.. الفصل الثاني عشر يزيد بن معاوية ..

              

             يزيد بن مُعاويَة

  يؤسفني أنّه تعذّرعليّ الحصول على كتابين مُهمّين ذكرهما مصطفى الرّوميّ الحنفيّ في كشف الظّنون وكتاب آخر أُلّفَ حديثاً في الدّفاع عن يزيد قال الرّوميّ [1]: " صنف الشيخ أبو عبد الله محمد بن العبّاس اليزيدي المتوفى سنة ثلاث عشرة وثلثمائة في أخبار يزيد بن مُعاويَة خاصّة وصنّف أبو منصور محمد بن أحمد

الأزهريّ اللغويّ المتوفّى سنة سبعين وثلثمائة في أخباره أيضاً "(اهـ).ولئن فاتتني الفائدة المرجوّة من الكتابين فإنني لم آلُ جُهداً في مُحاولة جمْع ما أمكن جمعُه من الأخبار المتعلّقة بالرّجل المتفرّقة في كتب التاريخ والتّراجم والأدب ؛ولن اتخلّى عن البحث عن الكتابين المذكورين لعلّي أوفق للحصول عليهما في وقت لاحق إن شاء الله تعالى،فإن التّصنيف في أخباررَجُل يَضْمَن بُغيَة الباحث ويُسهّل الدّراسة والتّحقيق للوصول إلى ما يطمئن إليه الضّمير.وقد تعالت في أيّامنا أصواتٌ تُنادي بتبْرئَة ساحَة يزيد من أُمُورعظيمة تواترَأنّهُ أقدمَ عليها راغباً غيرَ مُكْرَه،ولم يكترثْ لعَوَاقبها وامْتدادَاتها في عمق تاريخ المسلمين،وخرج من الدنيا ولم يتُبْ منها.وعليه فإنّ النظرفي شخصيّته وسيرته وعرض ذلك على النّاس لا يعدم مساهمة في إثراء النّقاش النّزيه وقراءة التّاريخ قراءة موضوعيّة مُنصفة.

قال الخطيب البغدادي[2]: كتب إليّ عبد الرحمن بن عثمان الدّمشقيّ يذكر أنّ أبا الميمون البجليّ أخبرهم قال أخبرنا أبو زرعة عبد الرّحمن بن عمرو النّصريّ

حدّثني عبد الرّحمن بن إبراهيم عن عبد الرّحمن بن بشير عن محمّد بن إسحاق قال وُلد يزيدُ بنُ مُعاويَة وعبدُ الملك بنُ مَرْوان سنة ستّ وعشرين(اهـ).

إذاً،فقد وُلد يزيد بن مُعاويَة في الإسْلام، لكنّ أمّه كانت نصرانيّةً من بني كلب،وهي ميسون بنت بجدل الكلبية،وظاهرُالأَمْرأنّها هي التي يَستشهدُ النُّحاةُ ببيْت لها تقُول فيه :

ولُبسُ عَباءَة وتَقرَّ عيني ***  أحبُّ إليَّ من لُبْس الشّفُوف

ومعلوم أنّ الأمّ النّصرانيّة ـ وإنْ أسلمَتْ ـ تعجزُ عن منْح الطّفل تربيةً إسلاميّةً صحيحةً ،وقد أثْبَتت التّجرية أنّ رواسبَ المُعتقدات السّابقة لا تزول إلاّ بعْد زمن طويل،هذا إذا كان المعنيّ مهتمّا بمُعتقداته الجديدة مُداوماً على التعلّم والاهتمام.وأمّا إن لمْ يكنْ كذلك فإنّ انتماءَه الجديد لا يكون إلاّ شكليّاً قابلاً للزّوال،ولا يؤثّر في سلوكه وتصرّفاته.

وقد ذكرَ الذّهبيّ في سيَرأعلام النّبلاء قصّةً فيها كلامٌ جرى بين أبي ذرّ و يزيد بن أبي سفيان ـ عمّ يزيد بن معاوية ـ فقال أبو ذرّ ليزيد :لئنْ فعلتَ ذلك لقد سمعتُ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول أوّلُ مَن يُبدّل سُنّتي رجلٌ من بني أُميّة يُقالُ له يَزيد .[3]

وقال محمّد بن سعد في الطبقات[4]: أخبرنا محمّد بن عُمرقَالَ حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزوميّ عن أبيه قال

أخبرنا ابن أبي ذئب عن صالح بن أبي حسّان قال حدّثنا سعيد بن محمّد عن عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم عن عمّه عبد الله بن زيد وعن غيرهم أيضاً كلّ قد حدّثني قالوا لمّا وثب أهلُ المدينة ليالي الحرّة فأخرجوا بني أُميّة عن المدينة وأظهروا عيْب يزيد بن مُعاويَة وخلافَه أجمَعُوا على عبد الله بن حنظلة فأسنَدوا أمرهم إليه فبايَعَهم على الموْت وقال يا قوْم اتّقوا الله وحدَه لا شريك له فوالله ما خرجْنا على يزيد حتى خفْنَا أن نُرمى بالحجارة من السّماء ! إنّ رجلاً ينكحُ الأمّهات والبنات والأخوات ويشربُ الخمْر ويَدَع الصّلاة والله لوْ لمْ يكنْ مَعي أحدٌ من النّاس لأبْليْتُ لله فيه بلاءً حسناً.فتواثب النّاسُ يومئذ يُبايعون من كلّ النّواحي وما كان لعبْد الله بن حنْظلة تلك اللّيالي مَبيتٌ إلاّ المسجد وما كان يزيد على شرْبة من سُوَيْق يُفطر عليها إلى مثْلها من الغد يُؤتَى بها في المسجد يصومُ الدّهر وَمَا رُئيَ رافعاً رأسَه إلى السّماء(اهـ).

وقال الخلاّل[5] :قُرئَ على عبد الله بن أحمد وأنا أسمع قال حدّثني أبي قال حدّثنا أبو بكر بن عيّاش قال لم يبايع ابنُ الزّبير ولا حُسين ولا ابنُ عُمر ليزيد بن

مُعاويَة في حياة مُعاويَة فتركهم مُعاويَة.رواته أنّه مُرسَل.وقال أخبرني محمّد بن عليّ قال حدّثنا مهنى قال سألت أحمد عن يزيد بن مُعاويَة بن أبي سُفْيان قال هو فَعَل بالمدينة ما فَعَل قلتُ وما فَعَل قال قَتل بالمدينة من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وفَعَل قلتُ وما فَعَل قال نهبَها قلتُ فيُذكرُعنْهُ الحديثُ قال لا يُذكرعنْه الحديث ولا ينْبغي لأحد أن يكتبَ عنه حديثاً قلتُ ومن كان معه بالمدينة حين فَعَل ما فَعَل قال أهلُ الشّام قلت له وأهلُ مصر؟ قال لا إنّما كان أهل مصرمَعَهُم في أمْرعُثمان رَحمَه الله؛إسناده صحيح .قال الخلاّل:أخبرَني أحمدُ بن محمّد بن مطر وزكريّا بن يحْيى أنّ أبا طالب حدّثهم قال سألت أبا عبدالله من قال لَعَن الله يزيد بن مُعاويَة قال لا أتكلّم في هذا قلتُ ما تقول فإنّ الذي تكلّم به رجل لا بأس به وأنا صائر إلى قولك فقال أبو عبد الله قال النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم لعنُ المؤمن كقتْله وقال خير النّاس قَرْني ثُم الذين يلُونهم وقد صار يزيدُ فيهم وقال من لعنْتُه أو سببْتُه فاجعلْها له رحمةً فأرى الإمساكَ أحبّ لي ؛إسناده صحيح(اهـ).

وقد ذهبَ من جاء بعدَهم إلى أبعدَ من ذلك فلم يكْتفُوا بالإمْساك عن ذكْر يزيد بل ألّفوا في الدّفاع عنه،ونهوا عن تنقّصه:قال الذّهبيّ في سيرأعلام النبلاء [6]:

حكى ابنُ تيمية شيخُنا قال:قيل:إنّ الخليفةَ النّاصرلمّا بلغَهُ نهْي عبد المغيث عن سبّ يزيد،تنكّروقَصدَهُ،وسأله عن ذلك،فتَبَالَهَ [7]عنْه،وقال:يا هذا إنّما قصدت كفّ

الألسنة عن لعْن الخُلفاء،وإلاّ فلوفَتحْنَا هذا لكان خليفةُ الوقْت أحقّ باللّعن،لأنّه يفعل كذا،ويفعل كذا،وجعل يعدّد خطاياه،قال:يا شيخ ادْع لي وقام(اهـ).

والذي يبدو لي في هذه المسألة،هو أنّ الذين يدافعون عن يزيد بن معاوية ويتحاشون ذكره لا يُقيمُون لسيّد شباب أهل الجنّة حُرمة،ولا يبالُون بما يُؤذي النّبيّ صلى الله عليه وآله ويجرح شعوره؛ولو كان في قُلوبهم شيء من الصّدق في حبّه وطاعته صلى الله عليه وآله لاعتبروا بقوله لعليّ وفاطمة والحسنين:" سلْمُكُمْ سلْمي وَحَرْبُكُمْ حَرْبي " ،إذ كيف يسوغ الدّفاعُ عمّن هو حربٌ لرسول الله صلى الله عليه وآله ؟! غيرأنّ كثيرا من النّاس تستهويهم الأسماء البرّاقة والألقاب الرّنّانة،فيتعاملُون مع القائل كأنّما نزل عليه جبريل،وينسون المودّة في القربى،ويفتحون على أنفسهم أبواباً لايستطيعون سدّها فيمابعد،وينتهي بهم المآل إلى جمع المتناقضات والمتضاربات،ويبقون في ريبهم يتردّدون.وقد كنتُ فيما سبق أحاول أن أجد للمدافعين عن يزيد بن معاوية عذراً من باب أن يكونوا مجتهدين أو طالبي وفاق ووئام،فلم يسعْني ذلك بعدَ التّحقيق والتّثبّت،ولم يطُاوعني عليه ضميري،وإنّما استقرّ فيما بيني وبين الله تعالى أنّ يزيد كأبيه مات على غيرملّة النبيّ صلى الله عليه وآله ،لا أشكّ في ذلك طرفة عين،وأنّ الدفاع عنه بمنزلة التهجّم على رسول الله صلى الله عليه وآله.وتحقَق لديّ أنّ الذين يدافعون عنه إنّما يفعلون ذلك ليغيظوا شيعة أهل البيت عليهم السلام،وإلاّ فمن منهم يحبّ أن يكون يزيد أباه أو جدّه؟!وحينما يكون الدافع إلى العمل والحافزعليه مجرّد غيظ الآخرين،تصبح المسألة قضية أمراض نفسية وسلوكات وسواسية،ولا علاقة للباحث بذلك،لأنه لا يزيد عن تضييع الوقت في ما لا طائل تحته؛ولله درّ المتنبي حيث يقول:

  ومن البليّة عذل من لا يرعوي ** عن غيّه وخطاب من لا يفهم    

          أخبار يزيد بن معاوية

   جاء في في معجم ما استعجم ما يلي[8]: قال الزّبير كان مُعاويَة وجّه يزيد ابنه لغزْو الرّوم فأقام يزيد بديرسَمْعان وَوَجّهَ الجيوش وتلك غزْوة الطوانة فأصابهم

الوباء فقال يزيد بن مُعاويَة :

 أهون عليّ بما لاقت جُمُوعُهُمُ    يومَ الطّوانَة من حُمّى ومنْ موم

 إذا اتكّأتُ على الأنْمَاط مُرتَفقاً    بديْر سمْعانَ عنْدي أمّ كُلثُوم

قال فبلغ شعرُهُ مُعاويةَ فكتب إليه أقسمُ بالله لتلحقنّ بهم حتى يصيبَك ما أصابهم فألحَقَه بهم .

والقصّة رواها ابنُ خَلْدُون باللّفظ التّالي:( ثمّ ) بعث مُعاويَة سنة خمسين جيشاً كثيفاً إلى بلاد الرّوم مع سُفْيان بن عوف وندب يزيد ابنَه معَهم فتثاقلَ فتركَه ثمّ بلغ النّاس أنّ الغزاة أصابهم جوع ومرض وبلغ مُعاويَة أن يزيد أنشد في ذلك :

ما إن أبالى بما لاقتْ جُموعُهمُ * * بفد بيداء من حُمّى ومن شُوم

 إذا اتكأت على الانماط مرتفقا * *  بدير مران عندي أم كلثوم

وهى امرأتُه بنتُ عبد الله بن عامر،فحلف ليلحقنّ بهم فسارفي جمع كثير جمعهم إليه معاوية فيهم ابن عبّاس وابن عامر وابن الزّبير وأبو أيّوب الأنصاريّ فأوغلوا في بلاد الرّوم وبلغوا القسطنطينيّة وقاتلوا الرّوم عليها فاستُشهد أبو أيّوب الأنصاريّ ودُفن قريبا من سُورها ورجع يزيد والعساكر إلى الشّام ثمّ شتى فضالة بن عبيد بأرض الرّوم سنة إحدى وخمسين وغزا بسرُ بن أرطاة الصّائفة (اهـ).

 لكنّ الطّبرانيّ لا يوافق ابن خَلْدُون في العبارة،والفرقُ بين العبارتين ليس طفيفا،بل يكشفُ عن تعمّد ابن خَلْدُون للكذب دفاعاً عن بني أُميّة.قال ياقوت الحمويّ في معجم البلدان[9]:قال الطّبرانيّ حدّثنا أبو زرعة الدّمشقيّ قال سمعت أبا مسهر يقول كان يزيد بن مُعاويَة بديرمران[10] فأصاب المسلمين سباء وقتل بأرض

الرّوم فقال يزيد:

 وما أبالي بما لاقت جموعهم  بالغذقدونة من حُمّى ومن موم

 إذا اتكأت على الأنماط مرتفقا  بدير مران عندي أم كلثوم

وأمّ كلثوم هي بنت عبد الله بن عامر بن كريز زوجته فبلغ مُعاويَةَ ذلك فقال لا جَرَمَ ليَلحقنَّ بهم ويصيبه ما أصابهم وإلاّ خلعتُه فتهيّأ للرّحيل وكتب إليه

تجنى لا تزال تعدّ ذنباً       لتقطع حبل وصْلك من حبَالي

فيوشك أن يريحك من بلائي    نزولي في المَهالك وارْتحالي

فابن خَلْدُون يقول " بلغ النّاس أنّ الغزاة أصابهم جوع ومرض " والطّبرانيّ يقول:" فأصاب المسلمين سباء وقتْل " وأين الجوع من السّباء والقتل ؟!ومعلوم أنّ مَن لمْ يهتمّ بشؤون المسلمين فليس منهم،ويزيد بن مُعاويَة يصرّح أنّه لا يبالي بما أصابهم طالما سلمت له أمّ كلثوم والعيش الرّغيد.وابن خَلْدُون أمويّ الهوى لا يتقبّل مثل هذا الكلام الذي يكشف عن سوء باطن يزيد ويؤكّد انحرافه،لذلك جنح إلى الحديث عن الجوع والمرض،وليست هذه أولى سقطات ابن خَلْدُون ولا آخرها.

وفي الطبقات الكبرى[11]:موسى بن يعقوب عن عمّه قالوا لمّا دخل مسلم بن عقبة المدينة وأنهبها وقتل من قتل دعا النّاس إلى البيعة فكانت بنوأُميّة أوّل من

بايعه ثمّ دعا بني أسد بن عبد العزّى وكان عليهم حَنقاً إلى قصْره فقال تبايعون لعبد الله يزيد أميرالمؤمنين ولمَن استخْلفَ بعدَه على أنّ أموالكم وأنفسَكم خَوَلٌ له يقضي فيها ما شاء [!] وقال بعضهم قال ليزيد بن عبد الله خاصة بايع على أنّك عبدُ العصا فقال يزيد أيّها الأميرإنّمانحن نَفَرٌمن المسلمين لنا ما للمسلمين وعلينا ما عليهم أبايع لابن عمّي وخليفتي وإمامي على ما يبايع عليه المسلمون فقال الحمد لله الذي سقاني دمك والله لا أقيلُكَها أبداً لعمْري إنّك لطعّان وأصحابك على خلفائك فقدّمه فضرب عنقه(اهـ).

وفي تاريخ خليفة بن خياط ص 183 :

قال أبو الحسن:وقال عوانة:أُتيَ مسلم بيزيد بن عبد الله بن زمعة فقال:بايع فقال:أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه فأمر بقتله!

وهكذا يكون في دولة المسلمين التي يرأسها يزيد بن معاوية أنّ من يبايع على كتاب الله وسُنّة نبيّه يستحقّ القتل؛وعليه يكون عبدُ الرّحمن بن عوف وعثمان بن عفّان مستحقّين للقتل،لأنّ عبد الرحمن اشترط على عثمان العمل بكتاب الله و سنّة رسوله.

قال ابن قيّم الجوزية في شرح قصيدته ج2ص4:وكانت وقعة الحرّة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجّة سنة ثلاث وستّين ويقال لها حرّة زهرة وكانت الوقعة بموضع يعرف بواقم على ميل من مسجد النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فقُتلَ بها بقايا المُهاجرين والأنْصاروخيَار التّابعين وهم ألْف وسبعمائة وقُتلَ منْ أخْلاط النّاس عشرة آلاف سوى النّساء والصّبيان،وقُتل بها من حَمَلة القرآن سبعمائة رجل[12]من قُريْش سبعة وتسعون قُتلُوا جهراً ظُلماً في الحرْب وصبراً كذا ذكرالقُرْطبيّ

 رحمه الله في التذكرة.وفي كتاب آكام المرجان في أحكام الجان للشيخ بدرالدّين محمّد بن عبد الله الشبليّ الصفديّ الحنفيّ قال كانت وقعة الحرّة لثلاث ليال بقين من ذي الحجّة سنة ثلاث وستّين على باب طيبة واستشهد فيها خلق كثيروَجَمَاعةٌ من الصّحابة قال خليفة فجميع مَنْ أصيبَ من قُريْش والأنْصارثلاثمائة وستّون وروي أن النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وقف على الحرّة وقال ليقتلَنَّ بهذا المكان رجالٌ هم خيارأمّتي بعد أصحابي وكان سَبَبها أنّ أهل المدينة خَلَعُوا يزيد بن مُعاويَة وأخرجوا مَرْوان بن الحكم وبني أُميّة وأمّروا عليهم حنظلة بن عبد الله الغسيل ولم يوافق أهلَ المدينة أحدٌ من أكابر أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم الذين كانوا فيهم فجهّزاليهم يزيد بن مُعاويَة مسلم بن عقبة فأوقع بهم قال السّهيليّ وقُتل في ذلك اليوم من وُجوه المهاجرين والأنصار ألف وسبعمائة وقتل من أخلاط النّاس عشرة آلاف قال شيخنا الحافظ ابو عبد الله الذّهبيّ هذا خسف ومجازفة والحرّة التي تعرف بها هذا اليوم يقال لها حرّة زهرة وعرفت حرّة زهرة بقرية كانت لبني زهرة قوم من اليهود قال الزّبير في فضائل المدينة كانت قرية كبيرة في الزّمن القديم وكان فيها ثلثمائة صائغ وكان يزيد قد أعذر الى أهل المدينة وبذل لهم من العطاء أضعاف اضعاف ما يعطي النّاس واجتهد في استمالتهم الى الطّاعة والتّحْذيرمن الخلاف ولكن أبى الله إلاّ ما أراد والله يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون (انتهى) .

 وهذا الكلام لا يخلومن مُغالطة في التّعْليق،فإنّه يقول:"ولكن أبى الله إلاّ ما أراد "،وهذا غيرُصحيح فإنّه سبحانه وتعالى نهى عن الظُّلم وأخبرعلى لسان نبيه صلى الله عليه وآله أنّ المدينة حَرَمٌ ما بين عائر وثور[13]والفعل الذي فعله جيش يزيد لا مبرّرَ لهُ لا في الإسْلام ولا في غيرالإسْلام،فإن استباحة أعراض بنات الصّحابة لا

يقرّه من في قلبه مثقال حبة خردل من إنسانية فضلاً عن الإيمان؛ولا أدري لماذا يخنس المدافعون عن عدالة الصحابة حيال هذه لواقعة ولا ينبسون ببنت شفة! لأنّهم إن كانوا يحبّون الصحابة فعلاً،ويعظّمون حُرمَتَهم فعليْهم أن يغاروا على أعراضهم وأن يتألّمُوا ـ على الأقل ـ لما جرى لبنات الصحابة من هتْك على يد جُنْد الشّام. ولكن، يبدو أنّ عدالة الصحابة لا تمثّل إلاّ وَرَقَةَ " فيتو" تُستَعْمَلُ ضدّ مدرسة أهل البيْت عليهم السلام ظلماً وعلوّاً،وماعَدَاهُ فلاوُجُودَ لعدالة جميع الصّحابة لا في القلوب ولا في العقول ولا في الوجدان،وسبحان ربك رب العزة عمّا يصفون.

وقد كانت تحدُث بين مُعاويَة وذَويه مُناوشات وخُصومات تُفضي إلى أنْ تبدُرَ من بعْضهم كلماتٌ تكشفُ عمّا أخفته الضّمائر،وعن مواقف بعضهم من بعض بحسب الواقع لا الظاهر.جاء في تاريخ مدينة دمشق ما يلي[14]:طلب سعيد بن عثمان بن عفان من مُعاويَة أن يستعمله على خراسان فقال له: " إنّ بهاعُبيدَ الله بن

زياد.فقال:أماوالله لقد اصطنعك أبي ورقّاك حتّى بلغتَ باصطناعه المَدى الذي لا تُجارى إليه ولا تُسامى،فلا شَكرتَ بلاءَه ولا جزيتَه بآلائه،وقدّمتَ هذا - يعني يزيد - وبايعتَ لهُ،فوالله لأنا خيرٌ منْه أباً وأُمّاً ونفْساً.فقال له مُعاويَة:أمّا بلاءُ أبيك فقد يحقُّ عليّ الجزاءُ به،وقد كانَ من شُكري لذلك أنّي طلبتُ بدَمِه حتى تكشّفت الأمورُ ولستَ باللاّئم لي في التّشمير،وأما فضلُ أبيك على أبيه،فأبوك والله خيرٌ منّي وأقربُ من النّبيّ وأما فضلُ أمّكَ على أمّه فممّا لا يُنكَرُ:امرأةٌ من قُريْش خيرٌمن امرأة من كلب،وأمّا فضلك عليْه،فوالله ماأُحبُّ أنّ الغُوطة دحستْ لي رجالاً مثلَك.فقال له يزيد:ياأميرَالمؤمنين ابنُ عمّك وأنتَ أحقُّ مَن نظرَ في أمْره،وقد عتب عليك فيَّ ،فأَعْتبْه،قال فولاّهُ حربَ خُراسان.... "(اهـ).

فهذا مُعاويَة يصرّحُ أن الغوطة تدحس رجالاً مثل سعيد بن عثمان بن عفّان لا تُساوي يزيد المستخفّ بالحُرُمات،وما على الباحث إلا أن ينظر في علم الرجال ليطّلع على أقوالهم في سعيد بن عثمان و أقوالهم في يزيد بن مُعاويَة!

 وفي كتاب خزانة الأدب ج1ص325 ذكرٌ لبعْض ما وصل إليه النّواصب في تقاليدهم الخاصة بيوم عاشوراء،وللقصيدة قصّة بين صاحبها ابن منير الطّرابلسيّ والشّريف الموسويّ نقيب الأشراف ببغداد،وما وردَ فيها يستشهد به الأدباء في باب الهزل الذي يُرادُ به الجدّ ،قال ابن منير :

وأقولُ إنّ يزيدَ ما شربَ الخُمورَ ولا فَجَر

 ولجَيْشه بالكفّ عنْ أبْناء فاطمَة أَمَر

 وَحَلَقْتُ في عَشْر المُحَرَّم مَا اسْتطالَ منَ الشَّعَر

 ونَوَيتُ صوْمَ نَهَاره وَصيامَ أيّام أُخَر

 ولَبستُ فيه أجلَّ ثَوْبٍ للمَلابس يُدَّخَر

 ومضمون الأبيات السّابقة موجود في كلام ابن قيّم الجوزيّة في الصواعق المرسلة ج1ص1349،إذ يقول: " ليست السّنّة بحُبّ مُعاويَة ويزيد ولا أنزل حبّ أبي بكر وعمر ولا بإزعاج أعضائك بالصلاة على السّفر ولا بالاكتحال يوم عاشوراء والتّوسعة على العيال.السّنّة تتبّع طريق الرسول واقتفاء آثاره والوقوف عند مراسمه وحدوده من غيرتقصيرولا غُلُوّ وأن لا يتقدم بين يديه"(اهـ).قلتُ:لو لم تكن هذه الشعائرمعمولا بها في زمانه لما ذَكَرها!

وقال البلاذري في الأنساب[15]: قال هشام:وكان موسى شهوات منقطعا إلى [عبد الله] بن جعفرأيضا،وإنّما سُمِّيَ شهوات لأنّه قال في يزيد بن مُعاوية شعراً

 له : يا مُضيع الصّلاة للشّهوات...

  وليَزيد مواقفُه من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وآله ،ومنْ حقّه أن يُصدرَأحْكاماً في حقّهم فيمدح ويذمّ؛فمن ذلك ما ذكره الذّهبيّ في تذكرته[16]:قال ابن أبي مليكة

سمعت يزيد بن مُعاويَة يقول إنّ أبا الدّرداء من الفُقَهاء العُلَماء الذين يشفون من الداء(اهـ).وفي الأغاني للأصفهاني ج1ص259: قال فنظروا فإذا هو ابن سريج يتغنى(صوت ):أمنْ رَسْم دَارٍ بوَادي غدَرْ لِجَاريَةٍ منْ جَوَاري مُضَرْ* خدلّجَة السّاق ممْكُورَة *سلُوس الوشَاح كمثْل القَمَر* تزينُ النّساءَ إذا ما بَدَتْ *ويبْهَتُ في وَجْههَا مَنْ نَظَر.الشعر ليزيد بن مُعاويَة والغناء لابن سريج.وفي البيان والتبيين[17]:وقالوا الدّليل على أنّ مَن سقطَ جميعُ أسنانه أنّ عظمَ اللّسان نافعٌ لَهُ قولُ كعْب بْن

 جعيل ليزيد بن مُعاويَة حين أمَرَهُ بهجاء الأنْصارفقال أرادّي أنت إلى الكُفر بعد الإيمان لا أهجو قوما نصرُوا النّبيّ وآووْهُ ولكنّي سأدلّك على غلام في الحيّ كَافِركان لسانه لسان ثور يعني الأخطل.

في البيان و التبيين ج1ص79 :وتكلم يوما عند  مُعاويَة الخطباء فأحسنوا فقال والله لأرمينهم بالخطيب الأشدق قم يا يزيد فتكلم .

وفي المستطرف ج2ص25 :ونهى أعرابي ابنه عن شرب النّبيّذ فلم ينته وقال أمن شربة من ماء كرم شربتها غضبت علي الآن طابت لي الخمر  سأشرب فاسخط لارضيت كلاهما حبيب إلى قلبي عقوقك والسكر. وقيل قال ذلك يزيد بن مُعاويَة لأبيه حين نهاه عن شرب الخمر(اهـ).وقصة نهي مُعاويَة ابنه يزيد عن شرب الخمرمعلومة لدى المؤرخين وقد حاول ابن خَلْدُون أن يجعل من ذلك فضيلة لمُعاويَة.ومعلوم أيضاً أنّ عُمر بن الخطّاب جلد ابنَه عبد الرّحمن المعروف بأبي شحمة حدّاً ثانياً في شُرب الخمْركان سبب وفاته.

وفي كتاب السير الكبير للشيبانى ج 1 ص 158 عن مُجاهد قال:قلت لابن عمر رضي الله عنهما:ما تقول في الغزو،فقد صنع الأمراء ما قد رأيت.قال: أرى أن تغزوَ،فإنه ليس عليك مما أحدثوا شيء.يعني ما أحدثوا ممّا تكرهه . وقد روي أنّه لمّا ولي يزيد بن مُعاويَة قال ابن عمر:إن يكن خيرا شكرنا وإن يكن بلاء صبرنا،ثم قرأ قوله تعالى [ من سورة النور ] { فإنّما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم } (اهـ).

أقول: هذا الذي يؤلم قلب النبيّ صلى الله عليه وآله ويُؤْذن بمَحْو سنّته.أليس هو القائل:"...فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان؟! " وفي رواية " وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان "؟!

هل يرجو الشّيبانيّ أن يحتجّ الله تعالى على الخلق بعبد الله بن عمر الذي استنكف أن يبايع عليّ بن أبي طالب عليه السلام ثمّ سارع فيمابعد إلى مبايعة الحجّاج بن يوسف؟ولقد كان في وسع ابن عمرأنْ يقول مثل هذا غداة بيعة عليّ بن أبي طالب عليه السلام عوَض أن يخذّل عنه ويثبّط والله سائلُه عن ذلك.

ماالذي استفادته الأمّة من مواقف عبد الله بن عُمَرالمُخْزيَة؟! وهل يستفيد من مواقفه غير أئمة الجَوْروالفساد؟! على أنّ عبد الله بن عُمَر ذكر في أكثرمن مناسبة أنّه ندمَ على عدم محاربة الفئة الباغية،وله بعد ذلك موقف يوم القيامة يجيب فيه على خذلانه آل النّبيّ صلى الله عليه وآله والتحاقه بأعدائه،ولن يكون المدافعون عنه اليوم قادرين على الدفاع عنه يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها.وخسرهُنالك المبطلون.

  إنّ رفض الظلم لا يشترط فيه الإسْلام،وهذه أحداث العالم في أيامنا شاهدة على ذلك، فإنّ الإنسان مجبول على حب ممارسة حريته.والذين يتعدون على حريةالآخرين ويحرمونهم من الاستفادة من نعمة الحياة التي وهبهم الله تعالى إنما يجنون على أنفسهم قبل أن يجنوا على غيرهم،لأنّهم في الحقيقة  ينسلخون من إنسانيتهم بذلك المعنى الذي تتجلى فيه القيم،ولا يبقى لهم إلا الشّكل.ولقد ثبت في تاريخنا المعاصرانحداركثيرمن المجتمعات الخاضعة لقُوىً متجبّرة إلى مستويات فظيعة من الانحلال والفوضى،وهي الأمورالتي جاء الإسْلام لمحاربتها كيما يعيد الإنسان إلى منزلته،منزلة التكريم[18].  

 ومع كل ما سبق، لا يتجرّأ ابن قيّم الجوزية أن يشهد شهادة حقّ دفاعاً عن سبط النبيّ صلى الله عليه وآله وإنّما يضمّ صوتَه إلى أصوات المدافعين عن الباطل.وهذه كلماته شاهدة عليه فإنّه يقول[19]:خير هذه الأمة القرن الأول وهم الصحابة رضي الله عنهم وخيرهم العشرة الذين شهد لهم النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بالجنّة وخيرهؤلاء العشرة

أبو بكروعُمر وعُثمان وعليّ رضي الله تعالى عنهم ونعتقد حب آل محمّد صلّى اللّه عليْه وسلّم وأزواجه وسائرأصحابه رضوان الله عليهم ونذكرُمَحَاسنهم وننشرفَضَائلهم ونُمسكُ ألسنتنا وقلوبنا عن التطلّع فيما شجر بينهم[20]ونستغفراللهَ لهم ونتوسّل إلى الله تعالى باتباعهم ونرى الجهاد والجماعة ماضيا إلى يوم القيامة والسمع والطاعة لولاة الأمْرمِن

المسلمين واجباً في طاعة الله تعالى دون معصيته لا يجوز الخروج عليهم ولا المفارقة لهم ولا نكفّر أحداً من المسلمين بذنب عمله ولو كبُرولا ندع الصلاة عليهم بل نحكم فيهم بحكم النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم ونترحّم على مُعاويَة[!]ونَكلُ سريرة يزيد إلى الله تعالى(اهـ).

هذا هو اعتقاد ابن قيم الجوزية!! أن يكل سريرة يزيد إلى الله تعالى،ويضرب بأحكام الشّرع عرض الحائط لأن الهالة القدسيّة التي تحيط بكرسيّ الخلافة ذات حصانة دبلوماسية غيرقابلة للنّقض،فلا ينبغي أن تتأثربشيء،والخليفة لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون.يقول الله سبحانه وتعالى " قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ومَن يقْترفْ حسنةً نزدْ له فيها....." ويؤذي يزيدُ القربى ويقطع الرّحم ويعرّض بنات النّبيّ صلى الله عليه وآله للسّبْي ومع ذلك يَكلُ سريرتَه إلى الله تعالى!

يقول الله جلّ شأنُه يخصوص المسجد الحرام نقطة البداية ومحطّة الانطلاق في الإسراء والمعراج: " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " ويضربُ يزيد الكعْبة بالمنجنيق،ويستخفّ بحُرُمات المسلمين،ولا يرى ابن قيّم الجوزيّة إلاّ أن يكل سريرته إلى الله تعلى!

يقول سبحانه وتعالى : " إنّ الذين يؤذون اللهَ ورسولَه لعنَهم الله في الدّنْيا والآخرة " ويسلّط يزيدُ جيشه على المدينة التي هي أحد الحرمين بإجماع المسلمين،ويؤذي النبيّ صلى الله عليه وآله باستباحة الأموال والأعراض و يفْجُرأفرادُ جيْشه ببنات الصّحابة علناً واستخفافاً بالدين،ويقتل من الصحابة والتابعين فيها ومع ذلك لا يجدُ ابنُ قيّم الجوزيّة إلاّ أن يكل سريرته إلى الله!!

لكن حينما يتعلّق الأمرُ بفرْد من أتباع أهل البيت عليهم السّلام لا يرضى أن يتولّى من غضب الله عليه من أعداء النبيّ صلى الله عليه وآله ،ولا يرضى بسَبِّ مَنْ سَبُّه ُمُخرج من الملّة،لا يكل ابن القيم سريرته إلى الله تعالى،بل   يفتح عليه النّارمنْ كلّ الجهات،ويُنزلُ عليه وابلاً من الكلام الكاشف عن حقْد على رسول الله صلى الله عليه وآله ،فإلى الله المشتكى وعند الله تجتمع الخصوم وخسرهُنالك المبطلون.وكم أنتجت العقائدُ المُدَجّنة من الأفكار المُستَهْجَنَة!

وقد صارحُبّ مُعاويَة ويزيد فيمابعد من السّنّة،وهو صريح في كلام ابن قيّم الجوزيّة في الصواعق المرسلة ج1 ص1349 إذ يقول: " يا أصحاب المخالطات والمعاملات عليكم بالورع ويا أصحاب الزوايا والانقطاع عليكم بحسم موادّ الطّمع ويا أرباب العلم والنّظر إيّاكم واستحسان طرائق أهل العلم والخدع ليست السّنّة بحبّ مُعاويَة ويزيد ولا أنزل حبّ أبي بكر وعمرولا بإزعاج أعضائك بالصلاة على السفر ولا بالاكتحال يوم عاشوراء والتوسعة على العيال السنة تتبع طريق الرسول واقتفاء آثاره والوقوف عند مراسمه وحدوده من غير تقصير ولا غلو وأن لا يتقدم بين يديه ولا تختار لنفسك قولا لم يتبين لك أنه جاء به فالسنة مقابلة أوامره بالامتثال ونواهيه بالانكفاف وأخباره بالتصديق ومجانبة الشبه والآراء وكل ما خالف النقل وإن كانت له حلاوة في السمع وقبول في القلب ...... " (انتهى)  

وفي كتاب " صفة المنافق " ص66:حدّثنا عثمان بن أبي شيبة حدّثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن أبي الشعثاء قال دخل نَفَرٌ على عبد الله بن عمر من أهل العراق فوقعوا في يزيد بن مُعاويَة فتناولُوه فقال لهم عبد الله هذا قولكم لهم عندي أتقولون هذا في وجوههم قالوا لا بل نمدحهم ونثني عليهم فقال ابن عمر هذا النفاق عندنا(اهـ).

وشاهدُنامن هذا أنّ ذمّ يَزيد كان شائعاً مُتداوَلاً حتى في مجلس ابن عمر،وفي هذا ردّ على من ما يدّعيه ابنُ العربيّ في عواصمه وابن خَلْدُون في مقدمته وإن كانت حال يزيد بن مُعاويَة لا تحتاج إلى بيان عند من كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد.

وقد شهد على يزيد بن مُعاويَة ابنه مُعاويَة بن يزيد بن مُعاويَة أوّلَ ما بُويعَ فقال كما في حياة الحيوان الكبرى للدّميري:ولقد كان أبـي يزيد بسوء فعله وإسرافه علـى نفسه غير خـلـيق بالـخلافة علـى أمّة مـحمد فركب هواه واستـحسن خطاه وأقدم علـى ما أقدم من جراءته علـى الله وبغيه علـى من استـحل حُرمته من أولاد رسول الله فقلّت مدّته وانقطع أثره وضاجع عمله وصار حلـيف حفرته رهين خطيئته وبقـيت أوزاره وتبعاته وحصل علـى ما قدم وندم حيث لا ينفعه النّدم وشَغَلَنَا الـحُزنُ له عن الـحُزن علـيه فلـيت شعري ماذا قال وماذا قـيل له هل عوقب بإساته وجوزي بعمله، وذلك ظنّـي ...(اهـ).

وشهد عليه عُمربن عبد العزيزبفعله،قال الذهبي في سيرأعلام النبلاء[21]: وروى محمد بن أبي السري العسقلاني،حدثنا يحيى بن عبدالملك ابن أبي غنية،عن

نوفل بن أبي الفرات ، قال:كنت عند عمربن عبد العزيز فقال رجل:قال أميرالمؤمنين يزيد،فأمرَ به فضرب عشرين سوطا.توفي يزيد في نصف ربيع الأوّل سنة أربع وستين .

 وشهد عليه عبد الله بن حنظلة الغسيل.قال ابن حجر[22]:وقال خليفة بن خياط حدّثنا وهب بن جريرحدّثنا جويرية بن أسماء سمعت أشياخنا من أهل المدينة

أن ممّن وفد إلى يزيد بن مُعاويَة عبد الله بن حنظلة معه ثمانية بنين له فأعطاه مائة ألف وأعطى بنيه كل واحد عشرة آلاف فلما قدم المدينة أتاه الناس فقالوا ما وراءك قال أتيتكم من عند رجل والله لولم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته بهم قال فخرج أهل المدينة بجموع كثيرة(اهـ).

وقال ابن سعد في الطبقات [23]: لما وثب أهل المدينة ليالي الحرة فأخرجوا بني أمية عن المدينة وأظهروا عيب يزيد بن معاوية وخلافه أجمعوا على عبد الله

بن حنظلة فأسندوا أمرهم إليه فبايعهم على الموت وقال يا قوم اتقوا الله وحده لا شريك له فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء إن رجلا ينكح الامهات والبنات والاخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة والله لو لم يكن معي أحد من الناس لابليت لله فيه بلاء حسنا فتواثب الناس يومئذ يبايعون من كل النواحي وما كان لعبد الله بن حنظلة تلك الليالي مبيت إلا المسجد وما كان يزيد على شربة من سويق يفطر عليها إلى مثلها من الغد يؤتى بها في المسجد يصوم الدهروما رُئيَ رافعاً رأسه إلى السماء إخباتا.

وشهد عليه الصّحابيّ معقل بن سنان ودفع ثمن ذلك حياته في وقعة الحَرّة قال ابن سعد في ترجمته [24]: كان معقل بن سنان قد صحب النّبيّ صلى الله عليه وسلم

وحمل لواء قومه يوم الفتح ،وكان شابّاً ظريفا وبقي بعد ذلك فبعثه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان على المدينة ببيعة يزيد بن معاوية، فقدم الشّام في وفد من أهل المدينة فاجتمع معقل بن سنان ومسلم بن عقبة الذي يعرف بمسرف قال فقال معقل بن سنان لمسرف وقد كان آنَسَه وحادَثَه إلى أن ذكر معقلُ بنُ سنان يزيدَ بنَ معاويةَ بن أبي سفيان فقال إنّي خرجت كرْهاً لبيْعة هذا الرّجل وقد كان من القضاء والقدر خروجي إليه ،رجل يشرب الخمْر وينكح الحُرم ثمّ نال منه فلم يترك ثمّ قال لمسرف أحببت أن أضع ذلك عندك فقال مسرف أمّا أن أذكر ذلك لأمير المؤمنين يومي هذا فلا والله لا أفعل ولكن لله عليّ عهْد وميثاق ألاّ تمكنني يداي منك ولي عليك مقدرة إلاّ ضربت الذي فيه عيناك فلمّا قدم مسرف المدينة أوقع بهم أيّام الحرّة وكان معقل يومئذ صاحبَ المهاجرين فأُتي به مسرف مأسوراً فقال له يا معقل بن سنان أعطشتَ قال نعم أصلح الله الأمير فقال خوضوا له شربةً بلَوْز فخاضوا له فشربَ فقال له أشربت ورويتَ قال نعم قال أما والله لا تسْتهْني بها يا مفرج قُمْ فاضربْ عنقَه قال ثمّ قال اجلس ثمّ قال لنوفل بن مساحق قُمْ فاضرب عنقه قال فقام إليه فضرب عنقَه ثمَ قال والله ما كنت لأدَعَكَ بعد كلام سمعته منك تطعن فيه على إمامك .

وقال الدميري في حياة الحيوان في باب " الفهد " :وكبار الفهود أقبل للتأديب من صغارها،وأوّل من اصطاد به كلـيب بن وائل وأول من حمله علـى الـخيل يزيد بن مُعاويَة بن أبـي سُفْيان، وأكثر من اشتهر باللّعب بها أبو مسلـم الـخراسانـي.

 وقال أيضاً : وفـي هذه السنة أي سنة ستّـين دعا عبد الله بن الزبـير رضي الله تعالـى عنهما إلـى نفسه بالـخلافة بمكّة، وعاب يزيد بشرب الـخمر واللّعب بالكلاب والتّهاون بالدين وأظهر ثلبه وتنقصه، فبايعه أهل تهامة والـحجاز، فلـمّا بلغ يزيد ذلك ندب له الـحصين بن نمير السكونـي وروح بن زنباع الـجذامي، وضم إلـى كل واحد جيشاً واستعمل علـى الـجميع مسلـم بن عقبة الـمري وجعله أمير الأمراء...اهـ

وشهد عليه ابن الزبير بشرب الخمر وترك الصلاة كما في تاريخ خليفة [25]:

حدثنا أبوالحسن عن بقية بن عبد الرحمن عن أبيه قال:لما بلغ يزيد بن معاوية أن أهل مكة أرادوا ابن الزبيرعلى البيعة فأبى،أرسل النعمان بن بشيرالأنصاري وهمام بن قبيصة النميري إلى ابن الزبير يدعوانه إلى البيعة ليزيد،على أن يجعل له ولاية الحجازوما شاء وما أحبّ لأهل بيته من الولاية،فقدما على ابن الزبير،فعرضا عليه ما أمرهما به يزيد،فقال ابن الزبير أتأمراني ببيعة رجل يشرب الخمرويَدَع الصّلاة ويتّبع الصيد ؟فقال همام بن قبيصة:أنت أولى بما قلت منه،فلطمه رجل من قريش،فرجعا إلى يزيد فغضب وحلف لا يقبل بيعته إلا وفي يده جامعة .

ومن الذين يشهدون على يزيد بالانحراف عن الدين الحافط أبو القاسم الشيرازي.قال السمعاني[26]:وقال عبد العزيز النخشبي: أبو القاسم الحافظ الشيرازي كان

يحفظ الغرائب،حسن الفهم حسن المعرفة،غيرأنّه يَلْعَنُ يزيد بن معاوية،وعبد الملك بن مروان وبني أميّة كلّهم،وجرت بيني وبينه مناظرة في ذلك (اهـ).

  ويرى الذّهبيّ أنّ الله تعالى عجّل بهلاك يزيد لما فعله بأهل المدينة، وأمّا ما فعله بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يخطر ببال الذّهبيّ ولا يرى له أثراً؛قال في سيرأعلام النبلاء[27]:عقد له أبوه بولاية العهد من بعده فتسلّم المُلكَ عند موْت أبيه في رجب سنة ستين وله ثلاث وثلاثون سنة فكانت دولته أقلّ من أربع سنين

ولم يمهله الله على فعله بأهل المدينة لما خلعوه.

  


[1] كشف الظنون ج 1ص289

[2] تاريخ بغداد ج10 ص 387

[3] القصة أوردها الذّهبيّ في ترجمة يزيد بن أبي سُفْيان في سير أعلام النبلاء ج1ص329 .

 

[4] الطبقات الكبرى ـ محمّد بن سعد ـ ج 5ص 66

[5] السّنّة للخلاّل ج 3ص520 تحت رقم 844) ) و845) ) و 846) )   

[6] سير أعلام النبلاء الذّهبيّ ج 21 ص 161

[7] تظاهر بأنّه أبله

[8] معجم ما استعجم ج1ص586

[9] معجم البلدان ج2ص534

[10] قال ياقوت : في معجم البلدان ج 2 ص 533: دير مران : بضم أوله ، بلفظ تثنية المر ، والذي بالحجاز مران ، بالفتح ، قال الخالدي : هذا الدير بالقرب من دمشق على تل مشرف على مزارع الزعفران ورياض حسنة ، وبناؤه بالجص وأكثر فرشه بالبلاط الملون ، وهو دير كبير وفيه رهبان كثيرة ، وفي هيكله صورة عجيبة دقيقة المعاني ، والاشجار محيطة به ، وفيه قال أبو بكر الصنوبريّ: أمرّ بدير مرّان فأحيا......الأبيات.

 [11] الطبقات الكبرى (القسم المتمم) ج1ص104

[12] قتل هذا العدد الهائل من حفظة القرآن لا يكون من باب الصدفةو إنّما هو تخطيط دقيق من طرف بني أميّة.

[13] حديث " المدينة حرم " متفق عليه .

[14] تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر ـ ج8ص231

[15] أنساب الاشراف- البلاذري ـ  ص 56

    [16] تذكرة الحفاظ ـ الذّهبيّ ـ ج 1ص 25

[17]     البيان والتبيين ـالجاحظ ج1ص48

[18] إشارة إلى قوله تعالى " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا [ الإسراء 70 ].

[19] اجتماع الجيوش الإسْلاميّة  ـ ابن القيّم ـ ج1ص104  

[20] أقول :كما يفعل الشيطان الأخرس

[21] سير أعلام النبلاء ـ الذهبي ـ ج4ص40

[22] الإصابة ـ ابن حجر ـ ج4ص66

[23] الطبقات الكبرى - محمد بن سعد ج 5 ص 66

[24] الطبقات الكبرى - محمد بن سعد ـ ج 4ص 283

 

[25] تاريخ خليفة بن خياط- العصفري ص 193

[26] الأنساب ـ السمعاني ـ ج 3 ص 493

[27] سير أعلام النبلاء ج4ص36

.. قبل ..        .. الرئيسية ..         .. بعد ..