فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

بينات من الآيات
كن فيكون

[ 34] [ ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ]

أي إن هذه القصة التي نقلها القرآن الحكيم عن عيسى كانت قول الحق الذي لا ريب فيه ، أما الناس فانهم يمترون و يجادلون فيه لعدم معرفتهم بالله و بالبعث ، و يوضح القرآن ذلك فيما يلي من الآيات :

[ 35] [ ما كان لله ان يتخذ من ولد سبحانه ]

إن من صفات الألوهية صفة القدرة و الهيمنة و الخلق ، فكيف يتخذ الخالق من مخلوقيه ولدا له ؟!

الولد واحد من إثنين : أما ان يكون ولدا بالتبني أو بالولادة ، فالولد بالتبني إنما يكشف عن حاجة الأب الى ذلك الولد ، والله سبحانه أسمى من أن يتخذ ولدا بالتبني لأنه قادر لا يحتاج إلى شيء .

أما لو افترضنا أن الولد بالولادة فهناك نظرية فلسفية معقدة تقول بأن الكون قد خرج من الله كما تخرج أشعة الشمس من القرص ، و كما تخرج الأوهام من القلب ، و كما يصدر الماء الرافد من النبع - فسبحان الله ! - إن هذا إلا قول جاهلي بعيد عن صفة الألوهية و الربوبية و تناقض في ذات الوقت ، إن طريقة خلقه سبحانه للأشياء هي مجــرد الارادة و المشيئة ، فقد خلق الله المشيئة ثم خلق الأشياء بالمشيئة .. يقول : " كن فيكون " و ليس لفظة ( كن ) تعني التلفظ بها ، و إنما هي مجرد الارادة . وليس خلقه للأشياء عن طريق الممارسة و المعالجة ، حتى يخرج شيء من شيء فيسمى بالولادة وإنما عن طريق الآمر و الابداع ، إذن فنسبة الأولاد إلى الله خطأ ، وإذا صحت هذه الفكرة فلابد أن تصح في الكون كله فنقول بأن السماوات والأرضين وما فيهمــا أولاد لله ، لأنها كلها خرجت من الله - سبحانه - حسب هذا القول الجاهلي ، وهذا قول متناقض في ذاته فكيف يكون المخلوق خالقا ؟!

حينما يلد شيء من شيء فلابد أن يكون الوليد من جنس الوالد و مما لا جدال فيه أن الإبن فيه كل الصفات الموجودة في والده ، و ليس في مجال البشرية فقط وإنما كل شيء ، فأشعة الشمس صفاتها نفس صفات الشمس ، و الماء الذي يخرج من النبع صفاته نفس صفات النبع .. وهكذا فلابد أن تكون الأشياء المخلوقة في الكون تحمل صفات الخالق .. ( صفة الحياة .. الخلود .. الثبات و عدم التغير ) و هذه الصفات غير موجودة في الخلق و إنما هي صفات منحصرة في الخالق فقط . ولو افترضنا وجودها في المخلوق إذا لما كانت هنالك حاجة الى الخالق !


و أساسا فان هذه الفكرة متناقضة يرفضها العقل ، و الله سبحانه ينسف هاتين الفكرتين معا في آية واحدة حينما يقول :

" ما كان الله أن يتخذ من ولد سبحانه "

و لماذا يتخذ الله ولدا ؟ إن ذلك ليس من صفات الألوهية ، فالله سبحانه غني عن كل شيء ، و غير محتاج الى شيء ، فما حاجته الى أن يتخذ من بين مخلوقاته ولدا ؟!

ومن جهة ثانية ان خروج الولد من الله لابد أن يكون عن طريق التناسل أو الانقسام وهذا غير وارد لأن الله سبحانه غير مركب من أجزاء وإلا أفتقد صفة الكمال المطلق التي تشهد له بها كل ذرة من ذرات هذا الكون .

[ إذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون ]

إن الله خلق الكون بهذه الطريقة أنه يقضي أمرا فيقول له : كن فيكون ، و ليست خلقته بصدور شيء عنه أو ولادته منه سبحانه . (1)[ 36] أما رسالة عيسى فلم تكن رسالة تدعو الناس الى عبادته ، وإنما تدعوهم الى عبادة الله وحده ، و كيف يدعو الاله الى عبادة غيره لو كان عيسى إلها - حاشا لله - ؟!


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس