فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
من هو عيسى بن مريم
[ 30] [ قال إني عبد الله ءآتاني الكتاب و جعلني نبيا ]
ولد عيسى بن مريم ( عليه السلام ) و هو يحمل الصفات المثلى ، و بالتالي كان قــدوة لنا ، وانما نلقي على هذه الآية الضوء لكي نقتدي بما يمكن أن نقتدي به من ، صفاته ( عليه السلام ) ، فما هي تلك الصفات ؟ في البداية قال : اني عبد الله ليؤكد صفة العبودية في نفسه ، و بالتالي ينسف قاعدة عبادة البشر ، تلك القاعدة التي كانت من الممكن أن تترسخ في ذهنية بني اسرائيل بسبب الولادة المعجزة أولا و تكلمه في المهد ثانيا ، و معرفته بالكتاب صبيا ثالثا .
و قد يتساءل البعض كيف نقتدي بعيسى (عليه السلام ) في هذه الصفات و هل على الأم مثلا أن تبحث عن رسالة لابنها حتى يصبح نبيا ؟ الجواب : كلا .. ان ذلك ليس مهمة الأم ، و لكن على الأم أن تربي إبنها لكي يصبح مبلغا داعيا الى الله مثلما كانت امرأة عمران ، عندما نذرت ما في بطنها محررا ، فلماذا لا تفكر كل امرأة حامل منذ البدء أن تجعل ابنها محررا عاملا في سبيل الله ؟!
ان المرأة إذا فكرت منذ البدء أن يكون إبنها الذي لا يزال في رحمها عاملا في سبيل الله ، وداعيا الى الحق ، فان الله سبحانه و تعالى يبارك لها في هذا الولد .
قالوا لأم الشيخ الأنصاري ( و هو أحد كبار علمائنا الزاهدين ) : ان ابنك قد أصبح مرجعا دينيا كبيرا !! فلم تتعجب و قالت : لقد كنت أتوقع ذلك ، فقالوا لها : كيف ؟ فقالت : لأني لم أكن أرضعه إلا وأنا على وضوء ، حتى أنه في منتصف الليل عندما كان يستيقظ طالبا الحليب ، كنت أنهض من الفراش لأتوضأ ثم ألقمه ثديي .
ان هذه الأم كانــت منذ البداية تنشد لابنها ذلك المقام الأسمى فأعطاها الله ما طلبت بفضله .
رسالته ؟
[ 31] [ وجعلني مباركا أين ما كنت ]
لقــد كان عيــسى يشع بالخير ، و يتفجر المعروف من جوانبه كما العين المعطاء .
و هكذا يجب أن يربي الانسان أولاده على حب الخير ، و العمل للآخرين و ان يكونوا ابدا مركز الحب و ينبوع البركة ، اينما حلوا حلت معهم البركة .
و اننا نقرأ في التأريخ ان فاطمة الزهراء (ع) وقفت في محرابها ذات ليلة تصلي و تدعو حتى مطلع الفجر فدعت الله لكل الناس باستثناء نفسها واولادها ، و كان ابنها الحسين (ع) وهو صبي الىجنبها فقال لها :
" يا أماه دعوت لكل الناس ما عدانا ؟ قالت : نعم يابني .. الجار ثم الدار "انظروا الى تربية فاطمة الزهراء (ع) لابنها ، انها منذ البدء ربت ابناءها على حب الآخرين ، و فعل الخير الى الناس جميعا ، و هكذا كان عيسى (ع) مباركا أينما كان ، يفعل الخير ، و يدعو اليه .
[ و أوصاني بالصلاة و الزكاة مادمت حيا ]
و الصلاة و الزكاة هما أسمى ركيزتين بعد عبادة الله وحده و توحيده ، و قد استدل عيسى على صدق رسالته بهاتين الركيزتين ، حيث ان اقامة الصلاة و إيتاء الزكاة فريضتان معروفتان .
أخلاقه ؟
[ 32] [ و برا بوالدتي و لم يجعلني جبارا شقيا ]
الجــبار هــو الذي لا يرى لأحد حقا عليه ، بينما يفرض على الناس حقوقه ، أما الشقي فهو الذي يسبب لنفسه البلاء ، و الصفات الثلاث التي هي سلوك النبي عيسى ( عليه السلام ) تعود في الواقع الى جذر واحد ، وهو الخروج عن شح الذات الى افق الحق ، و العيش للناسو ليس للذات ، و جعل الحق و ليس النفس واهوائها محورا .
وإن في هذه الآية تأكيد على دور الأم و ضرورة البر بها ، و قد وصى انبياء الله جميعا بها خيرا ، و البر بها دليل الايمان و وسيلة الزلفى الى الله ، و قد أكد الاسلام على دورها ، و ضرورة البر بها ، فهذا النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) يسأله رجل :
" من أحق الناس علي ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : اباك " (1)و مرة جاءت أم سلمة الى رسول الله تشكو اليه حالة بنات جنسها و تقول : ان كل الفخر للرجال ، فيقول لها الرسول (ص) :
" بلى .. اذا حملت المرأة كانت بمنزلة الصائم ، القائم ، المجاهد بنفسه و ماله في سبيل الله ، فاذا وضعت كان ما من الاجر مالا يدري احد ما هو لعظمه ، فاذا(1) وسائل الشيعة / ج15 / ص 270
ارضعت كان لها بكل مصة تعدل محرر من ولد اسماعيل ، فاذا فرغت من رضاعة ضرب ملك كريم على جنبها وقال : أستأنفي العمل فقد غفر لك " (1)[ 33] [ والسلام علي يوم ولدت و يوم اموت و يوم ابعث حيا ]فحقيقة السعادة أو الشقاء تتجسد منذ لحظة الولادة .
وإنه بعدما وضح عيسى ( عليه السلام ) أهداف ومحتوى رسالته المبدئية ، اراد ان يكمل هذه الاهداف بتوضيح الاطار الاجتماعي لرسالته ، بأنه لم يرسل جبارا ، فيعثي في الأرض فسادا ، بل أرسل رحمة الى الناس و سلاما ، يحمل السلام اليهم منذ لحظة ولادته ، الى لحظةبعثه للحياة مرة اخرى .
و كلمة اخيرة : ان هذا الدرس يلخص قيم الرسالة فيما يرتبط بدور الأم ، و كيفية تربيتها لوليدها .
وان وراء كل قصة في القرآن قيمة حضارية .
(1) جامع السعادات / ج 2 / ص 261.