فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

حكمة الاعتزال
[ 10] [ قال رب اجعل لي ءآية قال ءآيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ]

عادة ما تكون الآية و جودية كناقة صالح ، و عصا موسى ، أما أن يعتزل الناس ولا يتكلم معهم فهذه آية غريبة ..

لقد فكرت بهذا الموضوع و وصلت الى هذه النتيجة و هي : أن السكوت و الصمت في بعض الأحوال يكون أبلغ أثرا من أي كتاب أو كلام لسببين :

1 / لأن هذا السكوت يجعل صاحب القضية غير عابىء بمايقول السفهاء عنه ، و صامدا أمام محاولات التشكيك من قبل الأعداء .

2 / ولأنه يجعل الناس يعودون الى أفكارهم ، و يتحملون مسؤوليتها ، فليس بالضرورة أن يتكلم الداعية و يهدي الناس بلسانه دائما ، بل يلزم عليه أحيانا أن يدعهم بدورهم يفكرون ، واذا فكروا فانهم كثيرا ما يصلون الى الحقيقة ، لذلك بعد الثلاثة أيام استغل زكريا(ع) الموقف ، و أخذ يتحدث مع الناس في مواضيع أخرى غير قضية ولادة يحيى (ع) وما يحيط بها من ملابسات كانت تستغرق منه وقتا طويلا لتبيينها للناس .

و هكذا فان العمل في سبيل الله يتطلب تجاوز الجدال في القضايا الشخصية الى معالجة القضايا العامة ، و نشر القيم الرسالية ، و يشير القرآن الكريم الى هذه الفكرة فيقول :

[ 11] [ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة و عشيا ]كانت الفترة التي اعتزل الناس فيها ، و اعتكف في المحراب يعبد الله ولا يتكلم مع أحد ، كافية لكي يفكر الناس ، و يتأملوا ، و بالتالي ينتبهوا الى موضوع طالما يغفل الانــسان عنــه في غمرة أحداث الحياة و شؤونها ، وهو قدرة الله التي تدبر الكون ، و تدبر أمور العباد ، و لذلك وجد زكريا (ع) الأرضية مهيأة لأن يدعوهم الى الإلتزام بحكم الله و شريعته ، و هذا هو معنى التسبيح العملي .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس