجرد تحدث الملك معه ، فإن لم
يتعد ذلك إلى معاينة ورؤية منام فمحدث فقط ، وإن تجاوز فرسول أو نبي ،
فأئمتنا وفاطمة عليهم السلام وسلمان محدثون فقط - ثم استشكل الفرق بين النبي

0000000000000000000

( 1 ) الوافي 1 ، الفصل الثالث : 143 .
( 2 ) الكافي 1 : 270 .
( 3 ) مجمع البحرين 2 : 245 .
( 4 ) شرح الكافي 6 : 55 .
( 5 ) تفسير الصافي : 3 : 129 .

‹ صفحه 318 ›


والإمام ونقل عن المجلسي كلاما في الفرق والإشكال فيه ، ثم قال في آخر
كلامه : - وأما النسبة بين المحدث والإمام فالعموم المطلق ، لانفراد المحدث
عن الإمام في مثل فاطمة وسلمان واجتماعهما في مثل أئمتنا - إلى أن قال : -
إن سماع الصوت بون المعاينة ليست من خواص الإمامة بل آية عامة ،
لوجودها في المحدث فلا تدور الإمامة مدار هذه الصفة ، بل تدور الصفة مدارها
- انتهى ) .
وقد أعرب بعض أفاضل المعاصرين في رسالته التي ألفها في بعض
قواعد علم الرجال والحقه بكتاب منتهى المقال ، حيث قال في تعريف علم
الرجال : ( إنه ما وضع لتشخيص رواة الحديث ذاتا ووصفا ، مدحا وقدحا ،
فبقية الوضع خرج ما كان من علم الحديث والتاريخ وغيرهما مشتملا على
بيان جملة من الرواة على الوجه المذكور ، فإن شيئا من ذلك لم يوضع لذلك ،
وكذا علم الكلام إن لم يخص الرواة بغير الأئمة ، ولذا رووا عن آبائهم ، وفي
كثير من الأخبار إطلاق المحدث عليهم ، وهو بمعنى الراوي ، كما هو ظاهر هذه
الأخبار وغيرها - انتهى ) .
ولولا قوله : ( كما هو ظاهر هذه الأخبار ) ، لقلت : إن هذا
التصحيف العجيب منه ناشئ عن قصور تتبعه وعدم رجوعه إلى كتب
الأحاديث ، ولكن تصريحه بأنه ظاهرها كاشف عن عدم تعمقه فيها ، وما
ذكره من التعريف لا يخلو عن مناقشة ، والأولى في تعريفه - كما حققنا في
محله ( 1 ) - : إنه علم يبحث فيه عن أحوال الراوي مما له مدخلية في قبول الخبر
ورده .
إذا عرفت جميع ذلك ظهر لك إن مقام المحدثية مقام عظيم ، بل يظهر
من بعض الأخبار انحصار رتبة بعض الأنبياء فيها ، وإنه لم يكن في الأمة
محدث غير سلمان وفاطمة عليها السلام بعد الأئمة عليهم السلام .
وأما الخبر الصادقي الأخير ، فالمحدث فيه بالكسر - كما يظهر من قوله :

000000000000000000

( 1 ) راجع خاتمة مستدرك الوسائل ، المجلد الثالث .

‹ صفحه 319 ›


محدث عن إمامه - ، فلا ينافي الأخبار السابقة ، بل التحديث عن الإمام بما
أشار إليه الصدوق أعظم مقاما عند التحقيق عن التحديث عن الملك الذي
لا يتحرك عن مكانه إلا بإذنه عليه السلام ، إلا أنه خارج عن الاصطلاح الشايع
عندهم .
وفي رسالة الطاهرية للعارف المحدث الشيخ أحمد بن زين الدين
الأحسائي ( 1 ) مرسلا : ( إن روح القدس يلقاه ويحدثه ) ، ولم أعثر عليه فيما وصل
إلي من الكتب المعتبرة ، إلا أنه يكفي إرساله في الاعتماد ، وروح القدس هي
الروح التي لا تنام ولا تغفل ولا تلهو ولا تزهو ، وبها كان يرى الإمام ما في
شرق الأرض وغربها ، وبرها وبحرها ، وفي الباقري : ( إن الأوصياء ( كلهم )
محدثون ، يحدثهم روح القدس ولا يرونه ) ( 2 ) ، وفي الصادقي : ( فروح القدس
من الله ( تعالى ) وساير هذه الأرواح يصيبها الحدثان ( 3 ) ، فروح القدس لا يلهو
ولا يتغير ولا يلعب ، فبروح القدس يا جابر علمنا ( 4 ) ما دون العرش إلى تحت
الثرى ) ( 5 ) ، وقال جعيد الهمداني المقتول بالطف ( 6 ) للحسين بن علي عليهما السلام :

00000000000000000

( 1 ) أحمد بن زين الدين بن الشيخ إبراهيم الأحسائي البحراني ، قال في الروضات : كان شديد
الانكار على طريقة المتصوفة الموهونة بل على طريقة الفيض في العرفان بحيث قد ينسب إليه أنه
يكفره له كتاب : شرح الزيارة الجامعة الكبيرة ، الفوائد ، شرح الحكمة العرشية ، دفن بالمدينة المشرفة
في جوار أئمة البقيع وجلس له صاحب الإشارات والمنهاج بإصبهان ثلاثة أيام .
( 2 ) بصائر الدرجات : 473 .
( 3 ) في الصحاح : حدث أمر : أي وقع ، والحدث والحادثة والحدثان كله بمعنى ، والمراد هنا : ما
يمنعها عن أعمالها ، كرفع بعض الشهوات عند الشيخوخة وضعف القوى بها وبالأمراض ، ومفارقة
روح الإيمان بارتكاب الكبائر ، وأما من أعطي روح القدس فلا يصيبه ما يمنعه عن العلم والمعرفة ،
ولا يلهو : أي لا يغفل ، ولا يسهو عن أمر ، ولا يلعب : أي لا يرتكب أمرا لا منفعة فيه - البحار
25 : 55 .
( 4 ) في المصدر : وبروح القدس علموا يا جابر .
( 5 ) بصائر الدرجات : 474 .
( 6 ) عد الشيخ في الرجال الجعيد من أصحاب علي والحسنين والسجاد عليهم السلام ولم يعده من
الشهداء ، والأصح كما في البصائر : ( عن جعيد الهمداني ممن خرج مع الحسين بكربلا - الخ ) .

‹ صفحه 320 ›


( جعلت فداك ) بأي حكم ( 1 ) تحكمون ؟ قال : يا جعيد ( نحكم ) بحكم
آل داود ( 2 ) ، فإذا أعيينا ( 3 ) عن شئ يلقانا به روح القدس ) ( 4 ) .
فإن صح الخبر المقدم ، فسلمان ممن لا يفوقه بعد المعصومين أحد من
بني آدم .

00000000000000000000

( 1 ) في المصدر : شئ ، عيبنا .
( 2 ) قوله عليه السلام : نحكم بحكم آل داود : أي نحكم بعلمنا ولا نسئل عنه ، كما كان داود
عليه السلام أحيانا يفعله - البحار 25 : 55 .
( 3 ) في المصدر : شئ ، عيبنا .
( 4 ) بصائر الدرجات : 472 ، وفيه : ( تلقانا ) .

‹ صفحه 321 ›


الباب الثامن

في أن الجنة مشتاقة إليه ، وأنه أكل من طعامها ،
ودخل في جنة الدنيا قبل وفاته

‹ صفحه 323 ›


روى الصدوق في عليون عن محمد بن عمر بن سلم بن البراء الجعابي ،
قال : حدثنا أبو محمد الحسن بن عبد الله بن محمد بن العباس الرازي التميمي ،
قال : حدثني سيدي علي بن موسى الرضا ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين ، قال :
حدثني أبي الحسين بن علي ، قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام :
الجنة تشتاق إليك وإلى عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد ( 1 ) ) ، ورواه في باب
الخمسة من كتاب الخصال ( 2 ) أيضا .
وروى الكشي عن حمدويه وإبراهيم ، قالا : حدثنا أيوب بن نوح ،
عن صفوان ، عن عاصم بن حميد ، عن فضيل الرسان ، قال : سمعت
أبا داود ( 3 ) وهو يقول : حدثني بريدة الأسلمي ، قال : ( سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول : إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة ، قال : فجاء أبو بكر فقيل له :
يا أبا بكر ! أنت الصديق وأنت ثاني اثنين إذ هما في الغار ، فلو سألت رسول الله

000000000000000000000

( 1 ) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 67 ، أقول : في الأصل : ( محمد بن عمر بن مسلم بن البرجعابي ) .
( 2 ) الخصال 1 : 303 .
( 3 ) سند الحديث من هذه الطبقة عامي ، والرواية عامية .

صلى الله عليه وآله من هؤلاء الثلاثة ؟ قال : إني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم
فيعيرني ( 1 ) بذلك بنو تيم ، قال : ثم جاء عمر ، فقيل له : يا أبا حفص ! إن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( إن ) الجنة تشتاق إلى ثلاثة ، وأنت الفاروق
الذي ينطق الملك على لسانك فلو سألت رسول الله صلى الله عليه وآله من هؤلاء
الثلاثة ؟ فقال : إني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم فيعيرني ( 1 ) ( بذلك )
بنو عدي ، ثم جاء علي عليه السلام فقيل له : يا أبا الحسن ! إن رسول الله صلى الله عليه
وآله قال : إن الجنة تشتاق ( 2 ) إلى ثلاثة ، فلو سألته من هؤلاء الثلاثة ؟ فقال :
اسأله ، إن كنت منهم حمدت الله ( ، وإن لم أكن منهم حمدت بالله ) ، قال :
فقال علي عليه السلام : يا رسول الله ! أنك قلت : إن الجنة تشتاق ( 2 ) إلى ثلاثة ، فمن
هؤلاء الثلاثة ؟ قال : أنت منهم وأنت أولهم ، وسلمان الفارسي فإنه قليل
الكبر وهو لك ناصح فاتخذه لنفسك ، وعمار بن ياسر يشهد ( 3 ) معك مشاهد
غير واحدة ليس منها إلا وهو فيها ، كثير خيره ، ضيئى نوره ( 4 ) ، عظيم أجره ) ( 5 ) .
وعن المفيد في الإختصاص عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن
إدريس ، عن عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عن عمرو بن
سعيد المدائني ، عن عيسى بن حمزة ، قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام :
الحديث الذي جاء في الأربعة ، قال : وما هو ؟ قلت : الأربعة التي اشتاقت
إليهم الجنة ، قال : نعم ، منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار - الخبر ) ( 6 ) ، وقد مر
في الباب الخامس .
ونقل السيد الأجل علي بن طاووس في الباب الخامس عشر من
كشف اليقين عن أحمد بن مردويه ، قال : حدثنا أحمد بن محمد الخياط المقري

00000000000000000000

( 1 ) في المصدر في الموضعين : فتعيرني .
( 2 ) في المصدر في الموضعين : لتشتاق .
( 3 ) في المصدر : شهد ، أقول : في بعض نسخ المصدر : يشهد .
( 4 ) في المصدر : ضوي نوره .
( 5 ) إختيار معرفة الرجال : 30 .
( 6 ) الإختصاص : 12 .

‹ صفحه 325 ›


الكوفي ، قال : حدثنا الخضر بن أبان الهاشمي ، قال : حدثنا أبو هدية
إبراهيم ، قال : حدثني أنس بن مالك ، قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
الجنة مشتاقة إلى أربعة من أمتي ، فهبت أن أسأله من هم ، فأتيت أبا بكر
فقلت له : إن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( إن ) الجنة مشتاقة إلى أربعة من
أمتي ، فاسأله من هم ؟ فقال : أخاف أن لا أكون منهم فيعيرني به بنو تيم ،
فأتيت عمر فقلت له مثل ذلك ، فقال : أخاف أن لا أكون منهم ،
فيعيرني به بنو أمية ، فأتيت عليا عليه السلام - وهو في ناضح له - فقلت ( له ) :
إن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( إن ) الجنة مشتاقة إلى أربعة من أمتي ، فاسأله
من هم ؟ قال : والله لأسئلنه ، فإن كنت منهم لأحمدن الله عز وجل ، وإن لم
أكن منهم لأسئلن الله أن يجعلني منهم وأودهم ، فجاء وجئت معه إلى النبي
صلى الله عليه وآله فدخلنا على النبي صلى الله عليه وآله ، ورأسه في حجر دحية الكلبي ،
فلما رآه دحية ( الكلبي ) قام إليه وسلم عليه وقال : خذ برأس ابن عمك
يا أمير المؤمنين وأنت أحق به ، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وآله ورأسه في حجر
علي عليه السلام ، فقال له : يا أبا الحسن ! ما جئتنا إلا في حاجة ، قال :
بأبي أنت وأمي يا رسول الله دخلت ورأسك في حجر دحية الكلبي ،
فقام إلي وسلم علي وقال : خذ برأس ابن عمك وأنت أحق به
مني ( يا أمير المؤمنين ) ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ( فهل ) عرفته ؟ فقال
( له ) : هو دحية الكلبي ، فقال صلى الله عليه وآله له : ذاك جبرئيل ، فقال له : بأبي
أنت وأمي يا رسول الله أعلمني أنس أنك قلت : إن الجنة مشتاقة إلى أربعة
من أمتي ( 1 ) فمن هم ؟ فأومى إليه بيده وقال : أنت والله أولهم - ثلاثا - فقال
له : بأبي أنت وأمي فمن الثلاثة ؟ فقال صلى الله عليه وآله له : المقداد وسلمان و
أبو ذر ( رضوان الله عليهم ) ( 2 ) .

000000000000000000

( 1 ) أمتك ( خ ل ) .
( 2 ) اليقين في إمرة أمير المؤمنين : 8 - 17 .

‹ صفحه 326 ›


وروى الشيخ المحدث الشهيد ، محمد بن أحمد بن علي بن الفتال
النيسابوري المعروف بابن الفارسي في روضة الواعظين مرسلا ، قال : ( قال
رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة ، قال علي عليه السلام : فمن
هؤلاء الثلاثة ؟ قال : أنت منهم وأنت أولهم وسلمان الفارسي ، فإنه قليل
الكبر وهو لك ناصح فاتخذه لنفسك ) ( 1 ) .
وفي كتابه أيضا قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ! إن
الجنة تشتاق إليك وإلى عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد ) ( 2 ) .
وروى الخطيب العمري التبريزي في الفصل الثالث من باب جامع
المناقب من كتابه مشكاة المصابيح ، عن أنس قال : ( قال رسول الله صلى الله
عليه وآله : إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة : علي وعمار وسلمان - رواه الترمذي ) ( 3 ) .
ونقل الميرزا محمد في حاشية تلخيص المقال ، عن تهذيب الأسماء
عن الترمذي أيضا ، وتقدم في الباب الأول عن الحسين بن حمدان إن النبي
صلى الله عليه وآله قال : ( إن الله أوحى إلي أن الجنة تشتاق إلى ثلاثة نفر من
أصحابي منهم سلمان - الخبر ) .
وفي غوالي اللئالي : ( روى عن النبي صلى الله عليه وآله قال : الجنة
إلى سلمان أشوق من سلمان إلى الجنة - ثم ذكر في الحاشية عن بعض أهل
الإشارة : - مراده إن الجنة الصورية أشوق من سلمان إليها ، فإن سلمان كان
في الجنة المعنوية فارقا عن الجنة الصورية ) .
وفي روضة الواعظين قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الجنة
لأشوق إلى سلمان من سلمان إلى الجنة ، وإن الجنة أعشق إلى سلمان من
سلمان إلى الجنة ) ( 4 ) .
أقول : وذلك لانصراف همته إلى الجنة المعنوية التي هي مطلوب

00000000000000000

( 1 ) روضة الواعظين 2 : 286 ، وفيه : ( من ) .
( 2 ) روضة الواعظين 2 : 280 .
( 3 ) مشكاة المصابيح : 298 .
( 4 ) روضة الواعظين 2 : 282 ، وفيه ( إن الجنة لأعشق لسلمان ) .

‹ صفحه 327 ›


أهل الله وخاصة أوليائه وخلص أصفيائه ، ولذا قال بعض الكمل : ( اللهم
لا تجعلني من المتعبدين بالجنة ) ، وأراد بها الجنة الصورية ، فجنة الأولياء القرب
المعنوي ، ونارهم البعد ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( لو أدخلتني نارك لم
أقل : إنها نار ، وأقول : إنها جنتي ، لأن جنتي رضاك فأينما أنزلتني أعرف أن
رضاك فيه ) .
وهجره أعظم من ناره
ووصله أطيب من جنته
وفي بعض الأخبار : ( إن لله جنة ليس فيها حور ولا قصور ولا لبن
ولا عسل ، وثمار الجنة المناسبة لهم الفواكه من العلوم والأسرار ، دون
المألوف من فواكه الدنيا ) ، وفي الصادقي في قوله تعالى : ( وظل ممدود ، وماء
مسكوب ، وفاكهة كثيرة ، لا مقطوعة ولا ممنوعة ) : ( ( قال : يا نصر ! إنه )
ليس حيث تذهب الناس ، إنما هو العالم وما يخرج منه ) ( 1 ) ، والعبادة لطلب
هذا القرب عبادة الأحرار ، نعم ما قيل :
از بهشت ودوزخش دل كنده ايم
ميتوان گفتن خدا را بنده ايم
قال الشيخ ميثم البحراني في شرح قوله عليه السلام في صفة الجنة :
( درجات متفاضلات ، ومنازل متفاوتات ) ، ما لفظه : ( هذا الوصف صادق
في الجنة المحسوسة الموعودة في القرآن الحكيم وفي الجنة المعقولة ، واتفقت
العقلاء على أن الذي سماها هي المعارف العقلية والنظر في وجه الله تعالى
ذي الجلال والإكرام ، والسعداء في الوصول إلى هذه الثمرة النضيجة الملكوتية
على مراتب متفاوتة ودرجات متفاضلة - انتهى ) ( 2 ) .
وبما ذكرنا يجمع بين قوله عليه السلام : ( ما عبدتك خوفا من نارك

000000000000000000

( 1 ) تفسير الصافي 4 : 632 عن البصائر : 525 ، والآيات في الواقعة : 30 - 33 .
( 2 ) شرح ابن هيثم 2 : 278 ، وبين العبارتين اختلاف كثير .

‹ صفحه 328 ›


ولا طمعا في جنتك ، ولكن وجدتك أهلا للعبادة ، فعبدتك ) ( 1 ) ، وما ورد في
قوله تعالى : ( أمن هو قانت إناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة
ربه ) : ( إنه نزل في علي بن أبي طالب ) ( 2 ) ، وإن احتمل أن تكونا صفتين
أخريين ، دون أن تجعلا غاية وعلة غائية ، والممنوع عن شأن الولي الحر أن
تكون هاتان الصفتان من الأسباب الباعثة له على العبادة ، لا أنه يجب أن
ينزه الولي عن التلبس بهما ، فالإمام إنما قال : ( ما عبدتك خوفا ) ، لا ( ما
خفتك ) ، ولا ( خفت نارك ) ، وبون بينهما ، فمن الجايز أن يخاف الولي الحر
النار المعهودة ويرجو الجنة المعهودة ، لعلمه من شأن معبوده محبة ذلك فيخاف
ويرجو ، لأن محبوبه يحب ذلك .
والعشق : هو الافراط في الحب ، وعن أرسطو : إنه عمي الحس عن
إدراك عيوب المحبوب ، وهو من الأمراض المعروفة من أنواع الماليخوليا الذي
هو تشويش الظنون والفكر إلى الفساد والخوف ، وعرفوه الأطباء بأنه مرض
وسواسي يجلبه الإنسان إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور
والشمائل التي تكون له ، ويعتري للغراب والبطالين والرعاع ، ويزيد بالنظر
والسماع ، ونقص بالسفر والجماع ، وقالوا : لا علاج أنفع من الوصال ، وقال
بعضهم : إنه ربما لا يكون معه شهوة مجامعة ، بل كان المطلوب مطلق المشاهدة
والوصال ، وهذا الصنف منه يعتري للعارفين وكبراء النفوس ، وينتقلون من
هذا العشق المجازي إلى الحقيقي وهو معرفة الله عز وجل .
قلت : وهذا التعميم نظير إنكار العامة عصمة الأوصياء تصحيحا
لخلافة أئمتهم ، وإلا فهذا طريق كلما ازداد صاحبه سيرا زاد بعدا عن ساحة
معرفة الحق التي هي غاية سير السالكين ، فإن خلو القلب عن حبه تعالى هو
السبب الأعظم في استحسان الصور فكيف يصير طريقا له ، وفي علل الشرايع

000000000000000000

( 1 ) لم يوجد في كتب أحاديث الشيعة ، قال المحدث الحر العاملي في هامش مقدمة كتاب العبادات
من وسائله : ( ولا يحضرني الآن إن أحدا من أصحابنا رواه في كتاب من كتب الشيعة ، نعم بعض
المتأخرين وكأنه من روايات العامة ) - هامش أنيس الموحدين : 177 .
( 2 ) تفسير القمي 2 : 242 ، والآية في الزمر : 9 .

‹ صفحه 329 ›



والأمالي عن المفضل بن عمر قال : ( سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد )
الصادق عليه السلام عن العشق ؟ فقال عليه السلام : قلوب خلت عن ذكر الله فأذاقها
الله حب غيره ) ( 1 ) ، وليس السؤال عن حقيقة العشق ، لعدم ربط الجواب به ،
بل عن سببه ، فأبان عليه السلام إن السبب في اعترائه خلو القلب عن ذكر الله ،
ولا يجاهد في ذات الله من لا يكون له ذاكرا ، إذ به يطمئن القلب اللاهي
ويستقيم ، ويسير إليه بقلب سليم ، ولا فهو رضيع ثدي الشيطان وربيب
حجره ، أين له النظر إلى مدارج العارفين الذين قصارى غاية أفكارهم معرفته
عز سلطانه ، وقد أبان من لا يعرف الله إلا بمعرفتهم طرق الوصول إلى معرفته ،
وليس فيها حب الفتيان وإلا مارد للانتقال إلى حبه تعالى ، إلا أن يكون
إكمال الدين وإتمامه بيد هؤلاء الذين هم غيلان الدين ولصوص شريعة سيد
المرسلين .
ومن هنا كان التعبير عن الافراط في حب الله تعالى بالعشق خروجا
عن طريق محاورة الأئمة ومصطلحهم ، وعن رشحات بحار حبهم صار من
أراد الله أن يهديه أحباؤه وأولياؤه ، ولم يعهد التعبير عنهم به في أدعيتهم
ومناجاتهم وبيانهم لصفات المتقين والمؤمنين وذكرهم لصفات الإمام
وخصائصه وفضائله ، ولا عن الذين كانوا لهم أخصاء وأولياء في السر
والعلانية ، أرأيت أحدا في السالكين أعشق على مصطلح هؤلاء عن سيد
الساجدين ، أو رأيت في حكمه ومناجاته لفظ العشق ، والذي رام التشبيه بهم
لا يخرج عن سننهم وآدابهم في جميع المراتب بما يقدر عليه من الأفعال والأقوال
والحركات والسكنات .
هذا ابن عربي الحنبلي ، قال في الفتوحات بعد ذكر بعض مقامات
القطب ما معناه : ( ما وصلت إلى هذا المقام إلا بالتسنن بجميع سنن النبي
صلى الله عليه وآله ، ولم يدخل في هذا الباب إلا الإمام أحمد بن حنبل ، فقد بلغني
إنه لم يأكل البطيخ لأنه قال : إني لا أعلم أن النبي صلى الله عليه وآله كيف

0000000000000000000

( 1 ) علل الشرايع : 140 ، الأمالي : 396 .

‹ صفحه 330 ›


أكله ) .
وهذا الأخبار وإن كان تلوح آثار الكذب من وجناته ، إلا أن
الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها أخذها ، والتأسي في الأقوال كالأفعال هو
علامة المخبتين ، الذين أشير إليهم في قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا . . . وأخبتوا إلى
ربهم ) ( 1 ) ، وتراهم عليهم السلام علموا الناس ما به يدعون ربهم ويسألونه
حوائجهم ، ولم يهملوهم سدى ولم يتركوهم عبثا ، بل في توقيفية الأسماء
الإلهية ما يغني عن التطويل ، فإن كثيرا من الألفاظ نراها إطلاقها على الله
صحيحا بحسب معناها اللغوي أو العرفي ، بل قد ورد إطلاق لفظ عليه تعالى دون ما
يرادفه ، فلا يجوز استعماله ، إذ الضابط في جوازه وروده لا صحة معناه ، وعدم
ورود لفظ العشق وما يشتق منه في أسماء تعالى - كورود لفظ الحب
والحبيب - ، وفي صفات أوليائه الأكرمين ، دليل إما على عدم جواز
استعماله ، أو كراهتهم له ، لدخول الشهوة في معناها العرفي ، وإلا فكان الأولى
اختصاص نبينا صلى الله عليه وآله بالعاشق لا الحبيب ، كما اختص إبراهيم بالخليل
وموسى بالكليم وعيسى بروح الله .
والعجب من السيد المحدث الجزائري ( 2 ) حيث ملأ في كتاب المقامات ،
وفي نور حبه من كتاب أنواره ، لفظ العشق الحقيقي والمجازي ، والتعبير عن
أولياء الله بعشاق الله ، وعن الإمام بسيد العاشقين ، وهو منه في غاية العجب
وإن لم يكن عجبا من غيره ممن نبذ الأخبار وراءه ظهريا .
وأما ما في بعض الكتب من أن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( من
عشق فعف فمات ، دخل الجنة ) ( 3 ) ، فهو مستعمل في معناه المعروف ، كقوله

000000000000000000

( 1 ) هود : 23 .
( 2 ) سيد السند المحدث الجليل سلالة الأطهار والد الأماجد الأعاظم الأخيار المنتشرين نسلا بعد
نسل في الأقطار التقي السري الرضي العالم الرباني نعمت الله بن عبد الله الموسوي الجزائري ، ولد سنة
1050 في قرية صياغية جزائر ، وتوفي في شوال سنة 1112 في قرية جايدر ، تلمذ عند العلامة المجلسي
والمحقق السبزواري والمحدث الكاشاني ، له تآليف منها : أنوار النعمانية ، زهر الربيع ، قصص الأنبياء
( 3 ) أنوار النعمانية 3 : 175 .

‹ صفحه 331 ›


عليه السلام في نهج البلاغة : ( من عشق شيئا أعشى بصره ) ( 1 ) ، وأما عن رسالة
أبي القاسم القشيري السني ، نقلا عن أستاذه السري السقطي - خال الجنيد -
إنه كان يقول : ( مكتوب في بعض الكتب التي أنزلها الله تعالى : إذا كان
الغالب على عبدي ذكري ، عشقني وعشقته ) ، فصحته تعرف عن رواية الذي
هو من كلاب أهل النار ، كصحة ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال :
( قال الله تعالى : من أحبني عرفني ، ومن عرفني عشقني ، ومن عشقني قتلته ،
ومن قتلته فعلي ديته ، وأنا ديته ) ، فقد نسبه بعض السادة المعاصرين في ترجمة
الحلاج إلى الأحاديث القدسية ، مع أن الشيخ الأجل الحر العاملي ( 2 ) جمع
ما ورد منها في كتب الشيعة في كتابه الموسوم بجواهر السنية ، ولم أجده فيه .
ورأينا أن نختم الكلام بذكر حديثين في صفات المؤمنين الكاملين ،
وإن كان في خبر همام المروي في الكافي ونهج البلاغة ( 3 ) وكنز الكراجكي
بطرق ومتون مختلفة ، عبرة لمن اعتبر ، وتبصرة لمن نظر وتفكر ، غير أن فيهما من
بدايع الحكمة ما يروح الخاطر ويهيج شوق الناظر .
روى زيد الزراد - ومن أصل كتابه الذي هو من الأصول أخذت
الحديث - قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : نخشى أن لا نكون مؤمنين ، قال :
فلم ذلك ؟ فقلت : وذلك إنا لا نجد فينا من يكون أخوه عنده أثر من درهمه
وديناره ، ونجد الدينار والدرهم أثر عندنا من أخ قد جمع ( الله ) بيننا وبينه موالاة

000000000000000000

( 1 ) نهج البلاغة ، خطبة 109 : 40 .
( 2 ) محدد شرف بيته الغابر من أعلام المذهب وزعماء الشيعة ، شيخ المحدثين وأفضل المتبحرين
الشيخ محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين الحر العاملي ، ينتهي نسبه إلى شهيد الطف ونصير
سيد الشهداء عليه السلام الحر بن يزيد الرياحي رضوان الله عليه ، تقلد شيخوخة الإسلام على العهد
الصفوي ، اختصه المولى بتوفيق باهر قل من ضاهاه فيه ، فنشر أحاديث أئمة الدين صلوات الله عليهم
أجمعين ، من مصنفاته القيمة : وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، إثبات الهداة بالنصوص
والمعجزات ، جواهر السنية في أحاديث القدسية ، كان مولده رحمه الله سنة 1303 وتوفي في مشهد
الرضا عليه السلام رمضان المبارك سنة 1104 وصلى عليه أخوه العلامة ودفن في حجرة في الصحن
الشريف .
( 3 ) الكافي 2 : 226 ، نهج البلاغة ، خطبة 193 : 72 ، كنز الفوائد : 31 ، مروج الذهب 2 : 420 .

‹ صفحه 332 ›


أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال عليه السلام : كلا ، إنكم مؤمنين ولكن لا تكملون
إيمانكم حتى يخرج قائمنا ، فعندها يجمع الله أحلامكم ، فتكونون مؤمنين
كاملين ، ولو لم يكن في الأرض مؤمنين كاملين إذا لرفعنا الله إليه ، وأنكرتم
الأرض وأنكرتم السماء ، بل والذي نفسي بيده إن في الأرض في أطرافها
مؤمنين ما قد الدنيا كلها عندهم يعدل جناح بعوضة ، ولو أن الدنيا بجميع
ما فيها وعليها ذهبة حمراء على عنق أحدهم ، ثم سقط عن ( 1 ) عنقه ما شعر بها
أي شئ كان على عنقه ، ولا أي شئ سقط عنه ( 1 ) لهوانها عليهم ، فهم الحفى
عيشهم ، المنتقلة ديارهم من أرض إلى أرض ، الخميصة بطونهم من الصيام ،
الذبلة شفاههم من التسبيح ، العمش العيون من البكاء ، الصفر الوجوه من
السهر ، فذلك سيماهم مثلا ضربه الله في الإنجيل لهم ، وفي التوراة والفرقان
والزبور وصحف الأولى ( 2 ) وصفهم فقال : ( سماهم في وجوههم من أثر السجود
ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ) ( 3 ) ، عنى بذلك صفرة وجوههم من
سهر الليل ، هم البررة بالإخوان في حال اليسر والعسر ، والمؤثرون على أنفسهم
في حال العسر ، كذلك وصفهم الله فقال : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) ( 4 ) ، فازوا والله وأفلحوا ، إن رأوا
مؤمنا أكرموه ، وإن رأوا منافقا هجروه ، إذا جنهم الليل اتخذوا أرض الله
فراشا ، والتراب وسادا ، واستقبلوا بجباههم الأرض ، يتضرعون إلى ربهم في
فكاك رقابهم من النار ، فإذا أصبحوا اختلطوا بالناس ، لم يشار إليهم
بالأصابع ، تنكبوا الطرق ، واتخذوا الماء طيبا وطهورا ، أنفسهم متعوبة ،
وأبدانهم مكدودة ، والناس منهم في راحة ، فهم عند الناس شرار الخلق ،
وعند الله خيار الخلق ، إن حدثوا لم يصدقوا ، وإن خطبوا لم يزوجوا ، وإن
شهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفقدوا ، قلوبهم خائفة وجلة من الله ، ألسنتهم

00000000000000000

( 1 ) في المصدر : سقط من ، سقط منه .
( 2 ) في المصدر : الصحف الأولى .
( 3 ) الفتح : 29 .
( 4 ) الحشر : 9 .

‹ صفحه 333 ›


مسجونة ، وصدورهم وعاء لذكر الله ( 1 ) ، إن وجدوا له أهلا نبذوه إليه نبذا ،
وإن لم يجدوا له أهلا ألقوا على ألسنتهم أقفالا ، غيبوا مفاتيحها ، وجعلوا على
أفواههم أوكية ، صلب صلاب أصلب من الجبال ، لا ينحت منهم شئ ، خزان
العلم ومعدن الحكمة ( 2 ) ، وأتباع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ،
أكياس يحسبهم المنافق خرساء عمياء بلهاء ، وما بالقوم من خرس ولا عمى
ولا بله ، إنهم لأكياس فصحاء حلماء حكماء أتقياء بررة ، صفوة الله ، أسكنتهم
الخشية لله ، وأعيتهم ألسنتهم خوفا من الله ، وكتمانا لسره ، فواشوقاه إلى
مجالستهم ومحادثتهم ، يا كرباه لفقدهم ، ويا كاشف كرباه ( 3 ) لمجالستهم ،
اطلبوهم فإن وجدتموهم واقتبستم من نورهم اهتديتم ، وفزتم بهم في الدنيا
والآخرة ، هم أعز في الناس من الكبريت الأحمر ، حليتهم طول السكوت
بكتمان السر ، والصلاة والزكاة والحج والصوم ، والمواساة للإخوان في حال
اليسر والعسر ، فذلك حليتهم ومحبتهم ، ( يا ) طوبى لهم وحسن مآب ، هم
وارثوا الفردوس ( 4 ) خالدين فيها ، ومثلهم في أهل الجنان مثل الفردوس في
الجنان ، وهم المطلوبون في النار المحبورون في الجنان ، فلذلك قول أهل النار :
( ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ) ( 5 ) ، فهم أشرار الخلق عندهم ، فيرفع
الله منازلهم حتى يرونهم ، فيكون ذلك حسرة لهم في النار ، فيقولون : يا ليتنا
نرد فنكون مثلهم ، فلقد كانوا هم الأخيار وكنا نحن الأشرار ، فذلك حسرة
لأهل النار - انتهى ) ( 6 ) .
ولله در من قال :
لله تحت قباب العرش طائفة
أخفاهم عن عيون الناس إجلالا

0000000000000000

( 1 ) في المصدر : لسر الله ، معدن الحلم والحكم .
( 2 ) في المصدر : لسر الله ، معدن الحلم والحكم .
( 3 ) في المصدر : يا كشف كرباه ، وارث الفردوس .
( 4 ) في المصدر : يا كشف كرباه ، وارث الفردوس .
( 5 ) ص : 62 .
( 6 ) أصول الستة عشر : 6 - 7 .

‹ صفحه 334 ›


هم السلاطين في أطمار مسكنة
جروا على الفلك الدوار أذيالا
وروى الصدوق في صفات الشيعة بإسناده عن محمد بن الحنفية
قال : ( لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام البصرة بعد قتال أهل الجمل دعاه
الأحنف بن قيس واتخذ له طعاما فبعث إليه صلوات الله عليه وإلى أصحابه ،
فأقبل ثم قال : يا أحنف ! أدع لي أصحابي ، فدخل عليه قوم متخشعون كأنهم
شنان بوالي ، فقال الأحنف بن قيس : يا أمير المؤمنين ! ما هذا الذي نزل بهم ،
من قلة الطعام أو من هول الحرب ؟ فقال صلوات الله عليه : لا ، يا أحنف ، إن الله
سبحانه أحب أقواما تنسكوا له في دار الدنيا تنسك من هجم على ما علم من
قربهم من يوم القيامة من قبل أن يشاهدوها ، فحملوا أنفسهم على مجهودها
وكانوا إذا ذكروا صباح يوم العرض على الله سبحانه توهموا خروج عنق
يخرج من النار ، يحشر الخلائق إلى ربهم تبارك وتعالى وكتاب يبدو فيه
على رؤوس الأشهاد فضايح ذنوبهم ، فكادت أنفسهم تسيل سيلانا ، أو تطير
قلوبهم بأجنحة الخوف طيرانا ، وفارقهم عقولهم إذا غلت بهم من أجل التجرد ( 1 )
إلى الله سبحانه غليانا ، فكانوا يحنون حنين الواله في دجى الظلم ، وكانوا
يفجعون من خوف ما أوقفوا عليه أنفسهم فمضوا ذبل الأجسام ، حزينة قلوبهم ،
كالحة وجوههم ، ذابلة شفاههم ، خامصة بطونهم ، تراهم سكارى اسهارا
وحشة الليل ، تنخشعون كأنهم شنان بوالي ، قد أخلصوا لله أعمالهم سرا
وعلانية ، فلم يأمن من فزعة قلوبهم بل كانوا كمن حرسوا قباب خراجهم ،
فلو رأيتهم في ليلتهم وقد نامت العيون ، وهدأت الأصوات ( 2 ) ، وسكنت
الحركات من الطير في الوكور ، وقد نبههم هول يوم القيامة والوعيد ، كما قال
سبحانه : ( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون ) ( 3 ) ، فاستيقظوا

00000000000000000

( 1 ) المحشر ( خ ل ) .
( 2 ) الأجساد ( خ ل ) .
( 3 ) الأعراف : 97 .

‹ صفحه 335 ›


لها ( 1 ) فزعين ، وقاموا إلى صلاتهم معولين ، باكين تارة ، وأخرى مسبحين ،
يبكون في محاريبهم ، ويرنون يصطفون ليلة مظلمة بهماء يبكون .
فلو رأيتهم يا أحنف في ليلتهم قياما على أطرافهم ، منحية ظهورهم ، يتلون
أجزاء القرآن لصلواتهم ، قد اشتدت أعوالهم ونحيبهم وزفيرهم ، إذا زفروا خلت
النار قد أخذت منهم إلى حلاقيمهم ، وإذا اعولوا حسبت السلاسل قد صفدت في
أعناقهم ، فلو رأيتهم في نهارهم إذا لرأيت قوما يمشون على الأرض هونا ،
ويقولون للناس حسنا ، ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) ( 2 ) ، ( وإذا مروا
باللغو مروا كراما ) ( 3 ) ، قد قيدوا أقدامهم من التهمات ، وأبكموا ألسنتهم أن
يتكلموا في أعراض الناس ، وسجموا أسماعهم أن يلجها خوض خائض ،
وكحلوا أبصارهم بغض النظر عن المعاصي ، وانتحوا ( 4 ) دار السلام التي من
دخلها كان آمنا من الريب والأحزان ، فلعلك يا أحنف شغلك نظرك في
وجه واحدة تبدي الأسقام بغاضرة وجهها ، ودار قد أشغلت بنقش رواقها ،
وستور قد علقتها والريح والآجام موكلة بثمرها ، وليست دارك هذه
دار البقاء فاحمتك ( 5 ) الدار التي خلقها الله سبحانه من لؤلؤة بيضاء فشقق فيها
أنهارها ( 6 ) ، وغرس فيها أشجارها ، وظلل عليها بالنضج من ثمارها ( 6 ) ، وكبسها
بالعواتق من حورها ، ثم أسكنها أوليائه وأهل طاعته ، فلو رأيتهم
يا أحنف وقد قدموا على زيادات ربهم ( سبحانه ) ، فإذا ضربت
خبائبهم ( 7 ) صوتت رواحلهم بأصوات لم يسمع السامعون بأحسن منها ،
وأظلتهم عمامة فأمطرت عليهم المسك والزعفران ( 8 ) ، وصهلت خيولها بين
أغراس تلك الجنان ، وتخللت بهم فوقهم ( 8 ) بين كثب الزعفران ، ويتطأمن ( 7 )

00000000000000000000

( 1 ) في المصدر : إليهما .
( 2 ) اقتباس من الكريمتين ، الفرقان : 63 و 72 .
( 3 ) اقتباس من الكريمتين ، الفرقان : 63 و 72 .
( 4 ) أي قصدوا ( منه ) .
( 5 ) في الأصل : والآجام موكل بثمرها وليست دارين دار البقاء فأحبك .
( 6 ) في الأصل : أنوارها ، واضلل بالنضج من ثمارها .
( 7 ) في الأصل : زيارات ربهم فإذا ضرب خبائهم ، تطأمن .
( 8 ) في المصدر : الرادن ، نوقهم .

‹ صفحه 336 ›


تحت أقدامهم اللؤلؤ والمرجان ، واستقبلتهم قهارمتها بمنابر الريحان ، وهاجت
لهم ريح من قبل العرش فنثرت عليهم الياسمين والأقحوان ، ( و ) ذهبوا إلى
بابها فيفتح لهم الباب رضوان ، ثم يسجدون لله في فناء الجنان ، فقال لهم
الجبار : ارفعوا رؤوسكم فإني قد رفعت عنكم مؤونة العبادة وأسكنتكم جنة
الرضوان .
فإن فاتك يا أحنف ما ذكرت لك في صدر كلامي لتتركن في
سرابيل القطران ، ولتطوفن بينا وبين حميم آن ، ولتسقين شرابا حار الغليان
( في انضاجه ) ، فكم يومئذ في النار من صلب محطوم ، ووجه مهشوم ومشوه
مضروب على الخرطوم ، قد أكلت الجامعة كفه ، والتحم الطوق بعنقه ، فلو
رأيتهم يا أحنف ينحدرون في أوديتها ، ويصعدون جبالها ، وقد ألبسوا
المقطعات من القطران ، وأقرنوا مع فجارها وشياطينها ، فإذا استغاثوا ( بأسوأ
أخذ ) من حريق شدت عليهم عقاربها وحياتها ، ولو رأيت مناديا ينادي وهو
يقول : يا أهل الجنة ونعيمها ، ويا أهل حليها وحللها ، خلدوا فلا موت ( 1 ) ،
فعندما ينقطع رجاؤهم ، وتغلق الأبواب ، وتنقطع بهم الأسباب ، فكم يومئذ
من شيخ ينادي : وا شيبتاه ، وكم من شاب ينادي : وا شباباه ، وكم من
امرأة تنادي : وا فضيحتاه ، هتكت عنهم الستور ، فكم يومئذ من مغموس بين
أطباقها محبوس ، يا لك غمسة ألبسك بعد لباس الكتان ، والماء المبرد على
الجدران ، وأكل الطعام ألوانا بعد ألوان ، لباسا لم يدع لك شعرا ناعما كنت
مطعمه إلا بيضه ، ولا عينا كنت تبصر بها إلى حبيب إلا فقأها ( 2 ) ، هذا ما أعد الله
للمجرمين ، وذلك ما أعد الله للمتقين ) ( 3 ) .
وفي رجال أبي عمرو الكشي ، روى جعفر غلام عبد الله بن بكير ، عن
عبد الله بن محمد بن نهيك ، عن النصيبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( قال
أمير المؤمنين عليه السلام : يا سلمان ! اذهب إلى فاطمة عليها السلام وقل لها : تتحفك ( 4 )

0000000000000000000

( 1 ) في المصدر : خلود فلا موت ، تقأها .
( 2 ) في المصدر : خلود فلا موت ، تقأها .
( 3 ) صفات الشيعة : 39 - 45 .
( 4 ) اتحفيني ( خ ل ) .

‹ صفحه 337 ›


من تحف الجنة ، فذهب إليها سلمان فإذا بين يديها ثلاث سلال ، فقال لها :
يا بنت رسول الله ! اتحفيني ( من تحف الجنة ) ؟ قالت : هذه ثلاث سلال
جاءتني بها ثلاث وصائف ( 1 ) ، فسألتهن عن أسمائهن فقالت واحدة : أنا
سلمى لسلمان ، وقالت الأخرى : أنا ذرة لأبي ذر ، وقالت الأخرى : أنا
مقدودة للمقداد ، ثم قبضت فناولتني ، فما مررت بملأ إلا ملئوا طيبا
لريحها ) ( 2 ) .
وروى طاووس آل طاووس ، رضي الدين علي في مهج الدعوات عن
الشيخ ( علي بن محمد بن ) علي بن عبد الصمد ، قال : أخبرنا الشيخ جدي ،
قال : أخبرنا الفقيه أبو الحسن ( رحمه الله ) ، قال : حدثنا الشيخ العالم أبو البركات
علي بن الحسين الحسني الجوزي ، قال : حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن
الحسين بن موسى ( بن بابويه القمي الفقيه قدس الله روحه ، قال : حدثنا
الحسن بن محمد بن سعيد الكوفي ، قال حدثنا فرات ) بن إبراهيم ، قال : حدثنا
جعفر بن محمد بن بشريه القطان ، قال : حدثنا محمد بن إدريس ابن سعيد
الأنصاري ، قال : حدثنا داود بن رشيد والوليد بن شجاع بن مروان ، ( عن
عاصم ) ، عن عبد الله بن سلمان الفارسي ( رضي الله عنه ) ، عن أبيه قال :
( خرجت من منزلي يوما بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعشرة أيام فلقيني
علي بن أبي طالب عليه السلام ابن عم ( الرسول ) ( محمد ) صلى الله عليه وآله ، فقال لي :
يا سلمان ! جفوتنا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ ! ، فقلت : حبيب ( يا )
أبا الحسن مثلكم لا يجفى ، غير أن حزني على رسول الله طال ، فهو الذي
منعني من زيارتكم ، فقال عليه السلام ( لي ) : يا سلمان ! ائت منزل
فاطمة بنت رسول الله ( عليها السلام ) ، فإنها إليك مشتاقة تريد أن تتحفك
بتحفة قد أتحفت بها من الجنة ، قلت ( لعلي عليه السلام ) : قد أتحفت فاطمة
بشئ من الجنة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : نعم بالأمس ، قال

0000000000000000000

( 1 ) الوصيف : الغلام ، والمؤنت : والوصيفة ، والجمع : الوصائف .
( 2 ) إختيار معرفة الرجال : 9 .

‹ صفحه 338 ›


سلمان : فهرولت إلى منزل فاطمة عليها السلام بنت محمد . . .
فلما نظرت إلي اعتجرت ( 2 ) ثم قالت : يا سلمان ! جفوتني
بعد وفاة أبي ! قلت : حبيبتي لم أجفكم ؟ قالت : ( فمه 3 ، ) اجلس واعقل ما
أقول لك : إني كنت جالسة بالأمس في هذا المجلس وباب الدار مغلق ، وأنا
أتفكر في انقطاع الوحي عنا وانصراف الملائكة عن منزلنا ، فإذا ( أنا أتفكر
إذا ) انفتح الباب من غير أن يفتحه أحد ، فدخل علي ثلاث جوار لم ير الرائون
بحسنهن ولا كهيئتهن ولا نضارة وجوههن ، ولا أزكى من ريحهن ، لما رأيتهن
قمت إليهن مستنكرة ( 4 ) لهن فقلت : ( بأبي أنتن ) من هل مكة أم من أهل
المدينة ؟ فقلن : يا بنت محمد ! لسنا من أهل مكة ولا من أهل المدينة ، ولا من
أهل الأرض جميعا ، غير أننا ( جوار من ال‍ ) حور العين من دار السلام ، أرسلنا
رب العالمين ( 5 ) إليك ، يا بنت ( محمد ) ! أنا إليك مشتاقات ، فقلت للتي أظن
أنها أكبر سنا : ما اسمك ؟ قالت : اسمي مقدودة ، قلت : ولم سميت
مقدودة ؟ قالت : خلقت للمقداد بن الأسود الكندي صاحب رسول الله صلى الله
عليه وآله ، فقلت للثانية : ما اسمك ؟ قالت : ذرة ، قلت : ولم سميت ذره وأنت
في عيني نبيلة ( 6 ) ؟ قالت : خلقت لأبي ذر الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه
وآله ، فقلت للثالثة : ما اسمك ؟ قالت : سلمى ، قالت : ولم سميت سلمى ؟
قالت : ( خلقت ) ( أنا ) لسلمان الفارسي مولى أبيك ( رسول الله صلى الله عليه
وآله ) ، قالت فاطمة : ثم أخرجن إلي ( 7 ) رطبا أزرق كأمثال الخشكنانج ( 8 ) الكبار

0000000000000000000

( 2 ) الاعتجار : لف العمامة على الرأس .
( 3 ) أي فما السبب في ترك زيارتنا ، أو اسكت .
( 4 ) التغير في الوجه للاستيحاش والكراهة .
( 5 ) في المصدر : رب العزة .
( 6 ) لما كانت الذرة موضوعة للصغيرة من النملة ، قالت عليها السلام : أنت مع نبلك وشرفك لم
سميت باسم يدل على الحقارة ( البحار ) .
( 7 ) في المصدر : أخرجن لي .
( 8 ) الخشكنانج : معرب خشكنانه وهو الخبز السكري الذي يختبز مع الفستق واللوز .

‹ صفحه 339 ›

أبيض من الثلج وأزكى ريحا من المسك الأذفر ، فقالت لي : يا سلمان ! افطر
عليه عشيتك فإذا كان غدا فجئني بنواة - أو قالت : عجمة - ، قال سلمان :
فأخذت الرطب فما مررت بجمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلا
قالوا : يا سلمان ! أمعك مسك ؟ قلت ( 1 ) : نعم ، فلما كان وقت الافطار أفطرت
عليه فلم أجد له عجما ولا نوى ، فمضيت إلى بنت رسول الله صلى الله عليه وآله في
اليوم الثاني فقلت لها : إني أفطرت على ما أتحفتني به فما وجدت له عجما
ولا نوى ، قالت : يا سلمان ! ( و ) لن يكون له عجم ولا نوى وإنما هو نخل
غرسه الله ( تعالى ) في دار السلام ( ، ألا أعلمك ) بكلام علمنيه أبي محمد
( رسول الله ) صلى الله عليه وآله كنت أقوله غدوة وعشية ؟ قال سلمان : قلت :
علميني الكلام يا سيدتي ، ( قالت ) : إن سرك أن لا يمسك أذى الحمى
ما عشت في دار الدنيا فواظب عليه ، ثم قال سلمان : علمتني هذا الحرز ( 2 ) :
بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله النور ، بسم الله نور النور ، بسم الله
نور على نور ، بسم الله الذي هو مدبر الأمور ، بسم الله الذي خلق النور من النور ،
الحمد لله الذي خلق النور من النور ، وأنزل النور على الطور ، في كتاب
مسطور ، في رق منشور ، بقدر مقدور ، على نبي محبور ، الحمد لله الذي هو بالعز
مذكور ، وبالفخر مشهور ، وعلى السراء والضراء مشكور ، وصلى الله على نبينا ( 2 )
محمد وآله ( الطيبين ) الطاهرين .
قال سلمان : فتعلمتهن ، فوالله ( و ) لقد علمتهن أكثر من ألف نفس
من أهل المدينة ومكة ، ممن بهم ( علل ) الحمى ، فكل برء من مرضه بإذن الله
تعالى ( ( 3 ) .
وفي كتاب نوادر المعجزات لبعض قدماء أصحابنا ، وأظنه أبا جعفر

000000000000000000

( 1 ) في الأصل : فأقول .
( 2 ) في المصدر : علميني هذا الحرز فقالت ، سيدنا .
( 3 ) مهج الدعوات : 6 - 7 ، البحار 43 : 8 - 66 .