فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

و كان أمرا مقضيا
[ 16] [ و اذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ]

تلك كانت قصة يحيى و أبيه عليهما السلام ، و بعدها يبدأ ربنا سبحانه في سرد(1) المصدر / ص 327.


قصة مريم و ابنها عيسى عليهما السلام حيث جلست مريم في مكان شرقي ، في الغرفة التي بنيت في شرق بيت المقدس ، و لعل معنى " انتبذت " تنحت عنهم ، تواضعا لله ، و جلست مكانا لا يتردد عليه أحد ، كما ان اختيارها للجانب الشرقي ربما كان لأنه الأقرب الى الطهارة لشروق الشمس عليه .

[ 17] [ فاتخذت من دونهم حجابا ]

أي جعلت حجابا بينهم و بين نفسها لكي تتفرغ لعبادتها باخلاص دون أن يشغلها أحد ، ولعل الآية توحي بأن صلاة المرأة في المخدع أفضل من غيره ، و جاء في الحديث :

" مسجد المرأة بيتها "

[ فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ]

هنا إرتاعت مريم الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) فلأول مرة في حياتها ترى بشرا سويا يأتيها ، و لم تعرف لماذا أتى ؟ وما هو هدفه ؟ خصوصا وإنها قد احتجبت عنه ، و مجرد دخوله عليها من دون إذنها كان أمرا عجيبا .

و تمثل الروح هو ظهوره في هيئة معينة ، و الهيئة التي أرادها الله لروحه كانت على هيئة بشر سوي ، متكامل ، لعله لامتحان مريم الصديقة العذراء ، باعتبار ان البشر السوي أكثر إثارة لغرائز المرأة .

[ 18] [ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ]

كانت شجاعة ، و كانت مؤمنة ، و عرفت كيف تتعامل في الموقف الصعب ، فتوجهت الى ذلك الرجل قائلة : إني أعوذ بالرحمن منك لو كنت تقيا ، فحذرته من الله حتى يرتدع عما قد يريد من الفاحشة ، و الاستعاذة بالله دليل عمق الايمان ، إذ أن كثيرا من المؤمنين قد تذهلهم المفاجأة عن الركون الى ربهم في الموقف الصعب ، أما مريم فلقد استعاذت منه بالله الرحمن ، فهدفت أمرين :

تقوية ارادتــها ، و بعث الرعب في قلب الطرف الآخر ، ثم ذكرته بأن عمله مخالف للتقوى .

[ 19] [ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ][ 20] [ قالت انى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر و لم أك بغيا ]هنا نرى ان مريم لا تزال محتفظة بكل أعصابها أمام هذه المفاجأة و هي في سن مبكر فأخذت تحاور الملك ، و تقول : إني لست متزوجة ، كما أني لست باغية ، فكيف أرزق ولدا !

[ 21] [ قال كذلك قال ربك هو علي هين ]

لأن الله قال : بأن ذلك عمل هين بالنسبة اليه ، و هدفه من ذلك هو ان يكون هذا الوليد آية له على خلقه ، و يبدو أن الملك العظيم حملها مسؤولية بهذا القول ، إذ بين لنا أن عليها أن تتحمل صعوبة الحمل و الولادة ، و تهم الناس و ما أشبه من اجل هداية الناس ، لأن وليدها سوفي يصبح آية الله على الناس .

[ و لنجعله ءاية للناس و رحمة منا ]

بالاضافة الى ذلك فهو رحمة للناس ، علمه رحمة ، و رسالته رحمة ، و اعماله رحمة ، و لعل الملك العظيم هدا خاطرها بهذه الكلمة ؛ فإن آيات الله قد تكون من نوع آخر ، بينما و ليدها المنتظر سيكون رحمة للناس ولها أيضا .

[ وكان أمرا مقضيا ]

و انتهى جبرائيل الملك الذي تمثل لمريم في صورة بشر سوي من الاجابة على تساؤلات مريم ، و قال : إن ذلك أمر من الله ، أما كيف يحدث هذا ؟ و لماذا يحدث ؟ هذا أمر قد قضاه الله سبحانه و تعالى و قدره .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس